حميد حبيب المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 3846 - 2012 / 9 / 10 - 07:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لن نكون على صواب اذا أعتبرنا الصراع الحالي الذي يدور بالمنطقة صراع أيديولوجي ديني مذهبي وهابي شيعي مابين السعودية وأيران فليس ما يحرك هذا الصراع بين هاتين الدولتين هو العامل الفكري المذهبي رغم أن هذين الفكرين أساسا متصارعين وحتى متناقضين,بل أن حقيقة الامر هو أن كلا من أيران والسعودية أستغلتاه لخدمة مصالحهما.
فأيران بلد كبير وعريق وشعبه ذو حضارة وثقافة موغلة في التاريخ تركت اثرها في عقلية الفرد الايراني ولها تطلعات توسعية في المنطقة لم تكن بدايتها مع أنطلاق الثورة الأسلامية هناك عام 1979 بل كانت موجودة في كل زمان لأي دولة نشأت على الارض الايرانية الا أن صانع القرار الايراني وجد في سياسة تصدير الثورة ما يلبي جزءا من طموحاته مستغلا الوجود الشيعي الكثيف والمضطهد الى حد ما في المحيط الايراني وعلى هذا الاساس فقد سار العمل منذ انطلاق الثورة وفعلا وجدت تلك الافكار لها صدى قوي في العراق ولبنان وبعض الدول الخليجية.
من جانب اخر فالنظام السعودي استغل الدعوة الوهابية والتي تربطه بها توأمة تأريخية في الحفاظ على وجوده والتمترس خلف العامل الديني المذهبي لضمان ديمومته اولا,ومحاولة التمدد وأيجاد مجال حيوي تنمو من خلاله الدولة السعودية يخدمها بذلك الامر اموال النفط الطائلة.
ومن خلال ماكنة اعلامية كبيرة وأموال تدفع هنا وهناك لشراء ذمة أو أسكات صوت أو دفع باتجاه محور معين تمكنت السعودية من ذلك فمجلس التعاون الخليجي بوابة لأبتلاع باقي دول الخليج وهو ما أدركته متأخرا الدول الخليجية فتملصت والخطر الشيعي الايراني مكن السعودية من التمدد وبناء الاحلاف شمالا وغربا.
وما يحاول كلا الطرفين القيام به هو ابعاد خطر الطرف الاخر خارج أراضيه بما لا يهدد كيانه قدر الامكان,لكن من الجلي أنه في هذا الصراع كانت ايران تتفوق على السعودية بالعامل السكاني والقوة البشرية والفكرية والانتاجية وبالقوة العسكرية ووجود حلفاء أيران المزعجين والخطرين في الداخل السعودي في المنطقة الشرقية والتي أستغلت ايران التمييز ضدهم حيث لم يتمكن النظام السعودي من أحتوائهم فسارعت أيران لكسب ودهم,وليس بعيدا هنالك شيعة البحرين وأمرهم لايختلف كثيرا عن أمر سابقهم,والحوثيين أقصى الجنوب الغربي للسعودية ولا يفوتنا أمكانية الامتداد الى نجران وجيزان ومناطق الاسماعيليين وهو ما حاولت ايران فعله لكنها لم تفلح كثيرا غير انه يبقى مصدر خطر داخلي في ظل فشل النظام في تطوير قابلياته في الأحتواء كونه يتبنى فكر أحادي اقصائي,والنظام الحاكم الجديد في العراق وشيعة جنوب العراق والذين يرى النظام السعودي أنهم مكمن الخطر الاكبر عليها لثقلهم السكاني والفكري والاقتصادي والجغرافي.
لذلك بحثت السعودية عن محور يرجح كفتها أو يوازنها على أقل تقدير كون مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم يعطها الارجحية المتوخاة فتحالفت مع مصر والاردن وحقا ترجحت الكفة بدخول تركيا لهذا التحالف رغم أن تركيا دأبت على تجنب الصدام المباشر مع أيران لكن وصول الاسلاميين من حزب الحرية والعدالة لحكم تركيا مثل الفرصة الامثل للسعودية لكسب هذه النقطة لانه مما لا شك فيه ان اي أسلامي تركي يتغنى وتعشعش بعقله وفكره ومخيلته مفاهيم وأحلام الخلافة العثمانية وتلك الدولة العظيمة ومحاولة بعثها من جهة والعدو الابرز للعثمانيين المتمثل بالدولة الفارسية من جهة اخرى,لكن هنالك عقبة أمام هذا المحور القوي الا وهي سوريا وحزب الله بلبنان وما لا يخفى أن سوريا هي الحليف الاقوى لايران منذ الثورة الاسلامية والمجال الحيوي والستراتيجي بالنسبة لحزب الله وحتى حركة حماس.
