|
حركة التحرر الوطني و تطور التكوينات الاجتماعية
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يعتبر الهجوم الشرس لقوى الاستغلال الجديدة على مصالح الجماهير في المرحلة الراهنة و الذي مس جميع مناحي الحياة ، بدءا بالقوت اليومي و مرورا بالقمع المنهج ضد الحركات الاجتماعية ووصولا إلى تضييق الخناق على الحريات العامة ، شكلا من أشكال النظام المخزني كنظام استبدادي قائم منذ بداية الستينات و استمر خلال أربعة عقود من القمع و الاستغلال ، وصلت فيه الأوضاع الإقتصادية و الاجتماعية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين إلى مستويات مزرية فاقت كل التصورات، و لعل شبه الاتفاق حول خطورة أوضاع الطبقات الشعبية و الذي تعترف به الدوائر الرسمية يفند طروحات المهرولين وراء شعارات النظام المخزني الجديدة حول الديمقراطية و حقوق الإنسان و طي صفحة الماضي...، في الوقت الذي يتم فيه ضرب جميع الحقوق المشروعة للشعب المغربي و على رأسها الحق في تقرير المصير . في ظل هذه الظروف تمت هيكلة النظام المخزني من جديد في اتجاهين : محاولة إبراز ديمقراطية الواجهة إرضاء للإمبريالية و الصهيونية لتلميع وجه النظام المخزني بالخارج و اطمئنان الرأسمال المركزي على مصالحه بالداخل . محاولة تهدئة الأوضاع الداخلية سعيا وراء احتواء الأحزاب السياسية و تنظيمات المجتمع المدني و الفعاليات الفكرية و الثقافية المحسوبة على الصف الديمقراطي ، و قمع الحركات الاحتجاجية و حركة المجتمع المدني التي لم يستطع احتواءها . هكذا برز في الساحة السياسية اتجاهين : الأحزاب السياسية و تنظيمات المجتمع المدني التي تدعو إلى الالتفاف حول المشروع المخزني و العمل من داخل المؤسسات المزورة ، في محاولة موهومة بالقدرة على دمقرطة مؤسسات النظام المخزنية الذي لا ترتكز أسسه أصلا إلى الديمقراطية . التنظيمات السياسية و الحقوقية و الجمعوية المتشبثة بالمطالب المشروعة للشعب المغربي والتي تتبنى النضال الديمقراطي الجذري لمواجهة هجوم النظام المخزني على مصالح الطبقات الشعبية. إن الوضع السياسي الراهن ليس إلا نتيجة للسياسة التي ارتكز إليها النظام المخزني منذ نشأته و تطوره في مرحلة الاستعمار المباشر و تثبيته في مرحلة الاستقلال الشكلي، و الذي يستمد أسسه الأيديولوجية من السياسة التبعية للعولمة الليبرالية المتوحشة ، هذه الوضعية التي تتطلب منا مزيدا من التدقيق في تحليلها لتحديد ما ستؤول إليه في المستقبل ، وما تتطلبه المرحلة الراهنة من نضال و مقاومة جماهيرية من أجل إقرار الديمقراطية و حقوق الإنسان ، ولا يتيسر ذلك إلا بالرجوع إلى الجذور التاريخية للنظام المخزني و تجارب اليسار الجذري في مواجهة السياسات المخزنية في المراحل التاريخية السابقة.
مواجهة قوى الاستغلال خلال مرحلة الاستعمار المباشر :
إن ما تعيشه الطبقات الشعبية في الفترة الراهنة ليس وليد اليوم فقد سبق أن وقع هجوم تحالف الإقطاع و الاستعمار على مصالح الشعب المغربي على امتداد مرحلة الاستعمار المباشر، و استولى المستعمر على المرافق الحيوية في الاقتصاد الوطني كالصناعة و المال و الإنتاج المعدني ، و تخلى عن البوادي لصالح الإقطاع الذي يستغل بعض الأراضي التي ليس للاستعمار مصلحة في استغلالها ، من أجل كسب حليف يناصره في حربه ضد المقاومة المسلحة للفلاحين الفقراء الذين جابهوا تغلغل المستعمر و حاربوه ، و بسقوط جبل صغرو دخلت البوادي في هدوء نسبي تمكن خلاله المستعمر من بسط سيطرته على البلاد و تركيز أسس النظام المخزني. و في مرحلة لاحقة جاء دور المدن التي نشأت بها بورجوازية صغيرة و طبقة عاملة ناشئة قادتا معا مقاومة الاستعمار في إطار الحركة الوطنية الشعبية، التي اختارت النضال الديمقراطي لمواجهة سياسة تحالف الاستعمار و الإقطاع و الاحتفاظ لنفسها بالمجابهة المسلحة ، وخاضت الطبقة العاملة نضالات مريرة من أجل الحق النقابي و التحرر الوطني ، و تعتبر انتفاضة 8 دجنبر 1952 تضامنا مع الشعب التونسي بعد اغتيال المناضل النقابي فرحات حشاد محطة تاريخية تعبر عن الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة المغربية ، وعيا منها بأن التضامن العمالي مغاربيا ضرورة تاريخية في مواجهة قوى الإستغلال . لكن المدن وحدها لم تستطع مواجهة طغيان تحالف قوى الاستغلال بمعزل عن المساندة التاريخية للبوادي ، و أن جميع الطبقات الشعبية معنية بمعركة التحرر الوطني التي برزت في شكل حركة شعبية تحالفت فيها الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و البورجوازية الصغيرة ، إلا أن تحالف الإقطاع الذي استطاع حبك مؤامرة 1956 بتواطؤ مع البورجوازية أدى إلى هزم تحالف قوى التغيير ، و أصبحت مصالح الشعب المغربي هدفا لقوى الاستغلال الجديدة التي خلفت الاستعمار المباشر لضمان مصالح الرأسمال المركزي و ضرب تحالف الشعوب المغاربية و احتواء البورجوازية الصغرى .
