نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1125 - 2005 / 3 / 2 - 11:13
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لاشك أن التحولات الكبرى التي يشهدها العالم الآن وأجواء الانفتاح والعولمة والاستحقاقات الضاغطة على أكثر من صعيد, ودرجة الغليان والاحتقان التي يعيشها الشارع من جراء الاخفاق التام ,والانهيارات الكبرى التي حصلت سياسيا, واقتصاديا,واجتماعيا, وعسكريا, وحضاريا,ستترك أثرا بالغا على الواقع السياسي ,وتدفع باتجاه إحداث نقلات نوعية على صعيد أساليب الحكم وطرق إدارة شؤون البلاد ولو بشكل ظاهري في كثير من الأحيان .ولقد كانت الأحداث الكبرى دائما تصنع هذه الارتدادات ,ورأينا كيف بدأت سيمفونية الإصلاح بالعزف بعد سقوط بغداد ,والتي لم يعد أحد يسمع صوتها,وبكل أسف, هذه الأيام . وهذا ,كما هو مأمول, يخفض إلى حد ما, من درجة الغضب والهيجان التي تجتاح الشارع, وفي أكثر من مكان. ومن هنا تأتي الدعوة التي أطلقها مسؤول عربي بارز لاجراء انتخابات رئاسية بالاقتراع السري المباشر ,والسماح بوجود أكثر من مرشح واحد ,وذلك للفترة الانتخابية المقبلة الدانية القطوف قريبا.وقد فاجأ هذا القرار الأوساط السياسية جميعا ,وقابلته بدهشة واضحة,واستدعى تصفيقا حارا في "البرلمان",كونه يشكل سابقة غريبة في طريقة تعامل مؤسسة الرئاسة العربية مع هذا الموضوع الخطير والهام .وعدم قبولها بتقديم أية تنازلات في هذا المجال لصالح التغيير ,والتداول السلمي ,والعصري الديموقراطي للسلطات .وللعلم فإن نفس المؤسسة المعنية رفضت تعيين نائب للرئيس في مكابرة وصلف سلطوي واضح,ومنذ مايقارب الربع قرن ,وهذا كان إحدى دواعي التصفيق الحاد الذي حصل تحت قبة المحفل الديمقراطي.
وعلى العموم ,هي خطوة جديدة,وغريبة بعض الشيء,وفي اتجاه لم يألفه الشارع السياسي العربي من قبل ,كما لم تجر انتخابات بهذا التصور ,وهذا الشكل من قبل.وفي نفس الوقت , يمكن السؤال هل الخطوة مضمونة الجانب من قبل من فكر بالترويج لها,ولا شك بأنها أخذت الكثير من الجدل والمناقشة قبل إعلانها على الملأ ؟فكما هو معلوم فمن المستحيل ,ومن تقاليد هذه الأنظمة,أن تسلم بالهزيمة ,وتلقي السلاح ,أو تعترف بوجود منافس لها في عالم السلطات ,وحكم العباد.والجواب على السؤال السابق ,وعذرا للاستطراد حيث تزدحم الأفكار, نعم الخطوة مضمونة الجانب ,ولم يتم إعلانها إلا بعد دراسة مستفيضة للواقع الساسي.فهل كان لخطاب بوش الأخير أثرا في القرار؟أم هي محاولة للعبة ما أو تطوير للجينات "الوراثية"لهذا الوليد الجديد؟
فمن المعلوم أن معظم هؤلاء الحكام هم أبناء المؤسسة العسكرية ,أو الذين وضعوها تحت أجنحتهم بفعل "القداسة" السلطوية التي اكتسبوها بفضل عوامل عدة,وبالتالي لن يتجرأ أحد من هذه المؤسسة ,التي تعتبر هي المنافس الأقوى من الترشح للمنصب,ناهيك عن الإبعاد المسبق لكل من يعتقد أن له تطلعات سلطوية ,أو لديه درجة من الكاريزماالشعبية تؤهله في يوم ما من الجلوس على الكرسي الأول في البلاد.ثم إن جميع منظمات المجتمع المدني ,ممنوعة ,أو معطلة ,بفعل قوانين الطوارئ,أو مروضة ,ومدجنة,والتحقت بركب السلطات بشكل ما,وليس لها نفوذ أو سيطرة ,أو قدرة على التأثير في الرأي العام.كما أن معظم الشخصيات الوطنية ,وفي كل البلدان ,قد أقصيت ,وتم إبعادها بمختلف الطرق ,كالتهميش ,والإقصاء ,أو السجن والإبعاد ,والتصفية الجسدية أحيانا ,فيما اختار عدد كبير الهجلروة الطوعية مخافة البطش والتصفيات.