|
كلمة حق وحكاية في وداع رجل الثقافة موفق خوري*
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 3868 - 2012 / 10 / 2 - 21:19
المحور:
سيرة ذاتية
كلمة حق اربعون يوما مضت على رحيل موفق رفيق خوري، مع كل يوم يمضي ازداد قناعة اننا خذلناك يا أبو رفيق. احببناك واحطنا بك بمئاتنا ، صفقنا لك يوم كنت تعطي بلا حساب ولا ترد احد خائبا. كان مكتبك يعج بكل حملة الأقلام ، ولم تميز بين زيد وقيس. التقيت مع الجميع، وعدت الجميع، ونفذت وعودك بدون تمييز ، رغم قناعتك الذاتية ان البعض لا يستحق خدمات مكتبك لكونهم يفنقدون للمضامين وللمستوى الثقافي الابداعي البسيط، لكنك بانسانيتك كنت تصر ان تفتح أمامهم كل الأبواب الموصدة ووجهة نظرك تقول اذا لم يساعد احتضانهم في كشف مواهبهم فلن يضر، ما ينفع الناس يبقى في الأرض . الكثيرون استفادوا حقا من رحابة صدرك وعطاؤك ، فاصبح بعضهم شعراء ولا شعر عندهم، وقصصين ولا نثر بسيط عندهم، وبنفس الوقت هناك من استفاد حقا وتطور ابداعه، وهذا يبرر وجهة نظرك، ان تكسب ثقافتنا مبدعا او أكثر من بين مائة يتخبطون ، وهو حقا مكسب لا يستهان به. مع ذلك، اؤلئك الذين جعلت منهم ادباء لهم مكانتهم ،او مؤسسات ساهمت في انطلاقتها الفنية والثقافية، اختفوا يوم صرت هدفا يتطاول عليه كل من رأى بك حائطا لا يمكنهم القفز فوقه والتلاعب بمنجزاتك التي أحدثت نقلة نوعية غير مسبوقة باتساعها وعمق مضامينها الثقافية والفنية في حياة المجتمع العربي في اسرائيل. كنت اتوقع ان ارى الأقلام التي احتضنت اصحابها والمؤسسات التي صلب عودها بفضل غيرتك وملاحقتك ودعمك يقولون كلمة حق في الوقت المناسب،يطلقون صرخة "كفى" ضد حملة التشهير التي تجاهلت منجزاتك ورأت بك حاجزا يعيق مصالحها وكأن قضايا المجتمع العربي في اسرائيل ، وما يعانيه من واقع تمييزي ومصاعب مختلفة، لا يكون حلها الا باسقاط موفق خوري. بحكم الصداقة والثقة الكبيرة بيننا عرفت الكثير من التفاصيل، التي لو قمت بكشفها لأحدثت زلزالا اجتماعيا ثقافيا وقضائيا بقوة عشر درجات على سلم ريختر. لكنك بطيبتك، وبرؤيتك ان الأهم صيانة ما انجز من تطور ثقافي وفني، لم تكشف ما لديك. كان تصرفك عقلانيا لأشخاص لا يتصرفون بعقلانية. كنت ترى الهدف الأسمى فيما غرسته من حراك ثقافي وفني، لذلك لم تلتفت للزعيق والصراخ ، المؤسف ان العديدين من الذين حضنتهم وقفوا متفرجين، وربما يعدون انفسهم لكسب رضى من يبدلك غير قادرين على فهم أمر اساسي ان ما قام به ابو رفيق هو ميزة خاصة وفهم مميز له، تجاوز فيه الإطار الضيق الذي كان من المفترض، وزاريا أيضا، ان تعيش فيه دائرة الثقافة العربية ، مجرد مكتب صغير ، ربما صيغة دعائية لفرضيات المساواة. ولكن ابو رفيق باصراره حوَّل الدائرة الى جسم حي نشيط ومستقل في نشاطه وقراراته. وهذا لم يعجب البعض... أقول بحزن كبير ، لا ارى دائرة الثقافة العربية ، تحت أي صيغة ادارية جديدة قادرة على تقديم ما قدمته انت بدون تردد وبدون قيود. فقدانك ايها الصديق والأخ والانسان، هي خسارة قاسية لنا جميعا، وخسارة لأبناء مجتمعك ، خسارة لثقافتنا، وخسارة لا تعوض لعائلتك الكريمة. لكن ما يطمئن ان القيم التي زرعتها ستظل راسخة في قلوبنا نموذجا للعطاء وانكار الذات لا تعرف مثيلا شبيها لها في واقعنا. اصحاب القلوب الكبيرة مثلك لا يموتون، بل ينزرعون بقلوب الناس ذكرى طيبة ومثالا يحتذى به. نم قرير العين ، من اورث عائلته وابناء شعبه هذا الارث الانساني والثقافي والأخلاقي سيبقى حيا في ذاكرتهم أكثر من بعض الأحياء!! حكاية