|
الحد الأدنى للأجور الحكومة المغربية والباطرونا خارج القانون
عبدالله لفناتسه
الحوار المتمدن-العدد: 1123 - 2005 / 2 / 28 - 09:32
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
أن يقع الإحتيال على المواطنين من طرف شركات متعددة الإستيطان، ويفرض عليهم أداء فواتير خيالية لاستهلاك الماء والكهرباء والهاتف، فدلك أمر أصبح مثار احتجاجات جماهيرية مستمرة ضد ريضال و ليديك و أمانديس و فيفاندي. وأن تنصب شركة خليجية بتواطؤ مكشوف من الدولة المغربية على عشرات الآلاف من الشباب وأضعاف أضعافهم من الضحايا/أفراد أسرهم ، فتلك عملية دخلت بها بلادنا كتاب غينيس في مجال النصب الرسمي، أما المسؤولون والمتورطون في هده الفضيحة فلا خوف ولا هم يحزنون، وقد تمت مكافأة بعضهم وترقيتهم إلى درجة وزير دولة !. أما أن يتم الإحتيال على مئات الآلاف من العمال والعاملات وأسرهم من طرف الحكومة نيابة عن الباطرونا الجشعة، فتلك درجة عليا من الوقاحة ودليل على أنها – أي الحكومة – ما عادت تجد حرجا في نشر فضائحها عبر وسائل الإعلام أو في تقارير الهيئات الحقوقية والنقابية وغيرها. ويكفي التذكير بفضيحة الرشوة المقدمة للفيفا، وملفات المطاحن و الخطوط الملكية المغربية والبنك الشعبي والقرض الفلاحي والقرض العقاري والسياحي والآن البنك الوطني للإنماء الإقتصادي...وغيرها من الملفات التي أقبرت أو في طريقها إلى الإقبار.
فكيف احتالت الحكومة والباطرونا على الطبقة العاملة في مجال الحد الأدنى للأجور (ح.أ.أ) ؟
1. بإلحاح من الحكومة جرت في ربيع 2003 مفاوضات ماراطونية بين ممثليها وممثلي الباطرونا والنقابات التمثيلية، انتهت بتوقيع اتفاق 30 أبريل 2003، الدي تضمن إقرار مدونة الشغل بعد إدخال تعديلات على بعض موادها والقبول المبدئي بالتفاوض حول قانون الإضراب، مقابل التزامات عديدة للحكومة والباطرونا إزاء المأجورين ومن ضمنها الزيادة في ح.أ.أ . حيث اتفقت الأطراف على زيادة نسبة 10 % توزع على شطرين. لكن المفاجأة الأولى تمثلت في عدم التنصيص في الاتفاق الموقع على تاريخ مفعول هده الزيادة (أي5% ابتداء من يوليوز 2003 و5% ابتداء من يوليوز 2005). وقد كان ذلك أول مؤشر على عملية الاحتيال الكبرى التي قام بها تحالف الحكومة والباطرونا ضد الطبقة العاملة في مجال ح.أ.أ.
2-إذا كان الجميع قد لاحظ أنه مباشرة بعد توقيع اتفاق 30 أبريل 2003، انكبت الحكومة على إخراج القانون المتعلق بمدونة الشغل التي تكرس المفهوم اللبرالي لمرونة الشغل ، فإن المطالب العمالية قد تم تجميدها. وكان لابد من خوض معارك أخرى من طرف مختلف فئات المأجورين (التقنيين، المتصرفين، الإعلاميين...) لتطبيق الزيادة المقررة في الأجور ومراجعة بعض القوانين الأساسية.
بل إن الحكومة حاولت خلال صيف 2003، استغلال التراخي الذي تعرفه عادة فترة الإجازات لتمرير مشروع مرسوم متعلق بالزيادة في ح.أ.أ ابتداء من يوليوز 2003 بنسبة 5 % بالنسبة للقطاع الخاص باستثناء بعض القطاعات (ومنها النسيج) التي كانت ستؤجل فيها هده الزيادة إلى يناير 2004. مما أثار احتجاج الاتحاد المغربي للشغل على هذا التمييز المخالف لمعايير الشغل والذي كان سيشكل سابقة في المغرب. "فتراجعت" الحكومة على هذا المشروع، لكنها بدل تصحيح موقفها وتطبيق الزيادة على جميع القطاعات بنفس الأثر، فإنها عملت بمبدأ "المساواة" في تأجيل هذه الزيادة بالنسبة للجميع، وأخرتها إلى تاريخ 07 يونيه 2004، أي زهاء سنة إضافية ! وكانت تلك الحلقة الثانية في عملية احتيال الحكومة والباطرونا ضد الطبقة العاملة.
