النهج الديمقراطي
الانتخابات البرلمانية لشتنبر 2002 موقفنا
منشورات النهج الديمقراطي، ص.ب. 15927 البريد المركزي، 20001، البيضاء
شتنبر 2002
تنعقد الانتخابات التشريعية في ظروف عالمية وعربية ومغاربية ووطنية تتسم بالتراجع المهول على مستوى الحريات الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وتنامي الغطرسة الأمبريالية والصهيونية والأنظمة المستبدة ضد الشعوب وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. وتتميز هذه الفترة ب:
- استمرار تصعيد الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الإمريكية لسياستها العدوانية ضد شعوب العالم (العراق، كوبا، افغانستان، كولومبيا، الفلبيين،...) تحت يافطة "محاربة الارهاب"، مكان شعار "محاربة المد الشيوعي" الذي كانت تستعمله سابقا، بهدف السيطرة على منابع النفط والثروات وتوفير شروط الاستغلال المكثف للطبقة العاملة والجماهير الكادحة من طرف الشركات متعددة الاستيطان؛
- التصعيد الوحشي للعدوان الصهيوني بدعم أمريكي وفي ظل تخاذل الأنظمة العربية الرجعية ضد الشعب الفلسطيني بهدف القضاء على الانتفاضة والمقاومة وتركيع السلطة الوطنية وتحويلها إلى أداة طيعة لحماية أمن الكيان الصهيوني وتمهيد الطريق أمام التطبيع الشامل؛
- عدم التقدم في حل قضية الصحراء اعتمادا على مبدأ تقرير المصير ومبدأ التفاوض والحلول السلمية لتجنيب المنطقة خطر الحرب، مما يغذي التوتر في المنطقة ويعرقل بناء المغرب الكبير (مغرب الشعوب)؛
- انعدام أي تغيير جوهري في بنية النظام السياسي حيث استمرار الطابع المخزني للدولة والحكم الفردي، الأمر الذي يفند كل الادعاءات بشأن العهد الجديد المزعوم؛
- مواصلة نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السابقة في ظل ما يسمى بحكومة التناوب ( الخوصصة، خلق صناديق مالية خارج المراقبة، ...) واستمرار تردي الأوضاع الاجتماعية لعموم الجماهير الشعبية وعجز الحكومة عن التصدي للبطالة والفقر والفساد والرشوة واختلاس المال العام وذلك لكونها، إضافة إلى مصالح الأطراف المكونة لها، تفتقد لصلاحيات دستورية تمكنها من وضع وتنفيذ السياسة العامة مما يؤكد أهمية وضع دستور ديمقراطي كمدخل لكل تغيير حقيقي؛
- شرعنة تفويت المقاولات العمومية للشركات متعددة الإستيطان، وتسطير قوانين للحريات العامة، وقوانين الاستثمار ... من طرف برلمان مزور يفتقد للشرعية الشعبية؛
- تسيير الشؤون المحلية للمواطنين من طرف مجالس قروية وبلدية أنتجها التزوير، تعتمد الزبونية والحزبية كأساس للتوظيف والترخيص وتعمل على خوصصة المرافق الأساسية من ماء وكهرباء ونظافة في ظروف غير شفافة لشركات أجنبية استفردت بالمواطنين لاختلاسهم؛
- تزايد التسريحات الجماعية للعمال وقمع كافة أشكال الاحتجاج (عمال، حاملي الشواهد المعطلين بما فيهم المكفوفين، شباب، مواطنين محتجين ضد الغلاء الفاحش ...) والعمل في نفس الوقت على سن ترسانة من القوانين التراجعية (قانون الصحافة، قانون الجمعيات، قانون التجمع والتظاهر، القانون الجنائي ...) وتهيئ مشاريع أخرى زجرية (قانون الإضراب، قانون الأحزاب ...)؛
- استمرار التنكر لمطلب دسترة الأمازيغية لغة وثقافة وكمكون من مكونات هوية الشعب المغربي ومحاولة احتواء الحركة الامازيغية الديمقراطية من خلال المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛
- السعي إلى إفراغ المطالب المشروعة للمرأة والحركة النسائية المغربية من مضمونها الديمقراطي والالتفاف عليها عبر مختلف الأساليب والمناورات (اللجنة الملكية، الكوطا، ...)؛
- انعدام برنامج للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر الشمالية من الاستعمار الإسباني والإبقاء على هذه المناطق كبؤر لتهريب السلع التي تخرب الإقتصاد الوطني والمخدرات التي تفتك بالشباب المغربي؛
في ظل هذه الأوضاع ستجري الانتخابات النيابية ليوم 27 شتنبر 2002 تحت إشراف وزارة الداخلية.
إن الإعلان عن إجراء هذه الانتخابات بواسطة اللائحة بدعوى التصويت على البرامج بدل التصويت على الأشخاص هو بمثابة شعار ديماغوجي يفنده الواقع ، والثابت هو أن جميع الأحزاب استعانت بأشخاص "محضوضين" لا علاقة لهم بالبرنامج الحزبي لتنصيبهم كوكلاء للوائحها في الدوائر الانتخابية، إن هذا التهافت الجديد ستنتج عنه مؤسسة تشريعية ستعمل كسابقاتها المزورة ليس اعتمادا على البرامج الحزبية بل إذعانا للاملاءات المخزنية.
إن النهج الديمقراطي ليس لديه موقف ثابت وقبلي حول المشاركة أو عدم المشاركة أو المقاطعة للعملية الانتخابية، بل يتخذ مواقفه من العملية الانتخابية انطلاقا من تقديره لمدى خدمة هذه العملية لتطوير نضال الشعب المغربي.
من هذا المنطلق نرى من المفيد التذكير بهويتنا وبسط الخطوط العريضة لبرنامجنا المرحلي قبل أن نخلص إلى موقفنا من انتخابات 27 شتنبر 2002.
