أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناصر بن رجب - نُبُوَّة وزِنَا (3)















المزيد.....



نُبُوَّة وزِنَا (3)


ناصر بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 3853 - 2012 / 9 / 17 - 01:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من نصّ إلى آخر
 
تأليف : ألفريد - لويس دي بريمار
ترجمة وتعليق : ناصر بن رجب
 
مقال نُشر بالفرنسية تحت عنوان :
Alfred-Louis de Prémare
Prophétisme et adultère
D un texte à l autre
Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée,
Année 1990, Volume 58, Numéro 1, pp. 101-135
 
 
محمّد «سَلاّب» و «مُحيي» الشريعة الموسوية
إنّ اجتماع أَحْبار اليهود، في رواية ابن إسحاق عن الزُهْري، مُهِمّ على أكثر من صعيد، خاصّة إذا ما عارضناه بما رواه في هذا الصدد مَعْمر بن راشد عن الزهري هو أيضا. وروايته هي التاليّة :
«إنّ هذا النبي بُعث بتخفيف وقد عَلِمنا أنّ الرجم فُرض في التوراة، فانْطَلِقوا بنا نسأل هذا النبيّ (ص) عن أمر صاحبينا اللّذين زنيا بعدما أحصنا، فإن أفْتانا بفتيا دون الرجم قبلنا، وأخذنا بتخفيف، واحتججنا بها عند الله حين نلقاه، وقلنا : قبلنا فُتْيا نبيّ من أنبيائك، وإنْ أَمَرنا بالرجم عَصَيْناه، فقد عصينا الله فيما كتب علينا أنّ الرجم في التوراة» [المُصنَّف، VII، رقم 13.330].
يظهر أنّ كِلا التِّلميذيْن أوردا الخبر عن أستاذهما المشترك برواية مختلفة بعض الشيء الواحدة عن الأخرى. الذي يجدر بنا أن نلاحظه هنا هو الهدف الكلامي الخاصّ بابن إسحاق والذي يحلّ محلّ الهدف الفِقْهي عند مَعمر.
يظهر هذا الهدف أساسًا في التعارض الذي يُقيمه ابن إسحاق بين مَلِكٍ ونَبيّ [عنصر 1]([23]) : اليهود على استعداد لقبول «مَلِك»، يُعيد مملكة إسرائيل، في النهاية، على صورة ذلك الْمَلك في زمن سابق والذي كان قد أمكن معه إيجاد حلول توفيقية مع شريعة الله [عنصر 2.5]([24]). ولكنّهم خائفون من «نبيّ» قادرٍ عل أن «يَسْلبهم» ما كان «في أيديهم»، أي شريعة الله المسطورة في التوراة [عنصر 1]([25]) : «وَيْحَكُم يا مَعْشر يهود، ما دعاكم إلى ترك حُكم الله وهو بأيديكم؟» [عنصر 2.5]. بإحْيائِه أمر الله الذي تركه اليهود، يضع محمّد نفسه ضمن سُلالة أنبياء إسرائيل القدامى، ويُدشِّن في نفس الوقت ضربا من «العهد الجديد» الذي هو في نهاية المطاف إِحْياءُ الشريعة. هذا القصد المجازي المقتَبس ولا شكّ من الإنجيل [أنظر متّى، 21، 43]([26])، لا يوجد على ما يظهر في رواية مَعمر : ففيها نرى محمّدًا يكتفي بالقول : «فإنّي أحكم بما في التوراة». فابن إسحاق يُعطي لخَبرِ الزهري توسُّعا لم يكن ربّما موجودًا فيه.
 
من بيت المدراس إلى المسجد
تكرار الإشارة إلى أنّ الزانيَيْن : «رُجما عند باب مسجده (النبّي)» في كلّ الأحاديث الثلاثة التي تُكوِّن أساس مُلخّص هذه القصّة في سيرة ابن إسحاق، يأخذ من جرّاء ذلك كلّ اهمّيته. الخبر الموازي عند مَعمر لا يحتوي على إشارة لمكان الرجم، ولا نجد ذلك إلاّ في حديثٍ جاء بعده في المُصنَّف [رقم 13.332]، حسب رواية قصيرة مرفوعة لعبد الله بن عمر : «فرُجِما حيث تُوضع الجنائز». ومُسند ابن حنبل، في حديث عن نافع عن طريق سلسلة إسناد مختلفة، لا يذكر أيّ مكان للرّجم. أمّا صحيح البخاري، في حديث مرفوع لابن عمر عن طريق ابن دينار، فإنّ المكان الذي يذكره هو «البَلاط». ومرّة أخرى، عن نافع، ذكر أن المكان هو : «في المسجد حيث توضع الجنائز»([27]).
ممّا لا شكّ فيه أنّ كلّ واحدة من الإشارات إلى مكان الرجم، في كل موضع ذُكرت فيه، لها دلالتها الإجتماعية والشعائرية. ولكن في منظور السيرة، الجملة المتكرّرة «عند باب مسجده» ذات أهمّية خاصّة ولها بُعدٌ لاهوتي. فالإنتقال من التوراة القديمة، التي «أماتَها» اليهود، إلى حُكم الله، الذي «أحياه» محمّد، يتطابق مع العبور من بيت المِدراس إلى المسجد الذي، حسب ابن إسحاق، كان قد شُيِّد بحفاوة بالغة عند مقدم محمّد وأصحابه الأوائل ونزولهم عند بني النّجّار في يثرب. فبيت المِدْراس، بيت الدراسات اليهودية المحلّي، هو المكان الذي يذهب إليه محمّد لمناقشة التوراة مع الأحبار ولكي يُصدِر الحُكْم؛ وعلى «باب مسجده» يقع تنفيذ الحكم الْمُحْيِي لشريعة موسى، وذلك بقتل الجانِيَيْن اليهوديين اللّذيْن أَسْلمَهما أحبارُهما إلى النبيّ الجديد. وهكذا فإنّ السيرة، وكأنّ شيئا لم يكن، تُؤلِّف «مِدْراشا» جديدًا تكون اندماجاته المتتالية مرتّبة ترتيبا مُتقنا.
