|
سندريلا مصرية وليست أوروبية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3858 - 2012 / 9 / 22 - 12:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعتقد أغلب المتعلمين المصريين الكبار(روائيين ومؤرخين وشعراء إلخ) أنّ قصة سندريلا أوروبية، بينما هى قصة مصرية ذكرها هيرودوت فى كتابه عن مصر، وغيره من الكتاب الإغريق ، كما نقلها الكاتب بروكسبانك إلى الإنجليزية فى كتابه (قصص الفراعنة عبرالعصور) ومن بين العدد القليل من المصريين الذين ذكروا أصلها المصرى د. سيد كريم فى كتابه (الكاتب المصرى وأدب القصة العالمى) وأصل القصة محفوظ فى المتحف البريطانى ضمن مجموعة البرديات التى اشتراها العالم (شستربيتى) عام 1928وعثرعليها فى الأقصر، وأهداها للمتحف البريطانى. التشابه بين الأصل المصرى والأوروبى ينحصرفى نشأة الفتاة يتيمة الأم ، ومعاملة زوجة الأب القاسية وفردة الحذاء وموقف الأمير. تجاهلتْ القصة الأوروبية المغزى الإنسانى العميق والخيال الساحرفى الأصل المصرى ، إذْ أنّ أحد الطيورالجارحة يخطف فردة الحذاء ، معتقدًا أنها شىء يُؤكل ، ثم تسقط من فمه على حجرالأمير فى حفل الربيع. يُكلف الأميرمن يبحث عن الفتاة صاحبة الحذاء. هنا تبدأ القصة فى تعميق مغزى العدل ، إذْ أنّ زوجة الأب تستنكرأنْ يطلب مندوب الأميرمن رادوبى (اسم الفتاة فى القصة المصرية) أنْ تقيس فردة الحذاء بحجة أنها مجرد خادمة، فيقول المندوب لها : العدل لايُفرّق بين الخادمة والأميرة. المغزى الإنسانى الثانى يأتى فى نهاية القصة : الأميربعد أنْ عرف حكاية رادوبى مع زوجة أبيها القاسية أمربمعاقبتها بالطرد من القصر، وتعيش فى كوخ متواضع لمدة عشرسنوات. وهنا تكون المفاجأة إذْ تطلب رادوبى منه أنْ يعفوعن زوجة أبيها ، وهذا هوشرطها الوحيد لكى توافق على الزواج منه. يندهش الأميرمن طلبها ، حاول اقناعها بأهمية العقاب حتى تكون عبرة لغيرها ، ولكن رادوبى أصرّتْ على طلبها . اقتنع الأميربمنطقها : قالت ((هذه وصية المرحومة أمى . طلبتْ منى أنْ أتسامح مع من يغدر بى . فهذا التسامح يُساعد النفس البشرية على التخلص من الشر)) سندريلا مدخل لمأساة الجهل بالتراث : جهل مُتعلمينا الكباربقصة سندريلا ، ينطبق عليه جهلهم بمجمل الحضارة المصرية، وجهلهم بقانون (ماعت) الذى رسّخ لقيمة العدالة التى تنفى طغيان الحاكم كما روّج العبريون. وفى حين أنّ مُبدعين أوروبيين كتبوا عشرات الروايات وأخرجوا عشرات الأفلام مستمدة من الأدب المصرى القديم ، فإنّ أغلب مُتعلمينا لايعرفون شيئا عن هذا التراث. وكان الراحل الجليل سليم حسن على حق عندما ذكرأنّ كثيرين لايعرفون عن مصرإلاّ أنها بلد الأهرام ، لأنهم لم يقرأوا كتابًا واحدًا فى علم المصريات. وفى أوروبا سأل البعض العالم (ماكس بيبر) أيوجد لمصرالقديمة أدب قومى مثل اليونانى والألمانى؟ فكان رده عليهم كتابه عن الأدب المصرى القديم. وذكرسليم حسن أنه إذا كان (الأجنبى) معه بعض العذرعن هذا الجهل فالكارثة إذا (علمنا أنّ السواد الأعظم من المصريين المتعلمين الذين تحدثتُ إليهم فى هذا الموضوع يجهلون أمره، ويعتقدون أنّ أقدم أدب فى العالم هوالأدب الإغريقى) بينما الأدب المصرى أقدم ، بل إنّ الأدب الإغريقى أخذ الكثيرمن الأدب المصرى. وأنّ جدودنا أبدعوا هذا الأدب (فى وقت كان الإغريق وغيرهم من الأمم القديمة يهيمون على وجوههم ويتخبطون فى ظلام الجهل) وأنّ (إيسوب) الإغريقى أخذ الكثيرمن الحكايات المصرية وبعضها صدى للأصل المصرى. وأخذ الأوروبيون الكثيرمن الأدب المصرى ، فمثلا قصة الأخويْن (عن الزوجة التى فشلتْ فى إغواء شقيق زوجها) انتقلتْ إلى الأدب الفرنسى والإيطالى والألمانى والمجرى والروسى . وكان تعليق سليم حسن ((نستطيع أنْ نجد فى آداب العالم عناصرمختلفة تشبه عناصر هذه القصة مما يحملنا على القول بأنّ مصركانت مصدرًا ثابتـًا يُستمد منه مثل هذه القصص)) وأنّ قصة سنوحى المصرية التى عالجتْ أول تجربة للغربة خارج الوطن ثم الحنين للعودة للدفن فيه ، أخذها الروائى الفنلندى ميكا فالتارى وكتب عنها رواية بنفس الاسم كما تم معالجتها سينمائيًا . وأنّ ((كنعان فى الزمن القديم تأثرتْ بمصرمن ناحية الأدب كما تأثرتْ بها من ناحية الفن وأنها أخذت الحروف الأبجدية من مصر)) وفى العصرالحديث كتب الشاعرالأمريكى/الألمانى (هاين) قصيدة تـُشبه تمامًا قصيدة غزل مصرية (عندما أشاهد عينيك. حينئذ تتلاشى كل أحزانى وآلامى) وفى الشعرالمصرى يتمنى الحبيب أنْ يكون خاتمًا فى إصبع حبيبته، وفى مسرحية (روميو وجولييت) يقول روميولحبيبته (ليتنى كنتُ قفازًا فى تلك اليد فألمس هذا الخد)) وقصة (وردة) تأليف جورج إبرس هى صدى لملحمة قادش المُسماة خطأ قصيدة بنتاور. وقصة (البحارالذى غرقتْ سفينته) انتقلتْ إلى الأدب اليونانى فى رحلة (أوديسيوس) العائد إلى اليونان ولقائه مع كائنات البحرالمخيفة. ثم انتقلتْ إلى قصص السندباد فى ألف ليلة وليلة. وبمراعاة أنّ القصة المصرية عالجتْ دورالإنسان الباحث عن المعرفة من خلال المخاطرالتى تعرّض لها. وهى أيضًا شبيهة بقصة (روبنسون كروزو) عن الإحساس بالوحشة والرغبة فى الاستمرارعلى قيد الحياة. وقصة (الأميرالواقع تحت حكم القدر) المصرية تدورحول ملك تنبّأتْ العرافة بأنّ ابنه سيموت عندما يكبربواسطة تمساح أوثعبان أو كلب ومحاولة الهروب من هذا المصير(القدرى) وهوما عالجته مسرحية (أوديب) اليونانية. ومع ملاحظة أنّ القصة المصرية لم تتعرض لقتل الأب وزواج الابن من أمه. كما أنّ حكايات (كليلة ودمنة) التى كتبها الفيلسوف الهندى (بيديا) وترجمها ابن المقفع تعود أصولها إلى نصوص مصرية منذ عام 2850ق.م مثل قصة (جيش القطط وقلعة الفيران) التى عالجتْ تحالف الفيران مع الكلاب ضد القطط ، وبعد هزيمة القطط أقنعتْ الكلاب بالتعاون لأكل الفيران . ويرى د. سيد كريم أنها أقدم نموذج للأدب استخدم أبطالامن الحيوانات وهوالذى نسج على منواله مؤلف (كليلة ودمنة) وقصة (آنى) الذى سافرإلى العالم الآخر، وعاد ليحكى تجربته والمحفوظة فى المتحف البريطانى ، ألهمتْ دانتى وأبى العلاء المعرى وغيرهما. وأنّ قصة على بابا والأربعين حرامى تتشابه مع قصة (حصان طروادة) وأنّ المصدرفى كلتيهما قصة مصرية، ومسجلة فى بردية (هاريس) فى المتحف البريطانى برقم 500. والخط الرئيسى فى قصة شمشون ودليلة مستمد من قصة مصرية عن فتاة خطفها عملاق متوحش للزواج منها ، فتطلب منه أنْ يُخبرها عن سر قوته. فيقول لها أنّ سر قوته فى قلبه إلخ بينما سر قوة شمشون فى شعره. وسر قوة أخيل فى كعب قدمه. وبمراعاة أنّ النص المصرى أقدم من الإثنين. وعن الأثرالمصرى فى ألف ليلة وليلة نجده فى أكثرمن قصة. من بين المصريين الذين اهتموا بالحضارة المصرية الشاعرحسن طلب الذى ذكرفى رسالته للدكتوراه عن أصل الفلسفة أنّ علماء علم المصريات أكدوا أنّ الإلياذة