محمد الساعي
الحوار المتمدن-العدد: 3841 - 2012 / 9 / 5 - 09:54
المحور:
الصحافة والاعلام
تتركز وسائل الإعلام التقليدية كلها تقريبا بيد البرجوازية، فالقنوات والإذاعات والمطابع كلها حكر على البرجوازية، ولذلك يبقى صوت النضال على الهامش. وتبقى وسائل الإعلام البديلة، لا سيما الانترنت، الإمكانية المتاحة للإعلام المناضل.
من جملة ما وصف به الحراك المغربي: شباب الفايسبوك، ثورة فايسبوك، وهذا توصيف يطلق على الحراك الثوري بالمنطقة كلها. يعزى ذلك، إلى الدور التعبوي والتحريضي الذي تلعبه المواقع الاجتماعية، ورغم أن العلاقات التنظيمية المباشرة في الميدان هي الحاسمة، لقدرتها على الفعل المباشر، فالإعلام البديل له دور لا يمكن إنكاره.
في المغرب ارتفع عدد منخرطي الفايسبوك منذ شهر ماي 2011، بأزيد من نصف مليون منخرط جديد، حسب آخر إحصائيات الموقع المتخصص "سوسيال باكيرز"، و بلغ عدد المنخرطين في الفايسبوك شهر نونبر 2011 أربعة ملايين منخرط، بما يشكل أزيد من 12 بالمائة من ساكنة المغرب، والفئات الشابة منها بالخصوص.
أما بالنسبة لاستعمال الانترنت بوجه عام، فيتصدر المغرب منطقة شمال أفريقيا، حسب تقرير أصدره المكتب الدولي للذكاء الاقتصادي "أكسفورد بيزنس غروب"، مؤخراً، فحوالي نصف المغاربة يستعملون الإنترنت، بنسبة 49% من السكان. ويأتي الفايسبوك" على رأس المواقع الأكثر تصفحا، يليه موقع "اليوتوب". أما معدل الاشتراك في الهاتف النقال بالمغرب، فقد وصل إلى 101,49% بمعنى أن عدد الاشتراكات تجاوز الـ32 مليونا، ما يعني بأن عدد الخطوط الهاتفية المتنقلة بالبلد قد فاق عدد الساكنة بـ 1,49%..
استخدام الانترنت لتنظيم مظاهرات، كأداة تعبئة، ونقل أخبار النضالات، أمر مستجد، وجب عدم تفويته، فكم من مرة أبان هذا النوع من الإعلام عن جدواه، ونماذج سيدي إفني وتازة والحسيمة و حركة 20 فبراير، حينما فضحت الصور الملتقطة بالهواتف النقالة، الإعلام السائد، دليل على جدوى هذا الإعلام البديل، خصوصا حين يحترفه مناضلوا شوارع، ويزاوجون بين النضال في الشارع وبين خلق إعلام النضال، وليس اختصاصا لنخبة متربعة في الغرف.
رغم ذلك، لا يجب التضخيم والمبالغة في دور الانترنت في الحراك الشعبي، الإعلام السائد كان يحاول ومازال الادعاء بأن السيرورة التي تشهدها المنطقة، هي بفعل الفايسبوك آو التويتر. إن السبب الرئيسي لهذه الدعاية هو القول بان ذلك كان من فعل أطفال الطبقة الوسطى، من خلال هواتفهم المحمولة، وهي صورة تحب البلدان الغربية أن تراها، وتنشرها. الهدف من ذلك، نفي طابع التنظيم عن السيرورة، وأيضا نزع مضمونها السياسي والاجتماعي.
لكن الحقيقة أن هذا الانفجار الثوري، ليس نتيجة فراغ، بما في ذلك في المغرب، ليس بسبب شخص وضع رسالة سماها " لنخرج للتظاهر يوم 20 فبراير" كما يدعي الإعلام الرسمي، خالقا رموزا من ورق. مقدما إياهم، كزعماء اقتادوا الناس إلى الشوارع.
