فادي كمال الصباح
الحوار المتمدن-العدد: 3870 - 2012 / 10 / 4 - 06:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ساهم إنتشار إستخدام الانترنت و ظهور مواقع التواصل الاجتماعي بكسر حاجز تداول المعلومات و خلق مساحة عامة لنشر الأفكار النقدية بكل حرية دون أطر معينة , جاءت هذه السهولة و الحرية بنشر المعلومة في الكثير من الأحيان على حساب الموضوعية التي ينبغي الالتزام بها من قبل كل باحث علمي لنقل واقع المعلومة كما هي ,دون تحيز او نظرة ضيقة بتجرد من الميول و العواطف و الاحكام المسبقة.
من الظواهر الايجابية التي ساهم الانترنت بتنشيطها هي ظاهرة انتشار النقد الديني و بشكل خاص نقد الفكر الاسلامي ,و ما يؤخذ عليه في هذا الخصوص اللاموضوعية في الكثير من جوانبه عبر إعتماد مصادر إسلامية ثانوية ككتب الأحاديث و كتب التاريخ بشكل رئيسي في الابحاث النقدية, والتعامل مع المعلومات المستخرجة منها كمعلومات مقطوع بصحة صدورها و وقائع جزم بحدوثها كما جرى نقلها, فمن المعروف بأن تدوين الحديث و التاريخ إسلامياً لم يبدأ إلا ببداية القرن الهجري الثاني ,أي أن هنالك فاصل زمني يقدر بحوالي مئة سنة بين ما جرى على عهد النبي محمد و ما جرى تدوينه, فهذه الفاصلة الزمنية التي تمتد لأجيال حيث تناقلت فيها الاحاديث والقصص شفهياً جيل عن جيل ,قادرة على إحداث تغييرات وتبدلات في مختلف تفاصيل ما نقل عدا عن اختلاق أمور جديدة.
القليل من الباحثين يلتفت الى أن القصص التاريخية التي في الكثير منها تعتبر مادة دسمة لنقد و التهجم على الاسلام قد دونت لأول مرة عبر المؤرخ من أصل يهودي إبن إسحاق(85-ـ151هـ),من خلال تجميعه للقصص المتداولة شفهياً على مدار أكثر من مئة عام, فقد استند الى ابن اسحاق كتاب السيرة الذين أتوا بعده مثل ابن هشام والطبري بالرغم من تحفظهم على بعض الروايات.و كان يؤخذ على إبن إسحاق تجميعه القصص دون تمحيص والنقل عن أحبار اليهود.
و الجدير ذكره أن المسلمون في القرون الأولى كانوا يعتمدون كثيراً على الأحبار اليهود و علماء الأديان الأخرى في نقل و فهم مختلف المعارف المرتبطة بدينهم و بغيره , يقول إبن خلدون في مقدمته:
" و قد جمع المتقدمون في ذلك و أوعوا، إلا أن كتبهم و منقولاتهم تشتمل على الغث و السمين و المقبول و المردود. و السبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب و لا علم و إنما غلبت عليهم البداوة و الأمية. و إذا تشوقوا إلى معرفة شيء .. فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم و يستفيدونه منهم و هم أهل التوراة من اليهود و من تبع دينهم من النصارى. و أهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم و لا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب و معظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية. فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية..و هؤلاء مثل كعب الأحبار و وهب بن منبه و عبد الله بن سلام و أمثالهم. فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم و ليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل. و تساهل المفسرون في مثل ذلك و ملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات.. إلا أنهم بعد صيتهم و عظمت أقدارهم. لما كانوا عليه من المقامات في الدين و الملة، فتلقيت بالقبول من يومئذ"(1).
و يمكن ملاحظة مدى انبهار المسلمين حينه بعلم الأحبار اليهود عبر إطلاق لقب "حبر الأمة" على عبد الله بن عباس.