إنتقال السلطة إلى تحالف الإقطاع و البورجوازية :
لم يتنازل المستعمر عن السلطة إلا عندما أحس أ ن تحالف قوى التغيير/ الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء يهدد وجوده ، و أن انتقال السلطة إلى حلفائه أمر ضروري للحفاظ على مصالحه بعد أن تم تركيز نمط الإنتاج الرأسمالي و تفكيك علاقات الملكية الجماعية للأراضي ونمط الإنتاج الجماعي و تركيز الملكية الفردية الرأسمالية ، عبر استغلال الأراضي الخصبة بالبوادي من طرف المعمرين و الإقطاع خلال مرحلة الاستعمار المباشر ، و خلفهم المعمرون الجدد/الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار خلال مرحلة الاستقلال الشكلي ، و تركيز المؤسسات الصناعية و المالية بالمدن خدمة للرأسمال المركزي . وعرفت بذلك مناطق البلاد المختلفة فوارق اجتماعية و طبقية و ذلك عبر تهميش البوادي التي لا يرى فيها المستعمر إلا وسيلة لتنامي الربح المالي ، من خلال مشروعه الاستثماري الذي اعتمد أساسا على الإنتاج الفلاحي و المعدني ، و تحويل الفلاحين الفقراء إلى عمال زراعيين بالبوادي و طبقة عاملة بالمدن ، و عمل على نزع ملكية أراضيهم بالقوة العسكرية بتعاون مع الإقطاع و البورجوازية الكوبرادورية ، و خلال مرحلة الاستقلال الشكلي عمل النظام المخزني على تعميق الفوارق الطبقية و الاجتماعية بعد استنزاف الثروات الفلاحية و المعدنية و تفويت المؤسسات الإنتاجية و المالية للمعمرين الجدد. في ظل هذه الظروف انتقلت السلطة من أيادي تحالف الاستعمار و الإقطاع إلى أيادي تحالف الإقطاع و البورجوازية الكومبرادورية ، و أصبحت قوى جديدة في هرم السلطة استغلت نضالات الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء خلال مرحلة التحرر الوطني خدمة للرأسمال المركزي .
انتصار تحالف الإقطاع و البورجوازية و تهميش البوادي :
بعد صعوده إلى السلطة عمل تحالف الإقطاع و البورجوازية الكومبرادورية على تجريد البوادي من تنظيماتها الذاتية /جيش التحرير و المقاومة بالمدن ، بعد اغتيال الشهد عباس المساعدي و قمع انتفاضة الريف و الحركات الاحتجاجية للفلاحين الفقراء بالبوادي و تصفية ما تبقى من قيادات جيش التحرير بالجنوب و المدن ، و بذلك تم فصل البوادي عن المدن لتسهيل تمرير مشروع الاستعمار الجديد ، و لم يبق أمام جماهير الفلاحين الفقراء إلا مبادراتها الفردية لتنمية البوادي بواسطة حملة من المشاريع الجماعية كبناء الطرق و المدارس و غيرها من الأعمال الاجتماعية ، التي تبقى ضعيفة أمام سياسات التهميش المخزنية الممنهجة. أما الطبقة العاملة بالمدن فلم تستطع بواسطة نضالاتها تجاوز مستوى المطالبة بتحسين ظروف العيش أمام هجوم قوى الاستغلال الجديدة على قوتها ، و أصبحت مجرورة وراء القيادات البورجوازية النقابية سعيا لكسب بعض المطالب المحدودة في ظل فقدانها لتنظيمها السياسي و حليفها التاريخي/ الفلاحون الفقراء ، و بقيت مطالبها مرهونة بأهداف حزبية ضيقة في تنافر وشتات نتيجة الإنشقاقات الحزبية ، وهكذا أدى انفصال هاتين الطبقتين إلى ضياع مصالح الطبقات الشعبية و تنامي هجوم تحالف الإقطاع و البورجوازية الكومبرادورية . إن قانون التطور اللامتكافيء الذي يميز نمظ الإنتاج الرأسمالي خاصة في البلدان التابعة يعمل على تكريس الفوارق الطبقية و الإجتماعية في مناطق البلاد المختلفة ، حيث تحظى المناطق الغنية بالثروات الطبيعية باهتمام الرأسمال ، الذي يبني الطرق و السكك الحديدية و المرافيء و غيرها لتسهيل استغلال الثروات الطبيعية ، ويتضح ذلك في التفاوت بين المدن و سهول الغرب و بين جهات الجنوب و الشمال، ويرجع تهميش البوادي إلى الدور الذي لعبه الفلاحون الفقراء في مواجهة الاستعمار المباشر. و في مرحلة الاستقلال الشكلي تحالفت قوى الاستغلال الجديدة ، و أصبحت جل المدن مراكز لجل العمليات الإنتاجية بينما الضواحي تعيش تهميشا واضحا ، ومع تنامي هجوم قوى الإستغلال الجديدة تنامت الفوارق الطبقية و الإجتماعية إلى حد ظهور طبقات بورجوازية اغتنت غناء فاحشا على حساب الطبقات الشعبية ، التي تم تفقيرها و نشر الأمية و الجهل في صفوفها و تعطيل الشباب و خاصة حاملي الشهادات منهم و تهميش الثقافات الشعبية و خاصة الأمازيغية .
تحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ضرورة تاريخية من أجل التغيير :
على عكس الاستعمار و تحالف البورجوازية الكومبرادورية و الإقطاع فإن الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ينظرون إلى الوطن على انه وحدة متكاملة لا تقبل التجزيء ، تلعب فيه المناطق الغنية دورا هاما في الإسراع بتنمية المناطق الفقيرة ، و تلعب فيه المدينة دورا تاريخيا في نقل الحضارة إلى البوادي لإخراجها من تخلفها ، و يكون فيه الفلاحون الفقراء بالبوادي السند التاريخي للطبقة العاملة بالمدن من أجل التنمية الحقيقية في ظل مبدأ تقرير مصير الشعوب . إلا أن السياسة الليبرالية التبعية للنظام المخزني حولت المدن إلى ملجأ للفلاحين الفقراء الذين دفعهم الفقر و القروض الفلاحية إلى بيع أراضيهم لقوى الاستغلال الجديدة بابخس الاثمان في احسن الظروف، و التي تطمح إلى أن تملك رأسمالا كبيرا عن طريق الاستثمار في المجال الفلاحي لعجزها في ميدان الاستثمارات الصناعية و المالية نتيجة ضغط الرأسمال المركزي خاصة في ظل العولمة الليبرالية المتوحشة ، فلم تجد إلا أراضي الفلاحين الفقراء لتبتلعها و تبني السدود عليها في ظل الحماية القانونية للإستثمار في المجال الفلاحي ، هذه القوانين التي تشرعن لضرب حق الفلاحين الفقراء في الأرض و الماء و الثروات الطبيعية و تنمية الثقافات الشعبية خاصة الأمازيغية ، كما يعمل تحالف قوى الاستغلال الجديدة على تفويت المؤسسات الصناعية و المالية الوطنية بعد نهبها و التي بنيت بعرق جبين الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، و ذلك من أجل الاغتناء و تسريح العاملات و العمال في ظل الحماية القانونية لمدونة الشغل الرجعية . أمام الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المزرية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين تطرح الضرورة التاريخية لبناء التنظيم السياسي المستقل لهذه الطبقات ، الذي يجب أن يرتكز عمله على الصراع من أجل تقرير مصير الشعب المغربي ، و لن يتأتى ذلك إلا من خلال الصراع الفكري و الأيديولوجي و السياسي و الحركات الاجتماعية للطبقات الشعبية في ظل الممارسة العملية للنظرية الماركسية اللينينية .
هجوم قوى الاستغلال الجديدة على الحركة الماركسية اللينينية :
خلال العقد الأول من الاستقلال الشكلي ثم حسم السلطة لصلح النظام المخزني بعد القضاء على التنظيمات الذاتية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء / جيش التحرير بالبوادي و المقاومة بالمدن ، و قمع حركة اليسار بصفوف الحركة الوطنية و احتواء القيادات البورجوازية للأحزاب و النقابات المنحدرة منها و سن دستور ممنوح يشرعن للحكم المطلق ، و كان رد فعل الشعب المغربي قويا من خلال الانتفاضات الشعبية و خاصة انتفاضة مارس 1965 التي تعامل معها النظام المخزني بمزيد من إراقة الدماء و حل المؤسسات المزورة و إعلان حالة الاستثناء ، الشيء الذي يبرز الوجه الحقيقي للنظام الذي يستمد شرعيته من القمع و الاستبداد باعتباره نظاما دمويا ، في ظل التبعية للرأسمال المركزي ووكلائها من أجل حماية مصالحها . و أمام هجوم قوى الاستغلال الجديدة و عدم قدرة القيادات البورجوازية للأحزاب و النقابات على قيادة النضالات الشعبية ، نشأت تنظيمات الحركة الماركسية اللنينية كتعبير عن رفض خضوع الأحزاب للنظام المخزني و التخلي عن نضالات الطبقات الشعبية ، و التي رفعت شعار الثورة في مواجهة الهجوم المخزني كامتداد للانتفاضة الشعبية بالبيضاء خاصة في صفوف التلاميذ و الطلبة و استهداف الطبقة العاملة بالمدن و الفلاحين الفقراء بالبوادي ، و رغم انحصار فعلها قي صفوف الشبيبة إلا أنها استطاعت نشر الفكر الماركسي اللنيني تحت نيران القمع المخزني .
