حميد حبيب المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 3847 - 2012 / 9 / 11 - 07:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد خافيا الدور التركي المتنامي في العراق وفق خطة يفترض منها أيجاد قوة أقليمية في المنطقة توازن الثقل الايراني وداخليا كذلك تستقطب الاطراف بما يوازن النفوذ الايراني في الداخل العراقي,ولو نظرنا الى خارطة العراق الأثنية لوجدناها تتكون من أربعة أقسام رئيسية وهي الأكراد والتركمان والعرب بقسميهم السنة والشيعة,حيث يمثل العرب الشيعة حوالي ستين بالمئة من مجموع الشعب العراقي وهنا يتوجب على من يريد أن يدخل اللعبة ويحقق التوازن أن يستقطب كل المتبقين اي كل من الكرد والتركمان والعرب السنة ليشكل قوة تعادل نوعا ما أستقطاب العرب الشيعة من قبل أيران وأن يقوم بجهد مكثف و خطوات معينة و أبرز ما توجب على تركيا القيام به بهذا الخصوص:
أن تجمع الكرد والسنة والتركمان بحلف واحد وهذا يصطدم بمعوقات وتعارضات وتناقضات كبيرة جدا,فعليها أن تصالح مابين الكرد من جهة والتركمان والعرب السنة من جهة أخرى وهذا بدوره يصطدم بالرغبة الكردية بالتوسع في محيط من هذين المكونين حصرا, ولو خضنا بهذا الامر أكثر بقليل فأن كل من التركمان والعرب السنة يدعي ان السلطات الكردية في أربيل عبر أجهزتها الرسمية وغير الرسمية كالحزبية والعسكرية والاستخباراتية والسياسية تقوم بقضم مناطقهم وضمها الى كردستان بشراء الاراضي مرة وبأساليب مخابراتية وعسكرية من خلال اختطاف ابنائهم ومقايضتهم بالرحيل من تلك المناطق مقابل أطلاق سراحهم أو ترهيبهم وتعقيد الامور مرة وبشراء ذمم بعض من واجهات العرب السنة والتركمان مرة اخرى وحتى بالتضييق على أرزاقهم وكسب قوتهم ومحاربتهم ومنعهم من التوظيف مرات اخر.
ولايخفي القادة الاكراد نزعتهم الانفصالية ولا عملهم لاجل ذلك وهم بحقيقة الامر لا يعترفون بحكومة بغداد ولا حتى بأنهم جزء من الدولة العراقية وبناء على ذلك يتصرفون مستغلين ضعف حكومة المركز التوافقية وقوة حكومة أربيل التي تشهد استقرار أمنيا وسياسيا وأقتصاديا كبيرا فقد تمكن الاكراد من توحيد جهودهم نحو الخارج وشحذ همم الشعب الكردي وتمنيته بحلم الدولة الكردية أو مايطلق عليه كردستان الكبرى هو ما سمح لهم بتجاوز مشاكلهم الداخلية.
وقد تمكنت تركيا الاردوغانية أن تكون عرابا وراعيا لتوافق وصلح بين هؤلاء الاطراف لكنه حقيقة صلح وهمي لانه يقوم على تناقض واضح مفاده ان يتوافق الكرد مع التركمان والعرب السنة فمن المستحيل بعقلية السياسي الكردي أن يتنازل عما يعتبرها أراض قد استقطعت منه على عهد الانظمة السابقة وهي تشكل جزءا من كردستان التي لايجوز التنازل عن شبر منها ,فكلما أزدادت الارض الكردية كلما أزدادت فرصة قيام وبقاء دولة كردية كما يستحيل أن يقبل العرب والتركمان بتعجرف وتجاوز السلطات الكردية على مناطقهم وأستهتار وأستخفاف الاجهزة الامنية الكردية بهم وأستقطاع ما يعتبره العرب والتركمان أراضي عائديتها لهم.
قد تكون نجحت تركيا بأيجاد جناح سياسي عربي سني لا يستهان بثقله موال لها ومتصالح مع الاكراد ويغض الطرف عن تصرفاتهم التوسعية لكن على الارض فان الشارع العربي السني لا يرضى بذلك باي شكل من الاشكال وبرأيي فان ما فعلوه كان أسقاطا سياسيا لهم لكن حسابات المصلحة الشخصية من هؤلاء الساسة بتلقيهم للاموال ودعم سياسي وحماية تركية توفر لهم ان اقتضت الحاجة كما حصل في قضية السيد الهاشمي جعلهم يقبلون بخوض هكذا مغامرة.
