هآرتس - مقال - 1/10/2002
بقلم: عكيفا الدار
المراسل السياسي للصحيفة
(المضمون: مشاركة الأمير الحسن في مؤتمر المعارضة العراقية هي جزء من التوجه الاستراتيجي الأمريكي لإعادة الحكم الهاشمي للعراق على أساس: فلسطين هي إسرائيل، والأردن هو فلسطين، والعراق هو المملكة الهاشمية. وحصار المقاطعة كان خطة شارونية لإبقاء عرفات كعقبة أمام التقدم السياسي ).
مشاهدو برنامج "فلنشاهد العالم" الذي يبث في القناة الأولى، شاهدوا الأمير الأردني الحسن، عم الملك عبد الله وهو يحتل النجومية في مؤتمر المعارضة العراقية العام الذي عقد في لندن، في هذه الأيام. وليس هناك شيء عابر وصدفي عند المعارضة العراقية منذ أن أمرت إدارة بوش الـ سي.آي.ايه بدعم ورعاية أوضاعهم. الأمير الحسن لم يعرج على المؤتمر لأنه كان متواجدا في المكان بالصدفة. العائلة الهاشمية لم تتنازل عن حلم استعادة التاج العراقي الى أياديها. وهذا يمكن أن يكون منصبا غير عاديا بالنسبة للأمير الأردني الذي قام شقيقه الأكبر باستلاب العرش منه في اللحظة الأخيرة.
صحيح أن إعادة الحكم الوراثي للعراق لا تتساوق مع تصور الشرق الأوسط الديمقراطي الموجود لدى إدارة بوش. ولكن هناك مؤشرات على إنها تتلاءم مع أحلام بعض الشخصيات المؤثرة وصانعة القرار حول مثلث بوش - تشيني - رامسفيلد. قبل عدة أسابيع دعا ريتشارد بيرل قادة البنتاغون للالتقاء مع باحثي معهد دراسات استراتيجية وذو صلات وثيقة بوزارة الدفاع. وحسب المعلومات التي وصلت الى أيدي أحد كبار قادة جهاز الدفاع الإسرائيلي السابقين، قام الباحثون بطرح وجهتي نظر. الأولى تقوم على مثلث أهداف حرب مكافحة الإرهاب والدمقرطة في الشرق الأوسط: العراق هدف تكتيكي، والسعودية هدف استراتيجي، أما مصر فهي الجائزة الكبرى. أما المثلث في التصور الثاني فلم يكن أقل إثارة من الأول: فلسطين هي إسرائيل، والأردن هو فلسطين، والعراق هو المملكة الهاشمية.
المسؤول الأمني الإسرائيلي المتقاعد التقى قبل أسبوعين مع أحد أعضاء المجلس الاستشاري التابع لبيرل والمقرب جدا من قادة الحزب الجمهوري. هذا المسؤول سأل إذا كان بوش قد قرر الاستمرار من النقطة التي توقف عندها كارتر "عندما استبدل نظام الشاه بديمقراطية الخميني".
هذا المسؤول حذر محادثه الأمريكي من المجابهة الشاملة بين الولايات المتحدة والعالم العربي، وأضاف بأن هذا الأمر سيتمخض عن محيط استراتيجي غير محتمل بالنسبة لإسرائيل. وتطرق الى الجزائر باعتبارها ديمقراطية في غير مكانها الصحيح كمثال على ما يقول. والعضو الجمهوري وعد بنقل الأمور الى البيت الأبيض.
إعادة تعريف العراق من جديد
ريتشارد بيرل وداغ فايت انضما في عام 1996 لمجموعة صغيرة من الباحثين الذين طولبوا بمساعدة بنيامين نتنياهو في خطواته الأولى كرئيس للحكومة. ولم يكن هؤلاء يعرفون في حينه أن ورقة العمل التي أعدوها والتي تتضمن خطة لإعادة العراق بمساعدة إسرائيل الى حكم العائلة الهاشمية، ستلقي الضوء بعد أربع سنوات على سياسة الدولة العظمى الوحيدة في العالم في الوقت الحالي.
الوثيقة التي أعدت في المعهد المقدسي - الواشنطني للدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة تظهر في الإنترنت، وقد تم التطرق الى ذكرها في الصحافة الأمريكية سابقا.
السياق العراقي والإسرائيلي الحالي والمناصب الرئيسية التي يشغلها هؤلاء الأشخاص اليوم في إدارة بوش تحول هذه الورقة الى ثروة عتيقة. بيرل يقف على رأس المجلس الاستشاري في وزارة الدفاع، ويعتبر أحد المفكرين الاستراتيجيين الهامين في المؤسسة الأمريكية. وفايت هو نائب وزير الدفاع - الشخص رقم (3) في هيكلية البنتاغون. الوثيقة تطرح رؤية طموحة تتكون من شراكة أمريكية إسرائيلية على أساس عدم الاعتمادية والنضج ومبدأ التبادل، بدلا من الشراكة التي تركزعلى الصراعات الإقليمية فقط.