 
الحَبْر الصالح، أحبار السوء والأحبار المُغلَّفَة قلوبهم
عبد الله بن سَلاَم
نحن لا نعرف أبدا في الحقيقة ماذا كان ومن كان عبد الله بن سلام، الحَبر المثالي في أخبارنا هذه [عنصر 2.5]. فالمقال الذي خصّصه له جوزيف هوروڤتس في الموسوعة الإسلامية يتكوّن من أخبار وجيزة تتعلّق به، وكلّها تقريبا أخبار احتماليّة وذلك على الأقل بالنّسبة لفترة حياته في زمن محمّد. وتجدر الملاحظة هنا أن وقت اعتناقه الإسلام الذي ذكره ابن إسحاق [منذ الهجرة] تُشكِّك فيه بقوّة مُعطيات أخرى تقول أنّه لم يكن قد أسلم إلاّ سنتين قبل وفاة النبيّ([28]).
من بين نصوص أخرى، وبالنسبة لزمن محمّد، فإنّ مغازي الواقدي [ت 207 ﻫ/823 م] تَذكر، ولكن بصورة مُقتضبة جدّا، مشاركة ابن سلام في غزوة يهود بني النضير التي انتهت بإجلائهم، ثمّ في غزوة بني قريظة التي انتهت بمذبحة منظّمة لرجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم [المغازي، I، 372، 381؛ II، 509]؛ ولا يقع التلميح، في مقطع آخر، لابن سلام على أنّه يهوديّ مُساند للدّعوة الإسلامية إلاّ حين يتعلّق الأمر بتوضيح هذه الآية أو تلك ذات البُعد العام جدًّا، وهنا أيضا في إطار «أسباب النزول» [المغازي، I، 329].
أمّا فيما يخصّ الأحاديث الثلاث عشرة التي يرفعها ابن حنبل في مسنده [V، 450-453] إلى عبد الله بن سلام فإنّها لا تُوفّر عنه أي إشارة دقيقة عن حياته اللّهم إلاّ هذا الحديث أو ذاك عن سيرته الورعة والتي تهدف إلى إعلاء صورة هذه الشخصيّة كَراوِيَة للْعِلم.
وينطبق هذا على الأحاديث الواردة حوله في الترجمة القصيرة التي تُخصّصها له طبقات ابن سعد [ت 230 ﻫ/845 م]، حيث يُذْكَر، إلى جانب عبد الله بن مسعود وسلمان الفارسي وأبي الدرداء، بصورة مُتكرّرة، كواحد من العلماء الأربعة الكبار الذين يجب طلبُ «العلم» منهم وبالخصوص علم التوراة [طبقات، II، 352 – 353]. إلاّ أنّنا نجد هنا أو هناك في الطبقات بعض الإشارات الموجزة تتعلّق أكثر بسيرته الذاتية : حِرصُه على مقابلة محمّد حين مقدمه إلى المدينة (ولكن لا ذِكر هنا لإسلامه) [I، 236]، انتماؤه إلى يهود بني قينقاع [II، 48]، مشاركته في غزوة يهود بني قريظة [II، 75]، شعوره تجاه مقتل عثمان [III، 369]، وأخيرا اسم الراوية لأحاديثه وهو عطاء بن يسار [V، 173].
أمّا الطبري في تاريخه، فهو لا يتكلّم عنه في إطار سيرة محمّد ومغازيه ولكن أساسا في بداية كتابه كمرجعٍ حُجَّة بخصوص مراحل تكوّن العالم والمخلوقات؛ ثمّ يَذْكره بعد ذلك بكثير، بعد وفاة محمّد. وفي تفسيره، لا يَظْهر ابن سلام في أيّ من الأحاديث المروية عن رجم اليهوديين الزانيين.
بوسعنا هكذا أن نستمرّ في التمحيص في عدد من النصوص سواء منها ما كان من نفس الفترة أو من فترات لاحقة لكي نحاول إقامة ضرب من السيرة الذاتية المضمونة بعض الشيء لهذه الشخصية، والتساؤل لماذا تظلّ ملامحها غامضة، رغم وجود بعض نقاط الإستدلال التي تبدو جديرة بالثقة. في الواقع، نقاط الإستدلال التاريخية عن عبد الله بن سلام تتلاشى بقدر ما نَجْهد أنفسنا في العثور عليها. فعندما يضع ابن إسحاق على لسان عالِم يَهودِ بني قينقاع هذا قصّة إسلامه [السيرة، II، 137، 138-139]، فهو يضطرّ إلى ذِكر أنّه كان «حَبْرَهم وأَعْلَمهم»، وعليه فمن الطبيعي جدّا أن نجده من جديد بعد ذلك بقليل إلى جانب محمّد في الجدل حول آية الرجم.
فكما أنّ سلمان الفارسي، خادم عِبادَةِ النّار السابق، يمثّل أنموذجَ الزرادشتي الذي أسلم، والذي حصل وأن خَصّته السيرة بوصف مُطوّل [السيرة، I، 233-243]، فإنّ عبد الله بن سلام هو نموذج ما يجب أن يؤول إليه كلّ عالم يهودي مُتمكِّن من التوراة : فهي تُبشّر بمحمّد؛ النبيّ الجديد «مُحْيي» شريعة موسى، التي تركها اليهود ولكن لحسن الحظّ ذكّر بها، خِدْمَة للنبيّ العربي، حَبْرٌ يهودي اعتنق دعوته. إنّ وجود ابن سلام في الجدل، في المكان الذي ذُكِر فيه، هو وجود نَموذجي أكثر منه تاريخي.
 
كعب بن الأشرف وكعب الأحبار
شخصيّة ابن سلام هي الشخصيّة المضادّة لشخصيّة كعب بن الأشرف، الخصم اليهودي الأنموذجي لمحمّد، الذي يرد ذكره مِراراً في أخبار هذا القسم من السيرة، والذي قِيلَ فيه أن محمّد أمر بقتله [السيرة، II، 430 وما بعدها «مَنْ لي بابن الأشرف؟ فإنه آذى اللهَ ورسولَه‏»]. كعب، إسم رمزي [ = «لُحْمة، تمفْصُل العظام»، وبالمعنى المجازي «الشريف الظافر»]. وبالمناسبة، محمّد هو الذي سيظفر بـــ «كعب بن الأشرف».
يمكن أن يكون ابن سلام أيضا، بالنسبة لأهل الحديث، قرينَ كَعْبٍ آخر : كعب الأحبار([29])، علاّمة يهودي يَمَني من التابعين أسلم بعد وفاة محمّد في خلافة عمر، وهو مَثَله في ذلك مثل ابن سلام، مَرْجع رفيع للحديث فيما يتعلّق بكُتب اليهود. قد يكون إذن ذلك القرين المُطَمْئِن لشخصية مُلتبسة ولا تقِّل غموضًا في نظر مؤرِّخ معاصر. ونحن نرى، في مسند ابن حنبل، كعبَ الأحبار يتعارض مع عبد الله بن سلام بخصوص نصّ حديث حول فضل يوم الجمعة. فكعب الأحبار، كان بدون شكّ ما زال بعدُ متمسّكا بالسّبت، ويبدو في الحديث متردّدا في أن يقبل بأنّالمقصود هو يوم الجمعة، وينتهي الجدل بقبول تأويل عبد الله بن سلام [المسند، V، 451([30])، تمرّ سلسلة الإسناد في هذا الحديث عن طريق ابن إسحاق، و453[31]] : عند «لُحْمة» الحبْرَيْن اليهوديين، تَحُلّ الجمعة محلّ الشبّاط، مثلما يأخذ المسجد مكان بيت المدراس.
أن يتطابق ويتكامل بصورة مُلتبسة، في العالم الرمزي لأهل الحديث، وجْهَا الحبْرين معتنقيْ الإسلام، فنحن نجد لذلك أيضا إشارة في طبقات ابن سعد. في الباب المُعنون «ذكر صفة رسول الله (ص) في التوراة والإنجيل»، ويرفع ابن سعد، أو أحد مُخبريه، إلى عبد الله بن سلام صيغة توضيحيّة، التي وقعت أَسْلَمَتُها وتطبيقها على محمّد، والمأخوذة من مقطع من سفر أشعيا حول «عبد الله» «Serviteur de Dieu» [Isaïe 42, 1-7, 16-18]. رواية ابن سلام حبَّذَها كعب الأحبار ولكنّه صحّح فيها بعض الأخطاء اللّغوية التافهة [الطبقات، I، 360-361([32])]. ونحن نعلم أنّ نّص أشعيا الثاني([33]) هذا طبّقه الإنجيليون على عيسى [متّى 11، 2-6؛ لوقا 4، 16-19؛ 7، 18-35].
أخيرًا، عبد الله بن سلام، يُمثِّل عند كتّابنا، ذلك اليهودي السابق الموازي للزرادشتي السابق سلمان الفارسي، وهذا يظهر أيضا في الرواية التقديسيّة التي نقلها، دائما ابن سعد، عن الحوار الذي دار بين الإثنين (عبد الله وسلمان)، ثمّ كيف، بعد موت سلمان، تَراءَى هذا الأخير لابن سلام وهو نائم في أشدّ حرّ قيلولة منتصف النهار لكي يأمره بأن يُواصل توكُّله على الله [الطبقات، IV، 93([34])].
فقط داخل هذا العالم «المِدراشي» نستطيع أن نفهم منطق ما كتبته السيرة عن قصّة رجم الزّانيَيْن والدور الذي لعبته فيها شخصيّة عبد الله بن سلام. فهو يتدخّل ضِدًّا على الأحْبار الأشرار والأحبار المنافقين لخدمة نفس الغرض : الإنتقال من بيت المدراس إلى المسجد. في مواجهة الأحبار الأشرار والأحبار المخادعين والماكرين، الحسين بن سلام هو أُنموذج العالم اليهودي الذي يقوده عِلمُه ونزاهته بالضرورة لأن يصير مُسلِمًا وأن يُطلِق عليه محمّد إسمَ "عبد الله بن سلام".
