|
الأممية الوهابية الثانية: -الجهاد السوري-
أحمد جرادات
الحوار المتمدن-العدد: 3842 - 2012 / 9 / 6 - 16:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأممية الوهابية الثانية: "الجهاد السوري"
“هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم." من فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية
تمهيد لم تعد الأممية علامة مسجلة للشيوعيين واليسار عموماً، بدءاً بالأممية الأولى التي أسسها ماركس وإنجلز في عام 1864، وحتى الأممية الثانية (الاشتراكية) في عام 1889، التي اصطفَّت مع برجوازيات بلدانها في الحرب الكونية الأولى، والأممية الثالثة، التي أسسها لينين في عام 1919، والأممية الرابعة التي أعلنها تروتسكي في المنفى في عام 1938، وأخيراً الأممية الخامسة التي أعلنها الرئيس الفنزويلي تشافيز، ناهيك عما أُطلق عليها اسم "الأممية الثانية والنصف"، التي أُعلنت في فيينا في عام 1921. فقد نشأت في البلدان العربية والإسلامية في الربع الأخير من القرن العشرين أممية نقيضه، في منطلقاتها وأيديولوجيتها وأهدافها ووسائلها وارتباطاتها وقيادتها وتبعيتها وفي تحديد أعدائها وأصدقائها ( للدوائر الاستخبارية الأمريكية على وجه الخصوص والغربية عموماً). وهذه الأممية الجديدة النقيضه هي ما يمكنني أن أُطلق عليها اسم "الأممية الوهابية"، التي ضمَّت طيفاً واسعاً من التيارات الإسلاموية السياسية، من السلفية الجهادية إلى تنظيم القاعدة إلى جماعة الإخوان المسلمين، من سائر البلدان العربية والإسلامية، من موريتانيا إلى آسيا الوسطى، ومن أمريكا الشمالية إلى أوروبا الغربية واسكندنافيا، أي على اتساع الكرة الأرضية تقريباً. وقد تبلورت الأممية الوهابية الأولى في ما سُمي بـ "الجهاد الأفغاني" الذي انطلق في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، والذي صمَّمه وخططه وحشد له ووزع الأدوار فيه زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيمي كارتر وقتئذ، بهدف محاربة الاتحاد السوفييتي بالوكالة عن الولايات المتحدة والامبريالية العالمية تحت شعار "الجهاد من أجل الإسلام ضد الشيوعية والإلحاد" في أفغانستان.
الأممية الوهابية الثانية بعد ما أودُّ تسميته – ربما استطرافاً - بالأممية الوهابية الأولى والنصف، حيث أطلقت الولايات المتحدة وحلف الناتو "الجهاد البلقاني" في البوسنة والهرسك وكوسوفو "ضد الكفار" في يوغسلافيا السابقة، جاءت الحملة الدولية المهولة الراهنة على سورية لتكرِّس الأممية الوهابية الثانية في ما يسمى بـ "الجهاد السوري" لمحاربة العلويين "النصيرين" والشيعة "الروافض" ولنصرة "أهل السنة والجماعة" ، وهي حملة موجَّهة في الحقيقة ضد محور سورية – حزب الله- إيران وتتمدد أهدافها الأمريكية والأطلسية إلى روسيا والصين في نهاية الأمر.