أولا: من نحن؟
1 - النهج الديمقراطي استمرار للحركة الماركسية-اللينينية والحركة التحررية المغربية بشكل عام، ومنظمة "إلى الأمام" بشكل خاص؛
2 - تأسس النهج الديمقراطي في 16 إبريل 1995 من طرف قدماء مناضلي "إلى الأمام" ومناضلين أنجبتهم تجارب كفاحية في خضم النضال المرير لمختلف الحركات الاجتماعية (الطلبة القاعديين، المناضلين النقابيين، المعطلين، مناضلات الحركة النسائية، مناهضي العولمة الليبرالية...)؛
3 - تستند المرجعية التاريخية للنهج الديمقراطي إلى الهوية العميقة للشعب المغربي كشعب عربي- أمازيغي، هذه الهوية في أبعادها الروحية والإنسانية والوطنية والقومية هي التي وفرت شروط المقاومة والصمود لدى شعبنا على امتداد تاريخه الكفاحي؛
4 - تعتمد المرجعية الإيديولوجية للنهج الديمقراطي على الماركسية كمنهجية للتحليل وكنظرية للتغيير الثوري (بناء المجتمع الاشتراكي)، الغنية بمختلف الإسهامات النظرية التقدمية والتجارب التحررية الوطنية والعربية والإفريقية والعالمية المبنية على احترام حقوق الإنسان، والحرية، والمساواة خصوصا منها التي تنبذ استغلال الإنسان واستعباده؛
5 – يتجلى الهدف الأسمى للنهج الديمقراطي في المساهمة الفعالة في النضال بجانب مختلف القوى الاشتراكية الثورية من أجل تشييد المجتمع الاشتراكي الذي يصبح فيه المنتجون/المبدعون (الكادحون) يتحكمون فعليا في وسائل الإنتاج ( التي سلبت منهم في ظل النظام الرأسمالي)، وفي عملية الإنتاج و توزيع المنتوج، مجتمع تنعدم فيه الطبقات الطفيلية التي تعيش من استغلال الغالبية العظمى، مجتمع ديمقراطي يضمن الشغل والسكن اللائق والتعليم والثقافة والخدمات الصحية والترفيهية للجميع، مجتمع يتحكم فيه المواطنون في تسيير وإدارة الشأن العام السياسي، والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ولتحقيق أهدافه يتوجه النهج الديمقراطي بالأساس إلى الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين وعموم الفئات الشعبية المضطهدة والمهمشة، التي يسعى إلى تأطيرها، بهدف بناء الأداة السياسية والتنظيمية، التي تمكنها من الدفاع عن مصالحها، في مواجهة الطبقات السائدة من ملاكي الأراضي الكبار والبورجوازية الوكيلة للرأسمال العالمي والتقنوبيروقراطية المختلسة للمال العام وتفكيك سلطتها القمعية المادية والإعلامية والسياسية.
6 - إن النهج الديمقراطي يؤمن بالنضال الجماهيري كوسيلة أساسية لتحقيق أهدافه وذلك دون إغفال وسائل أخرى من ضمنها النضال الفكري والإعلامي، إنه يؤمن بأن الجماهير هي التي ستحرر نفسها بنفسها وأن دور المناضلين هو المساهمة في هذه الصيرورة، عبر وضع طاقاتهم من أجل بناء أدوات الدفاع الذاتي المستقلة للجماهير، بدل السقوط في توظيف نضالاتها أو تحريكها لتحقيق مآرب حزبية أو مصالح فئوية ضيقة.
ثانيا: برنامجنا المرحلي :التغيير الديمقراطي الجذري
إذا كان هدفنا البعيد المدى هو تشييد المجتمع الاشتراكي على طريق تشييد المجتمع الشيوعي، فإن النهج الديمقراطي كحركة سياسية مسلحة بالفكر الماركسي تعتمد المادية التاريخية والمادية الجدلية في تحليل الواقع الملموس وتشخيص مختلف عناصره (القوى المتواجدة، مستوى الوعي الطبقي، موازين القوى، تراتبيات التناقضات، الوضع الذاتي …) وهذا ما يسمح له بتحديد الأهداف المرحلية والوسائل المناسبة لتحقيقها.
اعتمادا على طبيعة المرحلة التي يعيشها المغرب، فإن النهج الديمقراطي قد حدد المهام الأساسية التي سيعمل من أجل إنجازها وتتجلى في إرساء نظام ديمقراطي في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجهوية على طريق التحرر وإقامة الاشتراكية.
إن تحقيق الأهداف المرحلية صيرورة معقدة وشاقة تتطلب توحيد القوى الاشتراكية وتظافر جهود كل القوى الديمقراطية الجذرية وكل المناضلات والمناضلين المخلصين لقضايا الحركات الاجتماعية في إطار القطب الديمقراطي الجذري، لذلك فإن النهج الديمقراطي لا يتردد في النضال المشترك من اجل تحقيق برنامج مرحلي محدد أو حتى إنجاز مهمة من المهمات النضالية ، كما أنه يعمل على بناء تحالفات متينة بين التنظيمات اليسارية والديمقراطية الجذرية بهدف توفير الشروط للتغيير الديمقراطي الجذري ذو الأفق الاشتراكي الذي يهدف إلى وضع حد للاستبداد المخزني والحكم الفردي كأداة لسيطرة للقوى الرجعية والمافيات المخزنية والرأسمالية المتوحشة.
1 - المجال الدستوري:
لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، إن جميع الدساتير التي عرفها المغرب قد أنجزت من طرف الأجانب استجابة لرغبة ومصالح الحكم المخزني وقاعدته الاجتماعية : ملاكو الأراضي الكبار، والبرجوازية البيروقراطية، والبورجوازية الرأسمالية المرتبطة أساسا بالرأسمال المالي العالمي.
وتتلخص أهداف التجربة الدستورية المغربية في نقطتين أساسيتين وهي فرض مشروعية النظام السياسي من جهة وحماية المصالح الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية للتكتل الطبقي السائد من جهة أخرى. من هنا يستمد الدستور الحالي محتواه الرجعي إيديولوجيا، والاستبدادي سياسيا، ولهذه الأسباب، فإننا نرى من الضروري :
-إلغاء الدستور الحالي وليس تعديله؛
-توفير الشروط الضرورية لانبثاق هيأة شعبية تأسيسية، تنكب على تهيئ وطرح مشروع دستور، تناقش وتصادق على محتواه وصيغته النهائية، بكل حرية، مختلف فئات الشعب المغربي.
وتتلخص مطالبنا الدستورية في الفترة الراهنة في ما يلي:
* هوية الشعب المغربي :
إن الشعب المغربي شعب إفريقي بقوة انتمائه الجغرافي وارتباطاته التاريخية وتشابه المشاكل التي تتخبط فيها شعوب القارة الإفريقية.
