UPI
لاهاي/1 اكتوبر/ يو بي آي: صدر للكاتب العراقي المقيم في هولندا علي كريم سعيد كتاب جديد يؤرخ لأول مرة لأحداث الانقلاب العسكري، الذي اقدم عليه في اواسط عام 1963 فريق من صغار العسكريين الشيوعيين العراقيين، بقيادة العريف حسن سريع، وهدف الى الاستيلاء على السلطة في البلاد في مغامرة عفوية جريئة عدت الاكثر بطولة بين كافة محاولات الانقلاب العسكري في التاريخ الحديث لبلدان المنطقة، رغم اخفاقها السريع في تحقيق أي من اهدافها.
وصدر الكتاب الذي حمل عنوان "العراق البيرية المسلحة ـ حسن سريع وقطار الموت 1963" : (من تاريخ العراق السياسي المعاصر ـ مدرسة العرفاء)، عن دار الفرات للنشر والتوزيع، وينقسم الكتاب (352 صفحة من القطع الكبير) الى ثلاثة أبواب وتمهيد.
تناول الباب الأول دراسة البيئة التي انطلق منها حسن سريع ورفاقه، ثم بدايات تشكُل التنظيم السري لما أصطلح على تسميتها بـ"حركة حسن سريع" كما تناول الكيفية التي تحولت فيها الفكرة إلى فعل، وأسباب اختيار الثورة العسكرية طريقاً للوصول إلى السلطة. ثم اختتم المؤلف هذا الباب ببحث عن الخطة العسكرية قبل التنفيذ ومهمات الضباط المعتقلين، ومحاولات الاتصال بقيادة الحزب الشيوعي، وموقف كبار المسؤولين في الحزب آنذاك: جمال الحيدري، ومحمد صالح العبلي، وعبد الجبار وهبي بشأن المحاولة.
أما الباب الثاني، فيدور الفصل الأول منه حول تنفيذ الخطة ومعركة السجن العسكري، وصمود آمر السجن (حازم الصباغ، الأحمر)، فضلاً عن الرواية المثيرة لاعتقال حازم جواد، ومنذر الونداوي، وطالب شبيب، كما يروونها بأنفسهم، في حين يتناول الفصل الثاني تدَخُل قوات القصر الجمهوري بقيادة الرئيس عبد السلام محمد عارف ضد الانقلابيين الشيوعيين، بينما اهتم الفصل الثالث بالحالة التي سادت معسكرات ومناطق بغداد الأخرى، ومنظمة الفرات الأوسط للحزب الشيوعي، واختلاف الرأي بين المسؤولين في
الحزب الشيوعي زكي خيري، وباقر إبراهيم. كما خص الفصول الاخرى على التوالي: حول السلطة تستفيد من الدرس مقلوباً، وأسباب اختيار الثورة العسكرية طريقاً وحيداً لحل أزمة النظام المستديمة في العراق، وأسباب الفشل وأخطاء التنفيذ ومتاعب الحرب في كردستان العراق، اضافة الى عدم وجود ضباط في قيادة الحركة، كما تناول بالتحليل في هذا الشأن موضوع ما اسماه المؤلف بـ"الحوار الشرس بدلاً من الحوار المتحضر"، وموقف الحزب الشيوعي، فضلاً عن مصائر المساهمين في الحركة وقائمة بأسمائهم. وحوار بين جمال عبد الناصر، وعبد السلام عارف، وحازم جواد، وجلال طالباني، وعبد الرزاق شبيب، حول الموت في المعتقلات. كما خص فصلا في هذا الباب عن نتائج الحركة وانعكاساتها على ولادة اللجنة الثورية للحزب الشيوعي العراقي" وانتفاضة الأهوار بقيادة خالد أحمد زكي.
وتضمن الباب الثالث الرواية الكاملة التي توصل اليها المؤلف عن حادثة "قطار الموت" الشهيرة في التاريخ السياسي العراقي في اواسط الستينات، حيث كاد مئات المعتقلين اليساريين يلقون حتفهم عطشا إثر خطة دبرتها اجهزة نظام الرئيس عبد السلام عارف ضدهم، بدءا من اجتماعات مجلس قيادة الثورة، التي تلت انتفاضة معسكر الرشيد للبحث في مصير الضباط القاسميين والشيوعيين والكرد المعتقلين في السجن رقم 1، ومطالبة الرئيس عبد السلام عارف، وعبد الغني الراوي بقتلهم جميعاً. وأخيراً يكشف الكتاب
وينشر لأول مرة عن التقويم الذي كتبه هاشم الآلوسي عن انتفاضة سريع كملحق في نهاية الكتاب.