مقاربة مقارنة ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه الجهاد السوري بالجهاد الأفغاني. بل إنني أعتقد أننا بإجراء تغييرات طفيفة في "مفردات" عناصر هذا الصراع، يتبدَّى لنا أن التاريخ يكاد يعيد نفسه هنا والآن. ففي الجهاد الأفغاني، قام بريجنسكي بتوزيع الأدوار الرئيسية للأطراف المشاركة فيه على النحو التالي: - مهمة الإشراف والتوجيه العام للجهاد الأفغاني تولَّتها وكالة المخابرات المركزية، التي تضطلع بالمهمة نفسها في الجهاد السوري، بالتعاون مع الدوائر الاستخبارية لبعض دول حلف الناتو، ولا سيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا. - استُخدمت باكستان، وهي الدولة الإسلامية السُنية والعدو التاريخي للهند صديقة الاتحاد السوفييتي الذي يمثل العدو رقم واحد للولايات المتحدة طوال الحرب العالمية الثالثة ( الحرب الباردة)، والمجاورة لأفغانستان والمتداخلة معها جغرافياً وديموغرافياً، كقاعدة للعمليات الحربية وأرضٍ لمعسكرات الإيواء والتدريب ومعبر للأسلحة والذخائر والمقاتلين ومختلف الإمدادات اللوجستية من كل مكان، ومن شتى الأصناف، ومنها ما قد لا يخطر بالبال، من قبيل جلب الحمير القبرصية من جزيرة الشمس الهادئة إلى جبال أفغانستان وشعابها وكهوفها القاسية. [ففي النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم كنتُ أعمل في نيقوسيا عندما قدمت لي زميلة قبرصية في العمل نشرة تصدرها جمعية بيئية اسمها "جمعية أصدقاء الحمار القبرصي". وفهمتُ منها أن الجمعية أنشأت محمية للمحافظة على ما تبقى من الحمير القبرصية على أرض الجزيرة، وعددها نحو ثلاثين حماراً على ما أذكر، من أصل أكثر من ألفين. وعلمتُ بعد ذلك أن تاجر حرب عربياً اشترى "الكمية كلها" بأسعار مغرية وشحَنها على متن باخرة إلى باكستان، ثم أدخلها إلى أفغانستان لاستخدامها في نقل الأسلحة والمعدات والأعتدة، بما فيها صواريخ ستنغر الأمريكية التي كانت تُسقط الطائرات السوفييتية، عبر المسالك الوعرة التي لا تسلكها المركبات، وذلك لأن الحمير القبرصية تتصف بالقوة والذكاء، حيث تعرف طريقها جيداً لأنها متعودة على طرق الملاحات ومسالك الكروم الوعرة. وقد ظننتُ حينئذ أن تلك القصة لا تخلو من خرافة يُقصد بها ترويج أهداف الجمعية، إلى أن قرأتها في أحد مقالات الأستاذ محمد حسنين هيكل بعد بضع سنوات. ويبدو لي أن الفلاحين القبارصة، بإنشائهم تلك الجمعية، عقب بيع حميرهم المخلصة بأسعار مغرية بعد أن لم يعد بهم حاجة إليها في عصر العولمة الرأسمالية، إنما يقدمون اعتذاراً أو كفَّارة لتلك السلالة البريئة على ما اقترفوه بحقها من جريمة عندما تركوها تحمل على ظهورها الرشاشات والقنابل والمتفجرات، أي الموت، بدلاً من أكياس الملح والحبوب وصناديق الفواكه والخضروات، أي الحياة[. أما في الجهاد السوري فإن تركيا، الدولة السُنية المجاورة لسورية والمتداخلة معها جغرافياً و ديمغرافياً كذلك والمعادية لإيران الشيعية على حدودها، هي التي تُستخدم كقاعدة أساسية للعمليات الحربية والاستخبارية وساحة لمعسكرات المقاتلين القادمين من جميع "الأمصار" ومعبر للأسلحة والمعدات وأجهزة الاتصالات المتطورة. وهي تفعل ذلك بقيادة العثمانيين الجدد الطامحين إلى إحياء الإمبراطورية باسم الخلافة