ايليا أرومي كوكو
الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 13:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أسباب فشل د كمال عبيد و سفر قطاع الشمال لأمريكا
زين العابدين صالح عبد الرحمن
[email protected]
هناك قضايا متداخلة في التفاوض الذي يجب أن يجري بشكل فاعل بين حزب المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية قطاع الشمال في أديس أبابا, و الذي فرضه قرار مجلس الأمن 2046 الذي دعا الطرفين بوضع حد للقتال الدائر في ولايتي النيل الأزرق و جنوب كردفان, و الحوار السياسي للوصول إلي اتفاق توقف العدائيات و يؤسس لعملية السلام, هذا التفاوض الذي جاء خارج إرادة الحزب الحاكم و اجبر الحزب الحاكم بالتفاوض تحت ضغط مجلس الأمن المسنودة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, أحدث هزة عنيفة جدا في أجندة الحزب الحاكم, و في ذات الوقت وضع الحزب في موقف تراجع بحكم قرارات أتخذها من قبل ضد قطاع الشمال, أولها قرار السيد رئيس الجمهوري الفردي بلغاء اتفاقية أديس أبابا استجابة للضغوط التي يمارسها منبر السلام علي الجميع, و عندما اختارت الهيئة القيادية للحزب الحاكم وفد التفاوض, و أوكلت رئاسته إلي الدكتور كمال عبيد, كانت تحت تأثير تلك الضغوط, فجاء الاختيار غير موفق لأنه يعتمد علي ردود فعل غاضة, و ليس استجابة للعقل و استجابة لضرورات وطنية هادفة لتحقيق السلام و الاستقرار في السودان.
هناك أسباب عديدة شخصية و عامة تجعل الدكتور كمال عبيد يفشل في أية مهمة توكل إليه, و الغريب في الأمر إن قيادات المؤتمر الوطني لم تلتفت إلي تلك الأسباب, من ناحية الموضوعية إذا كان الحزب نفسه ساعيا لعملية السلام, و لكن لأن الحزب نفسه بشكل جماعي يقع تحت طائلة تلك الأسباب, فبالتالي لا يستطيع أن يدركها بشكل فردي أو جماعي.
الأسباب الشخصية إن الدكتور عبيد جاء إلي السياسة من مؤسسة تربوية, و بالتالي ينظر إلي الأمور من موقع المرجع الاعلي و هذه الخاصية فرضتها عيوب التعليم في السودان, باعتبار إن المعلم هو العمود الفقري الأساسي في التعليم, رغم إن المعلم في الدول المتقدمة و الديمقراطية يعد جزء في العملية التعليمية, و من هذه الخاصية يعتقد الدكتور يجب علي الجانب الأخر أن يرضخ له باعتباره الأستاذ الذي يعد المرجع الأساسي, و إذا لم يستجيب الطرف الأخر, يجعل القضية تبتعد من منطق التفاوض إلي مناكفات و مشادات غير موضوعية, لا تخرج بنتائج. القضية الأخرى المهمة إن الدكتور عبيد سريع الانفعال و دائما ما يخرج عن الموضوعية, و يميل للعدائيات, كما فعل مع عثمان ميرغني , و كذلك خلافه مع مدير التلفزيون, و السياسي سريع الانفعال يمكن إثارته بسرعة, و من ثم لا يستطيع أن يفكر بموضوعية تقود التفاوض لنتائج طيبة, و من أهم خصائص التفاوض في إدارة الأزمات أن تقدم ما يكسبك ثقة خصمك لكي تستطيع أن تمرر أكبر قدر من أجندتك, و لكن الانفعال يحول دون ذلك, إلي جانب أن أغلبية قيادات المؤتمر الوطني يعتقدون هم الأكثر إدراك بفن السياسية, و أنهم الأكثر استيعابا للقضايا الوطنية,و القادرين علي صرع الآخرين, و ليس أقناعهم, و بالتالي هذا الوهم هو الذي يجعل الفشل يلازمهم دائما.