 
ابن صريا الأعور
بخصوص الحبر الشّاب المتردِّد، فإذا كان مَعْمر في الخبر الذي ورد في المُصنَّف ذكر أيضا أنه «حَبْرهم»، فهو لم يَذكُره صراحة كما لم يذكر نصف إيمانه السرّي قبل ردّته لاحقا. السيرة، من ناحيتها، تَحْرص كلّيا على ذكر إسمه – عبد الله بن صُورَى – وتُشدِّد على علمه بالتوراة؛ تشديدها هذا موسوم بالجملة الإعتراضية حول الخبر الذي حدَّثَ به «بعضُ بني قريظة». هنا أيضا، الأمر لا يتعلّق بمصدر «مُحايد» : بنو قريظة، هم إحدى القبائل اليهودية القاطنة بواحة يثرب/المدينة، والتي، حسب كُتب المغازي بما فيها سيرة ابن إسحاق، سَيُخضِعُها محمّد بعُنْف. يُمكننا على الدوام افتراض أنّ مُخبري ابن إسحاق هؤلاء كانوا من غلمان بني قريظة الذين نَجَوا وصاروا كُهولا([35]). ففي حين أنّه لا يذكر أسماءهم خِلافا لما يقوم به في أماكن أخرى [II، 181]؛ فهو يتمسّك بذكر شهادات أناس «من أهل البلد» المتورّطين خاصّة في النزاع لكي يُبرز ما يريد أن يَرويه. وزيادة على ذلك، فإنّ ابن هشام بإلحاحه على واقعة أنّ هذه الملاحظة الإعتراضية هي من ابن إسحاق([36])، وليست جزءًا من الرواية الأصلية، يبدو أنّه يريد أن يُشير إلى أنّ ابن إسحاق كانت له نيَّة مُبيَّته. لا يَبقى على القارئ إلاّ أن يحاول اسْتِكناه ما يمكن أن يَعنيه هذا «المسكوتُ عنه». لا يُمكن أن نعثُر على مَعْنىً لتَلْميحٍ جاء «من الجماعة» إلاّ «من الجماعة» نفسها. وقصّة نصارى نجران التي تذكرها السيرة [II، 204 وما بعدها]، يمكنها أن تُعيننا على فهم ذلك إذ هي تُعَدّ جزءًا من نفس المجموع الذي يهيمن عليه نفس القصد التقريظي.
وفد نجران، المؤلَّف، كما يقول لنا ابن إسحاق، من أربعة عشر رجلا من أشرافهم يَبرز من بينهم : «ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم : العاقب : أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلاّ عن رأيه، واسمه عبد المسيح؛ والسيّد : ثمالهم وصاحب رِحْلهم ومجتمعهم، واسمه الأيهم [إسم كان يحمله أبُ ملك قديم عربي نصراني من الغَساسِنَة في أطراف الشام]([37])؛ وأبو حارثة بن علقمة : أحد بني بكر بن وائل [تجمُّع قَبَلي واسع في وسط وشرق وشمال شبه الجزيرة وكان بعض أفراده نصارى]، أسقُفُهم وحَبرهم وإمامهم، وصاحب مِدراسهم». مع ماذا تتطابق أسماء الأعلام هذه وهذه الأنساب القَبَليّة المذكورة في السيرة؟ في الواقع، المصادر العربيّة نفسها تحتوي في هذا الشأن على تغييرات عديدة.
إذا أخذنا، بالفعل، بعين الإعتبار بعض المؤلّفات الموازية في نفس الموضوع، فإنّنا نلاحظ أنّ الأسقف غير مذكورٍ فيها دائما : في صحيح البخاري، المقصود هما السّيد والعاقب [كتاب المغازي، باب قصّة أهل نجران([38])]؛ يكتفي تاريخ الطبري [III، 139] بالإشارة باختصار شديد إلى وفدٍ نجرانيٍّ قبل وفاة محمّد بزمن قليل، والعاقب والسيد يظلاّن مجهولين عنده([39])، كما أنّه لا وجود هنا لموضوع الجدل مع النصارى عن المسيحيّة([40]). وعند نفس الطبري في تفسيره [آل عمران : 59]([41]) نجد خمس روايات لهذه المُباهَلة : في إثنتين منها لا يُذكر إلاّ شخصين، السّيّد والعاقب؛ في ثالثة، نرى أنّ السّيد والعاقب كلاهما أُسقفان([42])؛ في رابعة، نرى أنّ الأمر يتعلّق بـ «نصرانِيَّين» مجهولْين؛ وأخيرًا في خامسة، هناك أربعة أشخاص، السّيّد والعاقب، وهما مجهولا الهُويّة أيضا، وشخصان آخران، ماسَرجِس وماريحز وذلك دون تحديد صِفتهما. على العكس، في تفسير الآية الثانية من نفس السورة، نجد حديث ابن إسحاق بتمامه وكماله مرويّا عن طريق سلامة بن الفضل. أمّا الكتاب العربي النسطوري لِـ «وقائع سرت([43]) Chronique de Séert» [بداية 5 ﻫ/11 م] التي يبدو أنها، فيما يخصّ كتاب الأمان([44]) بين نجران والسلطة الإسلامية الناشئة، تَرتيبٌ ظرفي ومُتأخِّر للمصادر الإسلامية غايته الإستعمال الدبلوماسي المسيحي، فإنّها تذكر اسم أربعة أشخاص، السّيّد، وهو غسّاني، وعبد يشوع، وابن حجْرة، وإبراهيم الراهب، وعيسى الأُسْقف [Patrologia Orientalis, XIII, 605]([45]).
عندما يضع ابن إسحاق الوفد الثلاثي على مقدّمة المسرح، يبدو إذن جيّداً أنّ قصده، الذي هو أدبيّ أكثر ممّا هو «تاريخي»، كان تجميع كلّ ما تَقْدر الجزيرة العربية إحتواءه من العناصر المسيحية، في الشمال والجنوب والوسط، وذلك تحت ثلاثة أسماء رمزية تمثّل ركائز السلطة الثلاث عند أهل نجران. وهو يفعل ذلك أيضا بالنسبة ليهود المدينة.
