|
تظاهرات إسلامية ضد الرسول الكريم!
نضال شاكر البيابي
الحوار المتمدن-العدد: 3858 - 2012 / 9 / 22 - 15:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كيف يتصور الناس أربابهم؟ وكيف يفكرون في وجودهم؟ وهل تأتيهم الأفكار من حيث لا يدرون، وبالرغم من ذلك، تتحكم بهم، في رؤيتهم للأنا والآخر؟ أترانا نبالغ حين نزعم أن المحصلة النهائية من معظم تصورات الناس هي خدمة القوى الاجتماعية المهيمنة اقتصادياً وسياسياً ودينياً؟
كل هذه الأسئلة تقودنا نحو الأيديولوجيا، فشيوع مجموعة من أنماط التفكير والسلوك في مجتمع معين، إنما هو خاضع بالضرورة للسياقات المؤسسية المنبثقة بالدرجة الأولى من رحم الأيديولوجيا المهيمنة، التي تهدف إلى المحافظة على الواقع الراهن، باعتباره معطى ثابتاً، والتي غالباً ما تحول دون توافر أجواء حرة لتفتّح عفوي للتفكير التأملي الخلاق.
وحسب المنظور الفوكوي، إن الطريقة التي يفكر بها الناس، بل حتى الطريقة التي يستشعر بها الناس الأشياء، والكيفية التي تثار بها حساسيتهم، وكل سلوكهم، تحكمها - في جميع الصور- بنية نظرية، نسق، يتغير مع العصور والمجتمعات، إلا أنه يظل حاضراً في كل العصور.
إنّها معبودات الذاكرة، أو كما يطلق عليها فرنسيس باكون "معبودات القبيلة، معبودات السوق، معبودات المسرح.."، أي الذاكرة السحيقة التي تمثل إجمالاً آليات التفكير والقابليات الذهنية والنفسية والعادات والتقاليد والمحرمات التي تسود في مجتمع معين. وهو "الإرث الروحي" بتعبير شيغان، الذي يرثه الفرد عن جذوره، والذي يبقى أميناً له، أمانته لرباط مقدّس.
الإرث الروحي الذي يشكّل المصدر الأساسي لتكوين الفرد، النفسي/السلوكي، والذي قد يستعبد الفرد دون وعي منه في آخر المطاف، سيّما حين تنعدم المسافة بينه وبين تصوراته، إذ إن انعدام الوعي بوجود مسافة بين الفرد وقيمه، تصوراته، وهذا هو المخيف، يعني بالضرورة انعدام النظرة النقدية في داخله، أي إلغاء كل قدرة أو قابلية نقدية، وبالتالي قد يتحول إلى متعصب صرف، متعصب ينطوي في داخله على رغبة تدميرية لكل من لا يستجيب إلى نواهيه. بمعنى أن هذه التصورات تصبح بمثابة قوة ذاتية متسلطة، تُخضع الفرد لسطوتها، وحينئذ يجد نفسه مهوساً بكل ما يتعلق بها.
فالذات بالمعنى المستقل للكلمة، كما يرى إدغار موران الفيلسوف الفرنسي، "يمكن أن تصبح ذاتاً (بالمعنى غير المستقل للكلمة) عندما تهمين الأنا المثالية للدولة والحزب، أو الرئيس أو الرمز المقدس داخل برنامج التضمين. حينئذ يمكن أن نكون مهووسين شخصياً بإله، أو أسطورة، أو فكرة، فتهيمن هذه الفكرة أو الأسطورة، التي سُجلت داخل برنامج ذاتي المركز، وتتحكم بنا قسرياً بينما نعتقد أننا نُكرس لهما أنفسنا طوعاً".
وحين نتفحص النُظم داخل البناء الاجتماعي - الذي هو عبارة عن مجموعة من الأنساق الاجتماعية - في الدول التي يطغى عليها الطابع السلفي أو الروح الماضوية، نكتشف بأنها أنتجت مجموعة من الآليات العقلية والحيل الدفاعية النفسية، منها:
- اتباع المنهج القياسي والاستنباطي، ثقافياً وتعليمياً، وفحوى هذا النمط الحكم على قضايا الواقع الشائكة وشديدة التعقيد قياساً على ما جرى في الماضي، الإسلامي تحديداً، ومن ثم استنباط الأحكام على هذا الأساس، وكأنما تضمر آلية التفكير هذه مسلمة في غاية السذاجة، مفادها: إن التاريخ يعيد نفسه على الدوام! ومن هنا يمكن تفهم أسباب سريان التفكير الخرافي ذي النزعة الماضوية الرومانسية واهتراء أدوات التفكير الجدلي في المجتمعات الماضوية، فالدافع وراء انبجاس هذا النمط، هو الاعتقاد الجازم بأن الحقيقة الخالصة هي التي أنتجها "السلف"، السلف الذي يوصف دائما بأنه صالح، أو معصوم من الخطأ في بعض الأحيان، وبالتالي لا مناص من الاقتداء به.
- الآلية التي تقصر الحق والحقيقة على ما انتهت إليه، والباطل على ما انتهى إليه الآخر، والتي لا ترى في أفكار وسلوكيات "الآخرين" سوى المتفق المقبول والمختلف المرفوض، الاتفاق المفضي إلى "الجنة" والاختلاف المفضي إلى "النار". تلك النزعة المتعصبة الوحيدة الاتجاه، التي لا تنحاز إلاّ لتيارات النقل الجامدة، التي تؤثر الاتباع على الابتداع، والتقليد على التجديد، وعليه تنظر إلى كل مساءلة لمقولات "السلف الصالح" على كونها محض ضلالة ومعصية.