إن الشعب المغربي شعب أمازيغي، بقوة سكانه الأصليين، ولغته الأمازيغية وثقافته الغنية بتعدد مكوناتها (الأمازيغية، العربية، الإسلامية).
إن الشعب المغربي جزء لا يتجزء من المغرب الكبير بحكم موقعه الجغرافي والتاريخي المشترك ولغتي التواصل: الأمازيغية والعربية، وبحكم المصير المشترك في ظل الظروف الدولية المطبوعة بالتكتلات الجهوية.
إن الشعب المغربي ينتمي إلى العالم العربي، بقوة لغته العربية، وتاريخه العريق، وبقوة موقعه الجغرافي كجزء من المغرب الكبير، وبقوة مصيره المرتبط بمصير شعوب العالم العربي.
وفي هذا الإطار، فإن النهج الديمقراطي سيستمر في النضال من أجل دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية رسمية، بجانب اللغة العربية، ومن أجل انعتاق الثقافة الأمازيغية.
* المسألة الدينية :
إن النهج الديمقراطي كاستمرارية للحركة الماركسية-اللينينية المغربية، لا يمكـن إلا أن يدافع على ضرورة احترام معتقدات الجماهير الشعبية ومشاعرها الدينية، والدفاع في نفس الوقت عن حرية الاختيار والإنتماء الفكري والإيديلوجي، وعلى حرية خوض الصراع الديمقراطي الهادئ في هذا الميدان.
لقد استغل الحكم، عبر التاريخ، الدين الإسلامي لفرض نظام سياسي مخزني ولضمان استمرار هيمنة قاعدته الاجتماعية الطفيلية. حيث شكل تعيين الأئمة من طرف وزارة الأوقاف، وتحرير خطبة الجمعة لمدح الحاكمين، مظهرا ساطعا من مظاهر استغلال الدين من طرف الحكم زيادة على فرض الفكر الوحيد في هذا الميدان مع الإقصاء الممنهج لجميع الاجتهادات الدينية والعلمانية.
ولهذه الأسباب، فإننا نعتبر أن فصل الدولة كجهاز طبقي عن الدين مسألة ضرورية، كما نعتبر أن التنصيص دستوريا على تجريم الاستغلال السياسي لمعتقدات الجماهير الشعبية من أي كان شرط أساسي لتفادي الصراعات الهامشية.
إن موقفنا هذا مناهض للاستغلال السياسي للدين، ومدافع عن حق الجماهير الشعبية في ممارسة معتقداتها وشعائرها بكل حرية وبعيدا عن مختلف الضغوطات والإكراهات.
* المسألة النسائية :
هل يعقل، ونحن قد دخلنا القرن الواحد والعشرين، أن يبقى نصف الشعب المغربي محروما قانونيا من حقوقه الأساسية انطلاقا فقط من الميز الجنسي؟
إننا نرفض هذه الوضعية التي تجعل من المرأة كائنا لم يرق بعد إلى رتبة المواطنة.
إذا كانت ظروف تاريخية، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، قد أنتجت التمايزبين، العبد والسيد، الزنجي والأبيض، المرأة والرجل، فإن الإنسانية وبفضل نضالاتها، قد تمكنت من تجاوز بعض التمايزات العنصرية، لكن، ومع الأسف فإن المرأة في المجتمع المغربي لازالت تعاني من هذا الميز العنصري؛ والخطير في الأمر، هو كون القوانين الجاري بها العمل قد شرعت هذا الميز الفظيع.
لكل هذا، فإننا نعتبر دسترة المساواة بين المرأة والرجل في جميع الميادين مع التنصيص على ضمان الحقوق الخاصة للمرأة كإمرأة وكأم، وإلغاء مدونة الأحوال الشخصية الحالية، ضرورة ملحة وعنصر أساسي لقياس مدى دمقرطة البلاد.
* مسألة تعيين المسؤولين :
إن تعيين المسؤولين في مختلف المجـالات الاقتصادية والسياسية والقضائية والعسكرية … لا يمكن أن تتم خارج المؤسسات التمثيلية، حيث يجب أن ينص الدستورعلى:
-استقلال القضاء عن جميع الجهات، وتعيين القضاة (نساء ورجالا) من طرف وزارة العدل على أساس مقاييس واضحة وموضوعية.
- تعيين مسؤولي المقاولات العمومية (مكاتب ووكالات وشركات وطنية) من طرف الوزارات الوصية حسب معايير مضبوطة حتى تسهل عملية المحاسبة القانونية والسياسية.
-تعيين العمال والولاة من طرف رئيس الحكومة ، مع ضرورة مراجعة المهام المنوطة بهم في اتجاه تقليصها لصالح ممثلي السكان وبما يضع حدا لهيمنة وزارة الداخلية على باقي الوزارات والمرافق.
-يعين رئيس الحكومة وزراء حكومته ويقيلهم عند الضرورة.
* الجهوية :
لقد سبق لمنظمة " إلى الأمام" أن طرحت ضرورة بناء مغرب جديد على أساس الجهوية، يمكن تقسيم المغرب إلى جهات تتوفر على تكامل اقتصادي ووحدة اللغة الأم وتاريخ مشترك وخصوصيات ثقافية (الريف، سوس، زيان و زمور، الراشيدية و ورزازات …) وتتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي في ظل مغرب موحد. وفي هذا الإطار، يجب أن يحدد الدستور المبادئ الأساسية لهذا الاستقلال الذاتي، لتفادي الانحرافات نحو الانفصال أو إعادة النظام المركزي الحالي الذي عانى ولا يزال يعاني منه الشعب المغربي بمختلف مكوناته.
2 - المجـال الاقتصـادي:
إن هدفنا الاستراتيجي هو المساهمة مع كل الاشتراكيين الثوريين في بناء الاقتصاد الاشتراكي الذي يرتكز على المبادئ الأساسية الآتية :
-الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، لأنه لا يمكن القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان بدون القضاء على احتكار وسائل الإنتاج من طرف البعض؛
-مساهمة المنتجين في تحديد نوعية المنتوج وذلك في إطار اقتصاد وطني متكامل يأخذ بعين الاعتبار حاجيات المواطنين ومعطيات مختلف الجهات ومميزاتها؛
-تحكم المنتجين في عملية الإنتاج بما يضمن ترشيد الطاقات الإنتاجية والتوزيع العادل للمنتوج.