في ملاحظته الإعتراضية المُتعلِّقة بالأحبار، نحن أيضا أمام ثلاثة رجال. الرجال الثلاثة أُشيرَ إليهم قبل ذلك بقليل في السيرة [II، 136، 137، 176] باعتبارهم مِمَّن «يُلبسون الحقّ بالباطل» وممّن شجبهم القرآن : الأوّل، أبو ياسر بن أخطب، وهو من بني النضير؛ والثاني، وهب بن يهوذا، من بني قريظة؛ والثالث، ابن صوريا، الراهب المتردِّد في نصّنا هذا، وهو من بني ثعلبة بن الفِطيوْن، عشيرة يهوديّة نَسبُها القبلي هو نفسه مُبهَم [أنظر،M. Watt, Mohamed à Médine, p. 232]. وبالتوازي، فإنّ عبد الله بن سلام، الحَبْر الأنموذج الذي أصبح مُسلِما، ينتمي إلى قبيلة بني قينقاع، وهكذا تكتمل دائرة العَرْض الرمزي للدّيانة اليهودية في المدينة في مواجهة نبيّ العرب. من هذا الثلاثي، كما هو الحال بالنسبة لنصارى نجران، يبرز واحد من بينهم، «حَبرهم»، «أعلمُ مَن بقي بالتوراة»، عبد الله بن صوريا. وقد تحدّث عنه ابن إسحاق سابقا ولكن بعبارات سلبيّة. إنّه يُدعى عبد الله بن صوري الأعور [II، 136، 176، 189]، وهو يُجادل النبيّ بخُبْث. في روايتنا، التي لا وجود فيها لكُنْيته «الأعور»، وعلى غرار ما فعل نيقوديموس إنجيل يوحنا مع يسوع [3، 1]([46])، فهو يُعلن إيمانه خُفيةً للنّبيّ الجديد؛ ولكنّه يكفر بعد ذلك ويجْحَد النبوّة.
رواية البخاري المتعلّقة بحادثة رجم اليهوديين الزانيين والمرفوعة إلى عبد الله بن عمر لا تَذكر هذا الشخص الإضافي الذي هو ابن صوريا. بالمقابل، نعثر على أثرٍ له في الحديث عن «ابْنَيْ صوريا» عند أبو داود. في رواية مسند ابن حنبل، تحت اسم «ابن صوريا» التعارض أكثر حدَّة : المقصود بـــ «قارئ([47])» [على صورة «قُرّاء» القرآن]، حيث يقع الإلحاح بقوّة على دوره السلبي : فلا يكفي أنّه أعور، ولكنّه هو الذي يضع يده لكي يُخفي آية الرجم [بمعنى آخر : إنّه يتظاهر بأنّه لا يراها]. عند الطبري المُفسِّر، إحدى رواياته [المرفوعة إلى ابن عبّاس]، تذكر، دون أن تسمّيه، «فلان الأعور». عند الطبري المُؤرِّخ، لا يوجد في أي مكان اسم عبد الله بن صورا أو صوريا.
هناك ذِكر لعبد الله بن صوريا في طبقات ابن سعد [باب ذكر علامات النبوّة في رسول الله (ص) قبل أن يوُحى إليه]. في الرواية التي تخصّه، والتي تأتي في الحديث المرفوع إلى أبي هريرة، لا وجود لموضوع رجم الزانيَيْن. السؤال الذي يطرحه محمّد على الحَبر الشاب هو : «أتعلَمُ أني رسول الله؟» وقد رَدَّ ابن صوريا بالإيجاب بالرغم من أنّه لا يريد أن يُسلم على علانيّة ما دام قومُه لم يفعلوا ذلك. وهدفُ الرواية التذكير بأنّ محمّد نُعت ووُصِف في التوراة [الطبقات،I ، 164]([48]). لِنلاحظ عَرَضًا أن سلسلة الإسناد تمرّ حينئذ بابن إسحاق نفسه وتُرفَع إلى أبي هريرة عن طريقٍ آخر غير طريق الزُهري.
على غرار عبد الله بن سلام، فإنّ ابن صوريا، في قصّتنا هذه، حتّى وإن وُجد فعلا، هو بروتوتيب أكثر منه حقيقة تاريخيّة([49]). إنّه بالضبط النظيرُ للأُسقف عند نصارى نجران. الأسقف أبو حارثة يعرف جيّدا – مثل ابن صوريا – ويُؤكِّد لأخيه أنّ محمّد «إنّه والله للنّبيُّ الذي كنّا نَنْتظر»، ولكن كابن صوريا، لا يستطيع أن يتَّبِعه لأنّه يخاف أن تَسْحَبَ الروم جرّاء ذلك كلّ المساعدة التي تُقدِّمها لقومه([50]). أمّا أخوه كُوز [يُدعى كُرز في روايات أخرى]، مثل عبد الله بن سلام، فقد أَسْلم في النهاية «فيما بلغني». على غرار ابن صوريا، الذي كان «عِلمُه» بالتوراة مُتفوِّقًا كثيرًا على علم زُملائه، بالمثل فإنّ أبو حارثة كان أَعْلَمَ بالأناجيل من أفراد الوفد الآخرين، فهو «أُسقفُهم وحَبرهم، وإمامُهم وصاحبُ مِدراسهم»؛ «وكان أبو حارثة قد شرُف فيهم، يُضيف ابن إسحاق، ودرس كتبَهم، حتّى حَسُن علمه في دينهم» [السيرة، II، 204]. وقد حدّث قبل ذلك بنفس الشيء عن عبد الله بن صوريا عند اليهود : «ولم يكن بالحجاز في زمانهم أحدٌ أعلمَ بالتوراة منه» [السيرة، II، 136]. من حَبر إلى آخر ومن مِدراس إلى آخر، الحديث هو نفسه ويُعطي للغاية التي يرومها ابن إسحاق وِحدتها ولُحْمتها الرمزيّتين. فالتّأليف الإجمالي مُتماسِك. وخبر رجم الزانييْن ما هو إلاّ جُزءٌ خاصّ فيها.
