|
حول مسألة البرجوازية -الوطنية-
عزالدين بن عثمان الحديدي
الحوار المتمدن-العدد: 3865 - 2012 / 9 / 29 - 08:25
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
1- غموض مفهوم البرجوازية الوطنية
يلف مفهوم البرجوازية الوطنية أو القومية غموض كبير في الأوساط "الشيوعية" العربية وقد ساعد هذا الغموض بفعل سيطرة التحريفية الخروتشوفية والماوية لعقود طويلة من الزمن بعد تحطيم دكتاتورية البرولتاريا في الاتحاد السوفيتي خلال سنوات 1953 – 1956 وتصفية الخط النظري والسياسي البلشفي- على تفشي الانحراف الانتهازي اليميني وارتكاب أخطاء سياسية قاتلة حكمت على البرولتاريا وجماهير الفلاحين في عديد الأقطار العربية بالتذيل للبرجوازية ولعب دور الوقود وورقة الضغط في مساوماتها مع الامبريالية. مصطلح البرجوازية الوطنية bourgeoisie nationale في الأدبيات البلشفية (لينين، ستالين، الأممية الثالثة...) المتعلقة بالمسألة القومية والكولونيالية يعني البرجوازية القومية أو المحلية للبلد المستعمر أو شبه المستعمر أو التابع التي تقابلها البرجوازية الامبريالية أو برجوازية المتروبول. وفي كثير من الأحيان تستخدم تلك الأدبيات مصطلح "البرجوازية المحلية" bourgeoisie locale كمرادف لمصطلح "برجوازية وطنية". يشير المصطلح "وطنية" بالأساس إلى الفضاء الجغرافي-الاجتماعي ولم يكن يحمل معنى سياسي أو وصف لموقف البرجوازية من الامبريالية. ومثال ذلك حديث ستالين والأممية الشيوعية عن مغادرة البرجوازية الوطنية لمعسكر الثورة الصينية في 1926 أو حديثهم عن البرجوازية الوطنية المعادية للثورة أو كذلك عندما تقسم أطروحات المؤتمر السادس للأممية الشيوعية البرجوازية الوطنية إلى شريحة "كمبرادورية" ذات مصالح متطابقة مع الامبريالية والملاكين العقاريين وإلى شريحة صناعية تمثل توجها وطنيا إصلاحيا في مرحلة معينة من مراحل الثورة. فكيف تكون "وطنية" بمعنى معادية للامبريالية إذا كانت قد غادرت معسكر الثورة؟ أو كيف تكون كمبرادورية و"وطنية" في نفس الوقت؟ الترجمة الأمينة لمصطلح bourgeoisie nationale هي برجوازية قومية أما عبارة "برجوازية وطنية" فترجمتها تكون bourgeoisie nationaliste أو bourgeoisie patriotique/patriote . الإشكال يعود جزئيا إلى مسألة التعريب، ذلك أن بعض المترجمين العرب وكذلك الناشطون الشيوعيون وجدوا أنفسهم أمام الإشكالية التالية : من ناحية انقسام وتقسيم المنطقة العربية إلى أقطار متعددة لها ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية متفاوتة، ومن ناحية أخرى تنامي الشعور بالانتماء القومي العربي خاصة في النصف الأول من القرن العشرين. فإذا ترجموا مصطلح bourgeoisie nationale بمصطلح "برجوازية قومية" والحال أنهم يتحدثون عن البرجوازية التونسية أو المصرية أو السورية..الخ، اتهموا بالإقليمية ومعاداة الأهداف القومية العربية. لذلك ترجموه بمصطلح "برجوازية وطنية" والمقصود البرجوازية القطرية تماما مثلما نقول "السوق الوطنية التونسية" أو "الجيش الوطني التونسي" لا للدلالة على أن تلك السوق أو ذلك الجيش مستقلّ أو معادي للامبريالية بل لنميز هذه المصطلحات عن أهداف لم تنجز متعلقة بـ "البرجوازية القومية العربية" أو "السوق القومية" أو "الجيش القومي". لكن الأمر لم يقتصر على "اللبس اللغوي" بالنسبة للمناضلين غير المطلعين كفاية عن الماركسية اللينينية