ولقد كان بإمكان الحكومة أن تماطل شهورا أخرى قبل تطبيق الزيادة في ح.أ.أ، لولا حصول مستجد هام. ويتعلق الأمر بدخول مدونة الشغل حيز التطبيق ابتداء من 08 يونيه 2004. لماذا ؟
3- تنص مدونة الشغل على تخفيض مدة العمل العادية من 48 إلى 44 ساعة في الأسبوع، دون أن يترتب عن ذلك تخفيض في الأجر الشهري للعمال (المادة 184). وإذا علمنا أن ح.أ.أ الشهري كان يساوي 1826,24 دهـ نستنتج أن الأجرة الدنيا للساعة كانت ستنتقل أوتوماتيكيا من 8,78 دهـ إلى 9,58 دهـ ابتداء من 08 يونيه 2004. وبالتالي لو تأخرت الحكومة في إصدار مرسومها الذي يحدد ح.أ.أ في 9,22 دهـ للساعة لكان هذا المرسوم سيصبح غير ذي معنى. لاحظوا السرعة التي اشتغلت بها الحكومة في هده الحالة، حيث لم يتطلب إصدار المرسوم سوى ثلاثة أيام بين المصادقة عليه في المجلس الحكومي (4 يونيه) ونشره في الجريدة الرسمية (07 يونيه) أي عشية دخول مدونة الشغل حيز التطبيق.
4- إذن فإن إصدار الحكومة للمرسوم الجديد حول ح.أ.أ بشكل متزامن مع دخول مدونة الشغل حيز التطبيق، كان يهدف إلى التحايل والالتفاف على أحد التزاماتها في اتفاق 30 أبريل 2003، وإعطاء الانطباع بأنها طبقت الزيادة المقررة في أجور العمال، ومن جهة ثانية ضرب المكسب العمالي البسيط الذي كان سيترتب على تخفيض مدة العمل العادية من 48 إلى 44 ساعة في الأسبوع، أي الارتفاع الأوتوماتيكي لأجرة الساعة الواحدة للحفاظ على الأجر الشهري.
5- وحتى إذا تجاوزنا الملاحظات الجوهرية السالفة الذكر وقبلنا بالأمر الواقع، أي تحديد الحد الأدنى للأجور في 9،22 دهـ ابتداء من 07 يونيه 2003 (تاريخ صدوره بالجريدة الرسمية) فإن ذلك يعني أن الحد الأدنى الشهري للأجور المطبق عشية دخول مدونة الشغل حيز التطبيق هو 9,22 * 208 = 1917,76دهـ، ويجب أن يبقى مستقرا رغم تخفيض مدة العمل العادة في اليوم الموالي (08 يونيه). أي أن أجرة الساعة الواحدة ستنتقل أوتوماتيكيا بمقتضى المادة 184من 9,22 إلى 10,06 دهـ للحفاظ على نفس الأجر الشهري (10,06 * 190,66 = 1917،76).
وبخصوص الشطر الثاني من الزيادة (5 % ) أي 0،44 دهـ في الساعة، فمن المفروض على الحكومة لو احترمت التزاماتها الموقعة في 30 أبريل 2003، أن ترفع ح.أ.أ ابتداء من فاتح يوليوز 2004 إلى (10,06+0،44=10،50دهـ في الساعة).
6- خرق سافر آخر تضمنه مرسوم 4 يونيه 2004، ويتمثل في مادته الثالثة التي تسمح لوزير التشغيل بتأجيل الشطر الثاني من الزيادة في ح.أ.أ بالنسبة للقطاعات التي تعرف صعوبات، بعد التشاور مع ممثلي النقابات التمثيلية والباطرونا.
فقد دعت الحكومة إلى اجتماع ثلاثي يوم 13 يوليوز 2004 "للتشاور" في الموضوع. وقد أجمع ممثلو النقابات الحاضرون على رفض أي تأجيل جديد لهذه الزيادة الهزيلة، علما بأن الحكومة أخرت تطبيقها سنة كاملة، فضلا عن مخالفة هدا التأجيل لمدونة الشغل نفسها. وانفض الاجتماع دون الوصول إلى توافق.
