جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3863 - 2012 / 9 / 27 - 23:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هي لعبة لم يخترعها عالم ولم يستكشفها مستكشف لأنها تولد بالفطرة عند البشر وعند الجمادات حين نعرف أن في الكون كواكب ومجرات ونجوم وأراضين كلها مثلنا تعشق لعبة اللف والدوران...الزمن يدور بنا..ويلف بنا ولا ندري إلى أين سيأخذنا هذا المساء أو صباح الغد,ولا أحد فينا يكف عن سياسة لعبة اللف والدوران رغم أنها حالة متعبة ومرهقةٌ في نفس الوقت, والناس كلهم أو أغلبهم أصحاب لف ودوران ورواد محترفون يلعبون الثلاث ورقات, ,حتى الأطفال في ساعات الذروة يلفون في الغرفة ويدورون مشكلين حلقة أو دائرة محكمة الإغلاق ...الأطفال الصغار يتخذون من اللف والدوران لعبة مسلية وحين يكبرون سيصبحون مثلنا اللف والدوران بالنسبة لهم سيكون طريقة حياة ومذهب وجودي ولا يوجد حولنا شيء إلا ويلف ويدور بنا ولا يوجد من بيننا إنسان إلا والزمن دار به ولف به بعيدا وقريبا,وكلنا قد أكل الدهر علينا وشرب فمن الناس من شرب من عرقه وكفاحه ومن الناس من شرب من دموعه حتى الثمالة ومن الناس أيضا من شرب من دمائنا وهو يلف ويدور بنا ولا ندري إلى أين المسير,والذي يريد أن يسدي لنا خدمة يبقى يلف بنا ويدور من شارع إلى شارع ومن موضوع إلى موضوع ومن قصة إلى قصة ومن رواية إلى رواية ومن بلدٍ إلى بلدٍ آخر حتى نعوف الدنيا ونمل ونيأس من كل شيء,وأنا تعبتُ من كثرة اللف والدوران حول نفسي حتى أنني صرت أشعر بأنني مصاب بدوران البحر أو بدوران الأماكن المرتفعة... اللف والدوران هو لعبة هذا الكون ولسنا وحدنا معشر البشر من يلف ويدور حول نفسه ليفهم شيئا أو جزء من اللعبة,فالكل يلف والكل يدور حول نفسه بدء من الأرض وانتهاء بالذرة وبالكواكب التي فوقنا.. والرياح تأتي لتلتف حولنا ولتعصرنا عصرا والشمس تدور فوق رؤوسنا أو يتهيأ لنا ذلك لأن الحقيقة تقول بأن الشمس لا تلف ولا تدور وإنما نحن الذين نلف وندور من حولها.. الكون يعتمد على اللف والدوران وكل شيء من حولنا يلف ويدور إما مع عقارب الساعة وإما بعكس اتجاه عقارب الساعة,وبعض الناس يعتمدون في أكلهم وشربهم على سياسة اللف والدوران,إن اللف والدوران بالنسبة للبعض لعبة تغريك بمظهرها وتجعلك تائها تشعر بمتعة الضياع والدوران ,عجلات السيارات تدور وتلف حول نفسها,عجلات القيطارات أيضا تلف وتدور حول نفسها..الماتورات التي تعمل على المشتقات النفطية تدور دورة كاملة حول نفسها,أستاذ المدرسة يلف ويدور حول التلاميذ وبين الصفوف وهو يشرح ويعلق على الدرس اليومي الذي يبتلعه الطلاب ابتلاعا عن بكرة أبيه قبل أن يقتنعوا بما يقرؤونه أو يدرسونه,والطيور في السماء كلها تلف وتلف وتلف ومن ثم تهبط الأرضَ ومن بعدها تصعد علوا شاهقا لتعود إلى اللف والدوران حول نفسها أو حول ضحيتها, وكذلك الإنسان يبقى يلف حول جريمته التي يرتكبها أو حول خطأه الذي أخطأه أو حول جملة صاغها بشكل خاطئ,والكل يلف ويدور والكل يتعب من اللف والدوران والكل في النهاية يسقط في نفس الحفرة التي حفرها لأخيه في الإنسانية, عالم مجنون ومهووس باللف وبالدوران وبالحركة ولا أحد يريد أن يتوقف عن اللف وعن الدوران,الكل تعجبه اللعبة والكل لا يرغب بالتوقف عن اللف والدوران رغم أن الجميع يلف حول نفسه ويبقى في نفس المكان ويعود إلى نفس النقطة التي بدء منها مشواره الطويل.
هذه الأرض التي نقف عليها تلف حول نفسها ليل نهار مثل الإنسان الأهبل الذي يدور حول نفسه أو مثل الذي يركض خائفا ولا أحد يلاحقه أو يركض خلفه ولو نظرت إليها من الأعلى وشاهدتها وهي تلف حول نفسها لضحكت كثيرا عليها وعلى من فيها ولقلت في نفسك: لماذا تلفين حول نفسك؟هل أنت معجبة بشكلك البيضوي أم تبحثين عن شيءٍ ضاع منك؟,وتخيلوا معي هذا المنظر: الأرض ليل نهار تدور وتلف حول نفسها دون أن تصاب بالصداع وبالغثيان من كثرة اللف والدوران حول نفسها ولو شاهدها فقيه من فقهاء السنة الأربعة لقال: من المحتمل أنها تلف وتدور بحثا عن رزقها, وبنفس الوقت هي مثل الإنسان الأهبل الذي يمشي في الشارع وهو يكلم نفسه,هذا الكون عجيب جدا مثل الأرض فهنالك من يلف ويفتل طوال النهار حول نفسه وهنالك من يصطدم بك في الشارع دون أن يلحظ وجودك ويعتذر إليك ويرجوك أن تقبل اعتذاره لأنه لم يشاهدك رغم أن حجمك أكبر من حجمه بمرةٍ أو بمرتين, وهنالك من يلف حولك ليل نهار وأنت لا تعرف ما الذي يريده منك ولماذا يلف حولك ليل نهار, وأنت تلف حولي وأنا ألف حولك وهم يلفون حولنا ونحن نلف حولهم وكلهم يلفون حول بعضهم البعض وكأننا على أعتاب خلية نحل الكل فيها يدور بحركة سريعة.
