منذ حوالي عامين، وفي الوقت الذي اشتدّت فيه هجمة الرأسمال العالمي ووكلائه المحليين على لقمة عيش الطبقات الشعبية عبر سلسلة جديدة من الإجراءات والقرارات تصفي ما تبقى من مكاسبنا في التعليم والصحة وباقي الخدمات الاجتماعية، وتعمق الفقر والبؤس والجهل والمرض، وفي الوقت الذي تتعزّز فيه سطوة النظام البوليسي وتعسكر فيه المؤسسات التربوية والمصانع والساحات العامة ويضيق فيه الخناق على العمل النقابي في المؤسسات وفي دور الاتحاد على السواء وتمنع التظاهرات والاحتجاجات... في هذا الوقت برزت بعض الأصوات المعارضة معبّرة عن مواقف مناهضة لبن علي وبطانته مستغلة بعض المنابر السياسية والمساحات الإعلامية في الخارج. لقد عبّرت تلك الأصوات في مواقع مختلفة وبشكل متفاوت عن نضالات ديمقراطية وحقوقية في بلادنا، مبرزين شجاعة وتصميما لم نعهدهما طيلة العشرية المنقضية.
ومع تحيتنا طبعا لتلك الشجاعة وذلك التصميم، ومع مساندتنا المطلقة لحقّهم في التعبير والتنظّم والتشهير وفضح ما وراء الجدار الحديدي المفروض على شعبنا، وتأكيدنا على أهمية النضال المشترك مع مختلف هذه الفعاليات من أجل فرض الديمقراطية السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان، فإننا أيضا مهتمّون بتحليل خلفيات مختلف المواقع والألوان السياسية لهذه الحركة الديمقراطية ومدى علاقتها بالحركة الجماهيرية، وبالتالي مدى فعاليتها وفرضها لمعطيات جديدة على الساحة السياسية الداخلية في اتجاه قلب الوضع السائد. ولا بدّ، إذن، من القيام بعملية التمحيص وفرز بين غثّها وسمينها. وإذا اِمتدّت هذه المعارضة من التيار السلفي إلى اللبراليين إلى اليسار الإصلاحي وصولا إلى الأعمال والمبادرات التي قام بها جزء من اليسار الجذري سواء في شكل أعمال جماعية أو شخصية أو في صلب الجمعيات (رابطة حقوق الإنسان، RAID...)، فإن اصطباغ مجمل الحركة الديمقراطية في السنوات الأخيرة بالطابع الليبرالي وهيمنة اللبراليين عليها يجعلنا نسارع إلى تحليل خلفيات مواقف المعارضة الليبرالية قبل كلّ شيء، تاركين تحليل مواقع المعارضة اليسارية على اختلافها إلى مقال لاحق لما لها من علاقة بأبعاد أخرى محلية (مثل الحركة النقابية) وعالمية (تهاوي مراجع "الاشتراكية" التي كان جل فصائله يستند إليها، ومن ثمّ الانقلاب الفجائي والجذري في شروط بناء اليسار من جديد وتجاوز أزمته التاريخية.
1- تنزّل الاحتجاجات الليبرالية ضمن أفق 2004:
أن المتمعّن في جلّ النصوص والبيانات والخطب والتدخلات الشفوية في الفضائيات للشخصيات اللبرالية المعارضة يلاحظ بأنها ومنذ انطلاق موجة الاحتجاجات، حدّدت لنفسها سياقا وسقفا للنضال هو أفق 2004 بما يعنيه من فرصة تاريخية للتخلص من بن علي وعائلته والزمرة المحيطة به من نهّابين ومافيا. وهي إذن لم تنزّل نفسها ضمن برنامج معاداة السلطة ككلّ، سلطة النظام البوليسي، سلطة حزب رجعي متعفّن هو الحزب الدستوري، سلطة تلتصق أكثر فاكثر بالدوائر المالية ورجال الأعمال العالميين والمحليين. بل ذهب العديد منهم إلى مغازلة "الدساترة النزهاء" والمراهنة عليهم في لفظ بن علي.