أما في المرحلة الراهنة، فيمكن التركيز على برنامج مرحلي في الميدان الاقتصادي، ويمكن تلخيص عناصره الأساسية في النقاط التالية :
* الإصلاح الزراعي : إن رسم سياسة فلاحية يجب أن تسهدف بالأساس تلبية الحاجيات الأساسية للسكان بما يضمن الأمن الغذائي والحفاظ على الثروات الطبيعية والمحيط البيئي والتنمية المتوازنة لمختلف المناطق. لذا يجب القيام بإصلاح زراعي يرتكز على المحاور التالية:
- تحديد مساحة الملكية الفردية للأرض (حسب أراضي البور، والأراضي المسقية)، ونزع الأراضي من الملاكين الكبار، الذين لا يساهمون مباشرة في عملية التسيير والإنتاج، وإعادة توزيعها على الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين والعاطلين حاملي الشهادات الفلاحية في إطار تعاونيات؛
-فتح تحقيق حول أراضي الجموع وأراضي الحبوس وأراضي الكيش والأملاك المخزنية والضيعات التي استولى عليها المعمرون الأجانب وفوتت للمعمرين الجدد المغاربة في ظروف غامضة، وتسليم هذه الأراضي للفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين، في إطار تعاونيات عصرية مبنية على أسس التدبير العقلاني للموارد الطبيعية، والحفاظ على البيئة وضمان الاكتفاء الذاتي؛
- استرجاع الموارد المائية التي اغتصبت من الفلاحين الفقراء من طرف المافيا المخزنية عن طريق "سياسة السدود"؛
- شق الطرق في البادية وصيانة الموجودة منها وكهربة القرى وتزويدها بالماء الشروب وكل المرافق الصحية والإجتماعية الضرورية لتحسين شروط الحياة والعمران بالبادية؛
- إعادة هيكلة مؤسسات القرض الفلاحي لتكون في خدمة الفلاحين الفقراء على الخصوص ولتستخدم أموالها في تطوير البنيات التحتية الأساسية (حفر وتجهيز الآبار، مد قنوات الري الصغير والمتوسط...)
* بناء صناعة وطنية قوية : إن المغرب يتوفر على أهم المواد الأولية (المعدنية، البحرية، الفلاحية…) وعلى الطاقات البشرية الهائلة، ويوجد في موقع استراتيجي بالنسبة للتجارة الخارجية، وهذه المعطيات كافية لتشييد صناعة وطنية قوية شريطة أن تتوفر الشروط السياسية والقانونية الضرورية والتدبير العقلاني والتسيير الديمقراطي. ويمكن تلخيص عناصر السياسة الصناعية الوطنية في النقاط الآتية :
-تلبية حاجيات المواطنين الأساسية؛
-ضمان الاستقلال الوطني اتجاه الاحتكارات الأجنبية؛
-الاعتماد بالأساس على المواد الأولية الوطنية؛
-الاعتماد على الطاقات البشرية الوطنية.
ولتحقيق هذه الأهداف نرى من الضروري تأميم القطاعات الاستراتيجية (الطاقة والمعادن، المواصلات، الصيد البحري، المؤسسات المالية، التأمين، النقل العمومي …) ووضع حد لمسلسل الخوصصة، ومساءلة المسؤولين عن نهب المال العام وتفويت الممتلكات العمومية لذوي النفوذ والشركات متعددة الإستيطان في ظروف وشروط لا تخدم مصلحة الوطن.
وحتى لا تبقى الوحدات الاقتصادية العمومية عرضة للتسيب والاغتناء اللامشروع، فيجب ضمان مراقبة المنتجين المباشرين وممثلي الشعب لعملية التمويل والتسيير والتدبير والتسويق.
* تقليص دور القطاع الخدماتي المرتبط بالأساس بعملية التوزيع والتسويق (ضبط قنواتها وحذف الغير الضرورية) وإلغاء الأنشطة التي تعتمدها بعض الفئات الطفيلية للاستحواذ على جزء هام من فائض القيمة التي تنتجها الصناعة والفلاحة.
* مسألة المديونية : أصبح تسديد الديون العمومية عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة (حوالي الثلث من نفقاتها)، حيث أغرق الحكم بلادنا في مستنقعات يصعب الخروج منها، وربط مصير الشعب بجهات أجنبية. هذه الجهات التي أصبحت تتحكم في السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال منح القروض وإعادة جدولة الديون وذلك بدفع الدولة إلى تخفيض ميزانيات القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والشغل، وفرض مدونة شغل تراجعية تخدم مصالح الباطرونا على حساب مصالح العمال، وتفويت القطاعات الاستراتيجية للشركات الأجنبية ...
المطروح اليوم هو تشكيل لجنة مستقلة عن الدولة للتحقيق في مصير الإقتراضات الخارجية، لأنه لا يعقل أن يسدد الشعب المغربي ديونا أضعافا مضاعفة لم يستفد منها ولم يوافق عليها.
ولتمويل المشاريع التنموية التي تخدم مصالح الشعب المغربي الأساسية، يجب استرجاع الأموال التي تم نهبها وتخفيض ميزانيات إدارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية وتخفيض أجور كبار موظفي الدولة من وزراء ومدراء الإدارات والمقاولات العمومية وتقليص تعويضات البرلمانيين، وفرض ضريبة على الثروة والمداخل الكبرى، ومحاربة الغش الضريبي والزيادة في الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للأصناف الكمالية (السيارات الفخمة، المجوهرات، الكحول المستورد…).
3 - المجال الاجتمـاعي:
لا يمكن لبلادنا أن تتقدم بدون القضاء على الأمية والفكر المتخلف والبطالة، والأمراض الفتاكة، والسكن غير اللائق، وعلى مختلف المآسي الاجتماعية (أطفال الشوارع، الدعارة، التسول، المخدرات، السرقة، الإجرام…).
إن القضاء على هذه المآسي لن يتم بالقمع أو بالوعظ والإرشاد أو بتوزيع الصدقات الموسمية، لأنها نتاج للاضطهاد السياسي وللحرمان الاقتصادي ولسياسات تعليمية وثقافية تشجع التخلف وتناهض الفكر التقدمي والنقدي والبحث العلمي.