الأسباب العامة إن وفد المؤتمر الوطني جاء للتفاوض ليس استجابة لوضع حد للنزاع و معالجة الخلافات, أنما جاء بضغط من المجتمع الدولي, و بالتالي الإستراتيجية التي يعتمد عليها ليس تحقيق السلام و الاستقرار, أنما إبعاد شبح العقوبات الدولية, هذه الإستراتيجية هي التي تحدد وجهة التفاوض, إلي جانب إن الحزب الحاكم لا يمارس السياسة لخلق واقع سياسي جديد في السودان يحقق السلام, و لكن كيف يستطيع الحزب الحاكم إن يظل قابضا علي السلطة, و يجب علي كل القوي التي يتفاوض معها أن تتوالي و تضيف نفسها مع الأحزاب الدائرة في فلك المؤتمر الوطني, و هذا الفهم سوف يجعل الصراع يتوالد في السودان باستمرار. و إذا نظرنا إلي ما قاله الدكتور كمال رئيس وفد المؤتمر الوطني للتفاوض ل " SMC " إن مغادرة قطاع الشمال إلي الولايات المتحدة أمر لا يخصهم و لا يعني وفدهم لآن وفدهم حضر بدعوة من الوساطة الأفريقية وفقا لموعد معلوم مسبقا و قدم رؤيته للوساطة حول الحل النهائي للنزاع في المنطقتين) هذا يؤكد ما ذهبت إليه أن المؤتمر الوطني ليس هدفه من إستراتيجيته للتفاوض هي الوصول إلي السلام بل لأنه مضغوط من قبل المجتمع الدولي.
و يدخل المؤتمر الوطني في التفاوض الذي أجبر عليه, بشروط هي أساسا تعد جزء من عملية التفاوض, و يصر علي تحقيقها قبل عملية التفاوض, هذا الذي ترفضه قيادة الحركة الشعبية قطاع الشمال و تعتقد أن التفاوض يجب أن يكون علي مسارين الأول إنساني و الأخر سياسي, و المساران يتكاملان مع بعضهما البعض و لا يمكن انفصالهما و الشروط التي وضعها المؤتمر الوطني هي ( تغيير أسمه وضع السلاح, الالتزام بوقف إطلاق النار, فك ارتباط الفرقتين التاسعة و العاشرة من جيش الحركة الشعبية في جنوب السودان) و هذه تعد كروت الضغط التي يمتلكها قطاع الشمال إذا استجاب لتلك الشروط و حققها ما هو الذي يتفاوض عليه قطاع الشمال. ثم إن المؤتمر الوطني منقسم علي نفسه حول عملية التفاوض مع قطاع الشمال و الأداة التي خلقتها السلطة لكي تمرر بها بعض الأفعال في صراعها مع الحركة الشعبية قبل عملية الانفصال " منبر السلام" أصبحت هلي الأداة التي تستطيع أن تمرر أجندتها و تفرضها علي الآخرين داخل الحزب الحاكم نفسه, و هذه هي التي تجعل المؤتمر الوطني يحاول أن يغير إستراتيجيته بهدف أرضاء عناصر منبر السلام و ليس تنازلا بهدف الوصول لحلول.
واحدة من أعمدة الإستراتيجية التي يتبناها المؤتمر الوطني, أن يتهم الآخرين بأنهم أدوات إلي أجندات خارجية, بهدف محاصرتهم, و نسيت قيادات المؤتمر الوطني المعادلة السياسية, كل ما ضيقت الدولة علي مواطنيها و القوي السياسية, و استخدام أدوات الدولة, إن كانت أجهزة قمعية, أو إعلامية, يدفع الآخرين في البحث عن معادلة لتوازنات القوي, حتى إذا كانت تلك الأدوات من خارج أسوار الدولة, لكي تجعل هناك توازنا للقوة, حيث يقول الدكتور كمال عبيد رئيس وفد المؤتمر الوطني للتفاوض مع الحركة الشعبية لقطاع الشمال, للإذاعة السودانية, أنه لا يتفاءل بإحراز تقدم في المفاوضات مع قطاع الشمال, و أتهم قطاع الشمال بالعمل علي الإستقواء بالمجتمع الدولي لفرض قضايا خارج أطار الأجندة المعنية بالتفاوض, بسبب إدراج القطاع في ورقته التفاوضية علي قضايا تخص الشرق و دارفور و كردفان و متضررى السدود و مشروع الجزيرة. و لماذا يحصر قطاع الشمال نفسه في تلك القضايا, و التي يقررها المؤتمر الوطني, إذا كان هو قوي سياسية سودانية, يجب عليه أن يثير كل القضايا السياسية التي يعتقد سوف تحقق السلام و الاستقرار في البلاد, و هذه قضايا تخص كل القوي السياسية و ليس قضايا تخص المؤتمر الوطني وحده. و الشيء الوحيد الذي يمنع الأجندة الأجنبية هو التحول الديمقراطي, و توسيع مواعين الحرية و الديمقراطية, و ما دامت السلطة تمنع ذلك لا اعتقد الأجندة الخارجية سوف تكون بعيدة عن معادلات السياسة في السودان.
