|
دراما الثورة والبشر .. من تاريخ الحركة الطلابية
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3850 - 2012 / 9 / 14 - 01:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عن دار "عون " صدر مؤخرا كتاب أحمد هشام " من تاريخ الحركة الطلابية المصرية " . والمهندس أحمد هشام هو المنشد وهو الأغنية ، هو الشاعر وهو القصيدة بحكم مساهمته في تاريخ تلك الحركة وبحكم أن تاريخها تاريخه . بطبيعة الحال فإن الكتاب توثيق لإحدى أهم وأدق مراحل الحركة الطلابية ، أعني ما بين 1961 ( عندما كان النظام الناصري في ذروة إنجازاته ) و 1972 عندما وضع التاريخ نقطة النهاية في تطور ثورة يوليو . وهي المرحلة التي ولدت فيها كل مشاعر الإعجاب الشعبي والحب العميق نحو عبد الناصر ومعاركه من أجل بناء مصر وفي مواجهة الاستعمار ، وهي أيضا المرحلة التي ولدت فيها الشكوك العميقة المؤلمة في رسوخ تلك الانتصارات وامكانية استمرارها . المرحلة بطبيعتها مشبعة بدراما التاريخ التي تضمنتها قصة الصعود العظيم والانكسار الأليم خلال لحظة زمنية كالومضة . ومع استقرار نظام السادات ومبارك بعد ذلك تلاشت الدراما ، إذ أصبحت الصورة ذات بعد واحد فقط - التدهور المتصل بدون كرامة أو إنجاز أو طموح . وعلى قدر ما قرأت من كتب في تسجيل تاريخ الحركة الطلابية التي كانت طليعة النضال في تلك السنوات ، فإنني لم أقرأ كتابا مثل ذلك الذي وضعه أو " حرره " على حد قوله الصديق العزيز أحمد هشام . لأن ذلك الكتاب يتضمن خيطا نفسيا دراميا لم يسبق أن رصده أحد ، أعني به صورة ذلك المثقف الشاب الصادق ابن الستينات الذي رفعته الثورة إلي سماء الأمنيات العالية ثم هبطت به إلي صخر الواقع بعنف وقسوة . في الستينات احتمى الماركسيون – وكان المعارضون منهم قلة – بالنظرية الماركسية التي كانت قبل نكسة يونيو وبعدها مرجعية وبوصلة ، كما احتمى الإسلاميون أيضا بالمرجعية الدينية قبل النكسة وبعدها . أما أبناء الستينات من " القوميين " فكانت الثورة مرجعهم ، وكتابهم ، وبإنكسارها تحطم بين أيديهم كل شيء تقريبا ، وتكشف الواقع فقط عن الأسئلة المريرة التي طرحها الواقع على نفوس شابة وشريفة لم تكن الثورة بالنسبة لها مغنما أو انتفاعا ، لكن قضية وطن . في الكتب التي رصدت الحركة الطلابية ، وعامة حركة المثقفين ، لن تجد تصويرا صادقا لنموذج المثقف الذي أعطى نفسه بالكامل لأحلام الثورة ، والصراع مع إسرائيل ، والوحدة العربية ، وبإنهيار كل تلك الأحلام وجد نفسه فقط أمام التساؤلات . هذا المزيج من الإيمان القوي بالثورة وبزعيمها ، ثم كل ذلك الضياع والانهيار ، ومواجهة الأرض الخراب ، هذه الدراما النفسية لم يسجلها في اعتقادي سوى أحمد هشام ، أحد أبناء ذلك الزمن الباهر والقاسي . القوميون المصريون فقط هم الذين جسدوا ذلك النموذج " القومي " الناصري الذي بدأ بالثورة وعندما انتهت انتهى معها إلا قلة اندفعت إلي الأمام تفتش عن مظلة فكرية أخرى . إنهم أبناء الستينات من الطلاب الذين انتسبوا إلي " حركة القوميين العرب " ، ثم انضموا إلي منظمة الشباب الناصرية عندما حلت حركة القوميين تنظيمها في مصر ، لكن انضمامهم إلي التنظيم السياسي للثورة لم يكن مجرد التحاق بالتنظيم ، فقد كانت لديهم ملاحظات كثيرة على السلطة الناصرية قادت بعضهم حتى إلي المعتقل . ويقول أحمد هشام في مقدمة كتابه المهم إنهم " انضموا إلي منظمة الشباب وكانوا ضمير تلك المنظمة .. وتصدوا لكل مظاهر الانتهازية والخداع .. ودافعوا عن رأيهم بكل ما يملكون من إيمان بوطنهم ، فكان أن تم قمعهم بمنتهى القسوة ، ليزج بهم في المعتقل في أكتوبر 1966 ، ثم يفرج عنهم في مايو1967 قبل نكسة يونيو بأيام ليشهدوا هزيمة وطن كانوا يؤمنون أنه يستحق الانتصار ". وسرعان ما تعرض شباب القوميين للاعتقال مرة أخرى بعد أن أعلن السادات عن عزمه على قتال إسرائيل قبل بداية عام 1972 ، وتراجعه عن ذلك في خطابه الشهير المعروف ب " خطاب الضباب " الذي كان المحرك الرئيسي لانتفاضة طلاب الجامعة في يناير 1972 ، وما تبعها من اعتقالات . يضم الكتاب شهادات لبعض المساهمين في تلك الحركة مثل نبيل عبد الله وعلاء بكيش ، وسيد سرحان ، وسلامة فهمي، وأحمد هشام نفسه ، كما يحتوي على ملاحق تثري الصورة التاريخية خاصة بالتنظيمات السياسية لثورة يوليو، وجماعة أنصار الثورة الفلسطينية التي قامت بدور بارز في تأجيج الشعور الوطني داخل الجامعة المصرية وخارجها ، وجماعة الفكر ، وغير ذلك . وتمثل شهادات الواردة في الكتاب بانوراما حية لمعتقدات وأفكار وتوجهات تلك المرحلة التي ارتكزت على الإيمان بمنجزات الناصرية وميولها الشعبية مع التنبه القاسي لما يسميه نبيل عبد الله في شهادته " الطابع العسكري للنظام " ويسميه آخرون " غياب الديمقراطية والقمع " . يتحدث أحمد هشام عن حلم الشباب في تلك السنوات قائلا : " كنت كالغالبية العظمى من أبناء جيلي عاشقا لجمال عبد الناصر .. والإنجازات يصعب تعدادها : هزيمة الاستعمار والصهيونية في بورسعيد 1956 ، المشاركة في تأسيس كتلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز ، الوحدة مع سوريا .. التصنيع ، السد العالي ،القضاء على حلف بغداد .. أما المستقبل فكانت صورته أجمل " . لكن نكسة 1967 تغيره وتسوقه إلي تأمل الواقع من زواية أخرى قائلا " كان ما حدث صدمة لي شعرت بأن كياني كله قد انهار، وانهار معه كل ما كنت أؤمن به وأحلم بتحقيقه ، كان الإحساس بالانكسار والعار مريرا جدا " . لقد فجرت النكسة واقعا جديدا ووعيا آخر لدي لدي " القوميين " حتى أن أحمد هشام يقول عن فترة ما بعد النكسة " صرنا لأول مرة نسمع كلمات اشتراكي وشيوعي وإخوانجي " ، ويبدأ أولئك المثقفون رحلة أخرى ، بنفس الإخلاص للوطن ولأحلام الثورة ، لكن مع تعديل وتغيير بعض الأفكار والتأمل والانفتاح على تيارات فكرية أخرى . لعل أجمل ما في هذا الكتاب ، أنه الكتاب الوحيد من بين الكتب التي وضعت عن تاريخ الحركة الطلابية من 1965 حتى 1972 الذي يعرض لنموذج خاص من المثقف المصري ، المثقف الذي آمن بثورة يوليو وإنجازاتها من دون انتفاع أو ارتزاق من مؤسساتها ، وحارب سلبياتها بصدق الثوري الحالم ، ثم قوضت نكسة 67 كل أحلامه ، فأخذ يراجع الواقع بمرارة ويتأمله بنظرة جديدة . لعل " دراما النكسة " في الوعي والوجدان لم تجد تعبيرا دقيقا عنها كما وجدته في كتاب الصديق أحمد هشام الذي قدم لنا بقوة ذلك النموذج الرائع ، المؤسي ، للمثقف الشريف الذي رفعته الثورة إلي سماء الأمنيات العالية ثم هبطت به إلي صخر الواقع بعنف وقسوة . تحية للكاتب وللكتاب .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سنوات عبد الناصر والوحدة الوطنية
-
إوعى الأجنحة تكون صيني ؟
-
في ذكرى رحيل سعاد حسني
-
انتخبوا أنفسكم !
-
جلباب أزرق
-
انتخابات الرئاسة بمصر - الانقاذ الوطني مهمة عاجلة
-
لماذا تقف الثورة وحيدة عزلاء في الانتخابات الرئاسية بمصر ؟
-
نداء إلي مرشحي اليسار والديمقراطية في مصر
-
عبد الرحمن الخميسي .. والدي .
-
سعد القرش وكتابه - الثورة الان -
-
رحمة - قصة قصيرة
-
رؤوف نظمي .. رحيل فارس مصري
-
في الأدب تجد نفسك كاملا
-
الطابق الرابع - قصة قصيرة - أحمد الخميسي
-
رأس الديك الأحمر - قصة قصيرة
-
وداعا للقذافي الطاغية .. مرحبا بحلف الناتو !
-
- باب مغلق - قصة قصيرة
-
ماهو أدب الثورة في مصر ؟
-
لوزير العدل المصري .. سجل أنا مع الشغب !
-
ثورة يقودها أعداؤها !
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|