|
الربيع العربي ودعوات احياء الدولة الدينية
محمد فاضل نعمة
الحوار المتمدن-العدد: 3861 - 2012 / 9 / 25 - 05:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد شكل تحالف المؤسسة الدينية مع مؤسسة الحكم سمة بارزة عبر التاريخ الانساني لمعظم المجتمعات ،عندما استطاع رجال الدين عبر ما يتمتعون به من هالة القدسية وصورة نمطية ميتافيزيقية لدى المواطنين العاديين باعتبارهم صلة الوصل بين السماء والارض ، وحفظة القيم السماوية المقدسة والمسؤولين عن تفسيرها وتحويلها الى قيم دنيوية قابلة للتطبيق البشري ، من ان يشكلوا قوة لايستهان بها احتاجت الى قوة السلطة لتحويل قيمها الى قوانين نافذة ، مثلما احتاجت السلطة قدسية الدين لتدعيم ديمومتها عبر تحويل جزء من النصوص الدينية لخدمة الحاكم وسلطته ، لذلك كنتيجة لهذه العلاقة غير البريئة ظهر لدينا ما يصطلح عليه بالدولة الدينية ، التي يستغل فيها العامل الديني بشكل مباشر ويكون لرجال الدين فيها دور مميز وفاعل . ان فكرة الدولة الدينية لا تقدم نفسها كنموذح جاهز موحد بل ظهرت من خلال نماذج مختلفة عبر الزمان والمكان والمجتمعات والثقافات ، فنماذج الدول الدينية في اوربا المسيحية تختلف عن نظيرتها الاسلامية او الهندية او الصينية اوتلك التي ظهرت في اسيا و افريقيا ، فكل منها كان له خصوصياته المميزة وان اشترك في عامل استغلال الدين في تدعيم سلطة الحاكم. لقد سميت الدولة التي ظهرت بعد نبوة الرسول الكريم محمد ابن عبد الله (ص) في جزيرة العرب بالدولة الاسلامية والتي امتدت من اواسط اوربا غربا الى حدود الصين شرقا مستندة في بنائها على قيم الدين الاسلامي وتطبيقاته الشرعية التي تفاوت تطبيقها وفقا لهوى الحكام ومصالحهم الشخصية او الفئوية ، حيث كان الحكام يقربون الفقهاء والعلماء والمفسرين الذين يلتقون معهم في التوجهات ، ويضطهدون ما سواهم ، وكان للمفتي او قاضي القضاة او علماء الطوائف دور بارز في التاثير في السياسة العامة للدولة . تقوم الدولة الدينية على الحكم بالتفويض الالهي ،وهي الدولة التي يتولى فيها الحاكم السلطة باسم الدين لا باسم الشعب حيث تزعم الطبقة الحاكمة انها تحكم نيابة عن الله او بتفويض منه ، لهذا تؤمن بعض الجماعات الاسلامية بمبدا عدم جواز الخروج على الحاكم باعتباره ولي الامر وهو خليفة الله او رسوله، وقد عرف التاريخ الانساني نوعين من الدولة الدينية : 1- الدولة الثيوقراطية : التي يعتبر فيها الحاكم نفسه ظل الله في الارض ، ولا يحق لاحد محاسبته او عزله باعتباره مفوض من الله . 2- دولة رجال الدين : عندما يتحالف الحاكم مع مؤسسة دينية ليحكم باسم الدين وتوفر له هذه المؤسسة الغطاء الشرعي ، فيعتبر كل من يعارضه خارجا على الدين . الفكر الاسلامي فكر غني ومتنوع يتفق في الثوابت العامة ويختلف في الجزئيات الفرعية، لذلك لايمكن التاكيد على وجود قالب فكري اسلامي او راي موحد بشان تفاصيل وشكل الدولة ،بقدر ماهي اراء متعددة واحيانا متعارضة تنطلق من رؤى ومرجعيات اسلامية لا يمكن جمعها في سلة واحدة ، فقد شهد المجتمع الاسلامي ظهور العديد من الافكار التي اختصت بها جماعات معينة كميزة فكرية لها، منها ما هو قديم كالخوارج والشيعة والمرجئة والمعتزلة واصحاب الحديث والاحناف والشافعية والمالكية والحنابلة والماتردية والمتصوفة ، ومنها ما هو حديث نسبيا استطاع تطوير بعض الافكار القديمة مثل الوهابية والسنوسية و المهدية و البهائية والقادينانية والاخوان المسلمين و جماعة التكفير والهجرة والجماعة السلفية وجملة من الحركات الاخرى التي نعتت بالاصولية او الجهادية ، والمشترك بين هذه القوى والحركات والافكار انتسابها الى الاسلام رغم اختلافاتهم النسبية واحيانا تناقضاتهم وادعاء كل منهم الانتساب