|
هل كان اغتيال الحريري المسمار الاخير في النعش السوري؟
ميرزا حسن دنايي
الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:28
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يبدو أن هنالك مجموعة حقائق واضحة ظهرت بعد اغتيال رفيق الحريري، الذي ترك وراءه فراغا كبيرا في المجتمع اللبناني وخاصة بين الطائفة السنية، التي باتت الان تفتقر إلى زعامة سياسية في الوقت الذي لم يكن لها زعامة أو مرجعية دينية، وبالتالي يوشك الميزان الطائفي الدقيق في لبنان أن يهتز و يتأرجح، وستبين الايام والاسابيع القادمة تداعيات هذه الهزة. أول تلك الحقائق، التي ستكون محل إفتخار عائلة الفقيد، والاخوة اللبنانيين طبعاً، وهي أنه كان أول سياسي عربي خارج السلطة منذ مئات السنين، يموت فيبكي وراءه مئات الالاف من المعزين، ويتجمهر مئات الالاف من أجله، من مشارق البلاد ومغاربها. فالمعروف حينما يموت السياسي العربي وهو في السلطة، يؤخذ الناس من بيوتهم ليحضروا جنازته بالقوة، أما السياسيين العرب بعد خروجهم من السلطة، فإما يقتلون بإنقلاب وخيانة، فلا يجرؤ أحدهم أن يعزيهم، كما حدث للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، أو يموتون ميتة الكلاب، فلا يأتي أقرب المقربين للتعزية بسبب ما قاموا به في حياتهم من تعذيب الأصدقاء قبل الأعداء، مثلما حدث مع رئيس الوزراء السوري الاسبق. ولكن المشاهد التي رأيناها حول هذه الجمهرة العظيمة على جثمان الحريري، كانت مفاجئة للعالم، وتؤكد أنه رغم كونه كان من المعارضة ورئيس وزراء سابق – أي خارج السلطة-، ولكنه حذى بقلوب جماهير شعبه ايما حذوة.
أما الحقيقة الثانية، فهي أنه ربما كان أول شخصية سياسية شرقية يتم إغتيالها، فتقوم قائمة المجتمع الدولي ولاتقعد، فتصدر قرارات مجلس الامن بحقه، وزعماء دول يتبنون ملفه بجدية، ويتم تدويل قضيته بسرعة البرق. فالرجل على ما يبدو لم يكن مثل بقية رجالات السياسة الشرقيين، المتشدقين للتسلط والعنجهية إلى جانب الغريزة الشرقية السرطانية التي تتمثل في النساء والثراء على حساب فقر شعوبهم. وعلى الاغلب لم تكن ثروة الحريري هي السبب في هذا الاهتمام الدولي الواسع، بقدر ما ان لبنان السلام بعد الحرب الاهلية كان إلى حد كبير مرتبطاً بطاقاته وجهوده.
والحقيقة الثالثة والاهم من هذا كله، وبغض النظر عن هوية القاتل، سوى ان كان القائم بالاغتيال من عملاء المخابرات السورية الذين يتواجدون على أراضي لبنان بعدد وعدة أكثر بخمسة مرات من التواجد الامريكي في العراق (حيث أن المعارضة اللبنانية تقول أن هناك أكثر من مليون سوري، مدني وعسكري موجود على الاراضي اللبنانية)، فقد وجهت أصابع الاتهام فور مقتل الحريري إلى السوريا، خاصة بعد أن تبلور موقف المغدور مع مواقف قوى المعارضة اللبنانية التي تنادي بجلاء الجيش السوري عن لبنان، حسب اتفاقية طائف، مع أن الحكومة السورية كانت أول جهة نددت بمقتل الحريري، وبعثت نائب الرئيس لتقديم التعزية –آخذين بمبدأ، يقتل القتيل ويمشي في جنازته-. وإذا كان الاتهام الموجه إلى سوريا صحيحاُ، فإنه على الاغلب من تخطيط أحد الخائبين من ضباط المخابرات السوريين، ظناً منه أنه سيسكت الاصوات التي تعارض هذا الذل والهوان في البلد المحتل، دون أن يفكر بأن قتل الحريري سوف يفتح على سوريا باب جهنم، حيث تتوجه كل امكانيات سوريا نحو الساحة اللبنانية، بدل من أن تتوجه أنظارها إلى العراق وما يحدث هناك، فترسل بين الفترة والاخرى بضعة إرهابيين عرب أو بضعة أطنان من المتفجرات والصواريخ لمنع العملية الديمقراطية والحرية في العراق، هذه الحرية التي تحك الجسد السوري لحد الجنون. وإذا كانت هذه الاحتمالية صحيحة، فأن إحالة رئيس دائرة المخابرات العسكرية المسؤولة عن ملف لبنان إلى التقاعد، قد تكون لهذا السبب، لأن أحد ضباطها بعلم أو بدون علم الرأس الكبيرة قد أعطى الضوء الاخضر لقتل الحريري، خاصة ونحن نعلم من تاريخ الوجود السوري في لبنان، أن لضباط المخابرات السورية هناك سلطة رئيس دولة في مناطق نفوذهم، وبالتالي يتصرفون كرؤساء في مواقع عملهم، بدون أن تلتفت قيادة دمشق لتصرفاتهم الفردية. سواء كان هذا صحيحاً، أم أن هناك جهات اسلامية متشددة تقف وراء الاغتيال، مثل حزب الله مثلا، خاصة وأن هناك أصداء أن هذا الرجل الذي قدم من السعودية بمال وفير، إستطاع أن يضع المال المناسب في الوقت المناسب في ظل ظروف دولة كانت قد تحطمت إقتصاديا وقضت الحرب على بنيتها التحتية، وبدأ ببناء الدولة من جديد، بعقلية اقتصادية ناجحة أعيدت للبلد البعض من عافيته. فأصبح هذا الرجل السني الليبرالي أكبر من أن يتحمله حزب الله المتدين، فكان هناك تخوف مبرر عند حزب الله بعد أن انتهت مرحلة الحرب، وجاءت مرحلة البناء التي تحتاج إلى المال، وهو ما كان يميز الحريري عن غيره، فتولد عند هذا التيار الديني مخافة أن يزداد نفوذه عليهم، خاصة وأن جماعة دينية غير معروفة بإسم (النصرة والجهاد في بلاد الشام) قد أعلنت مسؤوليتها عن الحادث. وبالتالي وفق هذه الاحتمالية تكون سوريا برئية من دمه...