فذهب في ظنهم أنه لا بدّ أن تكون هناك برجوازية "وطنية" بمعنى معادية للامبريالية في المستعمرات وأشباه المستعمرات والبلدان التابعة دائما وفي كل الظروف، وبأن المرحلة الثورية الإستراتيجية المطروحة للانجاز هي مرحلة تحالف مع البرجوازية الوطنية من أجل التحرر الوطني والقومي. وقد أصبح هذا اللبس أكثر تعقيدا وأكثر خطورة من الناحية السياسية بعد القضاء على القيادة البلشفية للحركة الشيوعية العالمية بداية من سنة 1953 لما سيطرت نظريات تحريفية يمينية وكاوتسكية على الحركة الثورية في المستعمرات وأشباه المستعمرات وخاصة نظرية "الديمقراطية الوطنية" الخروتشوفية الداعية صراحة إلى تذييل الطبقة العاملة والفلاحين لصالح البرجوازية الوطنية لـ"مساعدتها على السير في الطريق اللاّرأسمالي لبناء البلد" و"الديمقراطية الجديدة" الماوية القائلة بالتحالف الحتمي مع البرجوازية الوطنية في جميع المستعمرات وأشباه المستعمرات من أجل القضاء على هيمنة الإقطاع والامبريالية وبناء الدكتاتورية المشتركة للأربع طبقات التي ستبني أيضا "الاشتراكية" بعد أن تتم "تربية البرجوازية سلميا".
2- تركيبة البرجوازية الوطنية
" لا تشغل البرجوازية الوطنية في تلك البلدان المستعمَرة موقعاً موحّداً تجاه الإمبريالية. جزء منها، البرجوازية التجارية قبل كل شيء، يخدم مباشرة مصالح رأس المال الإمبريالي (ما يُسمى برجوازيةُ الكمبرادوريين). عموما، يدافع هذا الجزء بطريقة منسجمة تقريبا، مثل حلفاء الإمبريالية من الإقطاعيين والموظفين المحليين أصحاب الرواتب العليا، عن رؤية غير وطنية وإمبريالية موجَّهة ضدّ مجمل الحركة الوطنية. الجزء المتبقي من البرجوازية المحلية، وخاصة الشريحة الممثلة لمصالح الصناعة المحلية، يقف على أرضية النضال الوطني ويشكل اتجاها متذبذبا بصفة مميزة ونازعا إلى المساومات بحيث يمكن أن نسميه وطنيا إصلاحيا (أو حسب اصطلاح أطروحات المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني، توجُّها "ديمقراطيا برجوازيا)". (المؤتمر الشيوعي العالمي السادس "أطروحات حول الحركة الثورية في المستعمرات وأشباه المستعمرات").
3- الأساس الموضوعي لـ"صراع" البرجوازية الوطنية مع الامبريالية وأهمية المسألة الوطنية
" إن استقلال البلد عن الإمبريالية الذي يوافق مصالح كل الشعب المستعمَر، يوافق أيضا مصالح البرجوازية الوطنية. لكنه في تناقض مطلق مع كامل طبيعة النظام الامبريالي. إلاّ أنّ مختلف الرأسماليين المحليين هم إلى حدّ كبير مرتبطون برأس المال الامبريالي من خلال مصالحهم المباشرة وعبر طرق متنوعة جدّاً. يمكن للإمبريالية أن ترشو مباشرة جزءا هاما منهم. ويمكن أن تخلق لهم موقعا معينا، وعلى نطاق أوسع مما فعلت حتى الآن، ككمبرادور، كوسيط تجاري، كمستغِل أدنى، كحارس محتشدات للشعب المستعبَد. لكنّ الامبريالية تحتفظ لنفسها بموقع سيّد العبيد والمستغِل الاحتكاري الأعلى. فلا توافق الامبريالية عن طواعية أبدا على سيطرة حرّة للبرجوازية الوطنية، وعلى إمكانية التطور الرأسمالي المستقل و"الحر" والسيادة على الشعب "المستقل". هنا، يكون تناقض المصالح بين البرجوازية الوطنية في البلد المستعمَر والإمبريالية، موضوعياً وجوهرياً على هذا الصعيد. فالامبريالية تقتضي سجود البرجوازية الوطنية." (المؤتمر الشيوعي العالمي السادس "أطروحات حول الحركة الثورية في المستعمرات وأشباه المستعمرات").
