|
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وآيات شيطانية والفيلم المسيء
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 3857 - 2012 / 9 / 21 - 19:20
المحور:
حقوق الانسان
صدرت رواية آيات شيطانية للكاتب البريطاني من اصل هندي عام 1988 وكانت رابع رواية لهذا الكاتب غير المعروف على نطاق واسع إلا بعدما أصدر الخميني فتواه عام 1989 أهدر فيها دمه وبهذه الفتوى أصبح سلمان رشدي المعروف على نطاق ضيق جداً " علمٌ فوقهُ نارُ " وبدأت الطلبات تنهال للحصول على الرواية للإطلاع والقراءة وأخذت وسائل الإعلام المختلفة في كل مكان تنشر وتكتب وتحكي في سيرته وروايته الأنفة الذكر ومطبوعاته الأخرى، وهكذا فعلت تلك الفتوى فعلتها ليس فقط بملاحقة الكاتب بل الإساءة للنبي محمد (ص) وكان هناك استنتاج بان الفتوى أساسا جاءت بالضد من النبي محمد للإشهار به وليست برواية آيات شيطانية أو كاتبها لأنها أي الفتوى بهدف تشويهه شخصياً . الرواية كما أتضح بعد الضجة الكبيرة والمطالبة برأس سلمان رشدي طبعت إلى كل لغات العالم تقريباً واطلعت عليها شعوب وقوميات وأعراق وأقوام كانت لا تعرف عن الدين الإسلامي ولا محمد نبي الإسلام أي شيء وقد لا يتعدى السماع فقط ، والاستنتاجات أكدت لو بقت الأمور تسير بشكل عادي ولم تخلق الفتوى هذه الضجة وحولتها إلى قضية شغلت الرأي العالمي لكانت عادية جداً وقد تكون كأي رواية غير فاشلة أو فاشلة لا يتعدى طباعتها البعض من البلدان، هذه الإشارة للتاريخ يجعلنا ندرك ما جرى للفيلم السيئ في الإعلام وكذلك خروج عشرات الآلاف في بلدان عديدة في مظاهرات مضادة وكيف حاول منتجوه الإساءة لمشاعر الملايين من المسلمين لا بل كان محل انتقاد وإدانة من أواسط واسعة عالمية ومن قبل مسؤولين حكوميين ومثقفين غير مسلمين وحتى البعض من ممثلي الفيلم فقد أقامت الممثلة ( سيدني لي غارسيا) بطلة الفيلم دعوى قانونية في لوس انجلوس بالضد من منتج الفيلم ( نقولا باسيل نقولا ) الذي سبق وان سجن عام 2010 بتهمة التزوير، واعترفت سيدني بشكل علني أنها خدعت بتصوير فيلم عن الصحراء لكنها فوجئت بعد ذلك بالحوار واللغة المصرية الدارجة والتشويه والتحريف " وانتهاك الحياة الخاصة والاحتيال والافتراء " وهذا دليل على أن الفيلم روج له بهذه الطريقة ليكون في متناول الأكثرية ولكي يتم خلق تداعيات أولاً: تؤدي إلى الفضول للإطلاع والمشاهدة وثانياً : تؤدي أيضاً إلى الإساءة للإسلام وحقن مشاعر المسلمين ومحاولة لزيادة التطرف والعنف، وبهذا تلتقي الفتوى التي أطلقت من قبل ضد سلمان رشدي كهدف نهائي مع هدف إنتاج الفيلم وقد تحقق ذلك لا بل نجح الهدف إلى حد معين. الموضوع لم يختصر على هاتين القضيتين فقد أشعلت الصحيفة الدنمركية يولاند بوستن في أيلول 2005 فتنة من نوع آخر بنشر صوراً مسيئة للنبي محمد مما أدى إلى احتجاجات واسعة بين الجاليات الإسلامية وكذلك تدخل البعض من الدول وكانت النتيجة أن قدمت الصحيفة الدنمركية اعتذاراً إلى المسلمين، ولم تنته الضجة بشكل كامل حتى أعادت المجلة الفرنسية الأسبوعية شارلو أيبدو نشر الصور في شباط عام 2006، ثم نشرت في عددٍ خاص صوراً أخرى في تشرين الثاني من عام 2011 مما أدى إلى حرق مقرها بشكل متعمد. إن التتابع في قضية الإساءة تكاد أن تكون منظمة ومدفوعة الثمن هدفها تأجيج الفتنة والإساءة وتوسيع التطرف أكثر مما هو عليه، وقد تقف خلفه دولاً أو منظمات من اجل هدف شرير ليس له إلا مثلما اشرنا تصعيد وتيرة التطرف والعنف وتحريض واسع بين الجاليات للتظاهر ثم الاندساس لتحويل المظاهرات السلمية إلى أعمال شغب يمارس فيها العنف والقتل والتدمير وحرق المباني والمحلات، وهذا ما حدث في أكثرية المظاهرات والاحتجاجات وقد قتل السفير الأمريكي