|
لويس عوض و(إلحاد) الأفغانى
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3844 - 2012 / 9 / 8 - 11:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من بين المُتعلمين المصريين الذين هاجموا لويس عوض بسبب كتابه عن جمال الدين الشهير بالأفغانى ، الكاتبة الصحفية إقبال بركة التى ألبستْ هجومها قناعًا فى شكل سؤال (هل كان جمال الدين الأفغانى مُلحدًا ومُجدّفـًا كما إتهمه د. لويس عوض؟) (أهرام 17/10/2001) تعرّض لويس عوض للكثير من التشويه المُتعمّد لكتاباته. والتجريح المُتعمّد لشخصه. قبل وبعد رحيله عن دنيانا . ويبدو أنّ السيدة إقبال اعتمدتْ على ما كتبه خصوم لويس عوض من الأصوليين ، ولو أنها قرأتْ ما كتبه لويس عوض لعرفتْ أنه لم يتـّهم الأفغانى بالإلحاد ، وإنما نقل للقارىء ما ذكره معاصرو الأفغانى عنه ، وذلك فى كتابه (تاريخ الفكرالمصرى الحديث- المبحث الثانى- ج1) ألقى الأفغانى محاضرة فى تركيا . وبعد المحاضرة أشاع شيخ الإسلام (حسن فهمى أفندى) أنّ ((الشيخ جمال الدين زعم أنّ النبوة صنعة)) ثم أوعز إلى الوعاظ فى المساجد أنْ يذكروا ذلك محفوفـًا بالتفنيد والتنديد ، فاهتم السيد جمال الدين للمدافعة عن نفسه وإثبات براءته مما رُمى به. ورأى أنّ ذلك لا يكون إلاّ بمحاكمة شيخ الإسلام)) هذا ما كتبه لويس عوض نقلا عن رشيد رضا (تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده) ونقل عن خليل فوزى أنّ ((لجنة من علماء الدين شـُكلتْ فعلا للرد على زندقة الأفغانى)) وأنّ هذا الكتاب كان ثمرة مداولات هذه اللجنة. وأنه كتبه تنفيذًا لأمر الخليفة السلطان لنصرة الدين وتسفيه (الفلاسفة الحقراء) والنتيجة التى وصل إليها خليل فوزى أنّ الأفغانى مرتد . وإذا لم يُعلن توبته ، فقد حقّ قتله)) (من ص 56- 64) كما اعتمد لويس عوض على مذكرات محمد عبده التى نشرها طاهر الطناحى عام 1963 وذكرفيها أنّ محمد عبده درس الرياضيات والفلسفة وعلم الكلام على يد الأفغانى ، ولكن مشايخ الأزهر والجمهور من طلبته يتقوّلون عليه وعلينا الأقاويل ، ويزعمون أنّ تلقى تلك العلوم قد يُفضى إلى زعزعة العقائد الصحيحة. وقد يهوى بالنفس فى ضلالات تـُحرّمها خير الدنيا والآخرة)) أما إبراهيم الهلباوى (المحامى الشهير) فقد كتب فى مجلة الهلال – ديسمبر1939أنه ((تعلم مما سمعه من أساتذته فى الأزهر أنْ يُبغض الأفغانى على غير معرفة بوصفه ملحدًا جاء إلى مصر ليؤسس حزبًا يُبشر بالإحاد بين المصريين)) أما سليم بك العنحورى ، وكان من مريدى الأفغانى وأعوانه فى مصر، فقد كتب فى ديوان (سحرهاروت) أنّ جمال الدين عندما كان فى الهند فقد ((برز فى علم الأديان حتى أفضى به ذلك إلى الإلحاد والقول بقدم العالم)) (ص73) أما عبدالله النديم فكتب أنّ جمال الدين ((ألــّف حزبًا من الشبان وجمع إليه بعض الأعيان . وبثّ فيهم روح الغيرة الوطنية. وملأ أذانهم بالمفاخرة الشرقية. غير أنه كان يستعمل