بداية نود أن نحيي الجهد المبذول لصياغة مشروع دستور للعراق المستقبلي الذي يضم الجميع، والقصد بالجميع هو العراقيين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والتي نعتبرها غنى فكري وحضاري لوطننا المشترك.
وبلا شك أن طرح مثل هذه المساهمات الوطنية والمقترحة لما بعد اسقاط النظام الدكتاتوري نابع من الحرص والتفاني لخدمة كل مكونات النسيج العراقي من العرب والاكراد والآشوريين والتركمان، هؤلاء الذين ذاقوا الظلم والاضطهاد ومختلف الضغوطات وعلى مر الحكومات بمختلف توجهاتها السياسية وتبعياتها التي تعاقبت على سدة الحكم في وطننا، ونحن نعتقد يقينا أن كل مشروع أو مقترح يخص مستقبل الوطن شعبا وأرضا يجب أن يطرح للنقاش والحوار لينال حصته من الدراسة المستفيضة لإغنائه بالاراء من المختصين والوطنيين المخلصين العراقيين، وإبداء ملاحظاتنا حول المشروع لا تعني ابدا الانتقاص منه، ومن المنطق أعلاه ندون بعض الملاحظات على مشاريع القوانين المقترحة وبشكل عام دون الدخول في تحديد الفقرات والمواد الخاصة بالمشروع وكالاتي : ـ
1ـ يتبين من القراءة الاولية للمشروع * أنه يبني دولة المستقبل على أساس موازين القوة الحالية وليس على أساس الحق الذي لا يمكن تجزئته او منحه بمقدار ما يملك هذا الطرف او الاخر من القوة (الفعلية او الكثرة العددية). ونحن نرى ان الشعوب تتساوي بحقوقها، وهذا مبدأ انساني مقر دوليا. ان العراق يتألف من شعوب عديدة، وهي العرب والاكراد والاشوريين والتركمان، والملاحظ ان المشروع يمنح حقا لشعب ويسلبه من الاخرين وكذلك الظلم الذي تعرضت له وخاصة في المقدمة الخاصة بلائحة الحقوق الاساسية للمواطنين العراقيين والمادتين الرابعة والخامسة من مشروع الدستور العراقي، ويبقي هناك التجاهل التام لشعبنا الاشوري وعدم مساواته بالقوميات العراقية الاخرى، وهذا برأينا عائد الى قلة عددنا قياسا بالعرب والاكراد من ناحية، وعدم وجود قوى اقليمية تذكر بحقوقنا قياسا بالتركمان من ناحية ثانية. ان حجة قلة عدد الاشوريين هي حجة مرفوضة، فنحن شعب مهما كان عددنا يجب ان نتساوى مع بقية الشعوب العراقية، ومن جهة اخرى فان رفع الغبن التاريخي عن الاشوريين هو واجب كل القوى العراقية، فقلة عددنا هي نتاج لمذابح اقترفت بحق شعبنا خلال المائة والخمسون السنة السابقة وتحت شعارات معروفة ولغايات معروفة لكل المطلعين على حقائق التاريخ السياسي للمنطقة. انه لا يمكن لاحد ان ينكر حقيقة انه لولا هذه المذابح لكان تعداد شعبنا وديموغرافيته اضعافا مضاعفة لما هو عليه اليوم. ان عدم اخذ هذا العامل بنظر الاعتبار، وتعييرنا الدائم بقلة عددنا هو شرخ في الاساس القانوني والانساني للبلد الذي ننوي جميعا بنائه على اسس جديدة.
فالمطلوب هو رفع نتائج هذه المظالم واعادة الاعتبار لشعبنا، وليس العكس. فمن غير العدل ان يتم التعامل مع شعبنا وتبرير تهميشه بذريعة قلة العدد الذي كما اسلفنا هو نتاج لمظالم مرت.
الاشوريون في العراق حقيقة وليست بدعة، فتاريخهم هو بعمق تاريخ العراق أو أكثر وعليه فمن غير الجائز ابدا الاشارة اليهم بالاقلية.
2ـ ان تحديد حق تقرير المصير للاكراد فقط يستند هنا براينا على عامل القوة وليس على عامل الحق الطبيعي، فلو كان كذلك لوجب ذكر العرب والاشوريين والتركمان بإعتبار إن الدولة العراقية الموعودة ستكون دولة لكل العراقيين، وبالتالي فان من حق اي شعب من شعوب العراق ان يتمتع بحق تقرير المصير (تساوي حقوق الشعوب). وعليه نقترح ان تعاد صياغة الفقرة 11 من القسم الثاني من اللائحة كالاتي:
(حق شعوب العراق من العرب والاكراد والاشوريين والتركمان في تقرير مصيرها استنادا الى اقرار الاكثرية من هذه الشعوب وبارادتها الحرة الغير المنقوصة وباسلوب ديمقراطي شفاف).