لذا لا يمكن نقد الاسلام وسلوكيات وأفكار نبيه بشكل موضوعي إلا من خلال ما ورد في القرآن بشكل رئيسي, الذي يمكن إعتباره المصدر الاسلامي الوحيد الذي يعود الى زمن النبي محمد بشكل موثوق بدرجة كبيرة ,أما المصادر الأخرى لا يمكن التعامل معها إلا من باب الترجيح والظن دون الجزم, وقد ذكر المفكر العراقي معروف الرصافي في كتابه الشخصية المحمدية بأن التراث الاسلامي لا يعكس سوى جزء يسير من الحقائق, فالتركيز على قصص من قبيل قتل سبي بني قريظة , زواجه من عائشة بعمر ستة سنوات, قتل أم قرفة ,..لا يمكن طرحها كحوادث حصلت بالفعل او بنفس التفاصيل بالاستناد الى مصادر مشكوك فيها و بحيادتها تنقلها عن أفراد لم يعايشوا حوادثها أو يكونوا شهوداً عليها, و هنالك أيضاً الكثير من الامثلة التي تستخدم في نقد الاسلام هي واقعاً لا علاقة لنبيه فيها, كتشريعه قتل المرتد و رجم الزاني أو أسطورة البراق والدجال وغيرها, منها تتطرق لها القرآن بشكل مختلف جذرياً عما هو شائع بين المسلمين و منها لم يأتي على ذكرها إطلاقاً, بل هي نتاج تطور الفكر الديني على يد أتباعه بشكل أوسع من نطاق الذي رسمه المؤسس ,كما يرى عبد الكريم سروش:
"إنّ التجارب الخارجية والاجتماعية بدورها تمنح الدين عمقاً وتكاملاً وشمولية. فالمسلمون من خلال فتوحاتهم وتعرفهم على الثقافات الجديد ساهموا في بسط واتساع الجدل والكلام والأخلاق، وفي الحقيقة ساهموا في توسعة الدين الإسلامي وأخرجوه من دائرة الإجمال إلى دائرة التفصيل، ولذلك يمكن القول بأنّه مادام باب هذه التجارب مفتوحة وجارية فإنّ الدين يستمر في التكامل والاتساع"(2).
كما ان التعامل مع النص القرآني ايضاً تعرض للاموضوعية من الناقدين للإسلام والمسلمين على حد سواء , هو إجتزاء الآية القرآنية من سياقها و البناء عليها لمفهوم ما, مثال على ذلك آية قرآنية كثيراً ما تتخذ كدليل على العنف في الإسلام:
"وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191- البقرة)".
لكن في حال أخذنا سياق الاية كاملاً سيختلف فهمنا لها و مفهومنا المستخرج منها, كما يلي : "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)", فتصبح الآية متعلقة بحالة دفاعية و ترفض الاعتداء, و لا يعني إيراد هذا النموذج محاولة نفي وجود آيات تدعو للعنف أو الإكراه بل كنموذج عن سلبية الاجتزاء.
توجد نقاط أخرى تساهم في لاموضوعية النقد للإسلام, كالتركيز على الجانب السلبي دون ذكر الجانب الايجابي ,الذي تتضمنه مصادر التراث , فمقابل القصص والأحاديث عن القتل والسبي والاغتيال هنالك قصص تدعو للرفق بالأسرى و توصيات بعدم قتل الأطفال و العجز أو إرهاب النساء وقلع الأشجار واللافت أنه كثيراً ما يجتمع هذا التناقض في المصدر الواحد من مصادر التراث.
النقد الموضوعي للإسلام يكشف لنا مقدار تطوره الفكري بالاتجاه السلبي منذ نشؤه الى عصرنا الحالي و مقدار الأحمال التي أسقطت عليه دون أن يكون أصلاً بوارد أن يحملها, ويظهر لنا صورة أقل دموية و سلبية مما يتم التركيز عليه حالياً.
الهوامش:
-1 ابن خلدون ، المقدمة : 439 .
2-عبد الكريم سروش , بسط التجربة النبوية ,ص31
تشرفنا صداقتكم:
رابط حسابي الشخصي على الفيسبوك:https://www.facebook.com/wissam.kabalan
#فادي_كمال_الصباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