الى السلف الصالح واحتكار الفضيلة والخلاص النهائي . ولم يعرف التاريخ الاسلامي وغير الاسلامي دولة دينية عادلة او رشيدة الا نوادر، وهي غالبا ما تقترن بالظلم والاستبداد، وتستند الى الغيبيات والتوجه الفكري الواحد في التفسير لاستنباط الاحكام العملية، وربطها بشريحة معينة من رجال الدين التي تسبغ على ارائها وتفسيراتها ورؤاها قدسية مستمدة من الله لايمكن للافراد تجاوزها او الاعتراض عليها ، اضافة الى رفضها الاخر المختلف او تهميشه . لقد اتخذت النظم السياسية الاسلامية الحاكمة عبر التاريخ من سلطتها وجبروتها اداة لقمع كل من يفكر بالخروج عليها بالثورة او بالعصيان ، ولم تقتصر قوة السلطان على القمع بل عززتها بالتحالف مع بعض المؤسسات او الحركات الدينية التي روجت الى فكرة ولي الامر بشكل مشوه ، حيث اعتبرت الحاكم ظل الله في الارض وبالتالي فان حرمته مقدسة فوق اية محاسبة او مسائلة ، وقد راجت هذه الافكار منذ عهود الاستبداد الاموي والعباسي حيث اصطبغت بطابع ديني مقدس يحرم على المسلمين الخروج او شق عصا الطاعة باعتبارها من المبادىء العقيدية، الا ان دعوات قدسية الحاكم دينيا لم تستطع ان تكبح جماح المعارضة السياسية العنيفة في التاريخ الاسلامي ومحاولات الثورة او الانقلاب على الحكام التي نجح بعضها وفشلت اخريات . على الرغم من انحسار فكرة الدولة الدينية في العصر الحديث لصالح اشكال اخرى علمانية ،مدنية ،ديمقراطية الا انها لم تنقرض تماما ،والنماذج المعاصرة لهذه الدول في السعودية وايران واسرائيل، خير دليل على خطورة الدولة الدينية على حرية المواطنين واراداتهم . ان فكرة الدولة الاسلامية ذات المرجعية الدينية التي تطبق الشريعة وفقا للصورة النمطية للدولة الاسلامية القديمة في اذهان المتدينين ، ما تزال حلم يراود شرائح عديدة من الجمهور في البلدان العربية ، كما انه شكل هدفا مركزيا للعديد من قوى الاسلام السياسي المعاصر ، التي سعت الى تحقيقه بالدعوة السلمية او عبر حمل السلاح وتكفير الحكومات القائمة ، على الرغم من هيمنة القوى العلمانية على راس السلطة في اغلب البلدان العربية ، وانتشار القيم الليبرالية فيها منذ مايقرب من القرن من الزمان . لقد شكلت متغيرات الثورات العربية التي انطلقت في تونس ومصر وامتدت الى بلدان عربية اخرى ، فرصة للعديد من القوى الاسلامية لاعادة احياء فكرة الدولة الدينية التي تستند الى الشريعة والحاكمية الالهية ومبدا الخلافة ، بدلا من الدولة المدنية الديمقراطية ،التي يحكمها دستور وقانون وضعي من صنع الافراد ، وقد تحول الموضوع الى سجالات وصراع بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة المدنية ، ومما زاد من حدته وصول القوى الاسلامية الى سدة الحكم بشكل غير مسبوق ، واستحواذهم على غالبية اصوات الناخبين وبالتالي هيمنتهم الفعلية على المؤسسات التنفيذية والتشريعية في الدول التي اجتاحتها التغييرات السياسية ، وبالتالي توجس الاخرين من قدرتهم على تغيير شكل الدولة من مدنية الى دينية .
#محمد_فاضل_نعمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكرى المئوية لاذلال مواطن عراقي
-
خارطة القوى السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير
-
الدولة المدنية بين التأصيل النظري والتغيير العربي
-
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بين المسؤولية الادارية وا
...
-
مئة يوم من التقييم
-
الوجه الآخر للمحاصصة السياسية
-
الدبلوماسية الثقافية ودورها في تعزيز قرار السياسة الخارجية
-
مفهوم الأمن الوطني وهاجس الدولة البوليسية
-
ستراتيجية الاجتثاث والتفتيت الامريكية في العراق
-
جريمة التهجير والعجز الحكومي
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|