العثمانية، ممثَّلين بحزب العدالة والتنمية الحاكم. ومن الغريب أن تكون الأنظمة الرجعية العربية من أخلص حلفائهم وأكثرهم تشدداً، على الرغم من أن أردوغان تبجح علناً بتلك الأمجاد، بل إنه كالَ أقذع الشتائم للعرب وبالذات لأجداد بعض العائلات الحاكمة من حلفائه- السعوديين والهاشميين- عندما قال إن عصابة من اللصوص العرب خانوا الخلافة وباعوا القدس وفلسطين للغرب الاستعماري بحفنة من الليرات الذهبية (في الحرب العالمية الأولى). - في الجهاد الأفغاني كان التمويل في البداية مشتركاً بين السعودية والولايات المتحدة، حيث تم تأسيس صندوق دوَّار في جنيف بدأ بمبلغ مليار دولار، وتجدَّد تلقائياً بحسب الصرف منه، إلى أن بلغ 45 مليار دولار بحسب تقديرات الصحفي الباكستاني المطَّلع أحمد رشيد، وقد دفعت السعودية جَُل هذا المبلغ. هذا فضلاً عن المساهمات والهبات والتبرعات الحكومية والشعبية من البلدان العربية الأخرى، ومنها بلدي الأردن، الذي لم يكتف بتشجيع المؤسسات والمواطنين على دفع التبرعات للجهاد الأفغاني، بل إن حكومته وصلت إلى حد فرض "تبرع إجباري" على موظفي الدولة خُصم من رواتبهم مسبقاً بدون الحصول على موافقتهم، فضلاً عن تسهيل عبور وإرسال المقاتلين إلى أفغانستان. أما في الجهاد السوري، فإن السعودية وقطر تتكفلان بتغطية تكاليف شراء ونقل الأسلحة والذخائر والمعدات والتجهيزات العسكرية والأمنية ووسائل الاتصالات الأمريكية " الذكية"، وشراء الضمائر ووسائط الإعلام والإعلاميين والكتاب والهيئات والمنظمات والأحزاب والمسؤولين وحتى الحكومات والدول. - في الجهاد الأفغاني اضطلعت السعودية بمهمة الاتصال بقادة الفصائل "الجهادية"، بصفتها الدولة الحاضنة لأقدس المقدسات الإسلامية، ولأن ملوكها يطلقون على أنفسهم لقب "خُدام الحرمين الشريفين"، فلا ضرر ولا ضرار إذن من إعلان أي قائد أو تنظيم جهادي ارتباطه بها، بل إن ذلك يُعدُّ تشريفاً له ويضفي عليه مسحة من القداسة. ]وصفَ الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، استناداً إلى كتاب "طالبان: الإسلام والنفط والصراع الكبير في وسط آسيا" للصحفي الباكستاني الشهير أحمد رشيد، كيف تم "تعميد" قادة الجهاد الأفغاني في مكة بناء على اقتراح من أحد المستشرقين في وكالة المخابرات المركزية، حيث فُتحت أبواب الكعبة لهم خصيصاً، وكان كل منهم يصلي أمام كل جدار من جدران الكعبة الأربعة (أي يولِّي وجهه صوب قِبلة مربعة) ويخرج وقد تم تنصيبه "أميرا للجهاد ضد الإلحاد". (مجلة وجهات نظر، تشرين الثاني/ نوفمبر 2002)] لهذا الغرض أنشأت السعودية "مكتب الخدمات العامة" في بيشاور كي يتولى مهمة تنظيم دعوة المتطوعين واستقبالهم وتدريبهم وترتيب إقامتهم وتأمين الوثائق اللازمة لتنقلهم وتوزيعهم على مواقع الجهاد. وقد أُنيطت قيادة مكتب الخدمات بالراحل الشيخ عبدالله عزام. ونظراً للدور الأساسي والخطير الذي سيلعبه هذا الشخص في الجهاد الأفغاني، فإن الرجل يستحق إلقاء بعض الضوء على شخصيته. عبدالله عزام أستاذ جامعي وقيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. وهو أردني الجنسية فلسطيني المولد. عملَ عزام مدرساً في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية في نهاية السبعينيات قبل الهجرة إلى أرض