_ إن عرقلة الامبريالية للتطور الحر والمستقل للبلدان المستعمرة وشبه المستعمرة هو الأساس المادي للاضطهاد الامبريالي وهو ما يكسب المسألة الوطنية (أو القومية) طابعا جوهريا في هذه البلدان يؤثر على جميع مراحل الحركة الثورية فيها. إن تجاهل العامل الوطني أو "القفز" عليه يعني السقوط في أحضان انتهازيي الأممية الثانية والتبشير بالدور التمديني والتقدمي للامبريالية، يعني تبني وجهة النظر الكاوتسكية عن الامبريالية. فسر ستالين دلالة المسألة الوطنية بالنسبة للحركة الثورية في المستعمرات وأشباه المستعمرات والبلدان التابعة على النحو التالي: " لنمرّ إلى المسألة المتعلقة بالنقاط الأساسية التي تنطلق منها اللينينية لحل مشاكل الثورة في المستعمرات والبلدان التابعة. ما هي نقطة البداية التي تتخذها الأممية الشيوعية والأحزاب الشيوعية عامة، حينما تتناول مشاكل الحركة الثورية في البلدان المستعمرة والبلدان التابعة؟ إنها بلا شك التمييز الصارم بين الثورة في البلدان الامبريالية، الثورة في البلدان التي تضطهد الشعوب الأخرى وبين الثورة في البلدان المستعمرة والتابعة أي البلدان الرازحة تحت النير الامبريالي للدول الأخرى. فالثورة في البلدان الامبريالية شيء, حيث تضطهد البرجوازية الشعوب الأخرى، وحيث أن البرجوازية معادية للثورة في جميع مراحلها، وحيث لا يشكل العامل الوطني أحد عوامل النضال التحرري. أما الثورة في البلدان المستعمرة والتابعة فشيء مختلف عن ذلك : هنالك حيث يشكل النير الامبريالي للدول الأخرى أحد عوامل الثورة وحيث يشمل هذا النير أيضا البرجوازية الوطنية (القومية)، وحيث يمكن لهذه البرجوازية في مرحلة معينة ولمدة معينة أن تساند الحركة الثورية لبلدها ضد الامبريالية. في حالة البلدان المستعمرة والتابعة هذه يشكل العامل الوطني عاملا من عوامل الثورة. إن عدم القيام بهذا التمييز، عدم فهم هذا الفرق، مطابقة الثورة في البلدان الامبريالية بالثورة في البلدان المستعمرة، يعني الخروج عن توجه الماركسية، يعني الخروج عن توجه اللينينية، يعني الانخراط في توجه أنصار الأممية الثانية".(ستالين "حول الصين"_ كتاب المسألة القومية والمسألة الكولونيالية).
