وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3853 - 2012 / 9 / 17 - 15:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا قام البعض من المسلمين بقتل السفير الاميركي في ليبيا ؟
لماذا قام البعض من المسلمين باعمال عنف وحرق واحتلال سفارات بسبب فيلم تافه يسيء لشخصية الرسول نبي الاسلام ؟
لماذا لم يقم هؤلاء المسلمون بنفس الاعمال احتجاجا على فيلم ( شفرة دافينشي )الذي اساء لشخصية السيد المسيح وعقيدة المسيحيين ؟ رغم ان القران لايفرق بين الانبياء :
(لانفرق بين احد منهم ) قران كريم
لماذا العنف في الاديان ؟
الدين علاقة فردية بين المؤمن وربه , بينما السياسة تمثل علاقة جمعية .ولكن لايمكن للسياسة ان تضبط الجماعة الا بضبط الفرد , وبالمقابل لايمكن للفرد ان يبني ايمانه القائم على اليقين المطلق الا انطلاقا من مخزون (القداسة ) الجمعي للمجتمع .
يبدا العنف في الدخول من جهة النظام السياسي , فيقابله المؤمنون بالدين الجديد بالصبر وبتضحية تدعو للاعجاب .
كان ( خروج )موسى واتباعه هو وسيلتهم لمقاومة العنف الذي تعرضوا له حسب رواية التوراة والقران . وفي المسيحية التي هي (خروج ) على الدين اليهودي , يرتضي السيد المسيح بان يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله . بل ويستسلم للصلب ثم يقوم من الموت بحسب الانجيل .وفي الاسلام احتمل بلال الحبشي وضع حجر ضخم على صدره ,ثم ( خرج ) المسلمون الى الطائف , والهجرة المبكرة للمسلمين الى الحبشة مرتين ,ثم الهجرة النبوية الى المدينة
يبدا العنف من النظام القائم حفاظا على سلطته ,فيواجهه اتباع الدين الجديد بحالة الاحتمال والهجرة , وهي عملية تبدو سلبية في الظاهر ,لكنها في الواقع اكثر ايجابية من الفعل السياسي العنيف . حيث المؤمنون يتسلحون بطاقة روحية غير محدودة . تؤدي المواجهة الدينية للعنف السياسي الاول الى امرين مهمين , الاول هو اتاحة الفرصة لانتشار الدين بين المؤمنين المهمشين والفقراء والمظلومين والمتمردين على النظام السياسي . والامر الاخر الرضا المؤقت الذي ينتاب السلطة السياسية السائدة واقتناعها بان الدين هرب من المواجهة .يهدا العنف الاول تدريجيا في مركز السلطة السياسية بينما يتنامى حجم الدين في الارض التي تم (الخروج ) اليها . وبعد حين يعود الدين ليقتلع بحزم تلك السلطة السياسية القديمة .
في التجاذبات بين الدين الجديد والسلطة القديمة , يقدم الدين الجديد لاتباعه جنتين او ملكوتين , جنة ارضية وجنة سماوية علوية , فيصير الدين مع الوقت ملكيا !!! .ان المباديء الاسلامية مثل : الناس معادن خيرهم في الجاهلية ,خيرهم في الاسلام . و ( من دخل دار ابي سفيان فهو امن ) . كلها تشير الى التقارب والتعايش بين الدين والسياسة . هذا التقارب يجعل من كل منهما ياخذ من سمات الاخر , تصير فيه السياسة متدينة , ويصير الدين سياسيا . اي يتم تسييس الدين , وتديين السياسة . فيقوم الحاكم باقامة دور العبادة والتقرب من الرموز الدينية . وفي المقابل يدعم الدين السياسة باضفاء الشرعية عليها . ويتحول الدين الى ثقافة تظهر تجلياته في تفاصيل الحياة اليومية . ويتم تكريس الطقوس والشعائر الدينية . وتجدد السياسة نفسها بجهود المصلحين الانقياء . ويتجدد الدين بسير القديسين والاولياء الصالحين ,فيزداد الارتباط بين الدين والسياسة تدريجيا .غير ان حالة الاستقرار لاتخلو من اضطرابات ,مثل شرب الخمر المحرم في الاسلام , حيث روي ان الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك ( قتل سنة 126 هجرية ) امر فنصبت له خيمة الشراب فوق الكعبة ( ابن كثير : البداية والنهاية و الذهبي : تاريخ الاسلام , ابن عساكر : تاريخ دمشق ) ولو ان كاتب المقال يشكك في هذه الروايات التي حاولت الطعن بالامويين والهاشميين ولنا عودة الى هذا الموضوع في مقالات قادمة .