والأوديسة حفلتا بالشواهد الدالة على عمق النفوذ والأثرالمصرى فى الحضارة اليونانية. وأنّ هوميروس زارمصر، ونقل عنها الكثير. وأشارإلى كاتب مصرى من جيل قبل يوليو52(عبدالقادرحمزة) الذى دلل على اقتباسات هوميروس من الأدب والأساطيرالمصرية، مُعتمدًا على تحليل نصوص بعض القصص المصرية ومقارنتها بنصوص الإلياذة والأوديسة. وذكرد. طلب ((نحن أمام نصوص مصرية وأخرى يونانية أعفانا الباحثون من مشقة إيجاد عناصرالشبه بينهما ، فقد رصد جوستاف لوفيفر مواطن التأثيرالمصرى على اليونان فى هذا المجال من خلال عدة قصص كقصة الغريق التى رأى أنها المصدرالمباشرلمشهد العاصفة فى النشيد الخامس من الأوديسا ولقصة السندباد البحرى فى ألف ليلة وليلة. وكذا قصة الأخويْن التى رأى أنها المصدرالمباشر لقصة بليفرون أنتيا فى الإلياذة . كما أنها أصل مسرحية (هيبوليت وفيدر) عند يوربيدس . ويمتد أثرقصة الأخويْن ليشمل الأدب الشعبى اليونانى فى عصوره الحديثة. أما قصة (الصدق والكذب) المصرية فهى كما أشار لوفيفرتعد الأصل الذى اقتدتْ به القصة اليونانية (العدل والظلم) وأنه حتى التفاصيل الصغيرة تتشابه لدرجة أنّ الأخويْن فى القصتيْن يُسميان بأسماء رمزية. فهل كان ذلك من قبيل المصادفة أو توارد الخواطر، أنْ تتكرركل هذه العناصرالفنية الأساسية فى حبكة القصتين؟ هذا مالايطمئن إليه الباحثون المنصفون الذين درسوا النصيْن وقارنوا بينهما ، فتبيّن لهم أنّ الصدفة لاتـُسيّر الإبداع الفنى ومنهم إلى جانب العالم (لوفيفر) نجد (هلبيج) و(فوكار) و(ماسبيرو) وغيرهم)) وبالتالى نستطيع ((أنْ نرد نشأة الأدب الملحمى فى اليونان إلى أصول مصرية. خاصة أنّ هناك قرائن أثرية تتمثل فى أسطورة إيزيس وأوزيريس كما أشارد. عبد العزيزصالح . وأنّ الدراسات المقارنة التى قام بها باحثون غربيون ، توصلوا من خلالها إلى إثبات عناصرمصرية أكيدة فى ملحمتىْ هوميروس مثل فكرة الجحيم فى العالم الآخرالتى وردتْ فى الأوديسا واشتملتْ على عناصرمصرية : دينية وثقافية وأدبية. كفكرة محاكمة الأموات والصولجان. وكذا فكرة ميزان الحساب الأخروى المشهورفى العقائد المصرية. وقد أثبت العالم (بيرار) أنّ دارالنعيم فى الأوديسا ليست يونانية وإنما هى مصرية الأصل. فى ضوء النماذج السابقة (وهى على سبيل المثال فقط) هل يمتلك المتعلمون المصريون شجاعة مراجعة الذات ، ليعرفوا تراثهم ، كما يفعل كل (المُبدعين) فى الشعوب المُتحضرة ؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد الفن بالكلمة خيرٌ وأبقى
-
أفغانستان بين الاستعماريْن الإنجليزى والروسى
-
الليبرالية المصرية بين الفشل والنجاح
-
لويس عوض و(إلحاد) الأفغانى
-
جمال الدين الأفغانى فى الثقافة السائدة
-
العلاقة بين الشعر والفلسفة
-
شخصية فى حياتى : بورتريه للسيدة ن. ن
-
الأصولية تلاحق الشاعر أحمد شوقى
-
الدم العربى فى قصور الوحدة العربية
-
المواطنة من المنظور الأصولى الإسلامى
-
أسلمة الدولة المصرية
-
التنوع الثقافى فى إطار الوطن الأم
-
الوجه الإنسانى - قصة قصيرة
-
عيون بلا ذاكرة - قصة قصيرة
-
أضلاع المثلث أربعة
-
فى البدء كانت العتمة - قصة قصيرة
-
الإبداع الشعبى والإبداع التشريعى
-
لماذا لا يتعظ الإسلاميون والعروبيون من الدرس ؟
-
العرب ظاهرة صوتية
-
الحضارة المصرية بين علم المصريات والأيديولوجيا
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|