نافذة على الرحم

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3843 - 2012 / 9 / 7 - 20:23
المحور: الطب , والعلوم
    

ان التقدم فى الفحوص التى تجرى قبل الولادة يمكن الاطباء اليوم من ان يشخصوا بدقة متزايدة اختلالات كثيرة , جسدية او عقلية . قد تكون لدى الطفل غير المولود. والاجراء فوق الصوتى وبزل السلى هما بين الوسائل المستعملة الاكثر شيوعا.
الاجراء فوق الصوتى هو اجراء غير بضعى يستعمل موجات صوتيه ذا تردد عال وغير مسموعة ليشكل بواسطة الكمبيوتر صورة للطفل فى الرحم. وبزل السلى يشمل اخذ عينة بواسطة محقنة من سائل السلى , السائل الذى يكون فيه الطفل داخل الرحم , وفحصها من اجل علامات كيميائية تشير الى عيوب جينية , مثل متلازمة داون.
وهذا النوع من التكنولوجيا الطبية , الذى رمى فى المجتمع رمى جلمود صخر فى بركة , يسبب بالاشتراك مع الاجهاض الاختيارى بعض الموجات الكبيرة فى مياه الاخلاق الطبية. ( الاجهاض الاختيارى هو اجهاض طفل بسبب عدم حيازته الخصائص التى يريدها الوالدان ) وللاسف , ليس نظام قيم هذا العالم قاعدة ثابتة تحل على اساسها المسائل الادبية والاخلاقية , فهو اشبه برمث ضال يطفو فوق امواج متكسرة.
وممارسة الاجهاض الاختيارى , الذى تشجع عليه التكنولوجيا , تسبق تعديل القانون فى بعض البلدان. وفى 13 استطلاعا اجرى فى الولايات المتحدة خلال السنوات العشرين الاخيرة , رأى عدد ثابت من 75 الى 78 فى المئة من المجيبين ان المرأة الحامل يجب ان يكون لها الحق الشرعى فى اجهاض طفل يعطى ادلة قوية على كونه مصابا بعيب خطير. وفى بعض البلدان يكون " التكهن بالعجز " كافيا فى حد ذاته للسماح بالاجهاض.
ومؤخرا فى اوستراليا , ربحت ام دعوى رفعتها على طبيبها ليعوض عليها عن الاضرار لأنه فشل فى تشخيص الحميراء ( الحصبة الالمانية ) فى اوائل حملها. فالاصابة بهذا المرض فى اوائل الحمل يمكن ان تسبب تشوهات خطيرة فى الطفل غير المولود. وادعت الام ان فشل طبيبها سلبها فرصة اجهاض طفلها.
وفى التعليق على النتائج القانونية والاخلاقية لهذه القضية , قالت الباحثة القانونية جنيفر فيتزجيرالد فى مقالة من مجلة مجتمع كوينزلند القانونى : " لا يلزم المرأة الحامل فقط ان تقرر هل اريد ولدا ؟ , فيجب ايضا ان تقرر اى نوع من الاولاد اريد ؟ " ولكن تسأل فيتزجيرالد , اى عجز يزود اساسا كافيا للاجهاض الشرعى ؟ " شفة مشرومة , حنك مشقوق , عين حولاء , متلازمة داون , استسقاء الحبل الشوكى ؟ " فى بعض انحاء العالم , يكون السبب جنس الولد , وخصوصا اذا كان انثى.