4- العوامل المؤثرة في السلوك السياسي للبرجوازية الوطنية
- إن ضعف القاعدة الاقتصادية والاجتماعية للبرجوازية الوطنية وارتباطاتها المتعددة بالملاكين العقاريين وبالامبريالية يحتم ضعفها السياسي ونزعتها المساومة والاصلاحية. تتميز مشروعات ومؤسسات الشريحة الصناعية من البرجوازية الوطنية بصغر حجمها وبانحسارها في قطاعات معينة بالإضافة إلى التخلف التكنيكي وارتكازها على الاستغلال الشرس لقوة العمل مما يجعل البرجوازية الوطنية عاجزة عن الاستجابة إلى أدنى المطالب النقابية والديمقراطية للعمال. ومن ناحية أخرى يؤدي ارتباطها بشريحة الرأسمال التجاري والربوي وبالملكية العقارية الكبيرة إلى معارضتها لأي إصلاح زراعي جدي فضلا عن ثورة زراعية تقضي على طبقة الملاكين العقاريين. - كلما كان خطر ثورة طبقية عمالية وفلاحية مباشرا وحقيقيا كلما سعت البرجوازية إلى عقد مساومة مع الامبريالية والملاكين العقاريين والانتقال إلى الثورة المضادة. - لكي تحافظ البرجوازية الوطنية على سيطرتها على العمال والفلاحين تسعى إلى نشر الأوهام الوطنية-الإصلاحية في صفوفهم حول إمكانية انتزاع "الحقوق الوطنية" دون نضال ثوري ضد الامبريالية، عن طريق المفاوضات و"النضال من فوق": "البرجوازية المحلية، وهي الأضعف، مستعدّة دوما للسجود أمام الإمبريالية. غير أن استسلامها ليس نهائيا ما لم يكن هنالك خطر ثورة طبقية مباشرا وحقيقيا وحادا ومهددا من جانب الجماهير. لاجتناب ذلك الخطر ومن أجل تقوية موقعها في وجه الامبريالية تسعى هذه القومية البرجوازية في هذه المستعمرات لكسب دعم البرجوازية الصغرى والفلاحين وجزء من الطبقة العمّالية. إن حظوظها في النجاح قليلة فيما يتعلق بالطبقة العمّالية )بعد استيقاظ الطبقة العمّالية للحياة السياسية في هذه البلدان(. لذلك يهمّها أكثر أن تحصل على دعم الفلاحين. لكن هنا تكمن النقطة الأضعف لدى برجوازية المستعمرات إذ أن الاستغلال الذي لا يحتمل للفلاحين في المستعمرات لا يمكن إلغاؤه إلا بالثورة الزراعية. إن المصالح المباشرة لبرجوازية الصين والهند ومصر شديدة الارتباط بالملكية العقارية الكبيرة وبرأس المال الربوي وبصفة عامة باستغلال الجماهير الفلاحيّة بحيث تتدخل البرجوازية ليس فقط ضد الثورة الزراعية ولكن أيضا ضد كل اصلاح زراعي حاسم. إنها تخشى، ليس دون موجب، واقع أن الطرح الواضح وحده للمشكل الزراعي سيثير الغليان الثوري وسيعجّل انتشاره بين الجماهير الفلاحيّة. وهكذا فالبرجوازية الاصلاحية غير قادرة تقريبا على تطرق الحل العملي لهذا المشكل الجوهري والصعب. في المقابل، تسعى بجمل وتصرفات قومية لا أهمية لها، إلى أن تُبقي الجماهير البرجوازية الصغرى تحت تأثيرها وإلى اجبار الامبريالية على تنازلات معينة. لكن الامبرياليين يشددون الخناق أكثر فأكثر. ذلك أن البرجوازية ليست في وضع يمكنها من مواجهتهم بمقاومة جدية تذكر إلاّ أنها تتصنّع "حزما في مبادئها القومية"، كما تقوم بإشاعة الأوهام حول إمكانية تسوية سلمية مع الامبريالية. إن الجماهير تتخلص بالضرورة من المغالطتين وتفقد أوهامها الاصلاحية تدريجيا." (المصدر السابق).