ولو ألقينا الآن نظرة على المشهد السياسي ,في أكثر من مكان ,فمن هي الشخصية الوطنية التي عليها إجماع وطني ,ويمكن أن تكتسح الشارع في حال وجود فراغ سلطوي,أوإجراء انتخابات حرة ونزيهة ,أو إحداث تغيير دراماتيكي,يستطيع بموجبه هذا المرشح أن يكسب السباق؟كما حصل حين انتقلت جنوب إفريقيا من حكم الفصل العنصري حيث ظهر مانديلا كبديل وطني يجمع عليه ,ويلتف حوله الجميع ,وكانت النتيجة محسومة,وكاسحة قبل اجراء الانتخابات بوقت طويل. فيما يتم الآن تجاذب هذا المنصب ,وتنقله بين أكثر من جهة على الساحة العراقية ,وفي حال التوصل إلى حل توافقي ,فبالمطلق لن يرضي ,ولن يوافق عليه الجميع.كما أن إفراغ الأحزاب من قوتها ,وعدم ترك حرية العمل لها,وهذا مقصود تماما, قد جعلها في موقف ضعيف,وكانت في معظم الأحيان كرتونية ,وديكوراتية, واحتفالاتية أكثر من كونها تعكس قوى حقيقية فاعلة وقوية على الساحة السياسية,أو تعمل بالسر والخفاء وتحت الأرض,لأن معظم النشطاء السياسيين الحقيقيين والفاعلين هم رواد ونزلاء في المعتقلات والسجون المزدهرة جدا في هذه الأصقاع .وبالتالي لا تستطيع من تقديم شخصية قابلة للاجماع الشعبي حولها,أو ربما معروفة بشكل عام.فيما تعيش معظم الأحزاب في حالة يرثى لها.ولا ننسى هنا حالة التشرذم والانشطار السياسية ,وادعاء العفة والعصمة الوطنية,والتكفير المتبادل, بين جميع الأحزاب والتيارات الفاعلة والمتنافسة وفي كل الساحات ,,ولا يعترف أحد بالآخر ,وينكر عليه أيضا شرعية وجوده بحد ذاتها,وكما هو معلوم هذا من التراث والتقاليد والأعراف السياسية التي انتجتها قرون من الاضطهاد والممارسات القاهرة والمتجبرة والمتسلطة,وحالات الطلاق السياسي ,والانقسامات المتعددة الأشكال ,والاتجاهات الفكرية ,والطائفية,والاجتماعية.والتي كرستها ,لأهداف جهنمية ,ولعقود طويلة سياسات هذه الأنظمة,وحاولت أن تبرزها كواقع معاش ,لم تحاول تغييره ,أو تبديله ,طالما يؤمن لها الاستمرار والبقاء,عملا بالمبدأ المعروف فرق تسد Divide and Rule .والآن هل لنا أن نتخيل من هو المرشح الرئاسي القادر والمؤهل فعلا على منافسة الرؤساء الذين يمسكون بكل الخيوط ,ويتحكمون بالسياسات؟ وهل هناك شخصية عليها إجماع وطني وتلتف حولها جميع الأطياف؟ ومن يضمن نزاهة أية انتخابات في ظل غياب المارينز ,والقبعات الزرقاء, والخضراء, والحمراء, والجنود المتعددة الجنسيات؟
كما خلقت الماكينات الإعلامية الضخمة هالة ,وأضفت نوعا من القداسة والكرامات على الرؤساء الذين تتغزل بهم ليلا نهارا بخطواتهم ,وقراراتهم مما يجعل الحملة الانتخابية غير عادلة على الإطلاق.فكما هو معلوم ,وبعرف الديمقراطيات ,لا يجوز استعمال وسائل الاعلام الرسمية, ومجانا ,ولمرشح واحد أيا كان,ناهيك عن التكلفة المادية الباهظة للإعلانات. ولهذه الأسباب,ومن هذه المنطلقات ,والرأي شخصي ,وقابل للخطأ والصواب ,فالانتخابات محسومة من الآن ولا حاجة لمرشحين وسباق. ويبقى السؤال الهام , وفي ظل خلو الساحات تماما من منافس حقيقي والعجز والشلل الذي أصابها لعقود ,هل الخطوة مضمونة,ومدروسة بعناية واتقان ,ولا يمكن أن تحدث أية "هزات وخضات" ,وتغييرات دراماتيكية؟والجواب بالطبع فيما ستحمله القادمات من الأيام ,وإن كنا قد أعطينا بعض المفاتيح والإيماءات.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