هازل هندرسون
الحوار المتمدن-العدد: 1123 - 2005 / 2 / 28 - 09:23
المحور:
الادارة و الاقتصاد
جائزة نوبل للاقتصاد
الدجل
خلاف غير اعتيادي نشب مؤخرا في الاجواء الراقية التي ترافق تسليم جوائز نوبل. وقد جاء صوت السيد بيتر نوبل، احد ورثة المؤسس الفرد نوبل، ليضاف الى جوقة الاعتراض المتزايدة في اوساط العلماء على التشويش المحيط بـ"جائزة بنك السويد للعلوم الاقتصادية تكريما لذكرى الفرد نوبل". منذ أن أسسها المصرف المركزي السويدي عام 1969، تخلط هذه الجائزة البالغة قيمتها المليون دولار مع جوائز نوبل الحقيقية الى درجة انه بات يطلق عليها خطأ اسم "جائزة نوبل للاقتصاد".
في عددها الصادر في 10 كانون الاول/ديسمبر 2004، نشرت الصحيفة السويدية الواسعة الانتشار Dagens Nyheter رأيا مفصلا يحمل توقيع كل من عالم الرياضيات السويدي بيتر جاغر العضو في الاكاديمية الملكية للعلوم والوزير السابق للبيئة مانز لونروث استاذ كرسي "التكنولوجيا والمجتمع"، وعالم الاقتصاد والعضو السابق في البرلمان السويدي من يوهان لونروث. يبين المقال كيف ان بعض علماء الاقتصاد ومن بينهم بعض من حازوا جائزة مصرف السويد اقدموا على سوء استخدام الرياضيات من خلال خلق نماذج لديناميات اجتماعية غير واقعية.
وقد اوضح لنا السيد بيتر نوبل في مقابلة خاصة: "لم يشر الفرد نوبل مرة واحدة في مراسلاته الى جائزة في الاقتصاد. فالمصرف المركزي السويدي وضع بيضته في عش عصفور آخر بالغ الاحترام وتجاوزت بالتالي "الحقوق المحفوظة" لنوبل. وقد سُلّم ثلثا الجوائز الاقتصادية الى اقتصاديين أميركيين من مدرسة شيكاغو تساعد استنباطاتهم الرياضية في عمليات المضاربة في اسواق الاسهم خلافا لنيات الفرد نوبل الساعي الى تحسين شروط حياة البشر.
وربما جاء اختيار الفائزين للعام 2004 ليطفح الكيل اذ ذهبت الجائزة مرة اخرى الى خبيرين اقتصاديين اميركيين هما فين كيدلاند وادوارد برسكوت اللذان "برهنا" في مقالة تعود الى العام 1977 وانطلاقا من معادلة رياضية انه يجب على المصارف المركزية ان تكون مستقلة عن أي ضغوط من ممثلي الشعب حتى في البلدان الديموقراطية. وجاء التعريف بالفائزين بجائزة المصرف السويدي ليمجد هذا المقال "وتأثيره الكبير على الاصلاحات التي أدخلت في العديد من المناطق (منها نيوزيلندا والسويد وبريطانيا ومنطقة اليورو) بغية تفويض قرارات السياسة النقدية الى حكام المصارف المركزية المستقلين". بيد ان هذا النوع من "الاصلاحات" يطرح مشكلة داخل البلدان الديموقراطية بسبب الاهتمام بالشفافية لجهة القرارات العامة. فالسياسة النقدية تحدد توزيع الثروة بين الدائن والمدين اضافة الى سياسة المداخيل وتكافؤ الفرص. واذا كانت هذه السياسة متشددة فانها تعاقب الاجراء بتشجيعها البطالة وترفع من فوائد القروض لصالح المؤسسات الدائنة وصاحبة الرساميل.
لقد ثبت [1] اعتماد خبراء الاقتصاد من الكلاسيكيين الجدد على افكار ايديولوجية مسبقة وعلى عدد من المسلّمات لا تتسم باي واقعية. لكن مجموعة جديدة من العلماء ـ في حقول متنوعة كالفيزياء والرياضيات وعلم الاعصاب او البيئة ـ تطالب بدورها بأن يصار الى توسيع جائزة المصرف السويدي الاقتصادية ومنحها الى الاشخاص المناسبين وفصلها عن جوائز نوبل او الغائها بكل بساطة.
وتصدر هذه الاعتراضات عن باحثين في العلوم "العميقة" من الذين يدرسون العالم الطبيعي والذين تخضع اكتشافاتهم للتدقيق والمناقشة. وتؤدي جائزة الاقتصاد هذه الى تبخيس جوائز نوبل الحقيقية. لا سيما منذ تعرض الكتاب الكلاسيكي لنيكولاس جورجسكو روغن [2] الى سيل من الانتقادات وجهها اليه علماء البيئة وعلم الاحياء والخبراء في الموارد الطبيعية والمهندسون والمتخصصون في الطاقة المائية. ان المقاربة المتعددة الوجهات ـ الاقتصاد البيئي، اقتصاد الموارد الطبيعية الخ... ـ لا تشكل علاجا للاخطاء الاساسية للاقتصاد الكلاسيكي الجديد والذي يقارنه البعض بفعل ايمان ديني لا سيما بـ"اليد الخفية" للاسواق.