غير أن النتيجة سواسية، لأن الثمن الذي سيدفع سوف يقتطع من الحساب السوري المفتوح في لبنان. فسوريا الان أصبحت في موقف حرج، سواء رضت أم لم ترض فأنها لن تصمد أمام رغبة الشعب اللبناني الهائج والمطالب بالجلاء....ولن يكون أفضل من الجلاء الفرنسي من بلاد الشام، خاصة بعد هذه الواقعة الاليمة، حيث ينظر إلى السوريين الان نظرة محتل ومغتصب... بدليل تؤكد بعض وسائل الاعلام، أن هناك عمليات عنف استهدفت رعايا مدنيين وعمال سوريين في الايام الماضية. وخروج سوريا من لبنان، وبهذه الصيغة –أي الطرد النهائي-، يدخل سوريا في تجربة أصعب، لابد أنها ليست غائبة عن ذهن القيادة السورية، وهي أن مسار السلام السوري اللبناني مع اسرائيل، سوف يصبح مسارين، ولن يمر وقت طويل حتى يجلس لبنان على طاولة المفاوضات مع اسرائيل تاركا سوريا لقمة سائغة، لتتآكل من داخلها وتحاصر من خارجها... فالديمقراطية على الطريقة الامريكية قادمة من شرقها، ومن شمالها المياه التركية التي تشد الخناق عليها، بغض النظر عن المغازلات الزائفة بين تركيا وسوريا، ومن غربها لبنان الذي لن يعود شقيقا. والمصيبة الاكبر، حتى الشراكة الاوسطية لن يكون لسوريا حصة فيها، بل حتى المجموعة الفرانكوفونية بعد الموقف الفرنسي المساند للبنان سوف لن تهضم سوريا ضمن هذه الثقافات المتعددة. والمصيبة الاكبر التي تجاهلها النظام السوري، سوف تأتيه من باب آخر مختلف، وهو أن سوريا قامت خلال السنتين الاخيرتين برعاية الارهاب الدولي البن لادني، وعاونت هذا الفكر المتخلف لغزو العراق من أراضيها، وبالتالي تكونت الارضية المناسبة عن السوريين لتقبل العقلية المتشددة، التي سرعان ما ستنقلب على النظام نفسه، مثلما علمتنا التجارب في أفغانستان والسعودية. فما من دولة ساعدت الارهاب حتى اكتوت بناره، بما فيها أمريكا وصنيعها المشوه (بن لادن). لقد تناسى النظام السوري على ما يبدو أنه أجبر في الثمانينات أن يقوم بحملة إبادة جماعية لإستئصال جذور اخوان المسلمين في حمص وحماه وحلب، فأخذ يغذي القوى الارهابية في العراق ويربي أزلام البعث الفاشي العراقي في حضنه. وأقل ما ستدفعه سوريا هو تكوين جديد لجماعات إرهابية دينية، الفرق بينها وبين إخوان المسلمين هو الفرق بين الارض والسماء، وهذا ما قد يكلف النظام وجوده، مثلما كلف أنور السادات روحه.
#ميرزا_حسن_دنايي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هامش الانتخابات والتصويت: تساؤلات وحيرة في الوقت الضائع
-
قراءة في أحداث الموصل: هكذا تحولت مدينة السلام إلى مدينة الر
...
-
الحلقة الناقصة في الديمقراطية العراقية: أحزاب لم تناقش منهاج
...
-
مذكرة من أجل تثبيت حقوق الاقلية الدينية للكورد الايزيديين وح
...
-
مراحل التحول السايكوسوسيولوجي وتأثيرها في مستقبل العراق
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|