إن السياسة المتبعة منذ عقود في مجال التعليم بمختلف أسلاكه برهنت على فشل النمط السياسي والإقتصادي المتبع ببلادنا. وفي الوقت الذي تضرب فيه الأمية الأبجدية والتقنية أطنابها في جميع مناطق البلاد، يتم رمي مئات الآلاف من الشباب حاملي الشهادات في مجاهل البطالة والفقر، حيث أضحت كل واحدة من الأسر المغربية تضم فردا أو أفرادا من ضحايا بطالة خريجي الجامعات.
ولمحاولة الدولة التنصل من مسؤولياتها الجسيمة اتجاه المواطنين في مجالات التعليم والتكوين والبحث العلمي، روجت لشعارات زائفة تدعي عدم تلبية المنظومة التعليمية لمتطلبات سوق الشغل، بهدف تمرير السياسات المفروضة من طرف المؤسسات المالية الدولية في هذا المجال، حيث جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يرفض النهج الديموقراطي محتواه لكونه يكرس من جهة تعليم رجعي (أسسه الولاء والخنوع) ومن جهة أخرى تعليم تبعي (أساسه تلبية حاجيات الرأسمالية في مرحلة العولمة في يد عاملة طيعة ومحدودة التكوين)، ويعمق التبعية في مجال اكتساب الخبرة وانتاج التكنولوجيا ... كما يكرس عدم المساواة بين أطفال الطبقات الشعبية وأطفال الطبقات الميسورة (تشجيع التعليم الخاص، ضرب مجانيـة التعليم …) والحيف الذي تعاني منه اللغة الوطنية الأمازيغية.
إن برنامج النهج الديموقراطي في مجال التعليم يتوخى:
- إيجاد رياض للأطفال ما دون السادسة تكون لغة التعليم فيها هي اللغة الأصلية للطفل؛
- تعليم إبتدائي إجباري لمدة خمس سنوات بالنسبة للأطفال البالغين ست سنوات لغته هي اللغة الأصلية للطفل عربية كانت أم أمازيغية، وفي الحالة الثانية تعطى للأطفال دروس في العربية لتمكينهم من متابعة دراستهم الثانوية؛
- تعليم ثانوي إجباري من ست سنوات ، لغته هي اللغة العربية مع إعطاء دروس بالأمازيغية لمن يرغب في ذلك، تدمج في برامجه الثقافة الأمازيغية كالثقافة العربية، ويكون مفتوحا على تكوين مهني ملائم لحاجيات البلاد أو على التعليم العالي؛
- تعليم عالي مرتكز على البحث العلمي وتنمية القدرات الخلاقة للشباب مع فتحه أمام جميع المواطنين، تكون لغته هي اللغة العربية مع اعطاء امكانية تعلم الأمازيغية لمن يرغب في ذلك؛
- انشاء معهد عالي لتطوير اللغة والثقافة الأمازغيتين يتوفر على ملاحق في مناطق التسيير الذاتي؛
- القضاء على الأمية.
إن تهميش القطاع الصحي العمومي وتشجيع القطاع الخاص، الذي لا يخضع لمعايير المصلحة العامة، يفضح السياسة الطبقية التي تنتهجها الدولة في المجال الاجتماعي. ولهذا فإن النهج الديموقراطي يطمح إلى وضع سياسة صحية شعبية تستند إلى الأداة التالية:
- توفير مصالح للوقاية الصحية في كل أنحاء البلاد وذلك بهدف تخفيض نسبة وفيات الأطفال؛
- إعداد البنيات التحتية من ماء شروب ومجاري الواد الحار وتجفيف المستنقعات؛
- وضع برنامج الوقاية الصحية بارتباط مع المنظمة العالمية للصحة؛
- سن قوانين تضمن العمل في شروط صحية والوقاية من الأمراض وحوادث الشغل.
- سن قوانين لمحاربة التلوث وحماية البيئة الطبيعية ومواجهة النتائج الضارة بالبيئة الطبيعية والعمرانية التي تهدد صحة المواطنين الجسمية والنفسية والاعتماد على العنصر البشري في المراكز الصحية الأولية؛
- وضع برنامج لمكافحة سوء التغذية؛
- إلغاء وصاية وزارة الداخلية على المستشفيات العقلية ومراجعة القوانين المتبعة في هذا المجال؛
- إنشاء صيدلية وطنية؛
- حماية وضعية الأمومة وتوفير الشروط المادية من أجل تنظيم النسل؛
- حماية الطفولة والشيخوخة.
أما فيما يتعلق بالسكن فإن تشييد القصور والفيلات الفخمة والمسابح الخاصة … تعد اليوم تحد وإهانة لملايين المغاربة المكدسين في الأحياء الصفيحية والمشردين في شوارع المدن الكبرى والتائهين بدون مأوى … ولا أدل على ذلك من انتشار أحزمة الفقر التي تحيط بكافة مدننا المغربية. فالنمو الديموغرافي السريع والهجرة القروية المتزايدة يجعلان من السكن مشكلا خطيرا يفتح الباب على مصراعيه للمضاربة العقارية ويجد لها ميدانا أساسيا للنهب وامتصاص الأجور الهزيلة للكادحين، لذا فإن منظور النهج الديموقراطي في مجال السكن الإجتماعي يتمحور حول النقاط التالية:
- القضاء على المضاربة العقارية؛
- القضاء على مدن الصفيح والسكن العشوائي؛
- وضع سياسة للإسكان توفر دورا لائقة للسكن بكراء لا يتجاوز خمس دخل الكادحين أو حيازتها بأقساط لا تتجاوز الربع من مداخلهم، وتوفير قروض طويلة الأمد لذلك بفوائد لا تتجاوز 5 % ؛
- تطوير أساليب ومواد البناء ضعيفة التكلفة تعتمد على مواد وأساليب البناء المحلية، خاصة في العالم القروي.
أما بالنسبة للتشغيل فإن السياسات المتبعة في بلادنا منذ أكثر من عقدين من الزمن تنبني على تقليص كتلة الأجور والتخلص من القطاع العمومي وتجميد التوظيف في هذا القطاع والإعتماد في المقابل على الإستثمار الخارجي الذي لا يأتي لخلق فرص شغل جديدة وإنما للاستحواذ على هياكل اقتصادية عمومية مربحة يعمد فيها الى تسريح اليد العاملة تحت يافطة "ترشيد الموارد البشرية" وتحويل الفوائض المالية الوطنية الى الخارج.