الحشد والرباط والجهاد في أفغانستان، واضعاً مسقط رأسه قرية "السيلة الحارثية" بالضفة الغربية المحتلة وكامل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر خلف ظهره، ومولِّياً وجهه صوب الهدف الأقدس، وهو محاربة الشيوعية والإلحاد هناك، لا غرو، فالأوطان ليست سوى أوثان، والوطن الحقيقي هو الإسلام في أي مكان وزمان. وفي الجامعة الأردنية اتَّسم الأستاذ الجامعي بحماسة بالغة في العداء للشيوعية والطلبة اليساريين والقوميين الذين كانوا يشكلون القوة الرئيسية والمهيمنة في الحركة الطلابية وقتذاك، وعُرف بتحريضه الجامح والدؤوب لطلبة الإخوان المسلمين وإدارة الجامعة عليهم، إلى حد استخدام العنف الجسدي. في تلك الفترة أصدر عزام كتابه الشهير المعادي للشيوعية بعنوان: "السرطان الأحمر"، الذي قال في مقدمته إن الأنظمة كلها سقطت والمناهج جميعها فشلت والتجارب بأكملها خابت، ولم يبق إلا نظام الله...وحدَّد فيه قانون العودة إلى الله بخطوات أربع على النحو التالي: 1) العمل مع جماعة إسلامية متوازنة الفكر؛ 2) تبدأ هذه الجماعة الإسلامية بالجهاد فتكون كالصاعق الذي يفجر طاقات الأمة؛ 3) تستمر المعركة بقيادة الحركة الإسلامية؛ 4) تنتهي المعركة بانتصار الشعب المسلم الذي تقوده الحركة الإسلامية، وتقوم الدولة الإسلامية. وبالتمعن في هذه الخطة الإلهية، لا أرى أن تغييراً ذا بال قد طرأ عليها حتى الآن. أما في الجهاد السوري، فإن السعودية وقطر تتقاسمان مهمات الاتصال والإشراف والتوجيه، حيث تتولى السعودية الاتصال بالإسلامويين، بينما تتصل قطر بالليبراليين، وهذا هو لزوم الشغل. (من المعروف أن مشيخة قطر هي التي تولت مهمة تعيين وتمويل رئاسة "المجلس الوطني السوري"). - في الجهاد الأفغاني تولت مصر توريد الأسلحة والذخيرة والمعدات من مخزونها من الأسلحة السوفيتية، حيث كانت تنقلها من مطار قنا العسكري إلى مطار بيشاور العسكري، ومن ميناء بورسعيد في مصر إلى ميناء كراتشي في باكستان، حتى أُفرغت المخازن العسكرية المصرية من محتوياتها. أما في الجهاد السوري، ونظراً لظروف مصر بعد ثورة 25 يناير، فقد تم نقل ترسانة الأسلحة والذخائر التي كانت في مخازن العقيد معمر القذافي إلى سورية عبر تركيا ولبنان، بالإضافة إلى شراء الأسلحة من السوق السوداء في الدول المجاورة.
حرب الفتاوى المقدسة - في الجهاد الأفغاني استُخدمت الفتوى الرئيسية الجامعة التي صاغها واستصدرها الشيخ عبدالله عزام، والتي أكدت على أن الجهاد في أفغانستان "فرض عين بالنفس والمال على كل مسلم، كما قرره فقهاء المذاهب الأربعة بلا استثناء، ومعهم جمهرة المفسرين المحدثين الأصوليين". ففي كتاب "الرايات السود:"، يروي المؤلف علي صوفان كيف عرَض عبدالله عزام على الشيخ بن باز صيغة فتواه بعنوان "الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان"، ثم قرأها على مسامع حوالي مئة عالم دين من مختلف الدول الإسلامية، من بينهم الشيخان بن عثيمين ويوسف القرضاوي والقائد الأفغاني عبد رب الرسول سياف، في مركز التوعية العامة بمنى في مكة المكرمة أثناء موسم الحج لعام 1983. وفي الجهاد السوري تكاثرت الفتاوى وتزاحمَ المفتون على وجوب الجهاد ضد النظام السوري والعلويين والشيعة، من عايض القرني ويوسف القرضاوي إلى