لقد تمحورت تدخلات اللبراليين على ضرورة رحيل بن علي والتصدّي لترشحه لولاية جديدة مع ما يلزم ذلك من تهيئة المناخ الانتخابي لتساوي حظوظ المرشحين للرئاسة، مدركين انه، واثر إفراغه للساحة السياسية من المنافسين حتّى من رجال السلطة، سيمكن لهم خلق جو من التنافس بين مترشحين لا يستندون إلى إجماع مسبق سواء داخل الحركة الجماهيرية أو داخل أجهزة السلطة التي لا يمكن التوهّم بحيادها. وحين تنزع عن بن علي المساندة الإمبريالية وتتزايد عزلته عالميا فإن ذلك سيكون حاسما في تغيير الوضع في البلاد. وهكذا استعرت في الخفاء حرب الخلافة في صلب اللبراليين هذه المرّة خارج السلطة. وتبارى عدد من الشخصيات في تقديم أنفسهم كبدائل لبن علي، ومنهم من بدا بعد في تقديم برنامجه الانتخابي، متعاملين مع الوضع وكأنه محسوم. والسمة الغالبة لهذا الخطاب هو التعالي عن الجماهير وقذف الشعب بالجبن والاستكانة واصبح ينظر إليه على أنه أسير سيقع تحريره من الخارج، أي من قبل حفنة من الأبطال مدعومين من قوى عظمى هي في الحقيقة – وهذا ما لم يفهمه لبراليونا – السند الحقيقي لبن علي بالرغم من كلّ الديماغوجيا الإنسانية والديمقراطية لخطابها الرسمي وشبه الرسمي. ولا يفوتنا أن نلاحظ أيضا إن الغالبية العظمى من هؤلاء المعارضين هم من بين أعوان بن علي لمدّة قريبة أو على الأقل حلفائه في حملته القمعية لسنوات ضدّ الحركة السلفية واليسار الراديكالي باسم أنهم لم يلتزموا بضوابط العمل السياسي ضمن "الإجماع الوطني" حول بن علي والذي تجسّد في الميثاق الوطني الذي التزموا هم به.
ويمكن اعتبارهم شهودا جيدين عما جرى أثناء تواجدهم في خدمة بن علي وعمّا يجري الآن في أجهزة السلطة، أمّا أن نصدّق أنهم انتقلوا إلى الضفة المضادّة بالكامل وبصورة نهائية فهذا يتطلّب إثباتا وتحليلا.
2- تموقع اللبراليين ضمن الشراكة الاورومتوسطية وبرنامج النهب الإمبريالي:
كلّنا نعرف ارتكاز اللبراليين في صراعهم مع بن علي إلى البند الثاني من الشراكة الاورومتوسطية التي انخرط فيها نظامه. ولا يتعلق الأمر بمجرّد توظيف لهذا البند في الصراع المذكور لان ذلك لم يتلازم مع التنديد بهذه الشراكة وما ستخلفه على اقتصادنا ومجتمعنا، بل يعني ذلك التزاما من جانبهم هم أيضا بهذه الشراكة وأخذها من المسلمات. ولقد أكد العديد منهم على صداقة البلدان الأوروبية وكذلك أمريكا لتونس لا للنظام التونسي! وهم إذن يضعون أنفسهم ضمن نفس أرضية بن علي، أرضية فتح البلاد أمام رؤوس الأموال العالمية قصد نهب خيراتها وإغراقها بسلعهم دون ضابط واستغلال اليد العاملة التونسية بأبخس الأثمان وبدون أدنى ضمانات. فنحن لا نرى أثرا لمعارضة برنامج الإصلاح الهيكلي الذي يفكك بشكل منهجي مكتسبات شعبنا ويحطّم بنية الاقتصاد المحلي لمزيد إلحاقه بالسوق الرأسمالية العالمية ويضعف الطبقة العاملة هيكليا فيدمّر الطاقة الشرائية ويضرب حقّها في العمل ويلغي الضمانات الاجتماعية ويخوصص الخدمات العمومية الأساسية.