وجهة خصوصية. ويؤمل رفعة ذاتية. ومزج بالاعتقاد ما وجّه إليه الانتقاد . ثم عدل بهم عن أنديته الأدبية إلى المحافل الماسونية. ثم اشتهر بعض تلامذته بفساد العقيدة ومعارضة الدين الشديدة ، إما بخطأ الفهم أو التلقين ، فانحرف عنه كثير من المؤمنين . ولما آل الأمر إلى الخديو توفيق وترأس رياض باشا ، كان أول ما بدأ به من العمل مصادرة هذا الرجل ورماه بفساد الدين وجعله من كبار المُلحدين . وأرسل إليه من تبعه وإقتفاه ثم قبض عليه ونفاه)) (ص 160) وهكذا نجد أنّ صفتىْ الزندقة والإلحاد أطلقهما معاصرو الأفغانى عليه ومنهم بعض مريديه. ولم يكن هدف لويس عوض إلصاق هاتيْن الصفتيْن بالأفغانى ، فهو أرفع من الأصوليين المُعادين له وأنبل ، وبالتالى فهو لم يستخدم لغتهم (أى تكفيرالمختلف) وإنما كان هدف لويس عوض هو وضع السياق التاريخى أمام القارىء لمجمل الظروف والمناسبات التى تخلــّقتْ فيها هاتان الصفتان والأشخاص الذين أطلقوهما على الأفغانى . ثم مناقشة هذا السياق : هل كان الأفغانى زنديقــًا ومُلحدًا فعلا ؟ وإذا كانت كتاباته (خصوصًا فى كتيبه الرد على الدهريين ومرحلة العروة الوثقى) ومواقفه تـُشير بوضوح إلى نزعة أصولية ، جاهر فيها بالخلافة العثمانية. بل إنه فى محاضرة ألقاها فى إستانبول وصف الحاكم التركى بأنه ((ظل رب العالمين)) بل إنّ الأفغانى كان يُنظــّر لإحتلال الشعوب واستعمارهم على أساس دينى ، حيث كتب أنّ المسلمين من يوم نشأة دينهم إلى الآن ((لا يتقيّدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس ، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين ، لهذا نرى المغربى لا ينفر من سلطة التركى ، والفارسى يقبل سيادة العربى ، والهندى يذعن لرياسة الأفغانى ، لا اشمئزازعند أحد منهم ولا انقباض)) (العروة الوثقى 28/8/1884) فإذا كان الرجل بهذا الوضوح ويُجاهر بأصوليته الدينية ، فكيف تم إلصاق صفتىْ الزندقة والإلحاد به ؟ وهل قام (إلحاد) الأفغانى (طبقــًا لما وصفه معاصروه) على أسس فلسفية إقتنع بها ودافع عنها بشكل مبدئى ؟ أم أنّ هناك خطأ وقع فيه معاصروه ؟ خاصة وأنّ سلوك الأفغانى ساعدهم على هذا الاعتقاد ، مثل إنضمامه إلى الجمعيات الماسونية ، وانتقاله بين أكثر من محفل ماسونى . كل هذه الأسئلة- وغيرها كثير- يستنبطها لويس عوض من مجمل الكتابات التى تناولتْ شخصية الأفغانى . فهل نـُقدّر له هذا الجهد العلمى (حتى وإنْ اختلفنا معه) أم نرجمه ؟ وإذا كان الأصوليون المُعادون لكل مُختلف ومُغاير لأفكارهم ومُعتقداتهم وثوابتهم ، يرفضون (اجتهاد) لويس عوض ويُشوّهونه ، فلنقرأ ما كتبه د. عبدالوهاب المسيرى عن الماسونية التى إنضم إليها الأفغانى فترة من حياته ((... وكانت الماسونية فى تلك المرحلة (القرن 18) حركة إيمانية ربوية. ولكنها كنت تحوى داخلها كل معالم التفكير الإلحادى الذى يُسقط الإله تمامًا . وكانت عقلانية ذات رموز صوفية. وتضم