|
سورية وسياسة تبديد الفرص ... انسحاب تحت الضغط
محمود زعرور
الحوار المتمدن-العدد: 1124 - 2005 / 3 / 1 - 12:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أدى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري إلى تسليط الضوء على الهيمنة السورية في لبنان ، والمواقف المختلفة من تلك الهيمنة ، ويشير الوجود السوري وما يتسم به من استمرار التدخل في الشؤون اللبنانية ، عبر مصادرة سيادة واستقلال لبنان ، إلى عمق الأزمة التي تسم السياسة السورية . تنتج هذه السياسة باستمرار معضلات متتالية ، ومتراكمة ، تؤسس إلى نشوء حالات معقدة على أكثر من صعيد ، مما يفاقم اضطراب الأوضاع بأبعادها المختلفة . ولا يشذأي جانب من جوانب السياسة السورية عن هذا التوصيف ، سواء تعلق الأمر بسياسة النظام الداخلية أو الخارجية . فعلى الصعيد الداخلي ، اتسمت الحياة العامة في سورية بسيادة نظام حكم شمولي ، استبدادي ، يقوم على هيمنة الرأي الواحد ، وقمع الحريات الديمقراطية ، وممارسة الاضطهاد والتمييز . ولئن نجا النظام السوري ، مرارآ ، في عقود سابقة من القرن الماضي ، من النقد والمساءلة والضغوط ، بسبب طبيعة العلاقات المحددة التي وسمت الوضع الدولي ، أنذاك ، نتيجة لتوازنات معروفة ، فالآمر بات مختلفآ في السنوات القليلة الماضية بفعل تغيرات داخلية وإقليمية ودولية . وعلى الصعيد الخارجي ، ساهمت السياسة السورية في بلوغ الأزمات حدآ متوترآ ، بعد أن أخذت معالجتها لقضاياها الخارجية طابعآ جاذبآ لانتقادات إضافية ، أو مضاعفة . من تلك القضايا تبرز قضية الوجود السوري الذي استمر منذ عام 1975 ، بعيد الحرب الأهلية اللبنانية وحتى الأن ، فارضآ وصاية شاملة ، جوبهت بمعارضة داخلية لبنانية ، وانتقادات دولية متعاظمة . لقد وحدت المعارضة اللبنانية للوجود السوري ، العسكري والأمني ، قوى سياسية واجتماعية متنوعة ، وارتبطت بمحطات عديدة ، مثل مسألة تعديل الدستور الذي أفضى إلى التمديد الرئاسي ، حيث تأكد لدى معظم اللبنانيين بأن ذاك التعديل وبالتالي التمديد ، لم يكونا ليتكرسا دون تدخل سوري ، صريح ومكشوف . وكان من نتائج هذا الأمر استقالة الوزراء الأربعة ، من ضمنهم النائب مروان حمادة الذي تعرض لمحاولة اغتيال في 6 تشرين الأول / أوكتوبر من العام الماضي ، ولم يكن الربط بين الاعتراض على فرض التمديد وبين محاولة الاغتيال يفتقر إلى فرضيات متماسكة . ومع استقالة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 19 تشرين الأول / أوكتوبر 2004 واقتراب مواقفه من دعوة المعارضة اللبنانية إلى الانسحاب السوري من لبنان ، وبالرغم من الرغبة المعلنة بأن يكون هذا الانسحاب على أرضية تصحيح العلاقة مع سورية ، لتكون علاقة طبيعية ، تحافظ على مصالح البلدين ، إلا أن التعنت السوري بدد فرصة مهمة للخروج من مأزق كبير كان أحد مسبباته التمديد الرئاسي . لم يكن أمام المعارضة اللبنانية ، بعد سلسلة تلك الوقائع ، كفرض التمديد ، ومحاولة اغتيال النائب مروان حمادة ، وكيل الاتهامات من قبل الحكومة وصولا إلى جريمة اغتيال الحريري إلا الإصرار على المطالب الأسلسية التي تعكس الاستجابة لمطمح