 


([23]) «فاتّبعوه، فإنّما هو مَلِك...» (المترجم)
([24]) «اجْتمَعوا فأصْلَحوا أمرهم على التجبية، وأماتوا ذِكر الرجم والعمل به». (المترجم)
[25])) «فاحذروه على ما في أيديكم أن يَسْلبَكُموه». (المترجم)
([26]) «لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ : إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ». (المترجم)
[27]) ما تجدر ملاحظته هنا أنّ دي بريمار يستخدم القراءة التاريخيّة الأُفقيّة التي تُقارن بين نصَّيْن متقابلين أو أكثر لروايتين مختلفتين. وهي حسب اعتقادنا طريقة خصبة في قراءة النصوص على ضوء تاريخ الأديان المقارن. جدير بباحثينا أن يهتمّوا بها جدير الإهتمام. (المترجم)
([28]) أنظر، E.I.2, I, ʽAbd-Allah Ibn Salām (J. Horovitz); IV, 857, Ḳaynuḳaʽ (A.J. Wensinck)
[29])) «من نبلاء العلماء»، كما قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء؛ الجزء 5 ص 488. ويبدو أنّ كعب الأحبار أصبح، كما جاء في عدّة مصادر، مرجَعا أيضا في تفسير القرآن. فقد ذكر ابن سعد : "أنّ رجلا دخل المسجد فوجد كعبًا يقرأ القرآن ويُفسّره بالتوراة"، كما ذكر أيضا : "أنّ أبا هريرة جاء إلى كعب الأحبار يسأل عنه، فقال : إنّي جئتُك لأطلب العلم عنك"، [الطبقات، ج 5، ص 230]؛ وكما روى أحمد بن حنبل أنّه : "اجتمع أبو هريرة وكعب الأحبار. فجعل أبو هريرة يُحدّث كعبا عن النبيّ (ص)، وكعب يُحدّث أبا هريرة عن الكتب"، [المسند، ج 2، ص 275]. للمزيد من الروايات حول هذا الموضوع، أنظر : إبراهيم فوزي، تدوين السنّة، دار الريس للكتب والنشر، الطبعة الثانية 1995، في الفصل الخامس : "نقد الحديث من جهة المتن"، ص 241 وما بعدها (المترجم)
[30])) - حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : فلقيت عبد الله بن سلام فحدثته حديثي وحديث كعب في قوله في كل سنة قال: كذب كعب وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم جمعة قلت: إنه قد رجع قال: أما والذي نفس عبد الله بن سلام بيده إني لأعرف تلك الساعة قال: قلت يا عبد الله فأخبرني بها قال: هي آخر ساعة من يوم الجمعة قال: قلت: قال: لا يوافق مؤمن وهو يصلي قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من انتظر صلاة فهو في صلاة حتى يصلي قلت: بلى قال: فهو كذلك. (المترجم)
[31])) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قدمت الشام فلقيت كعبا فكان يحدثني عن التوراة وأحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا على ذكر يوم الجمعة فحدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه فقال كعب صدق الله ورسوله هي في كل سنة مرة؟ قلت : لا. فنظر كعب ساعة، ثم قال : صدق الله ورسوله هي في كل شهر مرة؟ قلت لا. فنظر ساعة، فقال : صدق الله ورسوله هي في كل جمعة مرة؟ قلت : نعم. فقال كعب : أتدري أي يوم هو؟ قلت : وأي يوم هو؟ قال : فيه خلق الله آدم وفيه تقوم الساعة والخلائق فيه مصيخة إلا الثقلين الجن والإنس خشية القيامة. فقدمت المدينة فأخبرت عبد الله بن سلام بقول كعب، فقال : كذب كعب. قلت : إنه قد رجع إليَّ قولي. فقال : أتدري أي ساعة هي؟ قلت : لا، وتهالكت عليه، أَخْبِرني، أخبرني! فقال : هي فيما بين العصر والمغرب. قلت : كيف ولا صلاة؟ قال : أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة. (المترجم)
[32])) أخبرنا مَعن بن عيسى، أخبرنا هشام بن سعد عن زَيد بن أسْلم قلا : بلغنا أنّ عبد الله بن سلام كان يقول : إنّ صفة رسول الله (ص) في التوراة : يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومُبشِّرا ونذيرا وحِرْزا للأُميّين، أنت عبدي ورسولي سمَّيْتُك المتوكِّل،(...)، فيفْتَحَ به أَعْيُنًا عُمْيًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غلفا، فبلغ ذلك كعْبًا فقال : صدق عبد الله بن سلام، إلاّ أنّها بلسانهم أعْيُنًا عموميّين وآذانًا صُموميّين وقُلوبًا غلوفيّين. (المترجم)