الشراكة الجديدة التي يضع بيرل وفايت بصماتهما عليها ومعهما خمسة باحثين آخرين تمد أذرعها في كل أرجاء المنطقة. "في الآونة الأخيرة شكل الأردن تحديا لتطلعات سوريا في المنطقة عندما اقترح إعادة الحكم الهاشمي للعراق، وبما أن مستقبل العراق يملك تأثيرا جوهريا على التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، فمن البديهي أن تكون لإسرائيل مصلحة في دعم جهود الهاشميين لإعادة تعريفه وتحديده من جديد. حكومة نتنياهو تستطيع أن تبرز هذه المساندة في إجراء زيارتها الرسمية الأولى للأردن من قبل زيارتها للولايات المتحدة، ومن خلال دعم الملك حسين الذي عبر عن نفسه من خلال اتخاذ خطوات أمنية ملموسة للدفاع عن حكمه ضد المؤامرات السورية، ومن خلال التأثير على رجال الأعمال الأمريكيين الذين يستثمرون في الأردن من اجل أحداث تغيير في هيكلية الاقتصاد الأردني، وإضعاف ارتباطه بالعراق".
الخبراء اقترحوا على نتنياهو أن يجر تركيا أيضا لهذا التوجه من خلال المساندة الدبلوماسية والعسكرية والميدانية لعملياتها ضد سوريا. الباحثون قرروا أن "إسرائيل تستطيع بلورة محيطها الاستراتيجي والتعاون مع تركيا والأردن ومن خلال أضعاف سوريا وكبح جماحها بل وأبعادها. هذه الجهود يمكن أن تركز على إزاحة صدام حسين، التي هي هدف إسرائيلي استراتيجي قائم بحد ذاته كوسيلة لإحباط تطلعات سوريا الإقليمية. وإحدى الوسائل المقترحة للأتراك، تعزيز الصلات مع العشائر العربية الموجودة في سوريا والمعادية للنخبة الحاكمة في دمشق".
بما أن سوريا تفضل "صدام ضعيف الذي يحافظ على وجوده بصعوبة"، وليس فقط من اجل التآمر على جهود الأردن لإزاحته، فان بيرل وفايت ورفاقهما يوصون بازاحة اهتمام سوريا عن تحويل العراق الى نظام هاشمي. وكيف سيستطيع نتنياهو القيام بذلك؟ "من خلال استخدام المعارضة اللبنانية، التي تعمل على زعزعة سيطرة سوريا في لبنان. ومن الأجدر بإسرائيل كذلك أن توجه أنظار العالم الى أسلحة الإبادة الجماعية الموجودة بحوزة سوريا.
سلام بين الأقواس
في هذه النقطة يسير الخبيران اليهوديان اللذان كانا اشخاصا مركزيين في البنتاغون على حبل رفيع جدا بين ولاءهما لسياسة الادارات الأمريكية الرسمية (بما فيها ريغان حيث شغل بيرل منصبا رفيعا في ادارته) وبين مصالح إسرائيل. موقفهما هو أن من الأخلاقي والطبيعي أن تتخلى إسرائيل عن شعار السلام الشامل وان ترفض تطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام في هضبة الجولان بناء على طابع الحكم في دمشق.
ومن اجل تقليص قوة "رافعة الضغط الهامة التي كانت تقف ضدها في السابق" يقترح بيرل وفايت على رئيس الوزراء أن يصرح من زيارته الأولى للبيت الأبيض عن أن إسرائيل ناضجة كفاية للتخلي فورا عن المساعدة الاقتصادية الأمريكية وعلى الأقل عن الضمانات التي تحول دون الإصلاح الاقتصادي. (نتنياهو صرح بالفعل بأن إسرائيل ستقلص المساعدة المدنية الأمريكية لها تدريجيا وتحويل بعضها للمساعدة الأمنية). الخبراء يعتقدون أن إسرائيل ستحسن بهذه الخطوة من التعاون مع واشنطن استعدادا لمواجهة التهديدات الحقيقية على المنطقة وعلى أمن الغرب.
ورقة العمل تقترح على رئيس حكومة إسرائيل أدوات تكتيكية لمساعدته في توقع ردود فعل الولايات المتحدة وتخطيط كيفية إدارة هذه الردود. معدو الورقة وجهوا لنتنياهو نصائح حول كيفية المناورة على أعضاء الكونغرس من خلال استخدام اللغة المعروفة للأمريكيين واستخدام المصطلحات التي شغلت ادارات أمريكية في ايام الحرب الباردة وأصبحت اليوم ملائمة بالنسبة لإسرائيل. كما انهم تطرقوا في سياق النصائح الى التوقيت الملائم للقيام بذلك (موعد انتخابات الكونغرس والرئاسة - قبل تشرين الثاني 1996). المقابل الذي توقعه بيرل وفايت من نتنياهو كان دفع جدول أعمال رفاقه في اليمين الأمريكي واللوبي الأمني والصناعي. مثل التأكيد على رغبته في التعاون بشكل قوي مع أمريكا في مجال الدفاع الصاروخي. والجائزة الإضافية التي وعد نتنياهو بالحصول عليها هي دعم خطوة نقل السفارة الأمريكية الى القدس.