قد يحدث في مرات اخرى ان تتوحد السلطتان , السياسية والدينية في شخص واحد يحكم الناس باسم الدين . ويصعب في هذه الحالة الفصل بين ماهو ديني وما هو سياسي . هذا التوحد يمثل نوعا من التعدي وتبادل الادوار وهو ينذر بمزيد من عمليات التعدي باسم الدين او السياسة .
من هذه الانشقاقات الشهيرة في التاريخ والخروج على السائد والاصل , انشقاق جماعة قمران من الاسينيين المعمدانيين وخروجهم عن الدين اليهودي وانعزالهم في خربة قمران . وكذلك الانشقاقات في المسيحية مثل الاريوسية والنسطورية وغيرهما , وفي المسيحية الوسيطة ظهور البروتستانت وحاليا جماعات منشقة كثيرة نجدها في اوربا واميركا .وكذلك الحال في الاسلام . في حالات ( الخروج ) من داخل الدين يصير الجدل الديني والسياسي معقدا . فالحركة الدينية الجديدة تستند الى قراءة خاصة لاصل العقيدة مخالف لقراءة اغلبية الجماعة المحيطة بها . وهي تاتي راديكالية , رافضة , غير توافقية , وهنا تكون المواجهة حتمية . هذا ( الخروج ) يقوم باسكات بقية الاصوات الدينية لصالحه وينفرد هو بالغناء , ولنا في ذلك مثال معاصر وهو فكر ابن تيمية .
هذه المرة يدخل العنف طرفا ثالثا في جدلية الدين والسياسة ويكون هذه المرة عنفا اصيلا لانه يتفجر من طرفي التوازن . باسم الدين تتجه الجماعة الدينية المتطرفة للعنف المزدوج ضد الواقع السياسي وضد الاعتقادات العمومية السائدة . فتلغي مشروعية الحاكم , وتدين القراءات المخالفة لرايها الديني . وباسم الحفاظ على امن الجماعة تتجه القوى السياسية الحاكمة الى العنف المنظم للقضاء على الجماعة ( الخارجة ) المنشقة في محاولة لاقتلاع جذورها . هذا التطرف بين السياسة والدين والعنف يشتد ليصبح عابرا للحدود وللقارات , مثل الحركات السلفية التكفيرية مثل الوهابية وتنظيم القاعدة اليوم . ومثل ثورات الخوارج في الاسلام وفي نظام الاغتيالات الذي تبناه النزاريون اصحاب قلعة الموت والذين تم تسميتهم بالحشاشين .
من الضروري العمل على فك الارتباط بين العنف والدين والسياسة لغرض التعايش السلمي بين شعوب العالم .يقوم هذا التعايش على الاسس التالية :
1 – الفهم والتفهم المتبادل : ياتي هذا الفهم بالاعتراف المتبادل بمشروعية النظرة السياسية الواقعية وضرورة الرؤية الدينية المطلقة .وتاكيد ذلك ببرامج تثقيفية ومناهج تربوية تكرس تكاملهما في العملية الاجتماعية بعيدا عن الطنطنة العلمانية الجوفاء بانفصال الدين عن السياسة وبعيدا عن التظاهرات الخرقاء المسماة ( حوار الاديان ) الزاعمة ان الاديان كلها تدعو للمحبة والسلام !!!. هذا الفهم يتضمن الاعتراف بالاشتباك بين الدين والسياسة . ثم يدعو الى اقرار كل واحد في مساره . فلا يظن السياسي ان مجالات عمله القائمة على الواقعية هي بديل عن النزوع الى المطلق الذي يتبناه الدين . وفي المقابل لابد لما هو ديني ان يعترف للسياسي بحدود مشروعة للحركة .
ان ما تحققه السياسة لايملك اليه الدين سبيلا . في حين ان السياسة لن تقوم بذاتها بديلا عن الدين . وبديلا عن ظاهرة ( التعدي ) المتبادل بين الدين والسياسة , يمكن ان ياتي عامل الفهم المشترك بينهما ليؤكد الطبيعة المستقلة والتجاورية بالضرورة لكل منهما , من هنا يبدا افق التعايش بين الدين والسياسة . وينتج عن ذلك ان كل طرح تبادلي بين السياسة والدين هو زائف ومدمر على افضل تقدير . بمعنى ان السياسة المعترف بمشروعيتها لايجوز لها ان تسعى لنفي الدين ( المعترف بضرورته ) لصالحها . وفي المقابل , فان على الفكر الديني ان يسعى لتاكيد ذاته , بالتعمق في التجربة الروحية , وليس بالازاحة المستمرة لدائرة السياسة والتقليل من اهميتها بدعوى ان (الاسلام هو الحل ) , او ان يكون ملكوت الله مملوكا لرؤساء الدين ,او ان الرب وعد وعودا ان لها ان تتحقق . لابد للوعي الانساني ان يصل الى فهم اعمق لمقولة السيد المسيح ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ). وهو فهم يصل الى ادراك عميق لطبيعة التداخل بين العملية السياسية والخبرة الدينية على اسس مجتمعية وفردية قويمة . وقد ان الاوان لتفهم الظواهر الدينية (الخارجة ) عن الاصل والمنشقة عنها , والكف عن محاولة قتلها بقوة في مهدها .