3- أوهام الديمقراطية في ظلّ اللبرالية الإقتصادية:
لقد بنى بن علي منذ انقلابه، ضمن بيان 7 نوفمبر وكذلك في عديد الخطابات والوثائق بما في ذلك "الميثاق الوطني" الذي أوثق به أيدي اللبراليين والإسلاميين ثم جعله في ما بعد حجّة لقمعهم باسم ارتدادهم عليه، بنى إذن ديماغوجيته حول فكرة وهمية نجدها لا تزال تتردد في أجهزته الإعلامية كما لدى اللبراليين على السواء، وهي فكرة تلازم الديمقراطية السياسية مع اللبرالية الاقتصادية وتحرير المبادرة الخاصّة. غير أن الوقائع في جميع أنحاء العالم تكذّب هذه البديهية، فاللبرالية الرأسمالية الوحشية أو "اللبرالية الجديدة" كما يسمونها، هي لبرالية عصر الانحطاط الرأسمالي، عصر تصاعد الطغيان العسكري والبوليسي، عصر تناسل الحروب كضرورة للتنفيس على أزمة الرأسمال وتواصل إنتاجه لقطاع رئيسي بل ومهيمن في الصناعة هي الصناعة الحربية، إنتاج الأسلحة. أضف إلى ذلك أن اللبرالية الجديدة هي لبرالية جشعة تطال مباشرة قوت الشعوب وتضع الملايين بل المليارات أمام حافة الموت مقابل أن يعيش كمشة من أثرياء العالم حياة التخمة. لذلك هي تنتج مباشرة آليات مقاومتها وليس لها من حل سوى استعمال العنف لفرض مخططاتها، أي استعمال القمع، وبالتالي ضرب الديمقراطية! لذلك يبدو لبراليونا معزولين، غرباء أمام حركة جماهير لا يستطيعون الوصول إليها، فضلا عن انهم لا يبحثون أصلا عن الارتباط بها بل يخشونها كالطاعون بالضبط لأنها تربط فورا بين النضال الديمقراطي والتصدّي للبرالية الرأسمالية وهي بذلك إنما تتجاوز الحدود التي يريد لبراليونا رسمها لها. رابطة بصورة عفوية، تلقائية بين اللبرالية الاقتصادية وبين الاستبداد السياسي وتفاقم الطغيان البوليسي. وإذا كانت اليوم بعض الدول الإمبريالية تنادي لفظا بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتنسب نفسها للعالم الحرّ الخ... فهذا من باب تشغيل آلة الكذب الإعلامي لتبييض وجه المشاريع الكارثية التي تفرضها على العالم. ولنا شاهد في الاستعدادات الأخيرة لأمريكا والناتو والتي تستعد للإجهاز على بؤر التوتر والمقاومة، وتهيئ إلى فتح أسواق لها بالنار والحديد تحت شعار "مقاومة الإرهاب".
فإذا كانت الديمقراطية اليوم ضرورة حياتية لكل مقاومة شعبية، فإن النضال من اجلها يتطلب هو الآخر ربطا لا تنفصم عراه بمقاومة مضاعفات العولمة على المستوى الاجتماعي. إنّ مشابكة النضال على المستويين المذكورين لم يكن، في أي وقت من الأوقات ضرورة حياتية لتقدّم الحركة الجماهيرية كما هي اليوم. وفي تونس مثلا لا يمكن أن نقاوم برنامج الإصلاح الهيكلي وما تبعه من مشاريع إمبريالية ونتائجها الكارثية على البلاد والشعب بدون النضال من اجل الديمقراطية بما في ذلك وبالخصوص الديمقراطية النقابية باعتبار أن الاتحاد العام التونسي للشغل هو اليوم في نفس الوقت أهم فصيل في الحركة الجماهيرية لا يزال يتصرّف في إمكانات وكثافة نضالية سيكون إطلاقها حاسما في هذه المقاومة، وهو أيضا نقطة الضعف الأساسية في هذه الحركة الجماهيرية بوضعه الحالي المتسم بسيطرة البيروقراطية الجبانة والمرتشية مما جعل الاتحاد اليوم يلعب دورا مشؤوما يعيق تطوّر المقاومة الجماهيرية ويساهم بأوفر قسط في استقرار نضام بن علي.