- الآلية الاتباعية، حيث يتمركز القاصرون والمقلدون حول الأب، الزعيم الضرورة، الذي منه وإليه تبدأ وتنتهي الحقيقة والحق، والتي تحاط شخصيته غالباً بنوع من المهابة أو القدسية التي لا تُمس.
- الآلية الأسطورية، وهي التماس الحلول الجذرية من مصادر غيبية، تفرج الكروب وتقضي الحاجات، وتبسط المشكلات المعقدة.
- الآلية الإسقاطية، أي عزو مشكلات الذات إلى عوامل خارجية، فمثلا تفشي الأمية على المستويين الثقافي والديني، وتخلف مناهج التربية والتعليم عن حاجات المجتمع، وتطورات العصر، وانعدام الحريات على كافة المستويات، وضعف المشاركة الشعبية الحقيقية والفاعلة، لا لعوامل التقهقر والضعف الذاتيين، وإنما لعوامل خارجية لا يعلمها إلاّ الله والراسخون في العلم، ويمكن القول ببساطة إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه!.
على ضوء هذه المقاربة يمكن أن نفهم لماذا بدا معظم من شارك في التظاهرات المنددة بالفيلم المسيء للرسول الأكرم، وكأنما تنطوي دواخلهم على رغبة تدميرية عمياء لكل شيء يقع تحت أيديهم ولا يستجيب إلى نواهيهم؟!
ويمكن القول أيضاً، إن للفيلم الركيك فنياً ورؤيوياً جانباً مضيئاً، وذلك لأنه أعاد للأذهان المسكوت عنه في الخطاب العربي والإسلامي، ليس التسلط السياسي أو الديني فحسب، وإنما الأنساق الاجتماعية التي أنتجت كل أنواع التسلط والقهر في الجسد الاجتماعي بكامله. وما دام المجتمع مكتظاً بالكبت والحرمان والقمع، فمن الطبيعي والمتوقع أن تكون تعبيراته عنيفة وعدوانية حين يزول أثر الكوابح. وما دام الاستبداد موزّعاً في الجسد الاجتماعي بكامله، ففي قلب كل فرد بذرة عصيان، وفي عمق كل تسلط مُعلن أو مقنّع تكمن تراكمات عدوانية جموحة.
وعليه يمكن القول إن التظاهرات الكرنفالية ذات الطابع التنفيسي ساهمت في تفريغ العدوانية وتكريس الوضع القائم في آن، لأن أوهام التحرر والثأر يمكن لها، كما يرى جميس سكوت، أن تسهم في الحفاظ على السيطرة بتبديد الطاقات الجماعية على بلاغات طقوسية لا ضرر منهما نسبياً على الجذور التي أنتجت الفعاليات والفواعل التسلطيّة.
ومن هذا المنظور نقرأ التظاهرات الغاضبة، التي تمتص بمعنى ما التوترات والإحباطات التي أنتجها الواقع السياسي والاجتماعي، وبالتالي تلعب دوراً حيوياً في تفريغ العدوانية واحتقاناتها، وتنسي الناس، وهذا هو الأهم، ما هم ضحايا له من قهر وتسلط.
وكل هذا يستدعي سؤالاً آخر: هل غيرت الثورات العربية من بنية العقل التسلطي الذي أنتج الديكتاتوريات المتهاوية، أم أن واقع معظم الانتفاضات هو مجرد تغيير في الشخوص والشعارات لا في المضمون والفعاليات، حيث على السطح هناك هيمنة ضعفت وتآكلت لتفسح المجال لهيمنة أخرى في شكل مقنّع؟!
يقول فرويد: بدأت الحضارة عندما قام رجل غاضب لأول مرة بإلقاء كلمة بدلاً من حجر.
نضال البيابي
كاتب سعودي
#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطة والإنسان الأدنى (2-2)
-
السلطة والإنسان الأدنى (1-2)
-
الثورات العربية ليست نظيفة!
-
الإصلاح في السعودية: حيث لا شيء محسوم
-
الخطيئة..أُولى ثِمار الإنسان
-
كيف يفكر المجتمع السعودي؟(3-3)
-
أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (2-3)
-
أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (ا-3)
-
إجهاض الثورة «الطائفية» في البحرين
-
السنة والشيعة في السعودية: تأكيد الذات وإلغاء الآخر (2-2)
-
السنة والشيعة في السعودية: تأكيد الذات وإلغاء الآخر (ا-2)
-
المسيرات السلمية في القطيف .. محاولة للفهم
-
فتاوى الفقهاء: دفاعا عن أولياء نعمتهم ..!
-
النخب السعودية: تخبط ونشاز في إيقاع العصر
-
أما آن للثبات من تحول ؟!
-
المناهج الدينية ، وزر الماضي وعبء المستقبل
-
قراءة في الفلسلفة «العدمية» لنيتشه
-
أنا أفكر، إذن أنا موجود
-
لا يوجد في البنات صغيرة !!
-
من يذكي النزعات الطائفية في أوطاننا ؟!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|