تعليق 1/10/2002
ابدى وفد النظام الذي اجتمع يوم امس برئيس فريق مفتشي الاسلحة الدوليين هانز بليكس في يينا, استعداداً غير مسبوق لتلبية كل المطالب والاشتراطات التي طرحها بليكس, والتي من شأنها ان تسهل عمل المفتشين وانجازهم مهامهم دون مشاكل او عراقيل.
ويبرر الخطاب الرسمي للنظام هذا السلوك من جانب وفده, بانه يستهدف اسقاط الذرائع التي تفتعلها واشنطن لشن حربها على العراق. ولا ينسى وهو يوجه خطابه الى الداخل, ان يدعي ان تراجعه هذا عن كل مواقفه السابقة المتشددة ازاء المفتشين وعودتهم ونشاطهم, ليس ناجماً عن خوف من تهديدات الولايات المتحدة, وانما عن رغبة في تعرية السياسة الامريكية, وفضح مخططاتها, وما شابه ذلك!
ولا ينسى اقطاب النظام ايضا ان ينبروا لاطلاق العنتريات ذاتها, التي اطلقوها منذ اليوم الاول لغزوهم الكويت, ويواصلونها الى يومنا هذا, رغم انهم اعادوا ملفات الازمة الى ما قبل عام 1998, مثلما اعادوا العراق في ام معاركهم الخائبة نصف قرن الى الوراء!
انهم يفعلون حسناً دون شك بتعاملهم الجديد مع المفتشين, ان كان في نيتهم فعلا التجاوب مع القرارات الدولية, والتعاطي معها ايجابيا بما يحل هذا الملف الشائك, وينهي او يخفف في الاقل من المعاناة الجمة والمحنة الشديدة لابناء شعبنا, جراء العقوبات الدولية, وفي مقدمتها الحصار الاقتصادي.
بيد ان تجارب اكثر من احد عشر عاما من تعامل النظام مع ملف اسلحته, تكشف لنا بجلاء انه اكثر خبثاً ومراوغة من ان يظهر اوراقه الحقيقية ويتصرف بصدق واستقامة.
ويبقى السؤال الاساسي الذي يطرح نفسه ويطرحه ابناء شعبنا بالحاح متزايد: اذا كانت العودة غير المشروطة للمفتشين الدوليين, واطلاق يدهم لتنفيذ مهمتهم دون اية عوائق, سهلاً الى هذه الدرجة, ويحرم الامريكان من الذريعة التي يتحججون بها لمهاجمة بلادنا, فلماذا اذن ظل الحكام يرفضون الموافقة على ذلك طيلة السنين العجاف الماضية? لماذا لم يوافقوا في حينه, او بعد سنة, او سنتين, او خمس, او حتى عشر سنوات, كي تنتهي قضية التفتيش عن الاسلحة هذه, ويوفروا بذلك على شعبنا عذابات ومآسي السنين الثقيلة المتلاحقة, في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية الخانقة?
ان طبيعة هذا النظام الدكتاتوري, واستهتاره واستهانته اللامحدودين بشعبنا ووطننا ومصائرهما, هي ما يمد الطاغية وزمرته بهذه الصفاقة في التعامل مع اخطر القضايا التي تهدد العراقيين والعراق.
ومادام الاحتفاظ بكرسي الحكم, اياً كان الثمن, هو الهم الوحيد لهؤلاء الحكام, فان سلوكهم المتقلب, واستعدادهم الدائم للانتقال من اقصى التعنت في الرفض الى اقصى الرضوخ, وبالعكس, حسب مقتضيات الحفاظ على الكرسي, يبقى هو القاعدة وكل ما عداه استثناء. وتبقى مصائر شعبنا ووطننا ما بقيا تحت سلطتهم, في مهب رياح نهجهم المتقلب المقامر هذا, بكل ما يحمله من اخطار داهمة, بجس دها اليوم شبح الحرب الجديدة, التي تهدد باكتساح بلادنا ومضاعفة محنها وويلاتها!