فيما ينكشف المجين البشرى امام العلماء وتصير النافذة على الرحم فى الواقع مجهرا يكشف الرحم , كيف ستكون الامور بالنسبة الى الطفل غير المولود ؟ هل يختار اولئك المصابون بعيوب اقل للتخلص منهم ؟ ان النزعة فى العقود الاخيرة تتجه فعلا الى اجراء عمليات اجهاض اكثر لا اقل. وما يدفع الاطباء الى الاهتمام هو مواجهتهم هذه الموجة المتصاعدة وفورة المقاضاة الناتجة - كالقضية المذكورة انفا. وطبعا , يمكن ان يدفعهم ذلك الى امتلاك نظرة دفاعية اكثر الى الطب , كطلب فحوص معينة ليس لأجل الام والطفل بل بالاكثر لحماية انفسهم. وتكتب فيتزجيرالد انه نتيجة لذلك سيزداد عدد الاجهاضات الاختيارية. وتضيف ان هذا سيخلق نظاما شبه طبقى حيث يصير المحظر مسهم ممكنا طرحهم.
وماذا اذا ولدت الام طفلا معاقا فى حين انها منحت كل فرصة لأجهاضه - حتى انها ربما شجعت على ذلك ؟ تقول فيتزجيرالد : " قد يأتى وقت يقال فيه للوالدين انه لا يمكنهم توقع الاعانة من اجل سد حاجات اولادهم المصابين بعجز لأنهم اختاروا ان يولد الطفل فى حين كان بامكانهم اجهاضه. "
ولا يجب التغاضى عن الانطباع الذى ينقله الاجهاض الاختيارى الى المعاقين فى مجتمعنا. فعندما يتخلص المجتمع من الطفل غير المولود بسبب عيوب فيه , هل يجعل ذلك المعاقين يشعرون وكأنهم عبء على الاخرين ؟ وهل يصعب عليهم اكثر معالجة الانطباع السلبى الذى قد يكون لديهم عن انفسهم ؟
ان نبذ المجتمع العصرى للاطفال غير المولودين كما ينبذ العمال القطع المعيبة اثناء عملية الانتاج يطابق الوصف الذى يذكره الكتاب المقدس عن شخصية الناس العائشين فى الايام الاخيرة لهذا العالم الشرير. فقد انبأ ان الناس على نطاق واسع سيفتقرون الى المودة الطبيعية. والكلمة اليونانية المترجمة الى بلا مودة طبيعية استورغوى تشير الى الرابطة الطبيعي بين اعضاء العائلة , كمحبة الام لأولادها.
واذ يكون الناس التائهون فى هذا العالم " مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم. " هم فى تباين نع الذين يتبعون كلمة الله التى يمكن الوثوق بها , فكمرساة للنفس يثبتنا الكتاب المقدس ويقوينا ادبيا فى البحار المضطربة.
وهكذا فى حين ندرك ان المرأة قد يحصل لديها طرح تلقائى لمضغة او جنين مشوه بشكل خطير , الا ان مجرد فكرة التحديق فى الرحم لرؤية ما اذا كان الطفل يتمتع بصحة جيدة كافية للاحتفاظ به بالنسبة الينا امر بغيض بكل ما للكلمة من معنى. ومايدعم قرارنا للمحافظة على الاستقامة هو وعد الله بوقت فيه " لا يقول ساكن انا مرضت. " اشعياء 33 عدد 24. نعم على الرغم من المشاكل الحالية التى يواجهها المعاقون والتضحيات التى يقوم بها الذين يعتنون بهم , سوف " يكون خير للمتقين الله. " جامعة 8 عدد 12.
( طبعا لايعنى هذا انه من غير اللائق ان تخضع المرأة التى تتقى الله للفحوص لمعرفة صحة الطفل غير المولود. وقد يكون هنالك عدد من الاسباب الطبية المقبولة التى لأجلها يوصى الطبيب بمثل هذا الامر. ولكن بعض الفحوص يمكن ان يعرض الطفل للخطر , لذلك من الحكمة ان تتكلموا مع الطبيب عن ذلك. واذا وجد بعد هذه الفحوص ان الطفل مصاب بعيوب خطيرة , فقد يتعرض الوالدان فى بعض البلدان لضغط اجهاض الطفل. فمن الحكمة ان تقفوا جانب المبادئ ).

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات