|
حرية الرأي والتعبير حق في الماضي وقيود في الحاضر
نبيل ابراهيم الزركوشي
الحوار المتمدن-العدد: 3848 - 2012 / 9 / 12 - 23:16
المحور:
حقوق الانسان
حرية الرأي و التعبير يمكن تعريفها بالحرية في التعبير عن الأفكار و الآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة و مضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقا لقوانين و أعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ويصاحب حرية الرأي و التعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق و الحدود مثل حق حرية العبادة و حرية الصحافة و حرية التظاهرات السلمية. بالنسبة لحدود حرية الرأي و التعبير فانه يعتبر من القضايا الشائكة والحساسة إذ أن الحدود التي ترسمها الدول أو المجاميع المانحة لهذه الحرية قد تتغير وفقا للظروف الأمنية والنسبة السكانية للأعراق و الطوائف و الديانات المختلفة التي تعيش ضمن الدولة أو المجموعة وأحيانا قد تلعب ظروف خارج نطاق الدولة أو المجموعة دورا في تغيير حدود الحريات. 1-1 بدايات حرية الرأي و التعبير ترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي و التعبير إلى القرون الوسطى في المملكة المتحدة بعد الثورة التي أطاحت بالملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688 ونصبت الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية من إنكلترا على العرش وبعد سنة من هذا أصدر البرلمان البريطاني قانون "حرية الكلام في البرلمان" .و بعد عقود من الصراع في فرنسا تم إعلان حقوق الإنسان و المواطن في فرنسا عام 1789 عقب الثورة الفرنسية الذي نص على أن حرية الرأي و التعبير جزء أساسي من حقوق المواطن وكانت هناك محاولات في الولايات المتحدة في نفس الفترة الزمنية لجعل حرية الرأي و التعبير حقا أساسيا لكن الولايات المتحدة لم تفلح في تطبيق ما جاء في دستورها لعامي 1776 و 1778 من حق حرية الرأي و التعبير حيث حذف هذا البند في عام 1798 واعتبرت معارضة الحكومة الفدرالية جريمة يعاقب عليها القانون ولم تكن هناك مساواة في حقوق حرية التعبير بين السود و البيض. ويعتبر الفيلسوف جون ستيوارت ميل (John Stuart Mill (1806 - 1873 من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي غير أخلاقيا في نظر البعض حيث قال "إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة" وكان الحد الوحيد الذي وضعه ميل لحدود حرية التعبير عبارة عن ما أطلق عليه "إلحاق الضرر" بشخص آخر ولا تزال هناك لحد هذا اليوم جدل عن ماهية الضرر فقد يختلف ما يعتبره الإنسان ضررا الحق به من مجتمع إلى آخر. وكان جون ستيوارت ميل من الداعين للنظرية الفلسفية التي تنص على أن العواقب الجيدة لأكبر عدد من الناس هي الفيصل في تحديد اعتبار عمل أو فكرة معينة أخلاقيا أم لا وكانت هذه الأفكار مناقضة للمدرسة الفلسفية التي تعتبر العمل اللاأخلاقي سيئا حتى و لوعمت فائدة من القيام به واستندت هذه المدرسة على الدين لتصنيف الأعمال إلى مقبولة أو مسيئة ولتوضيح هذا الاختلاف فان جون ستيوارت ميل يعتبر الكذب على سبيل المثال مقبولا إذا كان فيه فائدة لأكبر عدد من الأشخاص في مجموعة معينة على عكس المدرسة المعاكسة التي تعتبر الكذب تصرفا سيئا حتى و لو كانت عواقبه جيدة. وبسبب الهجرة من الشرق إلى الدول الغربية واختلاط الثقافات والأديان و وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت شهد العالم موجة جديدة من الجدل حول تعريف الإساءة أو الضرر وخاصة على الرموز الدينية حيث شهد العالم في أواخر 2005 وبدايات عام 2006 ضجة سياسية وإعلامية ودينية واقتصادية حول ما اعتبره المسلمون الإساءة للنبي محمد واعتبره العالم الغربي وسيلة في حرية الرأي و التعبير. بدأت مؤخرا حركات في أوروبا تطالب بتعديلات في القوانين القديمة المتعلقة بالإساءة إلى الرموز الدينية التي وان وجدت في القوانين الأوروبية ولكنها نادرا ما تطبق في الوقت الحالي ولكن مع انتشار الهجرة إلى أوروبا من الدول الغير أوروبية وجدت الكثير من الدول في أوروبا نفسها في مواقف قانونية حرجة لوجود بنود في قوانينها الجنائية تجرم المسيئين إلى الرموز الدينية و وجود بنود أخرى تسمح بحرية الرأي و التعبير وهذه القوانين التي تعتبر الإساءة للدين عملا مخالفا للقوانين لا تزال موجودة على سبيل المثال في البندين 188 و 189 من القانون الجنائي في النمسا و والبند 10 من القانون الجنائي في فنلندا و البند 166 من القانون الجنائي في ألمانيا و البند 147 في القانون الجنائي في هولندا و البند 525 في القانون الجنائي في اسبانيا وبنود مشابهة في قوانين إيطاليا و المملكة المتحدة و الولايات المتحدة. 