و ككل الأنظمة المستبدة برزت تناقضات النظام المخزني بين مختلف قوى الاستغلال الجديدة و انفجرت في محاولتين انقلابيتين عسكريتين ، الشيء الذي يدل على هشاشة النظام المخزني الذي يتسم بالتناقضات الداخلية التي تميز الأنظمة الرأسمالية التبعية باعتبارها خادمة الرأسمال المركزي كنظام تناحري ، و الذي يستعد في كل وقت للتخلي عن دعم الانظمة التبعبة عندما لا يرى مصلحة في حمايتها ، و في الوقت الذي دخلت فيه القيادات البورجوازية للأحزاب الإصلاحية في تصالح مع النظام في ظل مزيد من تضييق الخناق على الحريات العامة ، يبقى مشروع اليسار الجذري القوة الوحيدة التي تحمل مشعل النضال و المقاومة ضد شراسة القمع المخزني .
في الوقت الذي عملت فيه القيادات البورجوازية بالأحزاب الإصلاحية و النقابات التابعة لها على التوافق مع النظام للحصول على مواقع سياسية داخل المؤسسات المزورة ، تم تنظيم هجوم شرس على قوى اليسار الجذري من طرف النظام المخزني الذي عمل على اعتقال و اختطاف و اغتيال قياداتها التاريخية و مناضليها و على رأسهم الشهيد عبد اللطيف زروال ، وقمع حركات التلاميذ و الطلبة و مواجهة الانتفاضات الشعببة بالرصاص و التي لعب فيها مناضلو اليسار الجذري أدوارا طلائعية ، و تم سن قوانين تضرب حرية التنظيم و الرأي و التعبير و تشرعن للإستبداد و الحكم المطلق.
و واجه المناضلون اليساريون الجذريون القمع الشرس للنظام المخزني داخل السجون و بالمنافي بمزيد من الصمود و التحدي و النضال السياسي و الفكري و الايديولوجي ، و لعبت عائلات المختطفين و المعتقلين و المناضلين اليساريين بالخارج أدوارا طلائعية في الصراع من اجل إطلاق سراح المعتقلين، في الوقت الذي تعقد فيه القيادات البورجوازية للاحزاب و النقابات الاصلاحية الالتزام بما يسمى بالسلم الاجتماعي لتمرير السياسات الليبرالية التبعية ، لكن صمود المناضلين داخل و خارج السجون و بالمنافي بعد عقدين من النضال أرغمت النظام و لأول مرة على الاعتراف بوجود المعتقلين السياسيين و بالتالي إطلاق سراحهم في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات من القرن 20. هكذا بدأت مرحلة جديدة من النضال الديمقراطي الجذري الذي يستهدف أولا إعادة البناء التنظيمي في ظل توفر الشروط الدنيا لممارسة الحريات العامة ، التي تم تحقيقها بالنضال و الصمود في مرحلة القمع الأسود لمواجهة هجوم النظام المخزني ، و ثانيا من اجل إقرار ديمقراطية حقيقية و عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية و الاقتصادية و بناء دولة وطنية ديمقراطية شعبية .