3ـ يتضمن هذا المشروع تناقضات عديدة، وخصوصا انه مشروع للدولة الفدرالية، فاي دستور فدرالي يجب ان يوازن بين الولايات الفدرالية، وهذا التوازن لا بد من انعكاسه وملاحظته في التمثيل في المجالس التشريعية والتنفيذية. الا ان المشروع المقترح لا يحقق ذلك. فالمشروع برغم اقراره بفدرالية العراق (ثلاثة ولايات) الا انه يحدد مجلس تشريعي واحد وكأن العراق دولة مركزية او ذات نظام مركزي غير فيدرالي. كما ان التوزيع الفدرالي مستند في حالة الاكراد على العامل القومي، اما ولاية الوسط، وبرغم عدم ذكر ذلك، فانها حتما ستكون ذات غالبية سنية، وولاية الجنوب ذات غالبية شيعية. وهذا ايضا تقسيم غير موضوعي ومتناقض. ومثل هذا النظام المقترح يلغي حقوق الاشوريين والتركمان، إضافة الى ان هذا التقسيم سيخلق لنا مشكلات اقليمية. وبرغم ان شكل الدولة هو مسألة سيادية يقررها ابناء الدولة، ولكن التأثيرات الاقليمية تعني الكثير، فنحن لا نبني الدولة من اجل تحقيق مثال او لتكوين لوحة فنية جميلة، بل الغاية من الدولة ونوعية بناءها هي خدمة المستقبل، مستقبل العراقيين، والقدرة على تطويرها وتطوير الحريات فيها، وبالتالي يجب ان تؤخذ المخاوف الاقليمية بنظر الاعتبار لكي لا يتم وضع العصي في عجلات دولتنا الفتية. ويجب ان لا ننسى مقدرات دول الجوار وتأثيراتها على التدخل السلبي في تطوير مشروعنا وخصوصا عندما تستند على مخاوف اطراف فاعلة على الارض العراقية.
اننا نفضل ان تكون هذه الفقرة كالتالي:
(يتألف العراق من ثمانية عشر محافظة، لها استقلالية داخلية يقودها او يديرها مجلس وزراء منبثق عن مجلس تشريعي منتخب من قبل ابناء المحافظة على ان يتم مراعاة النسب الحقيقية لكل القوميات فيها في تشكيل المجلس التشريعي او التنفيذي، ويتم تحديد صلاحيات المجلسين بقانون خاص، يصدر استنادا على هذا الدستور. كما يمكن للمحافظات ان تنسق فيما بينها في اي شأن ترتأيه).
4ـ ان ذكر العرب والاكراد كقوميات رئيسية فقط، يعني الانتقاص من قيمة الاشوريين والتركمان، ونفضل ان تحذف كلمة رئيسية وعندما تكون الحاجة للذكر يجب أن تكون بصيغة القوميات التالية العرب والاكراد والاشوريين والتركمان، وهم جميعا متساوون بالحقوق في الوطن المشترك.
5ـ نقترح ولحل الاشكال القومي، واستنادا الى المبدأ الغير القابل للانتقاص بان الشعوب جميعها متساوية في حقوقها، ان يكون للعراق مجلسان تشريعيان مركزيان تحدد صلاحياتهما بقانون على ان يتساويا في الصلاحيات، ولا يعتبر اي قانون نافذ المفعول ما لم يصادق عليه من قبل المجلسين. وهما:ـ
اولا : المجلس الوطني العراقي ـ ويكون عدده محددا بقانون. وتتمثل فيه كل قومية عراقية بحسب نسبتها من الشعب العراقي، ويقوم كل مواطن عراقي بانتخاب ممثلي قوميته في هذا المجلس الذي تكون صلاحياته التشريعية والرقابية مماثلة لمجلس القوميات،.
ثانيا : مجلس القوميات ـ يمثل في هذا المجلس كل قومية عدد متساو من الممثلين المنتخبين من قبل ابناء القومية المعنية، وتؤخذ القرارات فيه بالاكثرية وعند اجماع ممثلي قومية ما ضد مقترح او مشروع يعتبر المقترح او المشروع غير نافذ (الاقلية المعطلة). ونستطيع إعتبار مجلس القوميات ضمانة لحماية الهوية والخصوصية القومية للقوميات الصغيرة من الاكثرية.
