|
-الصورة واضحة-: مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي!
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3838 - 2012 / 9 / 2 - 23:24
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"الأزمة" في سورية، حسب السيد بشار الأسد، مزيج من مؤامرة خارجية وإرهاب داخلي (مقابلة معه في قناة الدنيا، 29/8). والمؤامرة عالمية: "يقودها كل العالم ضد سورية ويشارك فيها كل العالم ضد سورية". ليس واضحا لماذا هناك مؤامرة أو "مخطط" على "الدولة" التي يشغل السيد بشار موقع رئاستها خليفة لأبيه. يبدو أنها من طبائع الأمور، أمور سورية وأمور العالم. وحتى حين تبدو علاقات "الدولة" حسنة مع "العالم"، على ما بدا الأمر بين عامي 2008 و2010، فهذا مجرد طريقة مختلفة في تآمر يبدو هو الأصل في علاقة بين سورية والعالم. وقد كانت خيوط المؤامرة تُحبك حتى أيام الحكم العثماني، قبل نشوء الكيان السوري الحديث. إنها "مخطط" العالم كله طوال الزمن كله على سورية التي سنعلم من "القائد" بعد قليل وحدة الحال بينها وبينه، فإن غرقت الدولة (نظامه) غرقت سورية ذاتها. هذه حالة بارانويا عيانية، مزيج من هذيان اضطهاد وهذيان عظمة، تقترن شبيهاتها عند أشباهه بكثير من الدم والدمار. جديد المؤامرة منذ عام ونصف هو ظهور "أدوات داخلية" لها، يسميها الرجل أيضا "العدو الداخلي". والأعداء الداخليون يوصفون أيضا بأنهم "إرهابيون" جريا على نهج استعماري قديم وإسرائيلي راهن، وإن مع فارق: الفرنسيون في الجزائر مثلا والإسرائيليون في فلسطين يطلقون الصفة على مقاوميهم من الشعب الواقع تحت الاحتلال، فيما الإرهابيين في عرف الرئيس الوريث هم محكوميه الثائرين. ومعلوم أن هذا الوضع دفع إلى أذهان كثيرين في سورية أنهم بالفعل تحت وطأة احتلال غريب، لا يملك أدنى تعاطف معهم أو احترام لإنسانيتهم. ظلت كفر نبل تسمى نسفها بالمحتلة إلى أن قصفها الطيران الحربي الأسدي. ولأن المؤامرة من طبائع الأمور، و"الصورة واضحة"، "نحن منذ البداية أخذنا قرار الحسم"، أي القضاء على الإرهابيين. لكن أسلوب الحسم يختلف باختلاف أساليب بالتأمر، على ما أوضح الرجل الذي يشعر دائما بالحاجة إلى شرح نفسه رغم وضوح الصورة. معلوم أن مواجهة المؤامرة كلفت حتى اليوم نحو 24 ألف سوري، وتدمير أحياء وبلدات بأكملها، ونزوح ما يزيد على مليونين من ديارهم، منهم ربع مليون إلى البلدان المجاورة، وارتكاب مجازر لا يمكن أن تتقادم مثل مجزرة داريا الرهيبة يوم 25/8 التي ذهب ضحيتها نحو 400 من المدنيين ومقاومي "الجيش السوري الحر". ترى، ماذا كان يمكن للمؤامرة ذاتها أن تفعل، إذا كان "الحسم" قد كلف كل ذلك؟ لا أقل من "غرق الوطن"، أي دماره التام. إذ "لا يمكن أن تغرق الدولة ويبقى الوطن، لسبب بسيط: ارتباط وثيق بين سياسات هذه الدولة وعقيدة هذا الشعب". والدولة هي نظام السيد بشار، فلا نجاة لسورية إن لم تنج "الدولة"، أما "عقيدة الشعب" فهي أي شيء يقرره النظام، وأيا يكن ما يفعله فهو مجرد تطبيق لهذه العقيدة. ظاهر هنا أننا حيال صيغة مواربة من مبدأ "الأسد أو لا أحد"، أو "الأسد أو نحرق البلد" الخاص بشبيحة النظام. تشترك الصيغتان في أن كل ما هو دون "اللاأحد" أو "حرق البلد" أو "غرق الوطن" هو شيء قليل الأهمية، سواء كان قتل 24 ألفا أو 100 ألف أو مليونا، وهو الرقم الذي قيل أن الجنرال جميل حسن اشتهى قتله. لكن يسجل لمبدأ الشبيحة، بأي من صيغتيه، أنه أبلغ وأوضح وأبلغ بكثير من مبدأ الرئيس، وإن فضل "حرق البلد" على "غرق الوطن". وبالمناسبة لم تنس القوات الأسدية التي شاركت في مذبحة داريا، الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والشبيحة، أن