كريم عامر
الحوار المتمدن-العدد: 3862 - 2012 / 9 / 26 - 07:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى الفترة المقبلة لن أنسى أن أفتتح كل مقالاتى التى تتناول الشأن المصرى بسب ولعن من يمكننا أن نطلق عليهم مسمى "النخبة الثورية العلمانية التى إنتخبت مرسى حتى تتجنب عودة النظام السابق فى شخص شفيق" ، فكل المصائب والبلاوى التى سنعيشها سيكونون هم المسؤل الرئيسى عنها ، ورغم أننى ليس من صفاتى الشماتة فى مصائب الناس ، لكنهم هم الوحيدين الذين لن أخجل من إعلان شماتتى فيهم عندما تتأرجح أجسادهم على أعواد المشانق فى المستقبل القريب جدا ، الكثيرين حذروهم من خطورة هذه اللعبة لكنهم أغلقوا آذانهم وأصروا على أن هناك صراع يدور بين أنصار الثورة وفلول النظام ، بينما كان الأمر فى حقيقته صراعا بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العلمانية ، تجاهلوا الأمر تماما وتركونا ندفع ثمن غبائهم أو خيانتهم غاليا .
قبل أيام قليلة إعتقل المدون والناشط السياسى المصرى ألبير صابر عياد على خلفية إتهامات وجهت إليه تتعلق بإزدراءه للأديان السماوية عبر موقع الفيس بوك وقامت النيابة العامة بحبسه على ذمة الحقيقات قبل أن يصدر قرار من النائب العام بإحالته إلى محكمة الجنح ، وقبله إعتقل المدرس القبطى بيشوى البحيرى وصدر ضده لاحقا حكم بالسجن لمدة ست سنوات بتهم تتعلق أيضا بإزدراء الدين الإسلامى وإهانة رئيس الجمهورية الحالى .
ملابسات إعتقال ألبير صابر والتحقيق معه تعزز من مخاوف الكثيرين من المهمومين بقضايا حرية الرأى والتعبير والمدافعين عن مدنية الدولة فيما يتعلق بمستقبل مصر تحت حكم الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المتطرفة التى باتت تمارس العمل السياسى ، فعلى حسب ما أوردته العديد من المصادر ، فقد تجمع المئات من أهالى الحى الذى يسكنه ألبير أمام منزله محاولين الفتك به تحت ذريعة قيامه بنشر الرابط الذى يحوى مقاطع من فيلم " براءة المسلمين " على حسابه الشخصى بموقع فيس بوك ، وبالرغم من أن نشر هذا المقطع لا يعنى بالضرورة مسؤلية من نشره عن محتواه إن إفترضنا جدلا أن إنتاج مثل هذه المواد التى تتناول ما يعتبره البعض مقدسا بالنقد أو الهجوم أو السخرية ، إلا أن المتجمهرين حول منزله لم يعوا ذالك ، مدفوعين برغبة مسعورة تدعمها أهواء طائفية للإنتقام من شخص " مسيحى " يعتقدون أنه تطاول على مقدس " إسلامى " ، بالرغم من أنهم جميعا يدركون بشكل قاطع أن علاقة البير - الذى يجاهر بالحاده دائما - بالمسيحية لا تختلف كثيرا عن علاقتهم بها ، غير أن ما يضفى على الأمر القليل من المنطق ما بات واضحا للجميع من تحول الدين من مجرد مجموعة أفكار ومعتقدات يؤمن بها ويطبقها شخص أو جماعة إلى شكل من أشكال الإنتماء القبلى المورث والذى يقاتل بعضهم دفاعا عنه تماما مثلما يقاتل أبناء القبيلة الواحدة دعما لأحد ممثليهم فى مواجهة القبيلة الأخرى ، فعلى حسب شهادات بعض من حضروا واقعة القبض على ألبير ، فقد كان التجمع الذى حاصر منزله يضم العديد من أهالى المنطقة الذين يربطهم بـ" الإسلام " فقط أوراقهم الرسمية التى تثبت ذالك ، مجموعات من الغوغاء والبلطجية وأرباب السوابق ومدمنى المخدرات يتجمعون للإنتقام من شخص يعتقدون أنه أهان مقدساتهم !!! .
المؤسف فى الأمر أنه عندما شعرت والدة ألبير بالخطر المحدق بإبنها سارعت بالإتصال بالشرطة لطلب النجدة وإنقاذ إبنها ، غير أن الشرطة حضرت لا لتنقذ إبنها من بين أيديهم وتضعه تحت حمايتها وتلقى القبض على أفراد هذا التجمع الغوغائى الذين كانوا يهدفون بشكل مكشوف إلى الإجهاز على حياة ألبير وقتله ، بل حضرت لتلقى القبض على ألبير وتودعه حجز قسم الشرطة القريب من مسكنه ، دون أن يتعرض أى منهم لأفراد التجمع الغوغائى الذى يبدو كما لو كان يمارس سلوكا مرضيا عنه من قبل سلطات الحكم الجديدة ، وعلى حسب ما ورد فى شهادة والدة ألبير ، فقد إستقبله فى قسم الشرطة ضابط يبدو من إسمه أنه مسيحى ، وعلى ما يبدو فقد أراد أن يثبت ولاءه الشديد هو الآخر لسلطات الحكم الجديدة ، مؤسسا لفكر قمعى جديد يعتمد على قمع من ينتمون إلى أقليات دينية أو عرقية بواسطة أشخاص من بنى جلدتهم ، فسارع بوضع البير فى غرفة حجز تضم العديد من المجرمين وأرباب السوابق محرضا إياهم على التعدى عليه بالضرب مما أسفر عن إحداث جرح قطعى باستخدام موس للحلاقة فى رقبته .