تعود الى السطح مسألة قديمة حول معرفة ما اذا كان الاقتصاد علما او مهنة. فبما ان "مبادئه" كافة لم تخضع للامتحان على غرار قوانين الفيزياء التي يمكن بموجبها ارسال صاروخ الى القمر، فان الميل يتجه الى اعتبار الاقتصاد مهنة. يمكن مثلا تقديم البرهان على ان "مبدأ" أفضل الاحتمالات لصاحبه باريتو [3] يتجاهل مسألة التوزيع المسبق للثروات والسلطة والاعلام مما يقود الى نتائج اجتماعية غير عادلة. ويستخدم التقديم الرياضي لهذه المفاهيم في اغفال الايديولوجيا الضمنية التي تحملها وفي إبعادها عن قدرة الجمهور الواسع وحتى ممثلي الشعب على فهم مسائل تعتبر مغرقة في "التقنية" بالنسبة اليهم.
هكذا ليس فقط ان علماء الاقتصاد يكسبون نفوذا متزايدا داخل المؤسسات النافذة التي تستخدمهم بل انهم نادرا ما يخضعون لمعايير التقييم التي تخضع لها سائر المهن حيث يحاكم الطبيب الذي يخطئ في علاج المريض بينما تجعل نصائح الاقتصاديين بلدا باكمله مريضا من دون ان يلحقهم من ذلك اي قصاص.
ان الاكتشافات الجديدة للباحثين في علوم الاعصاب والكيمياء الاحيائية والسلوك وضعت الاصبع اكثر على الجرح الذي يصيب الاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد أي تحويل "الطبيعة البشرية" الى حساب "للعامل الاقتصادي العقلاني" المسكون بهمّ مضاعفة فوائده الخاصة. وهذا النموذج القائم على الخوف والندرة هو نموذج دماغ الزواحف والالتصاق بمكان الاقامة الذي كان يطبع ماضينا البدائي. لكن الباحث في الجهاز العصبي في جامعة كلارمونت، بول زاك، حدد على العكس علاقة بين الثقة التي تدفع الآدميين الى التجمع للتعاون وهورمونة تناسلية اسمها "اوكسيتوسين".
من جهته، ديفيد لوي عاد الى كتابات تشارلز داروين وبرهن انه خلافا لما يشاع فان داروين لم يركز على فكرة "البقاء للافضل" والتنافس كعامل رئيسي في التطور البشري [4]. بل كان أكثر اهتماما بقدرة البشرعلى نسج علاقات الثقة وتقاسمها معتبرا النزعة الغيرية عاملا من عوامل النجاح الجماعي. توصلت دراسات اخرى راجعت نظرية الالعاب، الى نتائج مشابهة [5]. في كل حال لو لم يكن ذلك صحيحا فكيف انتقل البشر من مرحلة البداوة والصيد والقطاف الى مرحلة بناء المدن والمشاريع والكيانات الدولية كالاتحاد الاوروبي والامم المتحدة؟
خلافا لما يقوله تحويل الاقتصاد الى معادلة رياضية فالبشر لا يتصرفون كالذرات او كرة الغولف او "خنازير الهند" بل على عكس "الكائن الاقتصادي العقلاني" المتخيل في المؤلفات النظرية، يتمتع البشر بعقلانية لا علاقة لها بالمعنى الذي يعطيه الاقتصاديون لهذه العبارة.
وتتضمن دوافعهم المعقدة، الاعتناء بالآخرين والتقاسم والتعاون في اطار تطوعي غالبا. ان التحاليل الصورية المعلوماتية المبنية على مجموعة العوامل ربما تجعل الاقتصاد اكثر "علمية" في المستقبل. وقد تمكن مؤخرا نموذج اطلق عليه اسم "Sugarscape" من اعادة خلق الفروقات لجهة الفقر والحروب التجارية.
ان الجدل حول "جائزة المصرف السويدي للعلوم الاقتصادية" ـ وهدف الجائزة اعطاء هذه المهنة هالة علمية ـ اعاد طرح هذه المسائل المهمة والتهمة الموجهة هي في حصول دجل علمي. واذا كان لن يكون لهذا الجدل فرصة لمعالجته على يد النخب المجتمعة في دافوس تحت ثلج سويسرا، فانه جدير بأن يرد على مفكرة المنتدى الاجتماعي العالمي في بورتو اليغري.
--------------------------------------------------------------------------------
* من مؤلفاتها Building a Win-Win World وقد انشأت مع "مجموعة كالفرت" صناديق تعويضات مسؤولة اجتماعيا ومؤشرات الى نوعية الحياة اضافة الى مسلسل تلفزيوني حول اخلاق التجارة www.hazelhenderson.com
--------------------------------------------------------------------------------
[1] Politics of the Solar Age, 1981, rééd. 1988, Toes Books, New York.
[2] The Entropy Law and the Economic Process, 1971, rééd. 1999, Universe, Lincoln (Nebraska) ; pour une critique voir « Ecologists Versus Economists », Harvard Business Review, Boston, vol. 51, n° 4, juillet-août 1973.
[3] تسود بقوة الفكرة القائلة بانه لا يمكن في الاقتصاد تحسين وضع طرف دون الاضرار بطرف آخر.
[4] David Loye, Darwin’s Lost Theory of Love, toExcel, 2000.
[5] Robert Axelrod, The Evolution of Coopération, Basic Books, New York, 1985, Robert Wright, Non Zero : The Logic of Human Destiny (2000) et Riane Eisler, The Power of Partnership, New World Library, 2003.
#هازل_هندرسون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