أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نعيمة رجب - حين لا يبقى شيئ سوى الإنسان














المزيد.....


حين لا يبقى شيئ سوى الإنسان


نعيمة رجب

الحوار المتمدن-العدد: 3870 - 2012 / 10 / 4 - 22:33
المحور: حقوق الانسان
    


حين لا يبقى شيئ سوى الإنسان
قبلها كانت مقّفرة وموحشة وحزينة، وبعدها صارت عامرة ومؤنسة وضاحكة. فقد دشّنت هاجر مكة سيدةً للأوطان، وافتتحت في أرضٍ باركها الله عهدًا للعمران. ليكتب هنا سؤال على جبين الزمان: من يصنع الحضارة؟! هل المكان أم الإنسان؟! هل الموارد أم المآثر؟! هل الظرف أم القرار؟!.
ما ميّز الله أم القرى يومًا بوفرة في مواردها، ولكنه حباها وفرة في إنسانها، في كيان امرأة سعت بين وديانها، وذاتٍ فيها بلغت علاها لمّا واجهت ظرفها القاسي بقرار، أن تبقى وتعارك روح اليأس داخلها، وتعانق أمل البقاء كطوق نجاة. لتنتصر بعدها هاجر رغم فقر المكان وجدب الأرض بروحٍ خصبةٍ حملتها. ليجيب الخلاّق عبرها سؤال الزمان، وفي ذكراها الجليلة في كل عام: أن الحضارة يا بني الإنسان ليست بالموارد بل هي بالمآثر، ولا هي بالمكان بل هي بالإنسان، ولا هي بالظرف بل هي بالقرار.
وهنا ندرك مأساة الإنسان، حين تناسى أن الغنى والوفرة وسهولة العيش –رغم أهمية هذه العوامل-، لا تشكل شروط حضارة ولا ضمانة بقاء واستقرار وسعادة. بل هو الإستثمار في الإنسان أولاً وفي ذاته الخلاّقة المتماسكة، وفي تثبيت دعائم قيمه وأصالته كإنسان وقبل أي شيءٍ آخر. ومن ثم يأتي محيطه المادي ووفرة أسباب عيشه ورغده ورفاهيته.
ولكم رأينا ساحات للعيش غنّاء، بظروف معيشية أقل ما يقال عنها أنها مرفهة ورغيدة، حتى عنونها الإنسان أنها هي الحضارة والعمران والمدنية والبنيان، ولكن كم هو سهل رأينا تداعيها، وكم هو يسير شهدنا تلاشيها، لأنها انشغلت بعمارة البنيان عن عمارة الإنسان فضيّعت قيمه ومآثره، وتنازلت عن رشاده واتزانه. فاندثرت حضارات على ضوء هذا، لأن الوفرة والرغد دون قيم ورشاد حتمًا ستنقاد نحو الطغيان بشتى تجلياته، ومن الطغيان يبدأ الانهيار والاندثار وتلاشي حتى الآثار.
لنعود أخيرًا هنا إلى الحقيقة الأزلية، وحين لا يبقى شيئ سوى الإنسان. لنكتشف كيف لأنفس لم تصاغ على التماسك والصبر، وكيف لأرواح لم تتربَ على البناء والتعمير حتى من دون مورد أو معين، ولذوات لم تتعلّم أن لا تفقد إنسانيتها واتزانها وإيمانها بالحياة والجمال مهما قسى الظرف وتعنّت الزمان. كيف لهذا الإنسان أن يشيّد حضارة ويضمن استمرارها!!، كيف لذاته أن تكون طوق نجاة لنفسه فضلاً عن غيره ولمسيرة الحياة من حوله!!....
وهنا.. ووسط هذا التيه.
تبرز هاجر من عمق الزمان كقبس يبدد الظلمة، ونموذج إنساني أصيل وفريد رسّخه العليم ليبقى في الذاكرة البشرية، معلنًا بأنك يا إنسان لا بد أن تحوي ذاتك بذور بقائها واستمرارها، وأن يملك كيانك إرادة وقوة وتماسك وتحمل أقسى ظرف وأشقى حال، ولأن تستثمر في قيمك بقدر استثمارك في رغدك ورفاهيتك. فإن ما سيتبقى أخيرًا إن ضاع كل شيئ –لأيّ سببٍ كان- هو ذاتك المتماسكة المملوءة بالأمل والرغبة في الحياة والاستمرار، وكذلك قيمك وإنسانيتك التي تضمن لك أن لا تصبح وحشًا يدمّر كل شيئ إذا جاع أو توجّس خطرًا.
كلمة أخيرة..
كل أرض ووطن.. وكل مكان وعمران.. وكل إنسان وجماعة. هو عرضة للفقر والجدب وخطر الكوارث والمآسي وأي ظرف عصيب آخر قد يزلزل كيان الإنسان، ومهما اعتقدت البشرية أن هذا هو بعيد، إلاّ أن التاريخ وتجربة الزمان الطويلة، تشير أن لا بعيد عن هذا الذي يخشاه الإنسان. فهل سيتحقق هنا نموذج هاجر في إرادة بقائها واستمرارها مع حفاظها على تماسكها واتزانها. أم ستتحول الإنسانية إلى شيئٍ آخر، وللأسف قد رأينا فداحة ما يمكن حدوثه إذا تناسى الإنسان لوهلة هنا أنه إنسان!، فلنتخذ خيارنا اليوم ولنجعل من هاجر مدرسة نرتادها ونتعلم منها في هذ الشأن، قبل أن يأتي يوم نفقد فيه القدرة على الإختيار الاختيار !!.



#نعيمة_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلام وجناحي التنمية والمعرفة
- الفرار من الشرنقة
- يا أنتِ.. أيقظي الإبداع
- العيد.. فرحة ومشاركة
- تعال معي يدك بيدي
- أقوى من المستحيل
- حياة واحدة تكفي
- الصحة المعنوية مطلب مغفول
- الأسرة أسوار وأسرار
- عيد العمال
- أمّنا الأرض


المزيد.....




- إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و ...
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال ...
- مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
- تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت ...
- أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر ...
- السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
- الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم ...
- المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي ...
- عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نعيمة رجب - حين لا يبقى شيئ سوى الإنسان