كما أن الطبيعة الطفيلية للباطرونا المغربية يجعلها غير مؤهلة طبيعيا لتوسيع السوق الداخلية وامتصاص معدلات البطالة الهائلة رغم الإمتيازات المستمرة التي تمنحها الدولة لهذه الباطرونا على شكل الإعفاءات الجبائية وعن طريق التسهيلات في التزويد بالطاقة ومنح الأراضي المجهزة والإعفاء من أقساط وافرة من مستحقات الضمان الإجتماعي ... كما تعمل السلطة المخزنية منذ يوليوز 1995 على محاولة تمرير مشروع مدونة الشغل رجعي للإجهاز على مكتسبات الطبقة العاملة، الضئيلة أصلا والمداسة بإستمرار، على صعيد إستقرار العمل والأجور والحقوق النقابية مما يعمق البطالة ويبدع في أشكالها وأنواعها عبر تقنين السمسرة في الطبقة العاملة وجعل العقود المؤقتة أصلا وقاعدة، كل هذا تطبيقا لشعارات الرأسمالية المتوحشة "مرونة الشغل والتشغيل"، تحرير الأجور ...
كما أن الفصل 288 من القانون الجنائي والمرسوم المتعلق بالحق النقابي للموظفين وظهير 1938 المتعلق بنظام السخرة هي أدوات لتكريس انعدام استقرار العمل مما يجعل الطبقة العاملة المغربية تعاني منذ عقود من التسريحات الجماعية والاغلاق اللاقانوني للوحدات الصناعية ومن التضييق على الحريات النقابية.
إن النهج الديموقراطي كفصيل اشتراكي متشبث بالدفاع عن مصالح الجماهير الكادحة يدين السياسة المتبعة الرامية الى تكريس هشاشة الشغل والبطالة المقنعة ووضع آفاق مجهولة أمام الشباب المغربي الذي يكون الغالبية العظمى للثلاثين مليون من المغاربة.
فكم عدد المغاربة الذين يموتون غرقا في البحر هاربين من الجحيم الإجتماعي؟ وما معنى المواطنة في غياب الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؟
وإذ ينوه النهج الديموقراطي بالنضالات التي تخوضها الطبقة العاملة من أجل حقها في التنظيم النقابي وفي الدفاع عن كرامتها وبصمود المعطلين حاملي الشهادات بمختلف فئاتهم أمام الآلة القمعية للسلطة المخزنية وبنضالات عائلات ضحايا الهجرة السرية التي تحمل الدولة مسؤولية مصير أبنائها، فإنه يرى ضرورة اعتماد خطة مستعجلة لتوقيف التدهور الحاصل تتمحور حول النقاط التالية:
- وضع مدونة للشغل ديموقراطية وعصرية تعتمد على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان خاصة منها العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والاتفاقيات الصادرة عن المنظمة الدولية للشغل؛
- إنشاء صندوق للحماية ضد البطالة وتوفير التغطية الصحية المجانية لضحايا البطالة؛
- تقليص أسبوع العمل في 40 ساعة بالنسبة للطبقة العاملة في الميدان الصناعي والفلاحي؛
- تقنين العمل بالساعات الإضافية بالمؤسسات الخاصة وفرض نسبة مأوية من المكونين والمؤطرين المرسمين بالتعليم الخصوصي ؛
- وضع مقاييس شفافة ومراقبة للتوظيف في الإدارات العمومية وشبه العمومية والجماعات المحلية، ومحاربة ظاهرة ما يسمى بالموظفين الأشباح؛
- الرفع من الحد الأدنى للأجور وتوحيده وتطبيق السلم المتحرك للأجور؛
- إلغاء جميع القوانين والمراسيم التي تضيق على الحريات النقابية وممارسة حق الإضراب وعلى رأسها الفصل 288 المشئوم من القانون الجنائي؛
- الغاء جميع المتابعات القضائية ضد المناضلين النقابيين، وإطلاق سراح المعتقلين منهم، وارجاعهم إلى عملهم؛
- الإعتراف للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب بحقها الطبيعي في الشرعية القانونية؛
- توفير فرص الشغل لحاملي الشهادات المعطلين مع إيلاء عناية خاصة لذوي الحالات الخاصة مثل المكفوفين والمعاقين بصفة عامة.
4 - المجال الثقافي:
في المرحلة الراهنة، يرى النهج الديمقراطي:
- ضرورة توفير الإمكانيات اللازمة لإعادة الاعتبار لمختلف مكونات الثقافة الشعبية، وتحريرها من الطابع الفلكلوري الذي فرضته سياسة الدولة؛
- ضرورة توفير الشروط اللازمة لتحرير الطاقات الخلاقة للمبدعين : بناء مسارح ودور الثقافة، وتشييد مكتبات عمومية، تشجيع المبدعين بشكل عام والشباب منهم بشكل خاص، رفع قيود الرقابة ووصاية الدولة …؛
- تشجيع كل ما هو إنساني، تقدمي وتحرري في مجال الإبداع؛
- فتح الإعلام العمومي أمام الثقافة الأمازيغية للتعريف بها وتشجيع المبدعين الأمازيغيين والتعريف بانتاجاتهم.
- تخصيص حصص داخل المؤسسات التعليمية للمسألة الثقافية يمكن أن يختلف جزء من محتواها من جهة إلى أخرى.
- خلق فضاءات ملائمة بالأحياء الشعبية وبالدواوير لتشجيع الإبداع، وتعميق المعرفة الثقافية …
5 - مجال الحريات العامة:
لقد انتبهت منظمة "إلى الأمام" منذ تأسيسها إلى أهمية النضال الديمقراطي الجماهيري، هذا النضال الذي يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وحقوقية وثقافية … على طريق التغيير الجذري وبدون تنازلات مبدئية أو توافقات فوقية مع الدولة المخزنية.