فبدأت الحرب للأطاحة بالنظام السوري الحليف لايران والمجيء بنظام حاكم بسوريا حليف للسعودية وهو ما سيجعل المحور السعودي الى تركيا مكتملا بلا عقبات ولن يشغلوا انفسهم كثيرا بالأطاحة بحزب الله فالأطاحة به ستصبح سهلة لو سقط النظام الحاكم بسوريا لأن المحيط كله سيصبح معادي وبوجود داخل لبناني شديد الموالاة للسعودية ومنتظم بصفوف هذا المحور, فأنه بأحسن الاحوال هذا الحزب سيحجم ويطوق حتى لن يعود يشكل اي خطر,أما حماس فموضوعها سيغدو بسيط أيضا لانها ستقلب تحالفاتها وتبحث عن حلفاء جدد ومجال حيوي جديد ولن ترفض السعودية تبنيها وفق قواعد وشروط معينة ستملى عليها وستوافق عليها حماس دون عناء لاسيما بعدما تحولت حماس من حركة مقاومة الى حزب سلطة.
وفيما لو أكتملت الطبخة فأن العراق سيمثل ساحة الحرب الرئيسية بين المحورين ومن هنا يتبين لنا سبب محاولات أبقاء العراق ضعيفا ممزقا وأغراقه بالارهاب ودوامة الاقتتال والفساد الاداري من قبل كلا الطرفين المتصارعين على حد سواء السعودية وايران,أذ لو تمكن العراق من لملمة نفسه والنهوض من جديد وأن يملك قراره قبل اكتمال الطبخة فانه لن يسمح أن يكون ساحة المواجهة وحينذاك ستكون الارض السعودية والايرانية هي نفسها ساحة المواجهة مما سيؤدي لسقوط أحد النظامين أو كلاهما حتى.
وفي حالة الصدام المباشر فأن العراق يكون أمام واحد من ثلاثة خيارات:
الاول: وهو أن يدخل ضمن المحور السعودي وهذا الامر شبه مستحيل خصوصا بعد العداء الواضح من قبل النظام السعودي للدولة العراقية وحكامها الجدد ,وهو ما يدركه صانع القرار السعودي ويضعه نصب عينه لأي تحرك يقوم به لذلك وعلى أقل تقدير فان من مصلحة السعودية حينها تقسيم العراق كونها ستكسب حليفا مؤكدا هم سنة العراق وأمكانية ضم الكرد أيضا لهذا الحلف فلن يعود العراق وقتذاك نفس مكمن القوة والخطر وفيما لو لم ينجح التقسيم فايجاد الشوشرة والقلاقل الداخلية من خلال ادوات يمتلكونها في الداخل تبقى وسيلة ناجعة كما هو الحال الان.
الثاني أن يكون العراق ضمن المحور الايراني وهذا ما تراه السعودية وحلفائها وهو نفسه من تعول عليه أيران كثيرا وتحاول جاهدة ان تحافظ على علاقاتها بالداخل العراقي وأدواتها فيه والحفاظ على سيطرتها على كثير من زعماء وحكام الدولة العراقية ما بعد 2003 لكن هذا الخيار لن يوفر للعراق شيئا بل سيدمره كونه سيجعله ساحة الحرب التي ستأتي عليه كما تأتي النار على الهشيم.
الثالث هو أن يأخذ العراق الحياد وهو الخيار الاصعب والاسلم بنفس الوقت أذ كيف ستستطيع البقاء على الحياد والمنطقة من حولك تشتعل وكلا طرفي الصراع لهم أمتداداتهم ونفوذهم وأدواتهم بالداخل العراقي,كما أنه لن يستطيع أن يكون محايدا مالم يكن حينها قد تمكن من بناء مؤسساته ومنظومته الامنية وتقوية أقتصاده وتحصينه وأمتلاك الارض والسيطرة عليها فعليا واضعاف أدوات كلا الطرفين في الداخل العراقي بما يشمله ذلك من وجود جهاز مخابراتي على قدر القضية اضافة الى قوة عسكرية رادعة تجعل من يحاول أقحام العراق بالصراع يحسب لقوته العسكرية والعواقب الوخيمة المترتبة اكثر من حساب.
لذلك ندعو ساستنا وشعبنا الى أخذ الحيطة أكثر من أي وقت مضى من هذا المخطط والعمل على بناء مؤسسات الدولة العراقية بأسرع وقت والنأي بالعراق عن الصراع الدائر وبناء القوة العسكرية بما يمكن العراق الدفاع عن وحدة وسلامة ارضه وسن التشريعات التي تحاسب من يعمل لجهة خارجية حيث يكاد يكون العراق الدولة الوحيدة بالعالم التي لا تعاقب من يعمل لحساب دولة خارجية وكثير من سياسيينا لا يخفون عمالتهم ويتبجحون بها بحجج اقنعوا انفسهم بها كالأنتماء المذهبي او القومي دون خوف من قانون رادع لهم ونبقى بانتظار التشريعات وتطبيقها بما يعيد للعراق هيبته ويجنب بلدنا ويلات الحروب والصراعات التي عانينا منها كثيرا خدمة لاطراف اخرى او طموحات أشخاص لا ناقة لنا فيها ولا جمل ولم لا يكون العراق في المنطقة بلدا محايدا او بلدا عازلا بالمصطلح السياسي كسويسرا يساهم في تخفيف حدة الصدام ونتجنب العواقب الوخيمة للدخول بالاحلاف والمحاور والصراعات.
#حميد_حبيب_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