الطريق
*********************
ابرز القضايا والتطورات المتعلقة بالقضية العراقية في المدة الاخيرة، يمكن تحديدها بما يلي:-
q خطاب بوش امام الامم المتحدة يوم 12/9 والذي حدد فيه جملة من المطالب التي ينبغي على الحكومة العراقية تنفيذها : عودة المفتشين، الاسرى الكويتين والمصريين.. غيرهم، ايقاف دعم الجماعات الارهابية، تدمير اسلحة الدمار الشامل، وقف اضطهاد الطوائف والقوميات العراقية...الخ.
لقد حاول بوش الظهور بمظهر المدافع ( النظيف) عن الشعب العراقي، والداعم "النزيه" لتطلعاته في الحرية والتقدم. ان خطابه يندرج في سياق المساعي الدبلوماسية والسياسية الامريكية لحشد دعم دولي لمساندتها ، وفهم دوافعها – التي حرص الخطاب على الباسها ثوبا نظيفا- اذا ما اقدمت على توجيه ضربة عسكرية للعراق.
ان الادارة الامريكية تحرص على ان لا تتخذ قرارا فرديا بالحرب، وهي لذلك لا تعدم أي وسيلة للضغط ، ولن تسقط من يدها أي ورقة ممكنة، ومنها الورقة الدبلوماسية وعبر الامم المتحدة لاضفاء شئ من " الشرعية" على قرار الحرب.
يلاحظ اكثر من مؤشر على توقف دائرة الرفض الدولي ( الاوربي تحديدا) لتوجيه ضربة عسكرية للعراق، عن الاتساع: بعض الليونة في الموقف الفرنسي ، تصريحات الرئيس الدوري للاتحاد الاوربي (اندريس) ، استمرار الضغوط على الحكومة الروسية: الاتصالات المستمرة بين الرئيس الامريكي ونظيره الروسي، وزيارات مبعوثي الادارة الامريكية للعاصمة الروسية موسكو.
ومع ذلك يبقى تحقيق هذه الرغبة الامريكية في غاية التعقيد والصعوبة.
q موافقة العراق علة عودة المفتشين الدوليين دون قيد او شرط. هذه الموافقة يمكن النظر اليها من زوايا عدة/ منها:-
1- انها دليل على شعور النظام بان تهديدات الامريكان جدية هذه المرة.
2- تؤشر مجددا الى المستوى المطلق من الابتذال التي تتسم به مناورات الطغمة الحاكمة في بغداد، وتؤكد عجزها عن ادارة هذه الازمة وايجاد مخرج ما. حقا لو ان حكامنا يتصرفون بمستوى معقول من الحكمة، ومما يدعوه من حرص على حياة الناس ورفع الحصار عنهم، لكان بالامكان الانتهاء من قضية تدمير اسلحة الدمار الشامل منذ زمن بعيد، ولرفعت هذه الحجة من اجندة السياسة الامريكية التي طالما تذرعت بها لترسيخ تواجدها المتعدد الاوجه في المنطقة.
3- ان الموافقة على عودة المفتشين عقدت المساعي الامريكية لاستحصال دعم اوربي في حملتها العسكرية ضد العراق، وربما اخرت توقيت هذه الحملة.
4- ان الموافقة لم تسقط خيار الحرب ، وهي ستقود الى " موافقات" عراقية مقبلة.
5- تؤشر بعض المواقف الى ان العديد من الانظمة العربية، وتحديدا في الخليج، موقفان: الازل علني رافض للضربة العسكرية ، والثاني مستتر تعرف تفاصيله الادارة الامريكية وحدها. أي التعاون مع الامريكان بالشكل والاسلوب الذي لايعرضها للحرج امام الرأي العام، وعلى وجه التحديد في المراحل التمهيدية.
q ما هي الخيارات امام الادارة الامريكية فيما اذا اتخذت قرارا نهائيا بازاحة رأس النظام عن الحكم؟ هناك عدة خيارات منها:-
* انقلاب عسكري مدبر من داخل المؤسسة العسكرية القريبة من النظام. هذا الخيار يعطي نتائج "مضمونة" للادارة الامريكية، وبأقل التكاليف السياسية والعسكرية.