عن موفق خوري الانسان بدأ موفق خوري يدرس لنيل شهادة الدكتوراة في جامعة "ليبيتسك" في روسيا في . وتبعد المدينة عن موسكو ما يقارب 6 ساعات سفر حدود العام 2005، بالقطار. لطالب دراسات عليا بدون لغة روسية (يقدم دراسته بلغته العربية وتترجم للروسية) هناك اشكاليات عديدة في الوصول والاقامة واللغة. لحسن حظ موفق خوري ان ابني واسمه توفيق، كان يدرس في نفس الجامعة. قمت بالتنسيق بينهما لتسهيل شؤون الدراسة والإقامة والطعام في مدينة ليبيتسك ، وهي مدينة كبيرة يسكنها مليون ونصف المليون شخص على الأقل. كان ابني يسافر الى موسكو ليستقبله ومع انتهاء البرنامج الدراسي يعيده الى موسكو – الى المطار الدولي. هكذا نشات علاقات صداقة بين توفيق الطالب في ليبيتسك والطالب الجديد موفق خوري القادم من اسرائيل . وقد ساعده على استئجار شقة صغيرة ، تكلفتها الشهرية اقل كثيرا من تكلفة الاقامة في فندق ليوم واحد او يومين. كان من المتوقع ان يناقش موفق خوري اطروحة الدكتوراة قبل سنتين، ولكن ترجمة الأطروحة من العربية للروسية كانت سيئة جدا، اذ قام مكتب المترجم بالاستعانة بالترجمة الغبية من غوغل. الأمر الذي افقد ابو رفيق وقتا ثمينا جدا ، فعاد ليدفع الاطروحة لترجمة مهنية. خلال هذه الفترة بدأت حملة التشهير المؤلمة ، والادعاءات المختلفة ضده، الأمر الذي افقده وقتا ثمينا ، وافقده حماسته لمناقشة الأطروحة، فأجل مشروعه. وعلمت انه كان من المتوقع ان يسافر في وقت قريب (ربما في مثل هذه الأيام لو لم يعاجله الموت) لمتابعة نقاشه للأطروحة. عام 2007 في شهر ايلول ، وكان موفق خوري قد عاد في نهاية آب كما أذكر من روسيا، وعاد ابني توفيق في اوائل ايلول، اتصل معي موفق خوري وقال انه "يجب" ان يلتقي معنا ويفضل في بيتنا بحضور زوجتي ايضا وأن يكون توفيق حاضرا. حاولت الإستفسار من توفيق عن السبب، اذا ربطت فورا ان الموضوع يتعلق بتوفيق، وهذه كلمة "يجب " تقول ان الموضوع ليس موضوعا عاديا. زيارت موفق لبيتنا لا تحتاج الى "يجب". لم نحصل على اجوبة . في مساء اليوم المتفق عليه، حضر ابو رفيق تسبقه ابتسامته الدائمة، وعند جلوسنا بالصالون تفاجأنا ان طائرا غريبا وجميلا بالوانه أخضر وأصفر وطربوش أحمر على رأسه، سبقنا الى الصالون ، متسللا من النافذة الواسعة للصالون كما يبدو، ويحلق في فضاء الصالون ، ضحك ابو رفيق بعمق وقال انه بشارة خير للخبر الذي يحمله لنا، اليس كذلك يا توفيق؟ توفيق ابتسم بصعوبة وارتباك زادتني حيرة لدافع الزيارة. بعد الترحيب قال ابو رفيق ان زيارته لها هدف واحد انه سعيد بالتعرف على توفيق الذي يساعده ويذلل له الصعوبات في روسيا، وانه خلال اقامته في روسيا تعرف على فتاة رائعة هي صديقة توفيق، وزار اهلها في القرية برفقتها ورفقة توفيق. كل هذا الكلام لا جديد فيه، تلك هي حياة الطلاب، وبالطبع لا يمكن ان يكون هدف الزيارة لشكر توفيق على ما قدمه من مساعدة هي واجب قبل كل شيء . بعد صمت قصير اضاف انه يحمل خبرا رائعا لنا، ولكنه لا يعرف وقعه علينا، وبحكم محبته لنا وصداقتنا الطويلة، لا يستطع ان يبقي ما يعرفه منذ أكثر من سنة سرا. لم يكن لي ولزوجتي ما نقول، كنا نشاهد ما يشبه المسرحية. ابو رفيق يتحدث بسرور وتوفيق صامت يتلوى في مقعده. أخرج موفق صورة من جيب قميصه، وقال انظروا الى هذا الملاك. كانت صورة لطفل جميل، مع توفيق وصديقته وبجانبهما موفق خوري. وقال قبل ان نبدأ بالتخمين: "انه حفيدكما، عمرة سنة ونصف تقريبا". ليس من السهل وصف مشاعر الجدين ، انا وزوجتي. انا شعرت بحنين كبير لألتقي مع الصغير وأضمه ، زوجتي بكت من المفاجأة، وقالت لأبنها لماذا لم تخبرنا في الوقت المناسب؟ كان تفكيرها الذي عرفته فيما بعد ان ابنها حرمها من واجب تحضير ما يحاجه ولادة حفيد لنا، وما عرفته اشعرها بحزن شديد لأنها لم تقدم لحفيدها احتياجاته بعد الولادة. وانا لمته على اخفاء الخبر عنا رغم ملاحظتي ان طلباته المالية ازدادت ، بل تضاعفت منذ ولادة الحفيد. تزوج توفيق من صديقته وعندهما اليوم ابن آخر، ويعيشان بتفاهم وحب، حفيدنا الأول عمره اليوم ست سنوات ، اسمه جوزيف، طالب في الصف الأول في مدرسة التيراسانطة في الناصرة ، يتحدث الروسية بطلاقة ويتحدث العربية بشكل جيد، وستعمل كل المفردات التي يعرفها للتعبير عن رايه، ويعرف الشتائم العربية أفضل من أي طفل عربي. وأكلته المفضلة الملوخية والأرز. *- موفق خوري (ابو رفيق) مدير دائرة الثقافة العربية ونائب مدير عام وزارة الثقافة، قدم للنشاط الثقافي والفني العربي داخل اسرائيل دعما هائلا متجاوزا كل الحدود والتوقعات، بدون شروط ، بدون تمييز، وبفضله توجد اليوم عشرات المؤسسات الثقافية النشيطة في مجالات الثقافة والفنون بكل اطيافها.ويكفي ان أذكر انه صدرت في فترة ادراته للدائرة (20 سنة) مئات العناوين، كتب لأدباء عرب من اسرائيل، غير الكميات الكبيرة التي اشترتها الدائرة من اصدارات خاصة واصدارات دور نشر محليه أخرى، وقد واجه صراعا ليس سهلا داخل الوزارة،في محاولة من وزراء لتقييده في نشاطه والحد منه. وكان رئيس بلدية الناصرة وعضو الكنيست السابق، الشاعر توفيق زياد قد قال في احدى المناسبات: " ليته لدينا عشرة أشخاص مثل موفق خوري" [email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الندوات الثقافية .. عن تفككنا الثقافي
-
مجمع اللغة العربية في اسرائيل بين الضرورة والسياسة
-
المغامرة ضد ايران: لانقاذ نتنياهو من السقوط السياسي!!
-
ما يشغل العرب في اسرائيل..؟!
-
-الرحلة الرابعة-- من ابداعات الناقد الراحل د. حبيب بولس
-
موفق خوري وقصصه للأطفال
-
الإنعزالية القومية والشعاراتية المتطرفة هي التي همشت أحزابنا
-
موفق خوري يرحل ويبقي لنا ثروة ثقافية وفنية لا تموت
-
العربي يجب ان يموت !!
-
السيد الرئيس..!!
-
مشروع الوطن القومي لليهود لم ينته بعد
-
لا واجبات متساوية بدون حقوق متساوية
-
وثيقة حقوق الطفل الدولية لا تخص الأولاد الفلسطينيين
-
أبرتهايد ضد زيتون فلسطين
-
صدور الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الفلسطيني الراحل سميح صب
...
-
مراجعة كتاب للأديب الراحل حبيب بولس
-
وداعا اديبنا واستاذنا الناقد د. حبيب بولس
-
-خطى- لبنى دانيال في الطريق الصحيح
-
جابر عُد للبيت
-
قليلات العقل وكاملو العقل..
المزيد.....
-
هدنة بين السنة والشيعة في باكستان بعد أعمال عنف أودت بحياة أ
...
-
المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا عل
...
-
-تأثيره كارثي-.. ماهو مخدر المشروم المضبوط في مصر؟
-
صواريخ باليستية وقنابل أميركية.. إعلان روسي عن مواجهات عسكري
...
-
تفاؤل مشوب بالحذر بشأن -اتفاق ثلاثي المراحل- محتمل بين إسرائ
...
-
بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في ل
...
-
برلماني أوكراني يكشف كيف تخفي الولايات المتحدة مشاركتها في ا
...
-
سياسي فرنسي يدعو إلى الاحتجاج على احتمال إرسال قوات أوروبية
...
-
-تدمير ميركافا وإيقاع قتلى وجرحى-.. -حزب الله- ينفذ 8 عمليات
...
-
شولتس يعد بمواصلة دعم أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|