قبل ذهاب الدكتور كمال عبيد للتفاوض مع قطاع الشمال ذهب و التقي مع القيادات السياسية في المنطقتين جنوب كردفان و النيل الأزرق, و هي لقاءات لا تعكس حقيقة للواقع السياسي, لأنه يتم في واقع ليس فيه حرية تجعل الناس تتحدث بحرية, أنما محاولة للبصم علي أجندة المؤتمر الوطني, و لكن اللقاء الذي أجراه مع ما يسمي بمجلس التحرير لقطاع الشمال, كان مختلفا حيث في البداية رفض مقابلتهم باعتبارهم يحملون أسم الحركة الشعبية قطاع الشمال, و طلب منهم أن يخضعوا إلي تنظيم " دنيال كودي و تابيتا بطرس " و رفضوا ذلك و قالوا هم ليس الجهة التي تبت في عملية تغيير الاسم, بل المؤتمر الذي يعملون إلي انعقاده, و إذا كان هناك حوار بينهم و الحكومة سوف يتحاورون بذات الاسم. كان الهدف من حوارات الدكتور كمال عبيد قبل الذهاب هو تجريد الحركة الشعبية عن عضويتها في الخرطوم.
أيضا تدخل الحركة الشعبية قطاع الشمال إستراتيجية التفاوض علي إستراتيجية عامة تتركز في أربع نقاط أساسية, و ثلاثة قضايا تكتيكية, تحاول بها أن تدعم القضايا الإستراتيجية, و لكن الحركة نفسها في إستراتيجيتها تعاني من إشكالية صراع داخلية, ربما لا تؤثر في عمليتها التفاوضية الآن, و لكن حتما سوف تؤثر عليها مستقبلا, إذا أرادت أن تتحول إلي حزب سياسي, يتحالف مع قوي سياسية أخري, للوصول إلي السلطة, و هي تمثل كعب أخيل في الحركة .
تعتمد الحركة الشعبية لقطاع الشمال علي أربع نقاط, الأولي القضايا الإنسانية, و هي التي تجد التعاضد العالمي و تدعمه المنظمات الإنسانية, و هذه القضية سوف تعرض المؤتمر الوطني الذي وضع شروط لدخول و توزيع المساعدات الإنسانية, و استجابة المؤتمر الوطني بالشكل الذي تحدده الحركة الشعبية قطاع الشمال, سوف يشكل هزيمة سياسية للحزب الحاكم. النقطة الثانية تتمسك الحركة الشعبية بالاتفاقية التي كانت وقعتها مع المؤتمر الوطني في أديس أبابا, و التي رفضها الرئيس و حزبه, و هذه الاتفاقية تجد القبول من جانب الولايات المتحدة, و أيضا بعض الدول في مجلس الأمن, و قبول المؤتمر الوطني لها, أيضا تعد هزيمة سياسية أخرى للحزب الحاكم, و بالتالي إظهار الحزب الحاكم أنه لا يستطيع أن يدافع عن خياراته, و في نفس الوقت أنهم يتخذون قرارات سياسية انفعالية, ثم تحت الضغوط يتراجعون عنها, و هذه تؤكد عدم المبدئية. النقطة الثالثة يتمسك قطاع الشمال بقضية التحول الديمقراطي, و هي التي تكسبه دعم قوي المعارضة و مساندته في عملية التفاوض, إلي جانب تأييده من قبل جماهير أحزاب المعارضة. النقطة الرابعة و هي أضعف النقاط أعلاء قضية الهامش, و تنحرف الدعوة إلي قضايا أثنية و قبلية تضعف النقطة الثالثة و في نفس الوقت تضر بالعمل السياسي المستقبل.