لقد ساهمت منظمة "إلى الأمام" في تأسيس أول جمعية حقوقية مغربية في بداية 1972 (نذكر من مؤسسيها الشهيد عمر بن جلون من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وعبد الحميد أمين من منظمة "إلى الأمام")، وساهمت في خلق الاتحاد الوطني للمهندسين الذي لعب آنذاك دورا رائدا في فضح سياسة النظام (نذكر من مؤسسيه أيت قدور من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وعبد الحق التازي من حزب الاستقلال وعبد الله الحريف من "إلى الأمام" كأول كاتب عام للاتحاد الوطني للمهندسين)، كما تحمل مناضلو "إلى الأمام" مسؤوليات قطاعية داخل الاتحاد المغربي للشغل، وقيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إثر المؤتمر الخامس عشر (غشت 1972) حيث أصبح عبد العزيز المنبهي رئيسا لهذه المنظمة، كما عمل مناضلو "إلى الأمام" على تأسيس عدة جمعيات ثقافية ونوادي السينما بمختلف مناطق المغرب.
وبدوره فإن النهج الديمقراطي ومنذ تأسيسه قد أعطى أهمية بالغة للنضال الديمقراطي وقرر العمل في إطار القانونية حيث وضع ملفه لدى السلطات المعنية منذ سنة 1999، ولم يتوصل إلى حدود كتابة هذه السطور بوصل الإيداع وهذا خرق سافر للقوانين الجاري بها العمل من طرف الدولة التي سارعت إلى الترحيب بأحزاب خرجت للوجود في الأسابيع الأخيرة، وفتحت لها أبواب التلفزة والإذاعة للتعريف بها، وضمها بسرعة فائقة إلى لائحة الأحزاب القانونية وادخالها معمعة الانتخابات. إن الديمقراطية التي تتغنى بها الدولة، هي ديمقراطية التدجين والتركيع والإقصاء. إن هذا المفهوم للديمقراطية هو الذي تحكم في الترسانة القانونية التي تبلورت في الشهور الأخيرة والتي تضرب في العمق حرية الصحافة، وحرية الرأي وحرية التنظيم والتظاهر والتجمع...
إن النهج الديمقراطي كاستمرار فكري ونضالي للحركة الماركسية، اللينينية والحركة التحررية المغربية قد فرض نفسه في الساحة الوطنية كمعطى نوعي يصعب تجاهله، نظرا لمواقفه التي ترفض التوافقات اللامبدئية، وعقلية المحرمات والمقدسات، ولنضاله وسط الجماهير الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة وعموم الكادحين الذين تتعارض مصالحهم وبشكل مطلق مع مصالح التكتل الطبقي السائد.
يصعب كذلك تجاهل النهج الديمقراطي في الساحة النقابية حيث يتواجد مناضلوه بكثافة وبحيوية ونضالية في مختلف النقابات المناضلة (ك.د.ش،ا م ش، النقابة الوطنية للتعليم العالي، الإتحاد الوطني للمهندسين، جمعية هيئات المحامين بالمغرب، الجمعية المغربية للنساء التقدميات، أطاك المغرب ...)، كما يصعب تجاهله في الميدان الحقوقي حيث يعمل مناضلوه في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف.
وفي هذا الإطار، فإن النهج الديمقراطي يتبنى كل المطالب التي عبرت عنها الحركة الحقوقية ومن ضمنها :
- إطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين السياسيين؛
- إطلاق سراح المختطفين الذين لا يزالون على قيد الحياة، وتسليم رفات المتوفين منهم والوثائق الإدارية الضرورية لذويهم؛
- مساءلة المسؤولين عن مختلف الجرائم السياسية منها والاقتصادية على أساس مبدأ عدم الإفلات من العقاب؛
- حل جميع الأجهزة المتورطة في هذه الجرائم؛
- فتح مفاوضات رسمية وعلنية مع المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي يمثل الضحايا، حول الإجراءات والحلول التي يطرحها؛
- إلغاء جميع القوانين التي تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أما في الميدان الجمعوي التنموي والثقافي، فيكفي أن نذكر بالدور المهم الذي يقوم به مناضلو النهج الديمقراطي في الحركة الأمازيغية، وذلك انسجاما مع المواقف التاريخية التي عبرت عنها منظمة "إلى الأمام" منذ بداية السبعينات والتي أكد عليها النهج الديمقراطي في مختلف المناسبات ونذكر في هذا الباب بالموقف المبدئي الذي عبر عنه الرفيق محمد الزياني الذي رفض الالتحاق بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هذا الموقف الذي يتماشى مع توجهات النهج الديمقراطي الذي سبق له أن دعا إلى تأسيس معهد علمي مستقل ينكب على دراسة جميع الجوانب اللغوية والثقافية للاستجابة العملية لمطالب الحركات الأمازيغية الديمقراطية.
6 - مجال السياسة الخارجية:
إن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية، لا يمكن لأي نظام أن يكون قمعيا داخليا وتحرريا خارجيا، ومن هنا يتضح الربط الجدلي بين النضال من أجل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان داخل الوطن، والنضال من أجل تغيير السياسة الخارجية للدولة، هذه السياسة التي حولت المغرب إلى إحدى الأعمدة التي تستعملها الإمبريالية (الأمريكية والفرنسية بالخصوص)، فمنذ بداية الستينات اختار الحكم المغربي المعسكر المعادي للتحرر والتقدم والاشتراكية. المطلوب اليوم، هو تصحيح هذه الوضعية، والنضال من أجل أن تصبح السياسة الخارجية خاضعة للحكومة برئاسة رئيسها وبمراقبة ممثلي الشعب.
إن استمرار احتلال سبتة ومليلية ومختلف الجزر الشمالية من طرف إسبانيا وعدم جدية الدولة المغربية في العمل على استرجاعها يعتبر تحديا لمشاعر وكرامة الشعب المغربي، وللمواثيق الدولية.
لقد أصبح بناء المغرب الكبير المدخل الحقيقي لتقدم المنطقة والتعامل مع التكتلات الجهوية (وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي) من موقع قوة، ويدعي البعض في هذا الإطار، أن قضية الصحراء تشكل عائقا لهذا البناء، غير أن النهج الديموقراطي يعتبر أن اعتماد مبدأ تقرير المصير ومبدأ التفاوض والحلول السلمية لتجنيب المنطقة خطر الحرب، هو السبيل لبناء الوحدة المغاربية التي تتوق إليها شعوب المنطقة.