([33]) "استعمل أشعيا الثاني إحدى وعشرين مرّة كلمة "عبد"، مرّة واحدة في صيغة الجمع (54/17) ومرّة واحدة بمعنى الكلمة التحقيري (49/7) وتسع عشرة مرّة بمعنى عبد الله... التُرجوم، وهو تفسير بالآراميّة صادر عن الشرح الشفهي للنّص العبري، يأتي بتفسيرات مختلفة فيما يختصّ بالأقوال النبويّة التي تذكر "عَبْدًا" لله. لا نعرف تاريخ الترجوم معرفة أكيدة، مع أنّ أكثر فصوله قد حُرِّرت في وقت متأخّر لاحقٍ للعصر المسيحي. ولذلك فإنّه يميل إلى أن يقرأ في الصفحات الأليمة مِحَن إسرائيل وفي الصفحات المجيدة انتصارات مشيح آتٍ. يرى هذا الأدب الترجومي في اش 50/10، تحت ملامح "العبد"، ذلك النّبيّ الذي نسمّيه أشعيا الثاني، كما أنّه، في 52/13 و 42/1 و 43/10، لا يتردّد في كتابة "عبدي المشيح". الكتاب المقدّس، دار الشروق، بيروت، 2004، ص 1519. (المترجم)
[34])) قال : أخبرنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن سعيد بن المسيّب عن عبد الله بن سلام أنّ سلمان قال له : أيْ أُخَيْ، أيّنا مات قبل صاحبه فَلْيَتراءَ له. قال عبد الله بن سلام : أوَ يكون ذلك؟ قال : نعم إنّ نَسَمَةَ المؤمن مخلاةٌ تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجْن. فلمّا مات سلمان، فقال عبد الله : فبينما أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فأغْفيْتُ إغفاءة إذ جاء سلمان فقال : السلام عليك ورحمة الله، فقلت : السلام عليك ورحمة الله أبا عبد الله، كيف وجدت منزلك؟ قال : خيرًا وعليك بالتوكُّل ... (المترجم)
([35]) ذكر ابن سيّد الناس في كتابه "عيون الأثر في المغازي والسير"، ص 10، أنّ مالك بن انس كان ينكر على ابن إسحاق : "تَتَبُّعه غزوات النبيّ (ص) من أولاد اليهود الذين أسلموا وحَفِظوا قصّة خيبر وقريظة والنضير وما أشبه ذلك من الغرائب عن أسلافهم". (المترجم)
[36])) « قال ابن هشام : من قوله : «وحدّثني بعض بني قريظة» - إلى «أعْلم من بقي بالتوراة» من قول ابن إسحاق...» [السيرة، II، 153 (المترجم)]
[37]))) عاقب : لفظ قديم من جنوب الجزيرة العربية تُؤكّده، ولو نادرا، الوثائق النقشيّة، وقد كان يُشير إلى المُمثِّل المحلّي للسلطة المركزية؛ السيّد كان عادة شيخ قبيلة مرتبطا بالسلطة المحلّية. نظرا للحالة الراهنة لمعلوماتنا عن نجران في شمال اليمن، في بداية القرن 7 م/1 ﻫ، ونظرا إلى أن المصادر الإسلامية جاءت متأخّرة، لا يسعُنا، بخصوص السلطة السياسية التي كان يمثّلها العاقب في تلك الفترة، إلاّ أن نقوم بافتراضات. في لسان العرب لابن منظور، الذي لا يذكر مصدرا آخر غير الحديث حول وفد نجران، ونظرا لمعنى الجذر ع ق ب، يرى في عاقب التابع من «يخلُف» السّيد [ وهذا نصّ ما جاء عند ابن منظور : «والعاقِبُ : الذي دُون السَّيِّدِ؛ وقيل : الذي يَخْلُفُه. وفي الحديث : قَدِمَ على النبي، صلى اللّه عليه وسلم، نَصارى نَجْرَانَ : السَّيِّدُ والعاقِبُ؛ فالعاقِبُ : مَن يَخْلُفُ السَّيِّدَ بعده. والعاقِبُ والعَقُوبُ : الذي يَخْلُف من كان قبله في الخَيْرِ. والعاقِبُ : الآخر. وقيل : السَّيِّدُ والعاقبُ هُمَا مِنْ رُؤَسائِهم، وأَصحاب مراتبهم، والعاقبُ يتلو السيد» (المترجم)]. بخصوص نجران، أنظر chap. VII C. Robin, et XI A.F.L. Beeston, in J/ Chelhod, L Arabie du Sud, 1;؛ وانظر أيضا، J.S. Trimingham, Christianity, pp. 294-307.