* هجوم شامل وتدخل مباشر تكون من نتائجه"-
1- تدمير مرتكزات الاقتصاد العراقي ، والاجهاز على ما تبقى من بنيته التحتية، لاطلاق ايدي الاحتكارات الامريكية فيما بعد لاعادة بنائه بعد خراب البصرة، كما يقال
2-تنصيب حكومة موالية كليا . ان النظام البديل القادم على دبابة امريكية جديدة سيكون خاضعا بالكامل للاملاءات الامريكية، وخادما مطيعا لتنفيذ سياستها ازاء العراق والمنطقة برمتها.
3- شل واضعاف القوى التي يمكن ان تصبح منافسا، عائقا جدياا، ومقاوما حقيقيا للبديل الامريكي.
تتمثل هذه القوى باتجاهات ثلاثة: يساري- ديمقراطي، اسلامي وطني متنور معادٍ للسياسة الامريكية ، عدد واسع من ضباط القوات المسلحة الرافض للدكتاتورية ونهجها المدمر من جانب ، وللحل العسكري/ الجهنمي الامريكي من جهة ثانية.
ان القوات الثلاث المشار اليها يفترض ان تشكل النواة الفعلية للتحالف الوطني/ الشعبي المنشود، وهذا جل ما تخشاه الولايات المتحدة الامريكية، وتسعى الان وفي المستقبل لمنع ولادته.
q حول الدعم الدولي
قبل كل شئ ، لا جدل على القضية العراقية مدولة من سنين، وخصوصا بعد غزو النظام العراقي للكويت ثم خسارته "ام المعارك" بالتكاليف الباهضة المعروفة التي طالت مختلف الصعد. اذن تدخل العامل الدولي في الشأن العراقي قائما وسيبقى وهو مرشح للتعاظم للاسف. واذا كانت بدايات تدخل العامل الدولي "مشروعة" فهو يتجه لفقدان اي غطاء من الشرعية مهما كان واهيا. ولا حاجة للتدليل على ذلك فاحاديث اقطاب الادارة الامريكية عن استعدادهم للانفراد بقرار الحرب ، تغني عن ذلك.
هذه القضية-دور العامل الدولي- مطروحة للنقاش والدراسة وتحديد الموقف ازاءها امام كل المعنين بالشأن العراقي ، وبالذات امام كل الجهد الوطني المعارض باحزابه وتياراته المختلفة.
الحزب الشيوعي العراقي حدد موقفه ، في اكثر من مناسبة ووثيقة، من التدخلات الدولية في القضية العراقية، كما صاغ افكارا حول الدور المفترض للعامل الدولي، وانتقد بشدة الولايات المتحدة وحلفائها التي عمدت الى فرض غقوبات اتسمت بالوحشية ( وقوضت بشكل حاسم القاعدة "الاخلاقية" لهذا النوع من العقاب الجماعي). وكشف الحزب عن التوطؤ الضمني بين الدكتاتورية والادارة الامريكية لاطالة امد الحصار. لكن الحزب وكل قوى المعارضة الوطنية بحاجة الى تدقيق خطابها السياسي فيما يتصل بتجديد مفهوم العامل الدولي، دوره المفترض، ودعمه المنشود. ان مطلب ( الدعم الدولي النزيه) يفتقد للدقه، فما دمنا مقتنعين بان العلاقات الدولية تحكمها المصالح اولا و قبل كل شئ، وما دامت للاحتكارات العملاقة والشركات متعددة الجنسية اليد الطولى في ادارة هذه المصالح، فان الحديث عن دعم دولي نزيه وشريف اقرب للوهم منه الى مطلب نضالي علمي وعملي. نحن بحاجة الى ان نقرن مطلب دعم العامل الدولي بمشروعيته فقط أي( الدعم الدولي الشرعي ) ، بمعنى ذلك الذي يقر من قبل الامم المتحدة بقرارات هيئاتها المعتمدة. ان تطبيق القرار 688 يشكل دعما دوليا شرعيا لقضية الشعب العراقي ، وكذا تقديم صدام حسين لمحكمة دولية ..الخ.
ان الالتزام بمطلب ( الدعم الدولي الشرعي) سيكون ، بالتاكيد، احد مرتكزات كفاحنا الوطني ضد التدخل السافر للولايات المتحدة في شؤون بلادنا، هذا التدخل الذي تريد ادارة بوش تأبيده وتحويله الى تواجد سياسي وعسكري دائم.