ومع ذلك أصدر وزير التشغيل قرارا مؤرخا في 05 غشت 2004 يقضي بتأخير الشطر الثاني من الزيادة المذكورة إلى فاتح يناير 2005 بالنسبة لقطاعات النسيج والسياحة والصناعة الغذائية. مما فتح الباب لتطبيق مستويات قطاعية متعددة للحد الأدنى للأجور، كسابقة خطيرة تنضاف إلى التمييز بين قطاعي الصناعة والفلاحة. ويمكن اليوم الوقوف في القطاع الصناعي على الأجور الدنيا التي أصبح يسمح بها القانون:
القطاع العمال الجدد (*) العمال القدامى النسيج دهـ/الساعة دهـ/الشهر
9،22 1758،00 دهـ/الساعة دهـ/الشهر
10،06 1917،76 الكيماويات 9،66 1841،84 10،50 2002،00
(*) عمال اشتغلوا بعد تطبيق مدونة الشغل في 08 يونيه 2004
هذا ما أصبح يسمح به "القانون" من تمييز في الأجور، أما إذا استحضرنا واقع أغلب المؤسسات الصناعية والفلاحية التي لا تطبق قانون الشغل، فسندرك حجم الكارثة التي تعيشها الطبقة العاملة على مستوى الأجور.
7-إن مرسوم 07 يونيه 2004 يخرق معايير الشغل الوطنية والدولية التالية:
أ- مدونة الشغل: سواء في ديباجتها التي تنص على"توحيد الحد الأدنى للأجر بين مختلف القطاعات بصفة تدريجية" أو في مادتها 358 التي لا تربط ح.أ.أ بقطاعات الإنتاج، بل تعرفه باعتباره"القيمة الدنيا المستحقة للأجير والذي يضمن لدوي الدخل الضعيف قدرة شرائية مناسبة لمسايرة تطور الأسعار.." .
ب- الاتفاقيتين الدوليتين رقم 100 و111 والمصادق عليهما من طرف المغرب، وتنص الأولى على "المساواة في الأجر بين العمال والعاملات عند تساوي قيمة العمل"، وتمنع الثانية التمييز في ميدان الاستخدام والنشاط المهني وكل "تفريق آخر أو استثناء أو تفضيل يرمي إلى القضاء على التعادل في الآمال أو في المعاملة..."
ج- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الدي ينص في مادته 23على مايلي :
- "... لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساو والعمل - لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرض يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية..."
د- العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية يقر في مادته7 "...بحق كل فرد في المجتمع بشروط عمل صالحة وعادلة تكفل بشكل خاص، مكافآت توفر لكل العمال كحد أدنى: أجور عادلة ومكافآت متساوية عن الأعمال متساوية القيمة دون تمييز من أي نوع..."
8- ونتساءل كيف أن الأمانة العامة للحكومة التي دأبت على عرقلة وتعطيل العديد من مشاريع القوانين لشهور وسنين عديدة، بدعوى وجود "عيب" شكلي في صياغتها، لم تلاحظ مخالفة المادة 3 من مرسوم 07يونيه 2004 لمدونة الشغل ولمعايير الشغل عموما. وكيف أن وزارة المالية التي يرأسها عضو في مكتب سياسي لحزب "اشتراكي" يوقع مرسوما يتراجع عن مكسب حققته الطبقة العاملة المغربية في ظل الإستعمار الفرنسي (ظهير 18يونيه 1936)؟
إنه الوجه الحقيقي للمفهوم الليبرالي لمرونة الشغل وحلقة أخرى من حلقات الهجوم الرأسمالي على الطبقة العاملة وعلى مكتسباتها في إطار العولمة اللبرالية المتوحشة. الرباط في 10 دجنبر 2004.
#عبدالله_لفناتسه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ندوة لقسم الحماية الاجتماعية :
-
جلسة مثمرة في مؤسسة “سبيبا”
-
شيكات: ماذا عن الأحكام الانتقالية الخاصة باصحابها محل التتبع
...
-
الفينيق يُطلق حملته السنوية بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة ال
...
-
الفينيق يُطلق حملته السنوية بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة ال
...
-
نقابة الصحفيين الفلسطينيين تطلق حملة صحفيات بزمن الحرب
-
الحكومة الجزائرية : حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر
...
-
تأكيد المواقف الديمقراطية من الممارسة المهنية وعزم على النهو
...
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|