كما لا يمكن أن نناضل من اجل الديمقراطية بمعزل عن النضال من اجل قوت الشعب وكرامته وحقّه في التمتع والتصرّف في ثرواته والوقوف ضد الهجمة الإمبريالية الشرسة. لأن الديمقراطية بالذات تتطلب تعبئة جماهيرية لا كلام صالونات منعقدة في الخارج ولا انتظار المن بها علينا من أوروبا. إنّ الجماهير الشعبية تنخرط في النضال السياسي ومن ثمّ الديمقراطي من منطلق الدّفاع عن معيشتها وحقوقها الاجتماعية وهي تتسيس تدريجيا في خضم النضال ضد الاستغلال الرأسمالي. فإذا أغفلنا هذه الخاصية، وإذا جانبنا الديمقراطية الاجتماعية وحصرنا شعاراتنا الديمقراطية في أوساط ليبرالية نخبوية معزولة فلن يكون لها التأثير الواسع ولن تزعزع أركان السلطة القائمة وستظلّ مجرّد عمل مناسباتي استعمالي انتخابي مربوط بأفق ظرفي كما هو الشأن بالنسبة لمواقف لبراليينا.
إنّ اتباع نهج جماهيري مواز للنهج اللبرالي في طرح القضايا الديمقراطية وربطها بالحركة العمالية والجماهيرية عامّة، والمتمحور حول حركتها النقابية لازال ممكنا، باعتبار أن الحركة النقابية لا تزال عاملا حاسما قادرا على لعب دور رائد في استنهاض النضالات الجماهيرية ككلّ، إذا ما لعب اليسار النقابي دوره الطبيعي في سلخ قواعد الاتحاد العام التونسي للشغل عن تأثير السيطرة البيروقراطية والوقوف بها على أرضية نضال طبقي مستقل. هذا ما سيكون موضوع البحث في المقال القادم كما أسلفنا.
4- المعارضة على قاعدة النضال القومي: بعد آخر مسكوت عنه
من الأمور التي تلفت الانتباه أيضا هو صمت لبراليينا إزاء دور بن علي ونظامه باعتباره أحد مهندسي أوسلو والمهرولين للتطبيع مع الصهيونية والمتآمرين على الانتفاضة الفلسطينية. وهذا أيضا يجد تفسيره في عدم ارتكاز لبراليينا على الجماهير بما لها من حساسية تجاه القضية الفلسطينية مقابل ارتكازها على حلفاء أجانب لا مصلحة لهم في تناول هذا الملف لأن الانخراط في مقاومة الصهيونية والمشاريع الأمريكية والأوروبية في المنطقة سيجعلنا مباشرة في تصادم مع المشروع الرأسمالي الجديد بما يعنيه من ضمن ما يعنيه من تصفية قضايا التحرير الوطني ونسف حق تقرير مصيرها. وهذا يتجسّد في منطقتنا بمحاولة تأييد الاستعمار الصهيوني وبتصفية القضية الفلسطينية وذلك بإعطاء الدولة الصهيونية دورا جديد ضمن عصر العولمة وهو دور قيادة الاقتصاديات العربية المتخلفة ودمجها في السوق الرأسمالية العالمية و "تمدينها" وذلك ضمن مشروع الشراكة الشرق-أوسطية. وهي منطقة تجمع شركاء برجوازيين عرب مع الصهاينة والأمريكيين وهذه الشراكة تكون على حساب التحرر الوطني الفلسطيني والوحدة القومية العربية وتستغني عن ذلك بتكتّل تجاري أو منطقة جيوسياسية تمثّل سوقا وتنتقل فيها الأموال والمنتجات التكنولوجية الإمبريالية بكلّ حرّية وتتفسخ فيها مقومات الاستقلال والخصوصية الثقافية وتنصهر شعوب المنطقة في وحدة ثقافية هي الثقافة "الكونية" الأمريكية-الصهيونية.