5-تطور موقف البرجوازية الوطنية من النضال التحرري
_ هناك إذن، عدة عوامل وظروف تحكم في موقف البرجوازية من النضال التحرري وعندما تغادر البرجوازية الوطنية معسكر النضال ضد الامبريالية فان ذلك ليس نهائيا. فمثلا في ظروف الجبهة المتحدة ضد الفاشية المتميزة بتنامي عدوانية العناصر الأكثر رجعية والأكثر دموية وإرهابية للرأسمال المالي التي عملت على تحويل البلدان التابعة وأشباه المستعمرات إلى مستعمرات مباشرة، تغير موقف البرجوازية الوطنية في العديد من المستعمرات وأشباه المستعمرات ليعود إلى مواقع وطنية معادية للفاشية. لكن بعد الحرب الثانية والانتصار على الفاشية وصعود المد الثوري وتنامي الدور القيادي للطبقة العاملة انتقلت في أغلب البلدان إلى معسكر الثورة المضادة بالتحالف مع الامبريالية في إطار صفقات الاستقلال السياسي الشكلي. - لم تكن حظوظ البرجوازية الوطنية كبيرة لقيادة النضال الوطني والسيطرة على العمال والفلاحين في بلدها زمن المعسكر الاشتراكي بقيادة ستالين وزمن الأممية الشيوعية. لكن تحطيم المعسكر الاشتراكي خلق إمكانيات لتدعيم سيادة البرجوازية الوطنية في النضال التحرري ضد الامبريالية وهو ما دعم الحل شبه الاستعماري في أغلب المستعمرات. فعندما أكد الكومنترن في 1928 أن إمكانيات تشكيل جبهة وطنية مع البرجوازية قد استنفذت في أغلب البلدان المستعمرة والتابعة، إنما كان ذلك بعلاقة بالوضع الملموس لتلك الفترة وارتباطا بتطور أزمات الرأسمالية والنضال الثوري للعمال والفلاحين. ولكن منذ هزيمة المعسكر الاشتراكي ضعفت جبهة الثورة البرولتارية في البلدان المتقدمة وانهارت الحركة العمالية في المستعمرات والبلدان التابعة وكفت عن أن تكون حركة ثورية مستقلة بالرغم من التزايد الكبير في تنامي أعداد البرولتاريا. - لقد كان المعسكر الاشتراكي قطبا جاذبا حتى بالنسبة للبرجوازية والبرجوازية الصغيرة وقد حتم سقوطه أن تلعب هذه الطبقات دورا أكبر من الدور الذي كانت ستلعبه لو استمر المعسكر الاشتراكي في البقاء والتوسع. وقد أشار المؤتمر السادس بوضوح إلى أن استسلام البرجوازية المحلية " ليس نهائيا ما دام خطر ثورة طبقية من جانب الجماهير لم يصبح مباشرا قويا ومهددا". ومنذ 1953 لم يعد ذلك الخطر قويا ومباشرا وهو ما أتاح للبرجوازية الظفر بسند البرجوازية الصغيرة وحتى بسند عدد كبير من العمال كحلفاء في عملية صراعها ضد الامبريالية (مصر الناصرية، سوريا والعراق، بلدان أمريكا اللاتينية...).
6- الموقف البلشفي من مسألة البرجوازية الوطنية
يتعارض الموقف البلشفي من البرجوازية الوطنية والمسألة الوطنية عموما مع انحرافين أساسيين كان قد نبّه إليهما الرفيق ستالين : ""لا ينبغي أن يغيب عن أنظارنا وجود انحرافين في الممارسة العملية للمناضلين النشيطين في الشرق المستعمر. من الضروري مكافحة هذه الانحرافات قصد تكوين كوادر ثوريا حقا. فأما الانحراف الأول، فيتمثل في الانتقاص من الإمكانات الثورية لدى حركة التحرر وفي تهويل فكرة الجبهة الوطنية المتحدة التي تضم جميع القوى في المستعمرات والبلدان التابعة دون مراعاة حالة ودرجة تطور هذه البلدان. ذلك هو الانحراف اليميني الذي يهدد بتحجيم الحركة الثورية وبتذويب العناصر الشيوعية في الجوقة العامة للوطنيين البرجوازيين. إن النضال الحازم ضد هذا الانحراف هو الواجب المباشر لجامعة شعوب الشرق. وأما الانحراف الثاني، فيتمثل في تهويل الإمكانات الثورية لدى حركة التحرر والانتقاص من أهمية تحالف الطبقة العاملة مع البرجوازية الثورية ضد الامبريالية. ويبدو لي أن شيوعي جزيرة جاوا يعانون من هذا الانحراف حيث ارتكبوا مؤخرا خطأ رفع شعار السلطة السوفيتية في بلدهم. هذا انحراف يساري يهدد بعزل الحزب الشيوعي عن الجماهير وتحويله إلى طائفة. إن النضال ضد هذا الانحراف هو الشرط الضروري لتكوين كوادر ثورية حقا في المستعمرات والبلدان التابعة في الشرق." ( ستالين "مهام جامعة شعوب الشرق" _ 1925).