اليسار الجذري في مواجهة العولمة الليبرالية المتوحشة :
إن ما أقدم عليه النظام المخزني في سنوات القمع الأسود لا يختلف عما تم التخطيط له خلال مؤامرة 1956 بعد انتقال السلطة من تحالف الإقطاع و الاستعمار إلى تحالف الإقطاع و البورجوازية الكومبرادورية باعتباره استعمارا جديدا ، و الذي يهدف إلى إخضاع الشعب المغربي و ضمان تدفق الثروات الطبيعية لصالح الرأسمال المركزي ، و تنفيذ سياسات المؤسسات المالية الدولية /البنك الدولي و صندوق النفد الدولي و منظمة التجارة العالمية ، و فتح الابواب أمام الشركات المتعددة الإستيطان بعقد شراكات التبادل الحرة غير المتكافئة من أجل مزيد من الاستغلال المكثف للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و تهميش الكادحين . إن الهجوم المكثف للعولمة الليبرالية المتوحشة على ثروات الشعوب تزامن مع سقوط تجارب الاشتراكية المطبقة بالإتحاد السوفياتي و شرق أوربا ، مما فسح المجال أمام الإمبريالية و الصهيونية لإخضاع الأنظمة الرجعية بالدول التابعة و بالتالي التراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها بعد النضال المرير خلال سنوات الرصاص ، الشيء الذي شجع إشاعة المفاهيم البورجوازية في أوساط الطبقة البورجوازية الصغرى بالأحزاب اليسارية و الديمقراطية التي تخلت عن مفاهيم الإشتراكية كمرجعية التنظيمات اليسارية ، الشيء الذي جعل المناضلين الديمقراطيين ينبهرون أمام التحولات التي عرفها العالم بعد سقوط جدار برلين لينساغوا وراء الطروحات البورجوازية باعتبارها قدرا محتوما على البشرية ، و تحولت بعض الأحزاب اليسارية إلى أحزاب اجتماعية ديمقراطية تخلت عن مصالح الطبقات الشعبية و استطاع النظام المخزني احتواءها. و وفاء لمبادئهم التاريخية و الايديولوجية و السياسية عمل مناضلو السيار الجذري على مواجهة هجوم العولمة الليبرالية المتوحشة ، و ذلك بالتشبث بالنظرية الماركسية اللينينية باعتبارها النظرية العلمية القادرة على تحليل التناقضات التاريخية للرأسمال باعتباره نقيض مصالح الطبقة العاملة و العامل الأساسي في الصراع التاريخي بين المنتجين المبدعين و العولمة الليبرالية المتوحشة كأقصى أشكال تطور الرأسمالية الإمبرليالية ، و لم ينساغوا أمام طروحات الإحباط التي يتبناها أصحاب الإنبهار و المهرولون وراء إغراءات ما يسمى بالعهد الجديد و الإنتقال الديمقراطي ... و لم تستطع حكومة التناوب المخزني الصمود أمام التناقضات التاريخية للسياسة الليبرالية التبعية أكثر من أربع سنوات من النكسات و اجترار مخلفات الماضي الأليم ، ويبقى الصراع مفتوحا في ظل الهجوم على مصالح الطبقات التي لها المصلحة في التغيير من طرف قوى الاستغلال الجديدة .
الحركة الماركسية اللينينية من المواجهة إلى الاستشهاد :
يقول الشاعر الكبير أمل دنقل :" ليس من يكتب بدم القلب كمن يكتب بالحبر " . و يقول الشهيد عبد اللطيف زروال في حق أبيه : " ..أنت أبي الذي صنعتني ثوريا .." و يكتب الشهداء صفحات التاريخ بدم القلب ، يكتبون بطولات تاريخية لا تنمحي فداء للوطن و دفاعا عن حرية الشعوب ، و ليس من السهل الكتابة بدم القلب ... ففي الوقت الذي يتم فيه الهجوم على مكتسبات حركة التحرر الوطني خلال الستينات من القرن 20، استفاقت البورجوازية المتوسطة .... وفتحت جفونها لتمتطي كراسي الذل و الهوان ، و غضت الطرف عن صيحات جماهير العاملات و العمال و الفلاحات و الفلاحين الفقراء و الكادحين... استفاقت على شهوة الحكم لتحول آمال الشعوب إلى كوابيس تطارد المقاومين و تحارب المناضلين ... و يكتب شهداء التحرر الوطني صفحات من التاريخ المجيد، و يكتبون بدم القلب ... الشهيد القائد عبد اللطيف زروال أحد هؤلاء الذين كتبوا يوما بدم القلب فداء للوطن و التحرر و الديمقراطية و الاشتراكية ، في أحد أيام نونبر من سنة 1974 قدم الشهيد روحه الزكية دفاعا عن مباديء الحرية و من أجل بناء مجتمع اشتراكي ينمحي فيه استغلال الإنسان للإنسان ... زروال الذي كرس حياته من أجل وضع أسس بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين في مواجهة البورجوازية و الامبريالية . الشهيد زروال قائد الحركة الماركسية اللينينية المغربية و مؤسسها " تحت نيران العدو" كما تقول الوثيقة المرجعية التاريخية و الايديولوجية ل "منظمة إلى الأمام" " لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو " : " لقد أظهر لنا لينين فيما قبل أن تطور الوعي الثوري لدى الطبقة العاملة , لا يمكن أن يتم إلا بتحريك كل طبقات الشعب...., فبالأحرى في بلد كالمغرب, حيث يتكون ثلثا السكان من الفلاحين, وحيث لا تكون الطبقة العاملة نفسها إلا قسما قليلا من مجموع سكان المدن. إذن يمكننا الوصول إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل في إنطلاق الحرب الشعبية, التي توجد من بين شروطها الأساسية إنطلاق النضالات السياسية والثورية لجماهير البوادي, ويبقى نمو هذه النضالات نفسه مرتبطا بنمو النضالات في المدن, في نفس الوقت الذي يكون عاملا قويا للدفع بتبلور الوعي البروليتاري, ولبناء قيادة الطبقة العاملة في الجبهة الثورية للعمال والفلاحين. ومرة أخرى فإن بناء جبهة ثورية كهذه وبناء قيادة بروليتارية, ليس بناء اليا, اكاديميا : إعطاء العلم من المثقفين إلى العمال ومن جماهير العمال إلى جماهير الفلاحين, هذا البناء هو تحريك دياليكتيكي للعناصر المتقدمة أكثر التي تتأصل وتتجذر اليوم موضوعيا داخل قوى الشباب وداخل مجموع الجماهير الثورية في البلاد, أي داخل جماهير الفلاحين وفي نفس الوقت داخل الطبقة العاملة ". إن الشروط الموضوعية للنضال الثوري الذي من أجله ناضل الشهد القائد عبد اللطيف زروال مازالت قائمة اليوم و إن اختلفت معالمها ، فإن أسباب النضال الثوري قد تعمقت في ظل هجوم العولمة الليبرالية المتوحشة و وكلائها.