إنّ النضال القومي بما يعنيه من انخراط في حركة التحرر العربية والتصدّي لمشاريع الإمبريالية في المنطقة ليس نضالا ثانويا بل هو البعد الثالث المتشابك هو الآخر مع البعدين المذكورين. غير أنّ لبراليينا يصمتون أمام هذا الموضوع لما لحلفائهم الغربيين من حساسية تجاهه لأنه أصلا ضدّ مصالحهم.
5- "الحرب على الإرهاب" نجدة لبن علي وأمثاله:
بالأمس القريب كان لبراليونا يغذّون الأوهام حول مقدرتهم على الضغط على بن علي للتخلّي عن ترشيح نفسه لولاية جديدة معوّلين على القوى الغربية حكومات وبرلمانيين ومنظمات غير حكومية الخ... ومنهم من أعتقد حتّى في أمريكا. إذ تصوّروا أنّها لم تعد ترضى عنه وإنها ستجبره على التراجع عن الترشّح.
غير أنّ العمى السياسي هو الذّي قاد هؤلاء إلى الاعتقاد في مثل هذا الأمر. فليس أقدر من بن علي على تمثيل مصالح أمريكا لا فقط في تونس بل أيضا على المستوى الإقليمي.
لقد صدّق اللبراليون الطّيبون تلك التقارير التي تصدر عن الوفود البرلمانية والمنظمات شبه الحكومية منها تقرير الأمريكان حول استبداد بن علي وقمعه للحريات، صدّقوا إذن أن ذلك سيكون منطلقا "لعزله". إلاّ أنّ المتتبع لسياسة أمريكا ولمصالحها على طول العالم وعرضه سيجدها كلها ترعى الإرهاب والقمع والاستبداد. فكيف بها ستكون في تونس ديمقراطيّة! وإذا أضفنا ما سبق وأن بيّناه من أنّ مشاريع المؤسسات المالية العالمية: صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بما تهيئه من تفقير مطلق يجعلها تفكر لتمريرها أوّل ما تفكّر في "الأمن والاستقرار" و"النظام القوي" هو القادر على توفير ذلك ولن تكون واهمة هي الأخرى بأنّ شعبا حرّا في تنظّمه وتعبيره سيقبل بكلّ "ديمقراطية" أن يموت جوعا من أجل أن تمتلئ مخازنها هي!
ورغم ذلك انتظر لبراليونا إلى اللحظة الأخيرة، لحظة أن حزم الشرطي الأمريكي أمتعته وبدا في التحرّك في اتجاه "بلدان الجنوب" حتى يخضعها بقوة السلاح أين لم يكن له وكيل. أمّا البلدان التي له فيها وكيل فما عليه إلاّ تدعيمه. لذلك قفز بن علي على الفرصة وأعلن في خضم أحداث "الحرب على الإرهاب" أنه كان سبّاقا في قمع "الإرهاب" وإن الاستبداد إذن هو طريق الاستقرار وطريق خدمة مصالحكم أيّها الإمبرياليون فادعموني. ومن ثمّ أعلن ترشحه لولاية أخرى مع تنقيح الدستور ببساطة!!