2 – الاظهار بديلا للاستتار: في بداية الحركة الدينية وتحاشيا لقمع السلطة , يقوم افراد المجموعة الدينية بالاختباء خلف استار تمويهية تحددها طبيعة الحياة في هذا المجتمع . مثل استخدام التقية والعمل السري مثل الفرق الباطنية , وهي بمثابة حيل هروبية تقوم بها الجماعات الدينية لمواجهة استبداد السلطة السياسي .
ان اظهار الايمان والعقيدة افضل من استعمال التقية والعمل السري . وعلى المجتمع تشكيل اليات للمكاشفة العلنية ,بدلا من التكفير والتخوين والقتل . والاظهار يقتضي الاقرار بالتعددية , وبتنوع التجربة الانسانية , والحرص على التحاور العلني الدائم .
ان الحركة الانسانية تفاعلية , ولايمكن ان تتم بشكل صحي في بوتقة الارتداد نحو الذات . ولا يمكن اذا عوملت باحترام ان تقود الى العنف , لانها لاتترك المجال امام شخص او جماعة للزعم بامتلاك الحقيقة واليقين التام . فاليقين التام الناتج عن عمليات التفاعل المقترحة هنا يكون عادة تشاركيا , ولا يلغي الاخر .
3 – الضبط المتوازن: ويقتضي تجنب الغلو والتشدد في التشريعات والقوانين . ان الضغط الدائم يولد الانفجار . ان التشدد والغلو لاياتي من جهة الدين والمؤسسات الدينية فقط . بل ياتي ايضا من العلمانية المتطرفة . وما بين تطرف هؤلاء وهؤلاء تتم الاطاحة بنظم الضبط الاجتماعي السائدة , لينتهي الامر الى الصدام الحتمي . من هنا تاتي اهمية الضبط المتوازن , وهو يقود على المدى الطويل الى عمليات ضبط ذاتية , من دون ضغط , يرتضيها افراد المجتمع لانفسهم . ولاننسى انه بفضل ثورة الاتصالات والعولمة لم تعد المجتمعات الانسانية معزولة عن بعضها .
ان صرامة الانظمة السياسية , سوف تهددها دائما مظاهر الحرية في البلاد الاخرى . بينما تهدد هذه الحريات المتاحة في البلدان الاخرى احوال القهر الاجتماعي في البلد المتشدد دينيا . وهو مايؤدي الى النظر للمجتمعات الحرة على انها مجتمعات كافرة . فيزداد التباعد وتحتدم المواقف ويحدث الصدام الداخلي والخارجي . وهو مانراه اليوم في حرق السفارات والاعلام الغربية والامريكية وفي القتل بسبب فيلم تافه اساء لرسول المسلمين .
ان العنف الديني يتم استغلاله من قبل حكومات الغرب وحكومة الولايات المتحدة الامريكية لخلق الازمات والحروب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول والعمل على ادامة الازمات لتصريف الاسلحة وبيعها للدول الاخرى . وفرض الهيمنة على الحكومات والشعوب والاستحواذ على ثرواتها . ولهذا نجد التخادم السياسي بين حكومات الغرب الليبرالية وبين احزاب الاسلام السياسي والاقطاعيات الوراثية الحاكمة في دول الخليج وباقي الدول العربية الاسلامية .
في الختام لابديل عن الحرية والتعددية والقبول بالاخر المختلف والتعايش بين الجميع لضمان مستقبل اجيالنا .
قد ارى الحديقة بلون اخضر ...
وقد يراها اخر بلون بنفسجي ...
وقد يراها اخرون بلون احمر ...
ولكنها في كل الاحوال هي حديقة تضم كل الالوان ..
على المودة نلتقيكم ...
المصدر
(اللاهوت العربي واصول العنف الديني ) , تاليف يوسف زيدان , ط2 – 2010 م – دار الشروق – القاهرة – مصر .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