يقول أحد رفاق الشهيد القائد عبد اللطيف زروال : " تذكرت غبطتك بالحياة ، و أيضا عزمك و صرامتك في النضال ، هاتين الميزتين اللتين تحليت بهما إلى حد الاستشهاد ... يا معلمي/ فضلك علي كبير ، ولكن كونك معلمي هي العلامة التي بقيت محفورة في داخلي بعمق أكبر ، فرغم كل سنوات النضال، و أي نضال ، بقيت بورجوازيا ، و رغم صعوبات السرية الجمة جعلتني أكتشف بفضلك ... الواثق أدق حركات السلوك البروليتاري ، العناية التي توليها لأبسط الأشياء في الحياة اليومية ، الانضباط الذاتي أصبح طبيعيا ، قيامك التلقائي باسط الأعمال في الحياة الجماعية ، و في كل هذا كنت تتصرف بظرافتك المعهودة..." الشهيد القائد زروال وكما يشهد بذلك من عاصروه من المناضلين ، كان مناضلا محنكا يمتلك القدرة على الإقناع بفضل تكوينه و حركيته ، استطاع الإلتحاق بقيادة "منظمة إلى الأمام" و هو لا يتجاوز من العمر 19 عاما في سنة 1970 ، و ساهم بشكل كبير في وضع الأسس النظرية للحركة الماركسية االينينية المغربية ، و تم اختطافه يوم 5 نونبر 1974 من طرف الأجهزة السرية البوليسية المغربية ، و تعرض للتعذيب الوحشي نتيجة صموده في وجه الجلادين وكيف لا و هو من صاغ كراس : " كيف نتجاوز القمع و نصمد في وجهه " . كان والده المقاوم الحاج عبد القادر زروال أول من تعرض للتعذيب النفسي بعدما تم اختطاف الشهيد عبد اللطيف زروال بشارع الزرقطوني بالبيضاء ، حيث تمت مداهمة منزله من طرف الأجهزة البوليسية بمدينة برشيد و اعتقلته هو و أم الشهيد ، لتقودهما إلى المعتقل السري المشؤوم درب مولاي الشريف الذي يوجد به الشهيد معتقلا و يتعرض للتعذيب تحت مسامع والديه ، و في يوم 14 نونبر 1974 استشهد القائد عبد اللطيف زروال تحت التعذيب الوحشي للجلادين ، و لم يستطع والده التأكد من مصيرالشهيد إلا أثناء محاكمة رفاقه سنة 1976 الذين أكدوا خبر استشهاده ، حيث تم نقل جثمانه إلى مستشفى ابن سينا بالرباط على أنه مات موتا طبيعيا تحت اسم عبد اللطيف بن عبد القادر المزداد بتافراوت على عكس هويتة المعروفة ب "عبد اللطيف زروال" المزداد ب "برشيد"، من هنا يتضح مدى استعداد النظام المخزني خلال سنوات الرصاص لاقتراف أبشع الجرائم على وجه الأرض ضد المناضلين الماركسيين الذين يرى فيهم عدوه الذي يهدد لكيانه . فمنذ الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس بالبيضاء فرض النظام المخزني حالة الاستثناء و سلط القمع على مناضلي الحركة الماركسية اللينينية خلال سنوات السبعينات و الثمانينات ، و تعتبر تجربة "منظمة إلى الأمام" من بين التجارب الرائدة إن على مستوى الزخم النضالي و تضحيات المناضلين أو على مستوى الإبداع الفكري و النظري ، و عرفت المنظمة عدة مراحل متميزة من تاريخها النضالي و هي :
مرحلة النشأة الممتدة بين غشت 1970 و نونبر 1974 : التي عرفت بلورة النظرية الماركسية اللينينية في صفوف مناضليها كهوية ايديولوجية و سياسية ، في مواجهة الفكر البورجوازي الليبرالي و الامبريالية الرأسمالية من أجل بناء المجتمع الاشتراكي كمجتمع انتقالي من النظام الرأسمالي إلى النظام الشيوعي ، و شكلت وثيقة "سقطت الأقنعة ، فلنفتح طريق الثورة " الأرضية الايديولوجية و السياسية التي تم اعتمادها بعد الانسحاب من حزب التحرر و الاشتراكية ، كما شهدت هذه المرحلة اعتقالات واسعة في صفوف الحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة قيادات "منظمة إلى الأمام" و من بينهم الشهيد القائد عبد الطيف زروال ، الذي ساهم بشكل كبير في وضع الأسس الايديولوجية و السياسية للمنظمة و على رأسها : تشخيص التناقضات الأساسية للمجتمع المغربي . مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية . الجبهة الوطنية الديمقراطية الشعبية . الدور المركزي للطبقة العاملة في التغيير . مفهوم الكفاح الجماهيري المنظم و الطويل النفس . مفهوم بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين . المرحلة الثانية الممتدة من نونبر 1974 إلى أوائل 1976 : التي واصل فيها ما تبقى من المناضلين خارج الاعتقال نضالاتهم خاصة في صفوف الطلبة و المثقفين، و بالرغم من ضعف التواجد داخل الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين فإن عملهم كان متمركزا داخل الإطارات الجماهيرية و خاصة داخل النقابات العمالية و الطلابية و الجمعيات الثقافية ، و مواجهة النظام المخزني و ذلك بإبراز تناقضاته بالدعاية ضد المواقف المخزنية من قضية الصحراء ، إلى أن تم اعتقال ما تبقى من القيادات في نونبر 1976. المرحلة التالثة الممتدة ما بين 1976 و نهاية 1986 : التي عرفت عدة محاولات لإعادة البناء التنظيمي و إفراز قيادة ثانية للمنظمة ، كما عرفت محاكمة القيادة الأولى بعد نضالات مريرة داخل المعتقلات السرية توجت بالمحاكمة العلنية التي حولها الماضلون إلى محاكمة النظام المخزني ، حيث لم يقوموا بالدفاع عن النفس بقدر ما قاموا بالهجوم على النظام المخزني و فضحه و إبراز مشروعهم المجتمعي الثوري ، إلا أن الإعتقالات التي مست صفوف المنظمة في نهاية 1985 قد حالت دون إعادة البناء التنظيمي. وتعتبر وثيقة "سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق للثورة " الوثيقة الايديولوجية و السياسية ل "منظمة إلى الأمام" التي ساهم في إنجازها بشكل كبير الشهيد القائد عبد اللطيف زروال ، و تعتبر الأطروحة الثورية الكفيلة بإنجاز مهمة بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين و تشتمل على : موقع حزب التحرر و الاشتراكية كامتداد للحزب الشيوعي المغربي بين تكتل الأحزاب البورجوازية الوطنية . مواقف الحزب التي تعبر عن الروح الطبقية البورجوازية و التي لا تختلف عن مواقف السياسيين البورجوازيين العرب المتخاذلة اتجاه قضايا الشعوب و على رأسها القضية الفلسطينية. إنطلاقا من وضعية الحزب هذه لم يبق أمام المناضلين الثوريين بداخله إلا الإنسحاب و بناء حركة ماركسية لينينية في أفق بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و من أجل ذلك تم تشخيص التناقضات الطبيقية بالمجتمع المغربي و إبراز القوى الثورية المتواجدة بالمغرب ، و هكذا تقسم الوثيقة الطبقات في المغرب إلى ثلاث طبقات رئيسية و هي :
الأوليغارشية الكومبرادوري :
تملك القرار السياسي و الاقتصادي و مدعومة من طرف الرأسمال المركزي و تمارس نظام الحكم المطلق حفاظا على مصالح الرأسمالية، و التي يعتمد على الأجهزة البوليسية السرية و العلنية في قمع الحركات الاجتماعية لضمان استمراريتها في الحكم .
البورجوازية الليبرالية :
و تتكون من البورجوازية المتوسطة و الصغيرة و تشتمل المقاولين الصناعيين المتوسطين و الصغار و التجار المتوسطين و البورجوازية القروية المكونة من الفلاحين الأغنياء و صغار و متوسطي الملاكين ، و هذه الطبقة معاني من الاضمحلال نظرا لطغيان الحكم المطلق للأوليغارشية الكومبرادورية ، كما تشمل هذه الطبقة البورجوازية الصغرى وهي تتكون من أصحاب المهن الليبرالية أي المثقفون ، أساتذة التعليم الثانوي و المعلمون ، و كذا طلبة الجامعات و التقنيون المتوسطون و الموظفون الصغار و المتوسطون و صغار التجار و الصناع التقليديو المتوسطون باستثناء الفئات العليا التي تساهم فعلا في بناء البورجوازية البيرقراطية، و هاتين الطبقتين مهددتين بالإفلاس جراء سياسة النهب التي تمارسها الأوليغارشية الكومبرادورية . الجماهير الكادحة : و تتكون من البروليتارية الصناعية و المعدنية والفلاحية و الفلاحون الفقراء و الخماسة و العمال المؤقتون و عمال الموقف و الباعة المستقلون و المستكتبون و الحرفيون الصغار و البروليتاريون العاطلون و النساء و مجموع شبه البروليتاريا . و تعتبر الوثيقة البروليتارية الصناعية و المعدنية القوة الأساسية للثورة و أما الفئات الأخرى من البروليتارية الفلاحين الفقراء فتكون القوة الحاسمة للثورة .