ثمّة من يعتقد أن هذا الظرف أتى صدفة أو هو نتيجة ضربة نيويورك وواشنطن وإنّ أمريكا لم تكن لتخطط لهذه الحرب وهي إذن ستأخذ بثأرها وتنكفئ راجعة إلى ديارها. وهو اعتقاد خاطئ فضربة نيويورك وواشنطن ليست إلاّ ذريعة! والحرب على الإرهاب ليست مجرد ثأر بل هي مخطط اعمق سيطبع الحقبة اللاحقة لمدّة عقود وسيكون بين أهدافه نجدة أمثال بن علي والإطاحة بكلّ متمرّد على إرادة الرأسمال العالمي المتكالب على قوت الشعوب. ولن تكون أمريكا بهذا الغباء حتّى تستبدل حصانا رابحا من حيث تحقيق أهدافها بحصان خاسر، خاسر بحكم أنه لا يستند إلي قوّة بوليسية/عسكرية يخضع بها الشعب؛ كما انه لا يستند إلي هذا الشعب ليكسب منه مشروعيته بل يستند إلي الحائط أو إلي فضائية!!
6- خاتمة:
إنّ الإعلام في عصرنا يلعب دورًا تخريبيا كبيرا للوعي الجماهيري وذلك بحرفه عن قضاياه الحقيقية بتضخيم هذا وتقزيم ذاك، والنفخ في ما هو ثانوي وإهمال ما هو جوهري وأساسي، وما حرب الخليج، ذلك الكابوس الذي مرّ على الحركة الجماهيرية فخدّرها بسيل الأكاذيب التي نشرها وأغرقها في بحر من الإحباط والسلبية، وما صورة الأوضاع في بلادنا وفي منطقتنا العربية إلاّ شواهد على ذلك. ولن يكون الخروج من هذه الحلقة المفرغة من الأحابيل الإيديولوجية إلاّ بنقاش جدّي ينظر في وجه الحقيقة ويعلنها ولا يخشاها وينطلق منها لتغيير الأوضاع السائدة.
إنّ الثوريين والتقدّميين مطروح عليهم اليوم تدارس أوضاع الحركة الجماهيرية وللالتصاق بها من جديد ونبذ الأمراض اللبرالية التي أصبحت موضة في عصرنا فمقاومة الهجمة الإمبريالية وعملائها في بلادنا لا تتم بحروب البيانات والإعلان الذاتي لهذا الشخص أو ذاك بل ببناء وحدة حقيقية للثوريين والتقدميين على الساحة الشعبية لتعبئة الجماهير بوصفها الوحيدة القادرة على إيقاف العنف الإمبريالي/الرجعي سواء العنف الاقتصادي الاجتماعي أو العنف السياسي. وإذا تحققت هذه الممارسة الموحدة وتلازمت مع نقاش حرّ وبنّاء، وإرساء وسائل إعلامية وتوعية بديلة عن آلات الكذب المنظّم فإنّ محور الحركة الديمقراطية سيتحوّل إلى هذا القطب المناهض للإمبريالية والرأسمالية والاستبداد الرجعي وسيكون من نافل القول الحديث عن أعمال مشتركة محدّدة مع المعارضين اللبراليين في مجال الحريات وحقوق الإنسان، لكن مع الحفاظ على "السير على حدة" وتجاوز أفق الحريات بالمعنى اللبرالي دون السقوط في أوهام الطريق الأقصر. كذلك لا يفهم من حديثنا إننا ضد تجنيد كلّ الطاقات والعلاقات النضالية مع القوى المناضلة من أجل الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان على المستوى العالمي؛ بل على العكس نراها هامّة وضرورية فضلا عن أنّ ما يجب التنبيه إليه هو إن ساحة النضال الأساسية هي الساحة المحلية والحركة الوحيدة القادرة على قلب موازين القوى بصورة حاسمة هي الحركة العمالية والجماهيرية في بلادنا ولذلك لا تأخذنا أوهام بإمكانية استبدالها بالجبهة الخارجية مهما كانت أهميّة مساندتها لنا.
محمد عمــــــامي
قوس الكرامة عدد 5 - 2002