[38])) عن حذيفة بن اليمان قوله: «جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يُلاعناه، فقال أحدُهما لصاحبه: لا تفعل فوالله لئن كان نبياً فلاعنا لا تفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً، ولا تبعث معنا إلا أميناً.» (المترجم)
[39])) «وفيها (تلك السنة) قدم وفد العاقب والسيّد من نجران، فكتب لهما رسول الله (ص) كتاب الصلح» (المترجم)
[40])) يتعلّق الأمر بالمُباهَلة التي جرت بين النبّي ووفد نجران. (المترجم)
[41])) يتحدّث الطبري عن : «الوفد من نصارى نجران». (المترجم)
[42])) «ذَكر لنا أنّ سيِّديْ نجران وأسقُفَّيْهم». (المترجم)
[43])) مدينة في كردستان عُثر على هذه الوثيقة في دير من أديرتها. (المترجم)
[44])) جاء هكذا في النص العربي وقابله المترجم إلى الفرنسية بعبارة : « .«Charte de protection(المترجم)
 ([45])راجع النصّ العربي لهذه الوثيقة في Patrologia Orientalis, XIII, p. 605، بعنوان : «نسخةُ عهدٍ وسجل من محمد بن عبد الله عليه السلم (كذا) لأهل نجران وسائر من ينتحل دين النصرانية في أقطار الأرض»، وجاء في بداية الوثيقة : «نُسخ من دفتر وجد (...) عند حبيب الراهب في سنة خمس وستّين ومائتين (ﻫ) وذكر حبيب الراهب أنّه من بيت الحكمة. وكان يتولّى حفظ ما فيه قبل أن يترهّب. وأنّه في جلد ثور أصفر مختوم بخاتمه عليه السلم». (المترجم)
[46])) «1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. 2هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». كان نيقوديموس رئيساً لليهود، ينتمي إلى جماعة الفريسيين التي كانت تقاوم المسيح وتعاليمه بكل قواها. وهو الذي جاء إلى المسيح ليلاً في أول زيارة (يوحنا 39:19). ومع أنه معلّم ورئيس لليهود إلا أنه أراد أن يتقابل مع المسيح. ولكن يظهر أنه خشي أن يراه أحد، فذهب إليه ليلاً وقدّم له اعترافه بأنه جاء من الله، وأن ما يعمله لا يستطيع أي شخص أن يعمله إن لم يكن الله معه. ربما آمن نيقوديموس بعد تلك الحادثة، ويعتقد كثيرون أن الإشارة هي إليه في كلمات يوحنا "آمن به كثيرون من الرؤساء أيضاً غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع، لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله" (42:12). (المترجم)
[47])) « فجاءوا بالتوراة وجاءوا بقارئ لهم أعور يقال له بن صوريا» (المترجم)
([48]) «أخبرنا عليّ بن محمد عن عليّ بن مجاهد عن محمّد بن إسحاق عن سالم مولى عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة قال : أتى رسول الله (ص) بيت المدراس فقال : أَخْرِجوا إليّ أَعْلَمَكم، فقالوا : عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله (ص)، فناشَدَه بدينه وبما أَنْعَم الله به عليهم وأطعمهم من المنّ والسَّلوى وظلَّلَهم به من الغمام : أتعلَمُ أني رسول الله؟ قال : اللّهمّ نعم وإنّ القوم ليعرفون ما أعرف، وأنّ صفتك ونعتك لمُبيَّن في التوراة، ولكنّهم حسدوك، قال : فما يمنعُك أنت؟ قال : أكره خلاف قومي، وعسى أن يتَّبعوك فيُسْلِموا وأُسلِم». (المترجم)
[49])) تتحدّث عدّة مصادر على أنّ النبيّ كان على علم بوجود شخصيّة عبد الله بن صوريا عن طريق جبريل الذي وصفه له وذلك قبل أن يسأل النبيّ أحبار اليهود أن يأتوه بأعلمهم بالتوراة. فقد ذكر الزمخشري في تفسيره : "أن شريفًا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدُّهما الرجم في التوراة، فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله (ص) عن ذلك وقالوا : إنْ أَمَركم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا. وأرسلوا الزّانيين معهم. فأمرهم بالرجم، فأبوا أن يأخذوا به، فقال له جبريل : اجعَل بينك وبينهم ابن صوريا، فقال : هل تعرفون شابّا أمْرَدَ، أَبْيَضَ، أَعْوَرَ يسكن فدك يُقال له ابن صوريا ؟؛ فقالوا : نعم وهو أعلم يهودي على وجه الأرض ... إلى آخر القصة [الكشاف، سورة المائدة، الآية 41]. كما يذكر ابن حجر أنّ هذا الخبر جاء عند الكثير من المفسرين، فهو يقول : "ونقل ابن الطبري والثعلبي عن المفسرين قالوا : انطلق قوم من قريظة والنضير منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وسعيد بن عمرو ومالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وشاس بن قيس ويوسف بن عازوراء فسألوا النبي (ص) وكان رجل وامرأة من أشراف أهل خيبر زنيا واسم المرأة بُسرى، وكانت خيبر حينئذ حربا على النبيّ (ص)، فقال لهم اسألوه، فنزل جبريل على النبي (ص) فقال : اجعلْ بينك وبينهم ابن صوريا". [فقح الباري، 12، 174-179] (المترجم)
 ([50])فقال أبو حارثة : «والله إنّه لَلنَّبيّ الذي كنّا ننتظر، فقال له كوز (أخوه) : ما يمنعك منه وأنت تعلم هذا؟ قال ما صنع بنا هؤلاء القوم، شرّفونا وموّلونا وأكرمونا، وقد أبْوا إلاّ خلافه، فلو فعلْتُ نزعوا منّا كلّ ما ترى. فأضْمَرَ عليها منه أخوه كوز بن علقمة، حتّى أسْلَمَ بعد ذلك فهو كان يُحدّث عنه هذا الحديث فيما بلغني» (المترجم)



#ناصر_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نُبوّة وزِنَا (2)
- نُبُوَّة وزِنَا (1)
- في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (9)
- في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (8)
- في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (7)
- في أصول القرآن :مسائل الأمس ومقاربات اليوم (6)
- في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (5)
- في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (4)
- في أصول القرآن (3) مسائل الأمس ومقاربات اليوم
- في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (2)
- في أصول القرآن، مسائل الأمس ومقاربات اليوم
- قراءات أفقية في السيرة النبوية


المزيد.....




- كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناصر بن رجب - نُبُوَّة وزِنَا (3)