- يعرف الشيوعيون البلاشفة على عكس الانتهازيين اليمينيين أنه من الحتمي بالنسبة للبرجوازية الوطنية التي تساهم في النضال من أجل التحرر الوطني أن تنتهي إلى مغادرة هذا النضال. كما يعرفون على عكس الانتهازيين "اليساريين" ويرون أن التكتيك الصائب ينبغي أن يعمل على عزل البرجوازية الوطنية عندما تساند هذه الأخيرة الثورة وذلك كي يقع سحب الجماهير من تحت نفوذها حالما تستسلم للامبريالية. وهذا يتطلب فهما حقيقيا للتكتيكات الثورية. فأثناء تحليل دور البرجوازية الوطنية لا يكفي تقديم صيغ دغمائية وجمل فضفاضة مثلما يفعل الماويون لما يعتبرون أن البرجوازية تكون دوما في صف الثورة في كافة المستعمرات وأشباه المستعمرات والبلدان التابعة وسواء كانت هذه البرجوازية ممسكة بالسلطة أم لا.
- ليس الشيوعيون من "يقرر" هل تشارك البرجوازية الوطنية أم لا في الثورة، المسألة مرتبطة بالظروف الملموسة لكل بلد، هناك تناقض موضوعي عميق أكد عليه المؤتمر السادس وستالين وهو التناقض بين نزوع البلد شبه المستعمر إلى تطور حر ومستقل والاضطهاد الامبريالي الذي يعرقل ذلك التطور، هذا "التطور الحر والمستقل" يوافق مصالح العمال والفلاحين ويوافق أيضا المصالح الطبقية والتاريخية للبرجوازية الوطنية. هذا التناقض الموضوعي يخلق الإمكانية لأن تنخرط البرجوازية في نضال ضد الامبريالية في ظروف معينة ولمدة معينة ولكن معارضتها للامبريالية لا تكن أبدا ثورية بل إصلاحية ومساومة. المشكلة ليست في "تقرير" ما إذا ستشارك البرجوازية في الثورة بل في كيفية عزلها وسحب جماهير العمال وخاصة الفلاحين من تحت نفوذها وتركيز هيمنة البرولتاريا على الثورة.
- لقد أنكر الانتهازيون اليمينيون والوطنيون البرجوازيون المتسترون بالشيوعية فكرة أن يكون تحالف البرولتاريا في جبهة وطنية موحدة ضروريا فقط في المرحلة الأولى من الثورة في بعض المستعمرات وأشباه المستعمرات والبلدان التابعة وذلك في فترة معينة ولمدة معينة وبشروط محددة. هذه الجبهة تكون ممكنة بعلاقة بالدور الموضوعي الذي تلعبه البرجوازية الوطنية أو إحدى شرائحها في الحركة الوطنية وفي عملية النضال ضد الامبريالية. إن مسألة تشكيل جبهة وطنية متحدة لا يتم حسمها من قبل البرولتاريا أو بعض المناضلين، بل إن العوامل الموضوعية هي التي ستحكم على ذلك، بالإضافة إلى ممارسات البرجوازية أثناء دفاعها عن مصالحها الطبقية الخاصة وعن السوق الوطنية. ولا يعود الأمر لبعض المنظرين لتقرير ما إذا "سيسمحون" للبرجوازية بالانضمام إلى الجبهة، إذ أن جوهر المسألة يتعلق بما إذا كان ذلك ممكنا أم لا. فالمشكل بالنسبة إلى البرولتاريا لا يتلخص، كما أسلفنا، في تقرير ما إذا كان ينبغي أن تساهم البرجوازية في هذه الجبهة وإنما في كيفية دحرها أي في كيفية تحطيم هيمنة البرجوازية واستبدالها بهيمنة البرولتاريا على الثورة.