أيمن الظواهري وعدنان العرعوري. وقد استندت هذه الفتاوى وأخواتها إلى "الفتوى الأم" لابن تيمية، الملقب بشيخ الإسلام (667-728 للهجرة)، التي تستخدمها التنظيمات السلفية المسلحة على نطاق واسع للتعبئة والحث على الجهاد السوري، والتي يقول فيها: "هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية [العلوية] هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى؛ بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم... هؤلاء كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم، بل ولا يُقرُّون بالجزية، فإنهم مرتدون عن الإسلام ليسوا مسلمين ولا نصارى...ولا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات ، وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب، فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين، والصديق [أبو بكر] وسائر الصحابة بدؤوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب..." ومن الواضح تماماً أن هذه الفتوى ليست سوى رخصة مُلزمة لقتل هؤلاء القوم، حتى أنها تحرِّم قبول الجزية منهم. ومن بين المشاركين في مراثون الفتاوى التي صدرت بشأن الجهاد السوري: - حضَّ رجل الدين السعودي عايض القرني على قتل الرئيس بشار الأسد، مؤكداً أن قتله أوجب من قتل الإسرائيليين، ودعا أفراد الجيش السوري إلى الانشقاق وعدم طاعة بشار الذي وصفه بأنه " قاتل وزنديق وخائن". - وصف الشيخ صالح اللحيدان الدولة السورية بأنها "فاجرة وخبيثة وخطيرة وملحدة"، ودعا "الشعب السوري للجد والاجتهاد في مقاومة النظام السوري حتى لو سقط ضحايا كثيرون، ولو هلك مَن هلك منهم. ويستند في فتواه إلى مذهب مالك الذي يرى أنه "يجوز قتل الثلث ليسعد الثُلثان"، ولكنه يعرب عن ترفُّقه بالشعب السوري فيرجو الله في فتواه "ألا يُقتل من سورية ثلثها"، أي ثمانية ملايين إنسان فقط! - أفتى رئيس هيئة علماء المسلمين الداعية الشهير الشيخ يوسف القرضاوي بجواز التدخل العسكري الأجنبي، حيث أعلن أن "من حق السوريين الطلب من دول أجنبية وبدعم من الأمم المتحدة التدخل في بلادهم في حالة فشل الدول العربية في وقف حمام الدم." وبما أن الدول العربية لا تريد وقف حمام الدم، بل إنها هي التي توقد ناره، فإن التدخل العسكري الأجنبي جائز شرعاً ومطلوب فعلاً.
- بعد أيام من إعلان رجال الدين في السعودية فتح باب الجهاد ووجوب نصرة المعارضة السورية، أعلن الشيخ عبدالمجيد الزنداني وعلماء جامعة الإيمان وحزب الإصلاح فتح باب الجهاد إلى جانب المعارضة السورية.
- ناشدَ زعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري: "كل مسلم وكل شريف حر في تركيا والعراق والأردن ولبنان أن يهبَّ لنصرة إخوانه في سوريا بكل ما يملك"، مشيراً إلى أنه "من حق أهلنا في سوريا ومن حق الأمة كلها أن تستخدم ما تراه من وسائل لاستئصال النظام السوري." - أما عدنان العرعوري، الذي يطلق عليه البعض لقب "مرشد الثورة السورية"، فقد أصبح نجماً "ديجيتال" على شاشات التلفزة الفضائية والمواقع الإخبارية الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يوزع فتاوى التكفير كالحلوى ويطلق دعوات القتل بلا هوادة مع تطاير رذاذ العبارات البذيئة التي يعفُّ اللسان الطبيعي عن التفوه بها.