وأربعة من طاقم السفارة في ليبيا، فضلاً عن توسعها من خلال الدول العربية والإسلامية وخير مثال عندما رفض وأدان اجتماع الوزراء العرب في القاهرة عام 2005 الإساءة " التي تتنافى مع قداسة الأديان والقيم النبيلة للإسلام " ملخص ما حدث فقد كانت الإساءة لمشاعر عشرات الملايين من المسلمين وغير المسلمين دليل على رفض هذه الأساليب التي لا تخدم العلاقات الإنسانية بين مكونات المعمورة وثبت أيضاً انه يتنافى فعلاً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولائحة الحقوق المدنية ، كما تثبت أن العنف والتطرف هو أسلوب يسيء إلى الإسلام نفسه ويخلق رأياً مضاداً لدى أكثرية شعوب المنطقة والعالم باعتباره لا يمكن أن يتطابق مع حقوق الإنسان بالتظاهر السلمي وحرية إبداء الرأي بحرية وديمقراطية. لقد أشار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أهم القضايا الجوهرية التي تخص كرامة الأفراد والمجتمعات البشرية بما فيها قضايا الحرب والسلم والعدالة والحريات، وأكد بشكل لا يقبل اللبس أو التحريف " أن هذه الكرامة ترتبط بالاعتراف بالحقوق الأساسية التي يتطلع إليها كل فرد من أفراد البشر، ألا وهي الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي؛ والحق في مستوى معيشي مناسب؛ والحق في التماس ملجأ في بلدان أخرى من الاضطهاد والتمتع بهذا الحق؛ والحق في تملك الممتلكات؛ والحق في حرية الرأي والتعبير؛ والحق في التعليم، والحق في حرية الفكر والضمير والدين؛ والحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة المهينة، وذلك ضمن حقوق أخرى. وهذه هي حقوق أصيلة يتعين أن يتمتع بها جميع سكان القرية العالمية " وهذه الحقوق ليست عطايا أو هبات تمنح بشكل شخصي أو حكومي وتسحب متى شاء هذا الطرف أو ذاك، ونلاحظ فيما يخص " الحق في حرية الفكر والضمير والدين" دليل واضح حول واجب احترام معتقدات البشر وعدم التجاوز على مقدساتهم ورموزهم الدينية ويعتبر هذا التجاوز تجاوزاً على الحقوق ويتخذ موقفاً مضاداً للعلاقات الإنسانية لأنه يصطف مع الأفكار والأيدلوجيات العنصرية التي تميز بين الأفراد والمجتمعات على أساس الجنس والعرق والدين والقومية، فالبشر متساوون في الحقوق والواجبات ولا يمكن الإساءة أو التفكير الدوني بحقوقهم وتفريقهم والتمييز فيما بينهم وهذه الوصايا جاءت بها قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جميع الديانات السماوية والأيدلوجيات الإنسانية الوضعية التي تهدف إلى سعادة وحق الإنسان في العيش والرأي الحر والمعتقد الديني، هناك فهم قاصر حول حريات الرأي وكأنها مطلقة تماماً فلا يمكن قبول الإساءة لمشاعر مئات الملايين من البشر أو البعض من الآلاف في معتقداتهم ورموزهم الدينية فهذه تعد بالضد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الاتفاقيات الحقوقية التي أصدرتها الأمم المتحدة بعد ذلك، فجميع الناس أحرار فيما يعتقدون به وبالضد من التجاوز وجرح مشاعرهم وقد جرى منع العبودية والاستعباد وهناك إعلان معروف حول حق كل " إنسان بالأمن الاجتماعي " وهو ما خص به استخدام وسائل الإعلام بشكل يسيء أساسا لحقوق الإنسان ومشاعره " أفراداً وجماعات " واعتبار ذلك ضمن حرية الرأي، فحرية الرأي لا تعني التجاوز أو الشخصنة في التشهير والشتم والسب وتشويه الحقائق أو الاتهامات السوقية بدلاً من أبداء الرأي أو النقد الايجابي للوصول إلى حقائق ممكن أن تجمع المتحاورين وإن اختلفت أرائهم وبهذا يكون الشرط الملزم بالاحترام المتبادل وحرية الرأي ، وعدم استخدام الدين أي دين وأية عقيدة أو الرموز الدينية بشكل غير صحيح وغير سليم مثال ( كتابات ريبورتاجية كاذبة وادعاءات لتشويه الشخصية أو الصور المسيئة أو الروايات أو الأفلام