- يردّ ستالين على الذين يعالجون مسائل الثورة في المستعمرات وأشباه المستعمرات عن طريق الصيغ الدغمائية والنزعة الذاتية والجمل الفضفاضة و أكّد على ضرورة تحليل وفهم خصوصيات كل بلد الاقتصادية والسياسية والثقافية ومستوى تطور الحركة الثورية فيه " رغم ما شهده حزبنا من تطور على المستوى الإيديولوجي، لا يزال يوجد للأسف في حزبنا نوع من "القادة" يعتقدون جديا أنه بالإمكان قيادة الثورة الصينية بواسطة التلغراف اعتمادا على المبادئ العامة للأممية الشيوعية (الكومنترن) ، تلك المبادئ التي نعرفها ونؤيدها جميعا، بدون الأخذ في الاعتبار الخصوصيات القومية المتعلقة بالاقتصاد الصيني، بالنظام السياسي الصيني، بالثقافة الصينية وبالعادات والتقاليد الصينية. وما يميز فعلا هؤلاء القادة عن القادة الحقيقيين هو أنهم يملكون دائما صيغتين أو ثلاث جاهزة و"صالحة" لكل البلدان و"لازمة" في كل الظروف. بالنسبة لهم، لا وجود لمسألة مراعاة السمات القومية الخاصة والمميزة لكل بلد. بالنسبة لهم، لا وجود البتة لمسألة العلاقة بين الأطروحات العامة للأممية الشيوعية (الكومنترن) وبين الخصوصيات القومية للحركة الثورية في كل بلد، لمسألة ملائمة الأطروحات العامة للكومنترن مع الخصوصيات القومية والسياسية لمختلف البلدان." (ستالين – "ملاحظات حول مواضيع راهنة" 1927).
- ويضبط ستالين التكتيك الشيوعي البلشفي في مرحلة الجبهة الموحدة مع البرجوازية كما يلي "ولكن كيف نفهم مرحلة الجبهة الموحدة مع البرجوازية الوطنية في المرحلة الأولى من الثورة في المستعمرات وأشباه المستعمرات؟ هل يعني ذلك أن على الشيوعيين عدم تكثيف نضال العمال والفلاحين ضد الملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية الوطنية، وان على البرولتاريا أن تضحي ولو لدقيقة باستقلاليتها؟ كلا. إن الجبهة الموحدة لا يمكن أن يكون لها مغزى ثوريا الا في حالة وشريطة ألا تعيق الحزب الشيوعي في ممارسة نشاطه السياسي والتنظيمي بكل استقلالية، وتنظيم البرولتاريا في قوة سياسية مستقلة، وتعبئة الفلاحين ضد الملاكين العقاريين الكبار، وتنظيم ثورة العمال والفلاحين بكل حرية، ومن ثمة إعداد شروط هيمنة البرولتاريا".(ستالين "حول الصين"_ كتاب المسألة القومية والمسألة الكولونيالية).
- إن النظرية الستالينية في الثورة الكولونيالية تفهم وتدرك أن البرجوازية بإمكانها أن تنخرط في النضال الوطني، وهي تستعمل مرحلة الجبهة قصد الإعداد لنشوء البرولتاريا كقوة قائدة للثورة. إن هذه المرحلة من الجبهة الوطنية الواسعة ليست ممكنة إلا حينما تكون البرولتاريا غير فاعلة كقوة مستقلة ومحددة وكقطب مضاد للبرجوازية الوطنية وحيث لا تزال البرولتاريا غير قادرة على توجيه نضال الجماهير الشعبية غير البرولتارية. عندما يدفع تطور الحركة الثورية للعمال والفلاحين البرجوازية الوطنية على مغادرة الثورة والانضمام إلى أعدائها الامبرياليين والملاكين العقاريين فذلك يعني أن الثورة دخلت في مرحلة أرقى مرحلة سيادة الطبقة العاملة في النضال من أجل التحرر الوطني والثورة الزراعية وإرساء الدكتاتورية الديمقراطية الثورية للعمال والفلاحين. يقول ستالين : " انقلاب تشان كاي شيك دفع البرجوازية الوطنية الى مغادرة الثورة... انقلاب تشان كاي تشاك يعني أن الثورة دخلت في مرحلة ثانية من التطور وأنه حصل دفع ابتعدت بموجبه الثورة عن مرحلة الجبهة الموحدة الوطنية وأنها تسير نحو ثورة الجماهير الواسعة للعمال والفلاحين، نحو ثورة زراعية من شأنها تقوية وتوسيع النضال ضد الامبريالية...غالبا ما تعتبر المعارضة انقلاب تشان كاي شيك بمثابة انتكاس للثورة الصينية. هذا خطأ...انهم يعتقدون على ما يبدو أن الثورة ستكون بحال أفضل لو لم ينفصل تشان كاي شيك، هذا هذر وكلام غير ثوري... لقد خسرت الثورة البرجوازية الوطنية وكان ذلك خسارة جزئية للثورة. لكن من ناحية أخرى دخلت الثورة في مرحلة أرقى من تطورها، مرحلة الثورة الزراعية جاذبة اليها الجماهير الواسعة للفلاحين وكان ذلك مكسبا للثورة" (ستالين – "حديث مع طلبة جامعة صان يات صان" 1927).