تاريخ 20 فبراير 2011، ليس المرة الأولى التي تظهر فيها دعوة إلى احتجاج على الفايسبوك. كانت هنالك دعوات سابقة للاحتجاج والتضامن، ولكنها لم تحدث مطلقا في الواقع، إذن لماذا تحديدا يوم 20 فبراير 2011؟ لا أحد يعرف أبدا متى ستحدث الانفجارات الثورية، ولا يمكن مطلقا أن تتنبأ، يمكن فقط أن ترصد تصاعد مزاج النضال لدى الجماهير، ويمكن أن تعرف أن البلد يقترب من أزمة ثورية. لو ننظر إلى التاريخ، فلينين مثلا في كانون الثاني من عام 1917 حين كان يوجه خطابه الى الشبيبة البلشفية، قال لهم إن جيله لن يشهد الثورة بل سيشهدها جيلكم ( الشباب البلشفي) . بعد شهر تفجرت ثورة أكتوبر. هذا لينين اعظم الثوريين في التاريخ !.
العقود الماضية، وما شهدته من ديكتاتورية وتفقير، هي خميرة الثورة، والعقد الأخير، بما حفل به، من كفاح شعبي، بلغ دروته، في سيدي إفني 2005، لتعود بقوة اشد سنة 2008، تم طاطا وبوعرفة، لتتجمع هذه الروافد في سيل حركة 20 فبراير.
مشاهد احتلال الجماهير للشوارع والساحات بعشرات الآلاف، كان سابقا ل20 فبراير 2011، منه كفاح جماهير الهوامش، وما بلورته تنسيقيات الأسعار، واحتجاجات جمعية المعطلين في كل ربوع المغرب، ونضالات الطلاب، ومعارك العمال، نقطة ضعف هذه النضالات، تجاوزتها حركة 20 فبراير، بتوحيد النضال، وديمقراطية تسييره، وبلورة المطلب السياسي ووحدة الفعل.
ماذا كان إذن دور الانترنت ؟ بطبيعة الحال الانترنت كان له دور، لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك. ولكن دوره كان الدعاية والتعبئة لما يجري على الارض.
عندما يتم قطع شبكات الانترنت والهاتف، كما وقع في مصر وتونس ويقع اليوم في سوريا، كيف يمكن إدارة الاحتجاجات والإبلاغ عن المستجدات، وتنظيم الحملات؟ تبقى العلاقات التنظيمية المباشرة هي الموجه للحركة الجماهيرية، لذلك، الانترنت لا تعوض، تقاليد التنظيم والتواصل والتعبئة الأصيلة، توزيع الجرائد والمنشورات والكراريس، وخلق اللجان وتقسيمها وتحديد وظائفها، وفوق هذا وذاك، التنظيمات الذاتية للجماهير.
لكن، ايصال أخبار التحركات والاحتجاجات تشجع الحراك الاجتماعي بشكل عام. ومن الطبيعي أن يشعر المناضلون بالإحباط عندما تنقطع أخبار النضالات، لكن في المقابل، من شأن المبادرات الصغيرة، تحفيز روح النضال، وإرجاع الثقة بالنفس، حين ينجح أصحابها في التواصل مع باقي المناضلين عن طريق الإنترنت.
إنتشار الهاتف النقال و الحواسيب النقالة و مختلف أدوات الاتصال بين عامة الشعب، يصب مباشرة في مصلحة النضال، في ظل احتكار النظام والرأسماليون لوسائل الإعلام التقليدية، يجب على قوى النضال عدم تضييع أي فرصة لنشر أفكارهم ودعايتهم عبر قنوات الإتصال التي سمحت بها تكنولوجيا الإتصالات.
يجب أن نتأكد نحن الثوريون أن خلق إعلامنا البديل جزء أساسي في برنامجنا، وسلاح في أيدينا، فإذا كانت لدينا القدرة على بيع الجريدة التي ننتجها بأنفسنا، ونشر الصورة التي نلتقطها بأدواتنا الخاصة، وتوزيع الشريط الذي نعده وفق منظورنا، سنكسر الانصياع لإعلام الاستبداد.
أيام الثورة البشفية 1917، كان من استراتجيات البلاشفة تصدير الثورة، وكان جزء من التحريض الذي يقومون به جريدة من ثماني صفحات، تتضمن فقط صورا. مثلا: صورة لجنود الجيش الأحمر يطيحون بالقيصر وتحتها جملة قصيرة. والأكيد أن الكثير تغير، امكانات هائلة تتوفر اليوم، تجاهلها، خطأ فادح.
#محمد_الساعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