6ـ رئيس الجمهورية ـ لتأكيد المساواة القومية، ولرمزية واجبات رئيس الجمهورية، نرى ان يكون هناك تبادل دوري لهذا المنصب بين القوميات العراقية، على ان ترشح كل قومية ممثلها او ممثليها لهذا المنصب، ويقوم المجلسان التشريعيان بانتخاب احد المرشحين باكثرية عددية ولفترة رئاسية واحدة يحددها القانون. ويشترط في المرشح ان يكون متساميا على الصراعات الحزبية والفئوية والقومية.
7ـ يتم تشكيل مجلس الوزراء، والذي يقوم بادارة شؤون الوطن اليومية من قبل الجهة الحائزة على الاغلبية في المجلسين التشريعيين، قد تكون هذه الغالبية حزبية او نتيجة تحالفات، على ان يضم مجلس الوزراء المركزي ممثلين لكل القوميات العراقية وبحسب نسبتهم من سكان العراق على ان لا يقل عن ممثل واحد.
8ـ المحكمة الدستورية ـ وحيث انها المحكمة التي تفصل في دستورية القوانين ومدى توافقها مع المعاهدات الدولية التي تعلو على القوانين الوطنية، وهي المحكمة التي تمثل ايضا احدى وسائل اظهار المشاركة الفعالة والمتساوية لابناء العراق في المصير المشترك، فأننا نرى ان يكون اعضاءها مرشحين من قبل مجلس القوميات على اساس ان تمثل كل قومية بعدد محدد يتفق بشأنه وبموافقة المجلس الوطني ومصادقة رئيس الجمهورية وان تكون عضويتهم لمدى الحياة ما عدا في حالات الاستقالة الطوعية او بسبب العجز والعوق. ويخضع اعضاء المحكمة الدستورية للمساءلة والمحاسبة امام المجلس المشترك (المجلس الوطني ومجلس القوميات).
9ـ وحيث إن العراق متعدد الاثنيات والاديان فمن المهم والضروري أن يتم فصل الدين عن الدولة وإعتماد مبدأ العلمانية في تشريعات الدولة وقوانينها.
10ـ إن ما تعرض اليه الشعب العراقي بكل نسيجه الوطني وخاصة من حيث عدم تمتعه بالحقوق الاساسية المثبتة وفق ميثاق حقوق الانسان فإننا نرى أن يكون الميثاق جزء من متن الدستور.
11ـ لا يخفى على أحد إن الجيش العراقي ومنذ تأسيسه تدخل في أمور ليست من صلب مهامه الاساسية والسبب يعود بالتأكيد الى قادته وبتحوله الى جيش عقائدي ملتزم بنظرة سياسية وأفق محدد لا يحيد عنه، من هنا فإننا نرى أن تحدد واجبات الجيش الوطني العراقي بالدفاع عن البلد ضد أي عدوان خارجي ويمنع تدخله في السياسة، وأن يكون حياديا ويكون وزير الدفاع مدنيا.
12ـ حيث إن الظروف التي مر بها العراق وطن وشعب وأرض نتيجة السياسات التي مورست بحقه ولدت البغض والضغينة والحقد بين البعض من ابناء الشعب، من هنا فإننا نرى ضرورة سن قانون للتسامح الوطني للتمهيد بتنقية الأجواء بين أبناء الشعب والتحرر من ذهنية الانتقام.
13ـ هناك نقاط مطروحة في المشروع تتناقض مع نقاط أخرى فيه، مثل الاشارة مرة الى الغاء عقوبة الاعدام بصورة قطعية ومرة اخرى بعدم انزال عقوبة الاعدام بالسياسيين.
14ـ نرى من الضروري احتواء أي دستور مستقبلي وبشكل لا يقبل الجدل على تخصيص الموارد المالية الملائمة والظروف المناسبة لتطوير التعلم باللغات الكردية والسريانية والتركمانية لأبناء القوميات الكردية والآشورية والتركمانية مع رعاية الدولة وكل مؤسساتها الاعلامية والعلمية والتربوية للخصوصية الثقافية والقومية لابناء هذه القوميات.
ختاما نأمل أن نكون قد وفقنا في طرح رأينا أنطلاقا من كونه واجب وإغناء لبناء عراقنا المستقبلي
الحزب الوطني الآشوري
مكتب الثقافة والاعلام
أيلول 2002
* والمقصود به مسودة مشروع دستور العراق والذي قدمه الاستاذ الفاضل الدكتور منذر الفضل