إن الشعب المغربي الأمازيغي- العربي، جزء لا يتجزء من العالم العربي، وكل مساس بشعوب هذا العالم يمس بشكل مباشر مشاعرنا، وهذا ما يفسر التضامن العفوي والفوري الجماهيري العارم الذي ما فتئ يعبر عنه مع الشعب الفلسطيني والعراقي في محنتيهما، وفي صمودهما ضد الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين والتطويق الأمريكي الظالم للعراق.
إن قضية الشعب الفلسطيني بالنسبة للحركة الماركسية اللينينية المغربية هي قضية وطنية ذات أبعاد أممية، فهي قضية عادلة لشعب يشكل جزءا من جسم ننتمي إليه. إن الحل الديمقراطي والعادل لقضية فلسطين يتلخص في الكفاح من أجل بناء الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على كامل أرض فلسطين، وهذا لن يتحقق إلا بدحر الكيان الصهيوني الاستعماري العنصري.
كما أن النهج الديموقراطي يعمل على أن يحتل المغرب مكانه الطبيعي داخل الجبهة الأممية المناضلة الرامية إلى عولمة النضال ضد عولمة الرأسمالية المتوحشة.
ثالثا: لماذا مقاطعة انتخابات 27 شتنبر 2002؟
إن الهدف من انتخابات معينة، هو إفراز مؤسسات (برلمان، جماعات محلية …) تعكس بشكل نزيه وموضوعي اختيار المواطنين بكل حرية، وتضمن لها القوانين (وفي مقدمتها الدستور) الحق في تسيير الشأن العام الذي انتخبت من أجله دون وصاية، ودون تدخل أطراف أخرى، خصوصا عندما تكون تلك الأطراف غير منتخبة.
إذن الانتخابات، وهذا صحيح حتى في المنظور الليبرالي، تتطلب النزاهة في العملية ( من بدايتها إلى نهايتها) واستقلالية المؤسسات المنتخبة في ممارسة مهامها، كما تتطلب إعطاء نفس الفرص لمختلف القوى المتواجدة.
السؤال المطروح اليوم أمام الديمقراطيين المغاربة يتعلق بمدى توفر هذا الحد الأدنى في الوقت الراهن؟
إننا نعتبر هذا الحد الأدنى بعيد التحقيق في الظرفية الحالية، ويمكن تلخيص حججنا على ذلك في النقاط التالية :
-1 ستجرى الانتخابات المقبلة على أساس اللوائح الانتخابية التي استعملت خلال انتخابات 96 و 97 والتي طعنت جميع القوى الديمقراطية في سلامتها؛
-2 غياب هيئة دستورية محايدة وانفراد وزارة الداخلية بالإشراف على تهيئ الانتخابات المقبلة، رغم أن هذه الوزارة شكلت منذ بداية الستينات جهازا للتزوير والتدليس والقمع، وحتى بعض المشاورات التي قام بها وزير الداخلية الحالي تبقى شكلية ولم تشمل جميع القوى الفاعلة؛
3 - تنظيم الإنتخابات على أساس مدونة للإنتخابات تجرم الحق في حرية التعبير والمعارضة؛
4 - إقصاء المغاربة المقيمين بالخارج من المشاركة في الانتخابات؛
5 - إقصاء الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة من المشاركة في هذه الانتخابات؛
6 - عدم اختلاف الشروط التي مرت فيها الانتخابات الجزئية في ظل حكومة التناوب المخزني عن سابقاتها من خلال استعمال المال والتزوير…؛
7 - عدم تسليم وصل الإيداع لمجموعة من التنظيمات السياسية وفي مقدمتها النهج الديمقراطي، وهذا يعني فرض الفكر الوحيد وإقصاء وجهات نظر أخرى؛
8 - تقديم مساعدات مالية للبعض (من الميزانية العامة، أي من الضريبة التي يؤديها المواطنون) ورفضها للبعض الأخر (لم يستفيد حزب الطليعة من هذه المساعدات رغم قانونيته)؛
9 - فتح المجال السمعي - البصري أمام البعض، ومنعه أو تقنينه أمام البعض الآخر؛
10 - تجاهل المطالب الملموسة للحركات الحقوقية والنقابية والنسائية والثقافية والجمعوية يفند مزاعم المسؤولين حول نزاهة هذه الإنتخابات؛
11 - أخيرا، ستجري هذه الانتخابات في ظل دستور ممنوح ترتكز فيه أهم الصلاحيات بين يدي الملك، فلنفترض أن الانتخابات أعطت الأغلبية لقوى معينة، وشكلت هذه الأغلبية حكومة منسجمة، بدون وزارات السيادة، فهل يمكن لهذه الحكومة أن تطبق برنامجها؟ بطبيعة الحال هذا غير ممكن إذا كان هذا البرنامج يتناقض مع مصالح الطبقات السائدة وتوصيات المؤسسات المالية الدولية، حيث أن الدستور لا يسمح بهذا النوع من الحكومات.
إنطلاق مما سبق ذكره فإن النهج الديموقراطي يعتبر بأن الشروط الموضوعية للمشاركة في الإنتخابات غير متوفرة في الظروف الراهنة، فنتيجة هذه الإنتخابات لن تؤدي إلى دمقرطة الحياة السياسية كما لن تحسن من معيشة المواطنين ولن توقف التدهور الإجتماعي والإقتصادي الحاصل بينما ستكرس نزيف الخوصصة، بكل ما يعني ذلك من تسريحات جماعية للطبقة العاملة وتعميق البطالة وتمكين الشركات متعددة الإستيطان من التحكم في دواليب الإقتصاد الوطني وتحويل الفوائض الإقتصادية الوطنية إلى الخارج على شكل عملة صعبة.
إن المشاركة في الإنتخابات لا يعني سوى تزكية مسلسل رسمه الحكم المخزني، برعاية دوائر أجنبية، هدفه الأساسي ضمان الاستمرارية في مختلف المجالات.
لكل هذه الإعتبارات فإن النهج الديموقراطي يدعو جميع المناضلات والمناضلين الديموقراطيين الشرفاء وجميع المواطنات والمواطنين ضحايا الفقر والتهميش إلى متابعة النضال من أجل بناء أدوات الدفاع الذاتي للجماهير في أفق بناء الديموقراطية الحقيقية.