وتكتمل دورة التنفس الطبيعية بين الإنسان والحيوان والنبات بشكل دوري ,وطوال أيام الأسبوع تلف وتدور لتعود من جديد إلى بداية الأسبوع, والسنة الشمسية تبقى تلف وتدور على عدد الشهور والأيام والساعات ونحن نقف لنشاهد ذلك دون أن نفعل أي شيء,ودولاب الزمن يلف بنا حتى يأتي على يوم مولدنا لنكرر معه لعبة اللف والدوران..والأنهار تمشي لتصب في البحار والبحار والمحيطات لا يقدمن أي كلمة شكر والشمس واقفة بلهاء تنظر للكرة الأرضية وتضحك عليها وهي تلف وتدور, ونحن أيضا نقف مثل البلهاء أو بالأحرى كلنا أغبياء نأتي إلى هذه الدنيا ونرحل عنها وندفن تحت التراب بعد أن تكبرنا وتجبرنا وعاندنا وبعد كل ذلك جرثومة صغيرة لا ترى بالعين المجردة تقضي على أكبر متجبر على وجه الكرة الأرضية وعلى أضخم مخلوق دون أن تترك له وقتا يودع به أصحابه وأصدقاءه. .. وفي النهاية نذهب تحت الأرض ولا ندري إلى أين ستأخذنا هذه الأرض ولا ندري أيضا من أين جئنا إلى هذه الحياة وهل كنا في عالم آخر قبل هذا العالم أم جئنا من العدم...!!, هنالك من يراقب بالناس من على بعد ويخشى الاقتراب منهم وكأنه يقف على بعد عدة أمتار من بحيرة(بريكلي)في ولاية(مونتانا).. والمسير يطول والرحلة أصلا قصيرة جدا ونحن في هذه الحياة مثل ركاب في القيطار في كل لحظة يتوقف القيطار لينزل أحد الركاب في المحطة التي يريدها ونحن هكذا نسقط ونموت واحدا تلوى الآخر وننظر إلى بعض غير قادرين على أن نمنع الموت من اللحاق بنا, والحياة بعد ذلك تستمر بدورتها الطبيعية,ومع ذلك يستمر بنا اللف والدوران حول بعضنا وحول أنفسنا, فمن الناس من يبقى في بيته يلف ويدور حول نفسه ومن الناس من يبقى في الشوارع من شارع إلى شارع ومن محل تجاري إلى محل تجاري يبقى هكذا يلف ويدور حتى يسقطه التعب أرضا من كثرة الإرهاق والتفكير ذلك أن الأفكار هي نفس الأفكار التي تبقى تدور وتدور حول نفس الموضوع والأسئلة الطبيعية التي شغلت تفكيرنا منذ الصبا سنشيخ ونكبرُ ونموت دون أن نجد إجابة واضحةً عليها, يا لها من لعبة كلها لف ودوران!!, حكايتنا مع الكون تكاد أن تكون طرفة جميلة وحكاية مسلية نبكي فيها أكثر مما نضحك ونلفُ وندور حول نفس الموضوع الذي شغل اهتمامنا منذ لحظة إدراكنا لذاتنا,إنه عالم مجنون من كثرة اللف والدوران, لست أدري من هو الأهبل نحن أم هذا الكون الذي تبقى به الكرة الأرضية تلف حول نفسها مثل المجنون الذي يلف في الشوارع ليل نهار!!.
تدور الكرة الأرضية بسرعة 160 كيلومتر في الساعة,ونحن فوقها لا نشعر بدورانها, والأرض تجذب القمر والقمر يجذب البحر,وهذا المسلسل يتكرر في كل يوم.والمشهد ما زال نفس المشهد والأمنيات ما زالت هي نفس الأمنيات,حكايات يطويها الزمن وحكايات ما زالت تتكرر بنفس المشهد مع اختلافات قليلة بالأسماء وبالصور ولكن الأخطاء التاريخية ما زالت هي نفس الأخطاء تلف وتدور وتتكرر بنفس الطريقة ولا أحد يتعظ من التاريخ أو من الكوارث الطبيعية, عالم مجنون ونحن (المجنونين) بها أكثر ومعجبون بها أكثر رغم أنها من الصعب أن تقتنع بأي أحدٍ منا مهما فعل ومهما ارتقى بفكره وبإنسانيته,والحظ لا يخدمنا بشكل جيد رغم أننا ندعي أحيانا بأننا محظوظون جدا, والدنيا حقيرة ومع ذلك نتمسك بها جيدا خشية الخروج منها, إننا لا نكف عن اللعب بالنار ولا عن اللف والدوران,ومع كل ذلك لا نفهم لماذا الأرض تلف ولماذا نحن نلف حول أنفسنا ولماذا يكرر التاريخ نفسه.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