مرحلة هجْر الحبيب بعد 11 سبتمبر/أيلول 2011، الذي أرَّخ به المحافظون الجدد في الولايات المتحدة للعالم ( ما قبل 11 سبتمبر وما بعده) انقطع حبل الود المتين والطويل الذي ربط السلفية الجهادية والتيارات الإسلاموية السياسية بالولايات المتحدة والغرب، والذي كان قد ضعف تدريجياً بعد النصر الأفغاني وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق ومنظومة البلدان الاشتراكية وحلف وارسو، وذلك لانتفاء الحاجة إلى تلك الجماعات وتحسباً لخطرها المرتد المحتمل لأنها احترفت امتشاق السلاح وتفجير المفخخات وأدمنت على القتال ولا تعرف مهنة غيره، وخوفاً من أن ينقلب الدكتور فرانكشتاين "المسلم" على صانعه، وهو ما حدث فعلاً في 11 سبتمبر، حين هُجر الحبيب الأول وانفصمت عروة الزواج الوثقى ووقع طلاق البينونة. [وفي الحقيقة، استشعر بعض المقاتلين هذه العاقبة قبيل هزيمة السوفييت وتتويج الجهاد الأفغاني بأكاليل النصر، الأمر الذي دفع هؤلاء إلى التعبير عن ذلك عملياً في ما يشبه إعلان "الإضراب عن الجهاد" بحسب تعبير الأستاذ هيكل، الذي يذكر ذلك الحدث الغريب في مقاله المعنون بـ "واشنطن تؤذن للجهاد في أفغانستان" (مجلة "وجهات نظر"، نوفمبر/ تشرين الثاني 2002) استناداً إلى كتابين أمريكيين، هما: "الحروب غير المقدسة: أفغانستان، أمريكا، والإرهاب الدولي" للكاتب الصحفي جون كيلي، و"غسـيل الواقــع: وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخدرات والصحافة" للمؤلفيْن ألكسندر كوكبيرن وجيفرى سان كلير، حيث تقدموا إلى قادتهم بعدة طلبات، منها ما تعلق بمستقبلهم بعد انتهاء الجهاد الأفغاني. وعندما تأخر الرد عليهم أعلنوا نوعاً من "الإضراب"، حيث توقفوا عن الجهاد، حتى حضر إليهم ممثل رسمي للمخابرات المركزية الأمريكية، وعقد اجتماعا مع بعض قادة الفصائل، وأعلن أمامهم باسم حكومته أن هناك 2000 موافقة على منح الجنسية الأمريكية لأكفأ العناصر في تأدية مهام الجهاد. وأعلن مندوب الوكالة في تلك المناسـبة عن قرب تسليم أول دفعة من البطاقات الخضراء Green Cards للأكثر استحقاقا بين المجاهدين. ومن المفارقات أن واحداً من الذين حصلوا على البطاقة الخضراء في تلك المناسبة كان الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن مفتي جماعات الجهاد المصرية، المحكوم بالسجن المؤبد في الولايات المتحدة حالياً.] ويجدر الإشارة هنا إلى أنه في مرحلة الهجْر وطلاق البينونة التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب عموماً على الجماعات الإسلاموية السياسية أثناء الحرب على الإرهاب، هبَّت الأمة بأسرها لنجدتها، بمن فيها التيارات اليسارية والقومية، التي اتخذ منتسبوها موقفاً "مبدئياً"، فأيدوا بقوة تلك الجماعات، الخشن منها والناعم على حد سواء، وتحالفوا معها ودافعوا عنها وعن معتقليها علناً، بل التحقوا بها ردحاً من الزمن مسلمين ليدها زمام قيادة المعارضات الداخلية ضد الديكتاتوريات العربية، حتى بدتْ وكأنها المعارضة الوحيدة. بل وصل بعض اليساريين والقوميين إلى حد تأييد الإرهاب والإرهابيين والعمليات الإرهابية، وفي مقدمتها الهجمات ضد برجيْ مركز التجارة العالمي في منهاتن، مع أنهم طالما كانوا، مبدئياً أيضاً، ضد الإرهاب، وذلك اعتقاداً منهم بأن الصراع أضحى بين الغرب والإسلام والأمة.
سؤال الخاتمة: لا أجد ما يسوِّغ لي عدم الاعتراف بأن الأممية الوهابية الأولى قد انتصرت بالأمس في "الجهاد الأفغاني"، فهل ستنتصر الأممية الوهابية الثانية اليوم في "الجهاد السوري"، مع حليفتها "الأممية النيوليبرالية المتوحشة" بقيادة الولايات المتحدة، بعد نجاحها في استخدام "الربيع العربي"- وليس الثورات العربية، لأنه نقيضها- "كمحلل شرعي" لإعادة الطليقة إلى عصمة مطلِّقها، هل ستنتصر؟ إذن لعَمري أننا ذاهبون إلى مجاهل التاريخ!
#أحمد_جرادات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبردى ضفاف كثيرة: يومان في دمشق
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|