تخط على جدران أخد الملاجئ البلدة توقيعها: الأسد أو نحرق البلد! وتضيف إليه: "ربكم يسقط وبشار لا يسقط!". وفي أي من صيغتيه الرئاسية أو الشبيحية لا يترك المبدأ فرصة لغير الحرب المطلقة التي تهدف إلى إبادة الخضم وسحقه. وتشخيص السيد بشار الأسد للمشكلة لا يقود في الواقع إلا إلى حرب مطلقة هي بالفعل ما يمارسها نظامه ضد محكوميه الثائرين. هناك "مؤامرة عالمية" و"عدو داخلي" إرهابي لا قضية له ولا حق له في الوجود، فإن الشيء الصحيح هو تدميره لإحباط المخطط الذي يخدمه. استخدام الطيران الحربي والقنابل الفراغية لقصف المناطق السكنية من لوازم هذه السياسة الصحيحة. كان يمكن سحق مناطق بأكملها على ما قال بشار (وليس سحق العدو في مناطق بأكملها، على ما ورد في برقية تتضمن الحوار، عممتها وزارة الخارجية إلى "كافة البعثات")، لكن قوات الأسد تحرص على شيئين: تقليل خسائر الأرواح، وصون الممتلكات. يصعب التعليق على هذا الكلام، لكنه ربما يستقيم إن أخنا بالاعتبار إحدى قواعد فهم الخطاب الأسدي: وحده سقوط الأسد محظور مطلق، أما كل ما هو دونه هو فنسبي ومحدود الأهمية، يتساوى أن يكون عدد الضحايا بعشرات الألوف أو مئاتها، وأن تدمر مدينتان أو ثلاثة أو 10. أما بشأن الممتلكات فقد شهد تقرير صدر في منتصف هذا الشهر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسورية، والمنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على المقايضات التي تجري بين عناصر القوات الأسدية للممتلكات المنهوبة من مناطق إدلب. التقرير بالمناسبة يذكر أن من أشكال التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون في أجهزة الأمن السورية إجبارهم على الشهادة بأن "لا إله إلا بشار"، ويثبت أن قوات النظام هي من ارتكبت مجزرة الحولة في 25/5 (الملحق الخامس)، ويقدم تفاصيل جديدة عن العنف الجنسي (الملحق 9)، تضاف إلى التقرير المريع الذي كانت هيومان رايتس ووتش قدمته عن الموضوع في منتصف حزيران الماضي. وفيما يبدو أنها رسالة موجهة لمن يهمه الأمر، تكلم بشار الأسد على أن "الأزمة" استندت إلى "الطرح الطائفي". قبل يوم واحد م المقابلة كان تمرين عملي على "الطرح الطائفي" قد وقع في ضاحية جرمانا الدمشقية، ذات الأكثرية الدرزية، موقعا عشرات الضحايا. وقبله بأسابيع، كان مقدرا لتمرين آخر أن يفجر لبنان، لولا أن ميشال سماحة، الخبير المتمرس في مؤامرات القاعدة ومخططاتها الإرهابية والطائفية انكشف في اللحظات الأخيرة.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياستان موضوعيتان وسياسات ذاتية للثورة السورية
-
المسألة السورية والنظام الدولي
-
نظام الإبادة: من الإبادة السياسية والأخلاقية إلى القتل الجما
...
-
بخصوص الثورة السورية والأخلاق
-
في الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية
-
الدولة الظاهرة والدولة الباطنة في سورية
-
حلب
-
حوار حول مشكلة الطائفية وسياسة الأقليات
-
مشاهد سورية الجديدة وملامحها
-
تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة
-
حقوق الأقليات أم جمهورية المواطنين؟
-
فصل رابع من الصراع السوري
-
على درب القيامة الكبرى في دمشق
-
لماذا، وضد من يثور السوريون؟
-
الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟
-
في عالم انفعالات الثورة السورية
-
الثورات العربية وصعود الإسلاميين السياسي
-
إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
-
في جذور الحرب وامتناع السياسة...
-
صعود العدمية المقاتلة في سورية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|