أغلبية الشعب اللبناني وقواه المتعددة ، والمتمثلة باستقالة الحكومة وبالانسحاب السوري ، العسكري والأمني ، وبضرورة تحرر لبنان التام من الرؤية السورية التي تصر على إبقاء لبنان ( ملفآ ) من ملفاتها في حساباتها الإقليمية والدولية. لقد أدان المجتمع الدولي جريمة الاغتيال ، وكانت دعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك بضرورة إجراء تحقيق دولي قد لقيت تأييدآ واسعآ يعكس رفضآ لتمرير الجريمة وعدم ثقة بالأجهزة القضائية اللبنانية . أعتقد أن إصرار المعارضة اللبنانية على فكرة التحقيق الدولي له ما يبرره ، وخاصة أن تاريخ الاغتيالات السياسية في لبنان شهد أمثلة على تحقيقات عديدة اتسمت بالغموض والشك من اغتيال ( رئيس الرؤساء ) كمال جنبلاط ، مرورآ باغتيال الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض ، ومن محاولة اغتيال النائب مروان حمادة وصولا إلى اغتيال الحريري أو ( السيد لبنان ) كما وصفه الإعلام الدولي . لقد تزايدت مطالبات المجتمع الدولي بضرورة الانسحاب السوري ، عبر الإصرار على تنفيذ القرار الأممي 1559 ، بعد التأكد من عدم جدية السوريين في تنفيذ اتفاق الطائف . إن بيان مجلس الأمن في 16 شباط / فبراير ، وسحب السفيرة الأمريكية من دمشق ، والتنسيق الفرنسي - الأمريكي ، والأمريكي - الأوربي يؤشر على جدية الضغوط الدولية . إن المعارضة اللبنانية ، في إشهارها لانتفاضة الاستقلال السلمية ستجد ، بكل تأكيد ، دعمآ لبنانيآ وعربيآ ودوليآ ، مما سيسرع في تحقيق أهدافها ، وستكون وحدتها من الضمانات الأكيدة على هذا الطريق . تكمن المفارقة بالنسبة للسياسة السورية ، في تبديدها الدائم لفرص الاستجابة لبدائل طبيعية ، وبناءة ، عبر عدم التعاطي بإيجابية مع دعوات المعارضة اللبنانية ، إلا أن النظام السوري سيجد نفسه مضطرآ للانسحاب تحت ضغط لبناني وعربي ودولي معآ .
#محمود_زعرور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات العراقية ومهام بناء عراق ديمقراطي تعددي
-
مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
...
-
اليوم العالمي لحقوق الإنسان-الاعتصام السلمي في سورية وضرورة
...
-
محمود درويش أو المطلق الأزرق متوجآ
-
المشروع الفلسطيني بعد غياب عرفات
-
نظرة في أزمة الثمانينيات في سورية / بدر الدين شنن وكتاب - ال
...
-
أمطار صيفية- قصة
-
الديمقراطية وتفكيك التوحيد
المزيد.....
-
-المحطة الذكية-.. ابتكار يسعى لتحويل دبي لمدينة صديقة للدراج
...
-
البرغوثي لـCNN: السنوار شجاع وسيُنظر إليه على أنه بطل.. وهذا
...
-
مدفيديف: نظام كييف يحاول صنع -قنبلة قذرة-
-
إسرائيل تعلن تحييد مسلحين اجتازوا الحدود من الأردن
-
علماء يرسمون خارطة للجلد البشري قد تساعد في معالجة الندوب
-
ترحيب غربي بمقتل السنوار: فرصة للسلام والإفراج عن الرهائن
-
مصر.. تفاصيل دستور الدواء الخامس
-
احتجاز جثمان السنوار بمكان سري.. والكشف عن نتائج التشريح
-
خبير روسي: مقاومة ما يحدث في العالم هو ما يوحد -بريكس-
-
عراقجي من إسطنبول: هناك فهم مشترك بالمنطقة تجاه خطورة الصراع
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|