أفكارًا عالمية ومحلية. وربما جعلتها هذه الصيغة الاسفنجية تـُحقق هذا النجاح الباهر، فهى تستخدم ديباجات دينية ضبابية لتحقيق أهداف إلحادية)) هذا هو الموقف الفكرى للماسونية فى القرن 18. أما موقفها فى نهاية القرن 19فقد ((ظهرتْ الماسونية الثانية التى تتخذ موقفــًا إلحاديًا أكثر صراحة ، فقرّر محفل الشرق الأعظم فى فرنسا عام1877استبعاد أى بقايا إيمانية من الفكر الماسونى)) وعن تعدد المحافل الماسونية كتب ((ولكن الماسونية البريطانية لم تكن هى الماسونية الوحيدة التى انتشرتْ فى المستعمرات ، إذْ أنّ الصراع الامبريالى على العالم انعكس من خلال صراع بين الحركات والمحافل الماسونية ، فكان كل محفل ماسونى يخدم مصلحة بلد ويُمثله.. ويبدو أنّ بعض الشخصيات المهمة فى العالم العربى أرادتْ أنْ تستفيد من هذا الصراع ، خصوصًا أنّ أعضاء هذه المحافل كانوا من الأجانب ذوى الحقوق والامتيازات الخاصة المقصورة عليهم ، فكان الدعاة المحليون ينخرطون فى هذه المحافل بغية توظيفها فى خدمة أهدافهم ، وحتى يتمتـّعوا بالمزايا الممنوحة لهم ، وكان من بين هؤلاء الأفغانى والشيخ محمد عبده والأميرعبدالقادرالجزائرى)) (د. المسيرى- الجمعيات السرية فى العالم- كتاب الهلال- نوفمبر93- من ص99- 103) وعندما قرّر الإنجليز إبعاد الأفغانى عن مصر، وأوعزوا بذلك للخديو توفيق لاستصدار قرار الإبعاد ، فإنّ التهم التى وجّهها القنصل الإنجليزى للأفغانى كانت الترويج للأفكار العدمية والفوضوية ، ولإنكار وجود الله علنــًا . فماذا كتب لويس عوض تعليقــًا على تلك التهم ؟ كتب إنها ((تـُهم تلفيقية أبعد ما تكون عن آراء الأفغانى المُعلنة فى أية مرحلة من مراحل حياته)) (ص 19) أما السؤال الثانى الذى طرحته السيدة إقبال بركة وهو ((هل كان الأفغانى جاسوسًا وعميلا للروس وخادمًا لمصالح الخلافة العثمانية وللاستعمار الغربى كما إتهمه لويس عوض)) فهو يحتاج إلى رد مستقل . ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمال الدين الأفغانى فى الثقافة السائدة
-
العلاقة بين الشعر والفلسفة
-
شخصية فى حياتى : بورتريه للسيدة ن. ن
-
الأصولية تلاحق الشاعر أحمد شوقى
-
الدم العربى فى قصور الوحدة العربية
-
المواطنة من المنظور الأصولى الإسلامى
-
أسلمة الدولة المصرية
-
التنوع الثقافى فى إطار الوطن الأم
-
الوجه الإنسانى - قصة قصيرة
-
عيون بلا ذاكرة - قصة قصيرة
-
أضلاع المثلث أربعة
-
فى البدء كانت العتمة - قصة قصيرة
-
الإبداع الشعبى والإبداع التشريعى
-
لماذا لا يتعظ الإسلاميون والعروبيون من الدرس ؟
-
العرب ظاهرة صوتية
-
الحضارة المصرية بين علم المصريات والأيديولوجيا
-
البحث عن خنوم : حدود العلاقة بين الإبداع والتراث
-
الاحتقان الدينى : الأسباب والحل
-
التعددية والأحادية فى رواية (حفل المئوية)
-
حماس والإخوان والحلم الإسرائيلى
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|