و أيضا تعتمد الحركة الشعبية علي ثلاثة قضايا تكتيكية, و هي تعد أهم الأسباب التي جعلت قيادات قطاع الشمال الذهاب إلي أمريكا, النقطة الأولي الاستفادة من المواقف العدائية للمنظمات الإنسانية ضد سلطة الإنقاذ, في زيادة الضغط علي حكومة الإنقاذ عالميا و محاصرتها خارجيا, الثانية الاستفادة من الجاليات السودانية في الخارج, خاصة إن معظم الجاليات السودانية في أوروبا و الولايات المتحدة و غيرها, جاليات ضد سلطة الإنقاذ, و بالتالي تلك الجاليات تغط الإدارات السياسية في دولها, لاتخاذ موقف ضد سلطة الإنقاذ, النقطة الثالثة علاقتها مع دولة جنوب السودان, و الاستفادة من النزاع بين الدولتين.
و اختيار قيادات الحركة الشعبية لزيارة الولايات المتحدة في هذا الوقت, و الذي يتواجد فيه وفد المؤتمر الوطني, يحمل أبعادا سياسية و مؤشرات سياسية لداخل السودان, أكثر من أنها لخارج السودان, المؤشر الأول تريد أن تقول الحركة قطاع الشمال هي التي بيدها ربطة الحل و العقد, و ليس وفد المؤتمر الوطني, لذلك هي غادرت مكان التفاوض في الوقت الذي يتواجد فيه وفد المؤتمر الوطني, و هذا يدحض كل ما تقول به قيادات المؤتمر وطني أنها هي التي تقرر اللقاء مع قطاع الشمال. المؤشر الثاني تريد الحركة الاستهانة بالوفد, المؤشر الثالث أنها تريد أن ترسل رسالة لقيادات المؤتمر الوطني و الشعب السوداني, أنها هي التي لها علاقات بالخارج و ليس المؤتمر الوطني, و بالتالي قادرة علي محاصرته و تكتيفه. و أيضا عملية التشاور مع بعض الأجهزة في الإدارة الأمريكية و هي تحمل أجندة للجانبين حاجة القطاع لمساندة و دعمه في تحقيق قضية إرجاع اتفاق أديس أبابا, و في نفس الوقت الاتفاق علي سيناريو الحل الذي يحقق السلام و لكن لمصلحة الديمقراطية, و هو الذي يمكن أن يكون الضمانة للحركة قطاع الشمال, و الأجندة الأمريكية تهدف فقط إلي تحقيق سلام قبل الانتخابات الأمريكية, يقوي موقف الرئيس أوباما في الانتخابات و هي لا تمثل القاعدة و لكنها جزء من عملية الحوار بين الجانبين.
القضية التي تضعف موقف الحركة الشعبية قطاع الشمال هي, الخلافات التي تدب داخل القطاع, أولا لقد نجح المؤتمر الوطني في كسب قيادات تاريخية لتسجيل حزب بديلا لقطاع الشمال. هناك حركة من بعض المحاربين القدامة من الحركة الشعبية قطاع الشمال لعقد مؤتمر لمجلس التحرير و علي رأس هؤلاء اللواء حماد, و يعتقد هؤلاء أن المؤتمر مهمته البحث في قضية العلاقة مع دولة جنوب السودان و تغيير الاسم و انتخاب قيادات جديدة ثم مناقشة الأوضاع في ولايتي النيل الأزرق و جنوب كردفان, و يعتقد هؤلاء الذي سمح لهم بالحركة في الخرطوم لجمع مجلس التحرير سوف يؤثر سلبا علي الحركة, و يعتقد هؤلاء أن قيادات الخارج بدأت تعتمد علي بعض العناصر و الذين كانوا يعملون في مكتب السيد ياسر عرمان, و ليس علي قيادات الحركة المتمثلة في مجلس التحرير, و يعتقد كل من الدكتور أحمد يوسف و مصطفي عوض الكريم من حق مجلس التحرير أن ينعقد لكي يبت في كل القضايا, و لكن التوقيت الآن خطأ, لأنه بذلك سوف يضعف موقف الحركة في تفاوضها مع قيادات المؤتمر الوطني في الخارج و يجب أن يؤجل لما بعد عملية التفاوض, هذه القضايا الخلافية إذا لم تعالجها الحركة الآن سوف تنجر بعمق في المستقبل.
هنا يجب أن يطرح سؤلا علي قيادات المؤتمر الوطني ماذا تريد من السودان و شعبه بعد ما حكمته أكثر من عقدين و هي تسير من فشل إلي فشل و فصلت الجنوب دون أن تحقق السلام و تضيق علي الحريات بكل أنواعها و أزمة اقتصادية عنيفة و تحول 85% من السودانيين إلي أدني مستويات الفقر ماذا تريد؟
#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