أما التركمان فامرهم أيسر من سابقهم في المهمة التركية الصعبة حيث تمكنت من أيجاد جناح سياسي تركماني يعمل وفقا لأجنداتها ويسيطر على معظم الشارع السياسي التركماني العراقي وقد كان الامر بالبداية أن هذا الشارع التركماني يحاول ان يكون تيار سياسي يتبنى القضايا التي تهم تركمان العراق وكان هذا التيار يبحث عمن يتبناه ويقويه بمواجهة التوسع الكردي وقد وجد بتركيا ضالته ولا يفوتنا المشتركات القومية واللغوية والثقافية المشتركة بين تركمان العراق والأتراك فلم يكن الأمر عسيرا على تركيا أن تبسط نفوذها على ممثلي التركمان وتوجه قياداتهم وواجهاتهم السياسية ,و حينما دعت الحاجة تمكن ماسك عصا التحكم في تركيا من تحريكهم باتجاه التصالح وحتى التحالف مع الاكراد ضد الحكومة المركزية ببغداد وضد حلفائهم السابقين من العرب السنة وقد اتضحت الأمور بشكل كبير لدى زيارة السيد اوغلو لكركوك عبر اربيل دون علم بغداد و لا يخفى أن الحكومة المركزية ببغداد تسعى بشتى الطرق كبح جماح الطموح الكردي وتخفيفه ودعم التركمان والعرب السنة في نزاعهم مع الاكراد.
غير ان التحالف التركماني الكردي ضد حكومة بغداد وضد جيرانهم العرب السنة سيقلب الشارع العربي السني على تركيا ما يعني خسارتها لاكبر ثقل سكاني داخل العراق من بعد العرب الشيعة وبهذا الخصوص تعول تركيا في تحويل الامور لصالحها والمضي قدما في مشروعها من خلال اللعب على الوتر الطائفي وهو أن تجعل من نفسها مرجعية سنية تساند العرب السنة في العراق ضد مشروع طائفي شيعي تقوده حكومة بغداد كما تحاول تركيا أن تصوره ودون شك فان حليف وداعم كتركيا يمكن الاعتماد عليه.
لقد كان لتحالف الكرد والتركمان ضد العرب بمجلس محافظة كركوك أثرا نفسيا عميقا في نفوس ممثلي العرب بالمجلس وعرب كركوك,وسيخسر التركمان نتيجة هذا التحالف الكثير كونهم فرطوا بحليف حقيقي واكثر ديمومة هم عرب كركوك وأن كان الدفع العالمي والمصالح قد جمعت وصالحت مابين القط والفأر أي تركيا والاكراد فأن هذا الصلح لن يدوم خصوصا مع شعور بغبن كبير لدى أكراد تركيا وطموح كبير لدى اكراد العراق.
أن حدث كهذا يمثل فرصة ذهبية لو أستغلتها حكومة بغداد تكسب من خلالها الشارع العربي السني وتوحد عرب العراق على الأقل في ظل شتات يعيشه العرب السنة ببحثهم عن داعم وحليف مابين تركيا والسعودية وغيرها وقد تتمكن الحكومة لو قامت بالامور على وجه صحيح أن ترمم جزءا مما أصابه التلف من الهوية الوطنية العراقية لا سيما ان ذلك سيدعمها في تحرير نفسها ومن ثم الشارع العربي الشيعي من نفوذ أيران.
ما يحتاجه العراق هو هوية وطنية حقيقية,فاصطفاف شيعة العراق مع أيران رغم أن العرب أساسا كانوا سببا به لخوفهم المهول من البعبع الايراني او الشيعي وبالتالي رفضهم لا بل محاربتهم الدولة العراقية الفتية ما بعد 2003 على اعتبار انها دولة يحكمها الشيعة من حلفاء أيران,الا ان هذا الاصطفاف برغم ذلك لا يصب بمصلحة العراق كون أيران تنظر له من مصلحة ذاتية بحتة وهي تستخدم العراق كبش فداء أو درعا تصد به الضربات فمن الأسلم لو تمكن العراق من التحرر من الأستغلال الايراني له.
كما أن سنة العراق تم استغلالهم من قبل دول عربية وخليجية لتنفيذ مارب خاصة بتلك الدول وحولت كثير منهم لادوات وأذكت نار الصراع والانقسام الداخلي ودستهم في رحى الصراع الايراني السعودي ليخرج سنة العراق خاسرون بالاخير.
أما المسعى التركي فأنه سيبوء بالفشل قريبا وستعود الامور الى حالتها الطبيعية ونبقى بانتظار أن يصحوا العراقيين ويتوحدوا وأعادة تشكيل الهوية الوطنية العراقية وأن لا يكون العراقيون أدوات بيد هذه الدولة او تلك.
#حميد_حبيب_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