- لا يتصور البلاشفة على عكس أصحاب الانحراف اليميني والوطنيين البرجوازيين المتسترين بالشيوعية مستقبل الثورة في المستعمرات واشباه المستعمرات في جبهة موحدة مع البرجوازية وتركيز "الديمقراطية الجديدة" أو سلطة الطبقات الأربع. يقول ستالين : " هناك طريقان لتطور الأحداث في الصين (...) إما أن تسحق البرجوازية الوطنية البرولتاريا وتجري مساومات مع الامبريالية ويطلقون معا حملة مضادة للثورة ليتمكنوا من تصفية الثورة وإرساء سيطرة الرأسمالية، وإما أن تقصي البرولتاريا البرجوازية الوطنية وتدعم هيمنتها على الثورة وتمارس قيادة الجماهير الواسعة للشعب العامل في المدن وفي الأرياف لكي تتمكن من التغلب على مقاومة البرجوازية الوطنية ولكي تضمن النصر الكامل للثورة الديمقراطية البرجوازية وتحولها تدريجيا إلى ثورة اشتراكية مع كل النتائج المترتبة عن ذلك. إما هذا الطريق أو ذاك." (ستالين- مسائل الثورة الصينية)
عزالدين بن عثمان الحديدي – 29 سبتمبر 2012
#عزالدين_بن_عثمان_الحديدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول بعض مسائل البرنامج البلشفي في أشباه المستعمرات - الجزء ا
...
-
حول بعض مسائل البرنامج البلشفي في أشباه المستعمرات
-
بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبناء الرأسمالية في الصي
...
-
واجب الشيوعيين المطلق
-
تحويل الثورة الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية
-
الثورة البرولتارية كنتيجة لانقطاع سلسلة الجبهة الامبريالية ا
...
-
اغتيال ستالين وتصفية البلشفية
-
ستالين قائد الثورة الاشتراكية العالمية لثلاثين سنة
-
حول الموقف من الانتخابات الرجعية
-
موضوعات حول الانتهازية اليمينية والانتهازية -اليسارية-
-
مدّاح الامبريالية
-
النظرية البلشفية حول الثورة البروليتارية
-
حول أحداث اعتصام القصبة 3 أو أزمة -الشرعية الوفاقية-
-
حول ملتقى السبعة أحزاب بسيدي بوزيد أو جبهة السلم الطبقي والا
...
-
الأساس المادي الجدلي والتاريخي لفكر ستالين وممارسته
-
حول بعض التحولات التي تشهدها -الحركة الشيوعية- في تونس بعد 1
...
-
ضدّ التصفوية الماوية.. أو نقد -نقد- السيد محمد علي الماوي
-
خطّتان : تجميل النظام شبه الاستعماري..أم القضاء عليه؟
-
حول مغزى ثورة 14 جانفي ومهام الطبقة العاملة والقوى الديمقراط
...
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|