الذي تشوه صورة الإنسان والتاريخ والوقائع أو الرسوم بشكل مبتذل ومقرف ) من هنا نرى أن الطريقة التي استخدمت في وسائل الأعلام بهدف مخطط له مسبقاً من قبل مختصين وعاملين في مجال خلق الفتن والشقاق كانت تدفع للعنف والتطرف والمجابهات العنفية، وبالطبع أن العنف وردة الفعل لم تكن إلا رواسب عقدية وقد حُركت من قبل فئات منتمية فعلاً للقوى الإرهابية المتطرفة لكن لم تشترك فيها الأكثرية مع العلم أنها أساءت لمشاعرهم ، وردود الفعل والتاريخ شاهد لم تقتصر على فئة دون غيرها فهناك أمثال كثير موجودة في الولايات المتحدة مثل حوادث تحطيم وحرق وسرقة المتاجر وغيرها وهناك في فرنسا وبريطانيا والمانيا وغيرهما من البلدان، لان التطرف عادة ينتج لأسباب كثيرة منها حجب الحريات وقمع الرأي وعدم المساواة والبطالة والفقر...الخ ومنها يتم استغلال الكثير من الشباب وتحريك مشاعرهم الدينية والطائفية والقومية والعرقية وحتى الاقتصادية لدفعهم في آتون الصراع ليس السلمي بل الدموي وبشعار " السن بالسن والعين بالعين والبادي أظلم ". إن الحملات والإساءات تتوجه ليس بالضد من صانعوا أدوات خلق الفتن المعروفين بل ضد الحكومات الغربية التي تُتّهم بالإساءة إلى الإسلام، بينما نلاحظ وهو ليس بالدفاع عن باطل بل قول الحق أن أكثرية الدول الأوربية استنكرت ورفضت بشكل رسمي هذه الإساءة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.. ولهذا نحتاج إلى رؤيا موضوعية لمعرفة هذا التواصل الإعلامي المسيء والمحركين الفعليين والموقف منه بشكل قانوني وهادئ، لان الضجة التي يرافقها عنف جسدي أو تدميري لا تنفع في فضح المسؤولين ومن يقف ورائهم الذين يكررون الموضوع بين الفينة والأخرى وهم دائماً يفلتون من العقاب القانوني
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طلسم ورقة الإصلاحات السياسية موجودة وغائبة
-
نزيف الدم في يوم 9/9 امتداداً لمسرحية عرس الدم
-
قوة ترتدي الزي العسكري بالضد من منظمات المجتمع المدني
-
تداعيات اجتماع دول عدم الانحياز في طهران
-
هل مصالح الأحزاب والكتل السياسية فوق مصلحة الشعب أم العكس؟
-
عقدة العداء لحقوق النساء في الفكر الطائفي الرجعي
-
مراكز ثقافية حكومية عراقية في الدول الاسكندنافية
-
ظهور الإمام المهدي لقتال الكرد
-
الفساد وما أدراك ما فساد الطائرات وغيرها
-
دوغما فكرية وسياسية فاضحة في خرق قرار المحكمة الاتحادية
-
مخاطر التهديد بالسلاح الكيميائي والبايلوجي
-
الإصلاح وتجربة المفاوضات
-
ألعبة تكفي لكشف الحقيقة؟!
-
للمرة الألف متى تنصف جميع حقوق الكرد الفيليين؟
-
العودة للمربع الأول والضحايا من المواطنين الأبرياء
-
دمار سوريا دمار والشعب السوري يدفع الثمن
-
كلما تشتاق ظنوني
-
إخطبوط المحاصصة في جميع مرافق الدولة
-
شجرة تبدو واقفة
-
الحزب الشيوعي العراقي واللقاء مع نوري المالكي
المزيد.....
-
المرصد السوري: نحو 105 آلاف شخص قتلوا تحت التعذيب بالسجون خل
...
-
تونس: المفوضية الأوروبية تعتزم وضع شروط صارمة لاحترام حقوق ا
...
-
وسط جثث مبتورة الأطراف ومقطوعة الرؤوس... سوريون يبحثون عن أق
...
-
مسئول بالأونروا: ظروف العمل في غزة مروعة.. ونعمل تحت ضغوط لا
...
-
جمعية الإغاثة الطبية بغزة: أكثر من 70% من سكان القطاع بلا مأ
...
-
-حفلات يومية-.. ممارسات تعذيب -احترافية- في مراكز الاحتجاز ا
...
-
الأمم المتحدة تبحث وقفا -غير مشروط- لإطلاق النار في غزة
-
أردني محرر من سجون سوريا يروي معاناة 26 عامًا من الاعتقال وي
...
-
هآرتس: وفاة 4 فلسطينيين تحت التعذيب بإسرائيل منذ أكتوبر 2023
...
-
وصفتها بالمتسرعة.. برلين ترفض مطالب بإعادة اللاجئين السوريين
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|