إضطرت والدة ألبير ، وهى التى لا ناقة لها ولا جمل فى كل ما حدث ، إلى مغادرة منزلها بعد أن تلقت تهديدات من ذات المجموعات الغوغائية بحرقه وقتلها إن لم ترحل عن المنطقة التى يعيشون فيها ، وهو أمر قد إعتدناه فى السنوات الأخيره عند التعامل مع أى أزمة تخص الأقباط ، ففى مطلع هذا العام قررت بعض المجموعات السلفية فى إحدى قرى العامرية بالاسكندرية تهجير بعض العائلات القبطية من منازلهم وبيع ممتلكاتهم فى المزاد العلنى بمباركة من محافظ الإسكندرية السابق الذى لم يتورع عن حضور تلك الجلسة العرفية المقيتة التى جرد فيها الأقباط من حقوقهم كمواطنين وأعلى رسميا من شأن دولة الغوغاء التى ترفع الكثير من الشعارات الدينية والطائفية المفعمه بكافة أشكال العنصرية المقيتة ، وسبق ذالك أحداث مماثلة شهدتها عدد من المحافظات .
فيما بعد أحيل ألبير للتحقيق أمام النيابة العامة التى تجاوز ممثلها حدود إختصاصاته الوظيفية ليوجه لألبير أسئلة تتعلق بمعتقده الدينى ، وعندما أبدى محاميه اعتراضه على هذا النوع من الأسئلة لم يملك وكيل النيابة إلا أن قام بطرده ومنعه من إستكمال حضور جلسة التحقيق ألتى إنتهت بحبس البير على ذمة القضية ، قبل أن يقرر النائب العام بالأمس تحويله إلى محكمة الجنح بتهمة إزدراء الأديان ! .
ما أشبه الليلة بالبارحة ! ، عفوا .. أعتذر للبارحة ! ما أشد ظلام تلك الليلة ، مئة يوم لم تكتمل بعد من فترة حكم الرئيس "الإخوانى" محمد مرسى شهدت تحريك عشرات القضايا ضد صحفيين وكتاب وإعلاميين ونشطاء بتهم تتعلق بتعبيرهم عن آرائهم أو بعملهم الإعلامى والسياسى ! ، لم نرى هذا الكم الهائل من القضايا فى عهد الرئيس مبارك الذى يبدو أننا سنقضى وقتا طويلا نندم فيه على مشاركتنا فى الإحتجاجات التى أسفرت عن تنحيه عن السلطة ليستبدل بهذا الطاغية الإخوانى الجديد الذى نصبه رئيسا شعب غير مؤهل لممارسة الديمقراطية ونخبة إحترت بين إتهامها بالخيانة أو وصفها بالغباء .
مصر إنهارت بالفعل ، وما أكتبه الآن أعرف أن لن يقدم ولن يؤخر ، وأن دعمى ومساندتى لألبير ودعم آخرين ومساندتهم له أمر لن يجدى أى نفع ، وأن البير سيحاكم ، وسيسجن وسيقضى فترة حكمه كاملة وسيخرج بعدها ويهاجر مثله مثل غيره إن إبتسم له الحظ ولم تمتد إليه يد أحدهم لتغتاله داخل السجن ، ولن يكون وحده فى هذا الأمر ، فكل من يعارض الإخوان ومن يغرد خارج السرب سيلقى ذات المصير ، والفضل كل الفضل للنخب الثورية التى إنتخبت مرسى ، و التى عليها الآن أن تدرك أنها إن لم تنبطح للإخوان فستتأرجح أجسادها قريبا على أعواد المشانق ، ويبقوا يخلوا الثورة تنفعهم !!! ، فقط أريد أن أسجل لحظات دخول مصر إلى النفق المظلم الذى أزعم أنه سيمتد لسنوات طوال ، ولن ينتهى قبل أن تسفك المزيد من الدماء على يد السفاحين الإسلاميين بكميات قد تكون هى الوسيلة الوحيدة لإقناع البقية المختبئة أو الهاربة أو المتحولة - وقتها - من النخبة العلمانية الثورية التى إنتخبت مرسى بأن العند وركوب الدماغ والتعامل مع الواقع السياسى بمنطق القبائل والتار البايت لن يسفر عن نتيجة أفضل مما سيعايشونه فى الأيام السوداء أو الحمراء القادمة .
#كريم_عامر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