وفي لقاء اجرته يونايتدبرس انترناشنال مع مؤلف الكتاب قال الدكتور علي كريم سعيد "الكتاب يبرز أهم حقيقة في الصراع الدائر على أرض العراق منذ قيام دولته الحديثة، عندما تم تشكيلها، وهي توافق المصلحة التي انعقدت بين بقايا أنصار وموظفي الدولة العثمانية، محليين ومستوطنين، وبين موظفي الإدارة الإنكليزية (المحتلين الجدد)، والذين تحالفوا مع بعض العشائر القاطنة بأطراف البلاد للحصول منها على جنود وضباط لحماية الدولة ... ذلك التوافق الذي قامت بنتيجته حكومة هي أقوى بكثير من القانون، ومن مؤسسة الدولة العراقية. وكانت الإدارة الاستعمارية قد أعانت السلطة على تجاوز وإهمال إرادة أكثرية أبناء الشعب من عرب وكرد
وأقليات قومية ودينية. مما أدى إلى انقسام شبه دائم داخل المجتمع العراقي إلى محرومين ومستفيدين، مازالوا يحلمون بالحفاظ على مكاسبهم، أو مكاسب عوائلهم، من انحياز السلطة وديكتاتوريتها، علماً بأن تلك المكاسب مقتطعة من حساب وحقوق غالبية أبناء الشعب".
واوضح المؤلف الذي صدر له خلال السنوات الماضية عدة كتب تسلط جميعها الضوء على الجوانب الخفية لفترة سيطرة حزب البعث على مقاليد السلطة في العراق، منذ الانقلاب الدموي الذي اطاح بالزعيم العراقي الراحل الجنرال عبد الكريم قاسم عام 1963 بان ألاهداف الاخرى من الكتاب هي"غسل وتطهير النفس من هموم وأوهام الماضي المريضة، وإحباط مشاريع القتل والانتقام
مستقبلاً، ولِنَقْلِ السخط الساكن في أعماق النفوس المكبوتة إلى العلن، بدلاً من تركه يعبر عن نفسه على شكل ثورات وانتفاضات مدمرة، في دورة لعينة، مازالت تتكرر، بين النهرين، كل بضعة أعوام".
وأضاف سعيد "من أجل أن لا ننسى، ولكي نعتبر من تلك التجربة القاسية، ونمنع بعض المجرمين من الضحك على عقولنا والعودة مرة أخرى إلى الحياة السياسية وتسميمها، ولإعطاء المغيبين فرصةً للدفاع عن أنفسهم والوجود على صفحات التاريخ الشفافة لابد من الإسهام في بناء ذاكرة صادقة، ومن جعل المقتولين ظلماً يحضرون في كل المناسبات لينيروا بإشعاعهم درب العناد العراقي العريق والمزدهر".
ويرى سعيد ان حدث حركة حسن سريع "كان ذا مغزى أبعد من حدود العراق، إذ ليس من المعتاد أن يلجأ الجنود والعمال البسطاء للإستيلاء على السلطة إذا ما تعرضوا لاضطهاد شديد، بل كان معتاداً أن يلجأوا الى الهرب أو كسر آلاتهم، مما يؤكد بأننا أمام وعي أصيل، أدرك القائمون على الحركة من خلاله: أن المهيمنين على السلطة في بغداد يخططون لكسر وإعادة تشكيل الجيش وفق عصبية معينة، ليصبح جيش الحزب، وليس جيش الوطن، بصورة تجعل السلطة والدولة أداة دائمة بيد عصبية أو حزب واحد، ولذلك قرروا المغامرة لعلهم ينجحوا قبل وقوع الكارثة".
يذكر بانه صدر للمؤلف قبل هذا كتابان هما "دراسة في الميل العربي المشترك" و"من حوار المفاهيم الى حوار الدم ـ مراجعة في ذاكرة الوزير العراقي الراحل طالب شبيب"، كما له عدد من المؤلفات المخطوطة تنتظر اللمسات الاخيرة لتجد طريقها الى الى دور النشر.