2- حرية الرأي والتعبير في الإسلام حرية الرأي والتعبير في الإسلام تعرف حرية التعبير من وجهة نظر إسلامية بأنها "فريضة على الحاكم والمحكوم معاً، فالحاكم مطالب بتنفيذها عن طريق الشورى، وعن طريق تحقيق العدل والنظام القضائي المستقل، ونشر التعليم، وتحقيق الاكتفاء الاقتصادي وغيرها من الوسائل التي تجعلها ممكنة بحيث لا تخاف الرعية من ظلم أو فقر أو تهميش إذا مارستها، والمحكوم مطالب بها فرداً وجماعات في كل المجالات تجاه الحاكم وتجاه الآخرين، وبدون حرية التعبير وكل ما يؤدي إليها يحدث خلل في المجتمع الإسلامي، فالمسلم مطالب بعدم كتمان الشهادة السياسية والاجتماعية والقضائية على حد سوء {{وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ -سورة {{{البقرة}}} آية {{{283}}}}}[1]. يعتبر المسلمون أن الإسلام قد أكد بوضوح على حرية التعبير، و ذلك من خلال القرآن الكريم وسنة النبي محمد ، و هذا من خلال[2]: 1. أقر القرآن الكريم بتعددية الآراء وتنوعها حيث يقول: {{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {{{هود }}} آية {{{118}}}}}، أي أن الاختلاف بين البشر ليس أمراً طبيعياً فحسب بل إيجابي. كما ويوضح القرآن الكريم أن اختلاف الآراء سيؤدي إلى النزاع والصراع، إذ يقول تعالى: ( ... فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ... ) (النساء 59)، فالشيء المؤكد وجود آراء متعددة في المجتمع الإسلامي تعكس تنوعه وتياراته الفكرية. 2. كما أقر أن يتمتع المجتمع، رجالاً ونساءً بالحرية في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، حيث يذكر القرآن: {{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ {{{التوية}}} آية {{{71}}}}} والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع لا يقتصر على الأمور الدينية والعبادات والعقائد فحسب بل كل النشاط الإنساني في التفكير والنقد والمعارضة والتقييم في شؤون السياسة والثقافة والاقتصاد. 2-1 قيود و محددات حرية التعبير في الإسلام بشكل عام، يشكل مفهوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أهم أعمدة حرية التعبير في الإسلام، و هو لا يقتصر. كان الرسول والصحابة في عهد الخلافة يستمعون إلى آراء غيرهم من المسلمين و حتى غير المسلمين، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشير غير المسلمين في الأمور التي هم خبراء فيها وكان أيضاً لا يقصر مشورته على الشيوخ بل يلجأ إلى الشباب ويستشيرهم[1]. على الرغم من هذا فإن في الإسلام قيود على حرية التعبير، و يمكن تصنيف هذه القيود إلى نوعين من القيود هما: القيود الأخلافية و القيود القانونية[2]: 2-1-1 القيود الأخلاقية 1. الغيبة، الحديث عن شخص آخر والمس بسمعته وتجريحه. 2. السخرية من الآخرين وإسقاط هيبتهم والكذب عليهم. 3. كشف عيوب الآخرين أمام الناس. 4. البدعة وإضافة أمر إلى الدين ليس منه. 2-1-2 القيود القانونية 1. ايذاء الآخرين وقذفهم بأمور يعاقب عليها الدين كشرب الخمر والرذيلة وغيرهما. 2. تكفير المسلم. 3. الافتراء على المسلم. 4. سب الله ورسوله محمد . 5. سب دين غير المسلمين أو إطلاق لقب كافر عليهم. كذلك هناك محددات لحرية التعبير في الإسلام فمثلاً إذا أراد إنسان أن ينهي إنسان آخر عن عمل حرام فلا يحق له أن يدخل بيته مثلاً دون استئذانه ليقوم بذلك ولا ينظر داخل البيت أو يسترق السمع عليه فيعرف أنه يشرب خمرا مثلاً، فيأمره وينهاه[1]. 2-2 حرية التعبير في الإسلام حق أم واجب تعتبر حرية التعبير في الإسلام أمر واجب على كل مسلم و مسلمة و ليس حقاً كما هو في العالم الغربي. 2-2-1 أمثلة على الحرية في الإسلام من وجهة نظر المسلمين من أمثلة حرية التعبير في الإسلام: • اعتماد مبدأ التشاور و عدم الفردية في اتخاذ القرار استنادا على سورة آل عمران " وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" و سورة الشورى "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ". • ضمان الشريعة الإسلامية للرجل والمرأة ما يسمى بالحرية المدنية فدين الإسلام يعتبر أهلية المرأة كاملة، وذمتها المالية من شأنها، ولها أن تجري التصرفات المالية دون حرج، وهي حرة في اختيار زوجها. • الحرية حق للإنسان، ولكنها مثل كل الحقوق، لها ضوابطها وقيودها ولا حرية في الإسلام لنشر ما يعتبر فساداً أو فتنة في مفهوم الإسلام. • يرفع الإسلام شعار المساواة بين الناس على اختلاف الأجناس والألوان واللغات استناداً إلى سورة النساء "يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" واستنادا إلى الحديث "لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى". 4- المصادر: 1. حرية التعبير: الفريضة والآداب، موقع لواء الشريعة، تاريخ 26 يناير 2009 . 2. حرية التعبير من منظور إسلامي وعلماني، جمعية اقرأ، تاريخ 16 فبراير 2006 . 3. د. أحمد جلال , حرية الرأي في المجال السياسي,2005 . 4. حرية الإنسان في الإسلام ، سلسلة البحوث الإسلامية , 2006 . 5. عبدالمتعال الصعيدي , الحرية الدينية في الإسلام ,2002 .
#نبيل_ابراهيم_الزركوشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المناهج التربوية العراقية... بين الواقع والطموح
المزيد.....
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
-
اتحاد جاليات فلسطين بأوروبا يرحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغال
...
-
الأمم المتحدة: نتائج التعداد بيانات عامة دون المساس بالخصوصي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي ينهي الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
من هم القادة الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|