كيف تساوق ذلك مع عملية السلام التي كانت في أشد ساعاتها صعوبة في ذلك الحين؟. مصطلح عملية السلام يظهر في تلك الورقة بين قوسين، ونفس الشيء ينطبق على عبارة "الشرق الأوسط الجديد" التي تسببت حسب رأيهم في "أضعاف شرعية الأمة اليهودية والتي قادت إسرائيل الى الشلل الاستراتيجي".
على هذا النحو أحبطوا الانقلاب
شارون سيجني لاحقا أرباحا جميلة من مسرحية البطل "الجنرال عرفات" الذي أعلن عن نصره على خلفية مقره المدمر. كلما ضخمت وسائل الإعلام حجم العنزة التي أدخلها شارون للبيت الأبيض كلما ازدادت "بادرة حسن النية" التي قدمها لصديقه بوش مع اخراجها من هناك، كقربان لارضاء إله الحرب (ضد صدام حسين).
ويبدو أن شارون لم يبذل تفكيرا كبيرا في المسألة، ولكن أمامه فرصة غير سيئة لاستغلال هذه المسرحية الفاشلة في المقاطعة من خلال نهاية ناجحة على الأقل من وجهة نظره. ويبدو أيضا انه لم ينظر بجدية الى اقتراح دان كيرتسر "بالتوقف عن الحماقات" ورفع الحصار فورا. من المحتمل أن يكون قد ظن أن كيرتسر ما زال يعمل حتى الآن عند كلينتون ولذلك قام بإرسال دوف فايسغلاس للالتقاء بأتباع بوش في واشنطن.
قرار الانسحاب من المقاطعة اتخذ عندما أعلم فايسغلاس رئيسه أن دان كيرتسر لم يزيف الرسالة التي أوصلها له من البيت الأبيض بالمرة. أمل الخروج من القضية مع صفقة من النوع الذي تم الحصول عليه في حصار كنيسة المهد تبدد عندما اتضح أن الأوروبيين ليسوا في الحسبان في هذه المرة. الدبلوماسي البريطاني اليستر كروك الذي أشرف على مفاوضات كنيسة المهد وجد في الأيام الأخيرة أمورا أكثر أهمية تشغل باله في القاهرة.
رئيس المعارضة يوسي سريد طلب قيام لجنة الخارجية والأمن بالتحقيق في الارتياب بأن شارون قد اختار المقاطعة هدفا لانتقامه من عملية تل ابيب من اجل احباط عملية الانقلاب التي أوشكت على الحدوث في نفس المكان وفي نفس الساعة. ديوان رئيس المعارضة ووزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر ووزير الخارجية شمعون بيرس يدعون انهم لم يكونوا يعلمون بأي شيء عن خطة قادة فتح لإجبار عرفات في يوم الجمعة الماضي على القيام بالإصلاح السياسي الذي لم تكف حكومتي إسرائيل وامريكا عن التحدث عنه.
إذا كان هذا الادعاء حقيقيا فهناك مكان للتحقيق الجذري في عمى البصيرة الذي أصاب الأذرع الامنية في يوم الغفران الحالي. على أحد ما في الشباك وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" أن يوضح كيفية عدم رؤيتهم للثلاثة عشر مسؤولا فلسطينيا الذين جاءوا لعقد لقاء تحضيري في بيت أبو مازن، هل يعقل أن يكونوا غير عالمين بما تعرفه مجموعة كبيرة من الدبلوماسيين والامريكيين والاوروبيين: وهو انه قد تم الاتفاق في ذلك اللقاء على عدم الخروج من المقاطعة من دون تنصيب أبو مازن رئيسا للحكومة ومن دون موافقة عرفات على تطبيق قرار فتح بوقف العمليات على كتائب شهداء الأقصى.
فليكن الفشل ما يكون - فقد تبدد "المتآمرون" - كما قال عرفات، في كل ناحية وصوب. أبو مازن غادر لدول الخليج وسارع للعودة الى رام الله ليكون تحت إمرة عرفات وفي خدمته. وبالأمس توجه في تكليف منه الى روسيا. كما أن باقي أعضاء الانقلاب يحملون عرفات على الأكتاف. ويكسرون رؤوسهم من اجل إعادة تأهيل الانقلاب.
عملية المقاطعة من ناحية شارون - سواء بالعمل أو من خلال الفشل - نجحت في الاختبار. وربما كان ذلك ساريا على بوش أيضا الذي سجل أمامه ترحيب شارون بخطابه الهام في 24 حزيران. الاثنان يملكان نفس الرغبة تقريبا في التداول في قضية تعيين رئيس حكومة فلسطين المؤقتة، وفي اخلاء المستوطنين اليهود.