و وضعت الأسس النظرية للثورة بالمغرب انطلاقا من :
استراتيجية الثورة :
تربط الوثيقة القضايا الإستراتيجية للثورة بالمغرب بالإستراتيجية الثورية العربية المرتبطة بدورها بالثورة العالمية ، و تعطي امكانية قيام الثورة خلال السنوات القادمة انطلاقا من معطيات تحليل القوى المتواجدة بالمغرب و النضالات الهامة للطبقة العاملة وأزمة الرأسمالية على الصعيد العالمي ، كما ترى احتمال التدخل الامبريالي ضد الثورة نظرا لموقع المغرب في الاستراتيجية الامبريالية .
دور الحزب الثوري :
تعطي الوثيقة الإهمية القصوى للحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين الذي يعتمد الايديولوجية الماركسية اللينينية المندمجة في الواقع الملموس للبلاد و للثورة العربية ، و تعتمد الهيكلة الحزبية المركزية الديمقراطية بالتفاعل الإيجابي بين القمة و القاعدة و بين النظرية و التطبيق ، و اعتماد السرية التامة من طرف المناضلين على أساس الممارسة النضالية الملموسة و النقد و النقد الذاتي و نبد كل نزعة فردية خدمة للثورة . و كان للشهيد القائد عبد اللطيف زروال الدور الهام في ترسيخ أسس البناء النظري و التنظيمي للحركة الماركسية اللينينية المغربية في مرحلتها الحاسمة و هي مرحلة التأسيس ، و نظرا لدوره الفعال في بلورة الفكر الماركسي اللينيني انطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس و إدماج التجارب الثورية الماركسية الناجحة و خاصة التجربة الصينية و نقد التجربة السطالينية و الأحزاب التابعة لها ، لم يبق أمام النظام المخزني باعتباره نظاما دمويا إلا اختطاف الشهيد و اغتياله في ظروف القمع الأسود المسلط على مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و ها نحن اليوم نحيي ذكريات الشهداء في ظل تملص النظام المخزني من إجلاء الحقيقة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ذلك بمحاولة الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية و الاقتصادية ، و يبقى إحياء ذكريات الشهداء مناسبة لفضح السياسات الليبرالية التبعية الممخزنة و المطالبة بالحقيقة و الإنصاف.
الحركة الاحتجاجية بالريف / الحسيمة بين الماضي و الحاضر :
عرف الريف المغربي( المنطقة الشمالية) عبر تاريخه الطويل حركة اجتماعية متميزة نظرا لموقعه الجيو- سياسي ، فمنذ الغزو الروماني لشمال أفريقيا و المنطقة تعرف تفاعلات سياسية و عسكرية حولتها إلى موقع ذي مظاهر سوسيو- ثقافية ذات أبعاد ثورية ، فمع غزو القوتين العسكريتين الكولونياليتين الفرنسية و الإسبانية لشمال المغرب في العقد الثاني من القرن العشرين و المنطقة تقاوم ، و تعتبر ملحمة " أنوال " بقيادة الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي أروع ما أنجزته الريف / الحسيمة من بطولات تاريخية ، أبهرت الدارسين لتاريخ مقاومة الشعوب للإحتلال العسكري الإستعماري و أصبحت من بين التجارب الإستراتيجية العالمية في مجال حركة التحرر الوطنية ، و هي التي ركزت بعد المقاومة الشعبية ضد اضطهاد الدولة بالمغرب مع تأسيس " جيش التحرير " بالشمال بقيادة الشهيد عباس المساعدي ، و الذي لعب دورا أساسيا في مقاومة الإستعمار المباشر الفرنسي والإسباني للمغرب ، و لم تقف ثورة الريف / الحسيمة عند هذا الحد بل لها امتدادات حتى في مرحلة الإستقلال الشكلي مع الإنتفاضة ضد استبداد النظام المخزني في 1959 و التي تم قمعها بالحديد و النار ، و هكذا نهج النظام المخزني سياسة التهميش ضد الريف / الحسيمة التي يعرف أن لها دورها في استقرار و زعزعة الأوضاع السياسية بالبلاد . إن الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية المزرية لأهل الريف / الحسيمة ما هي إلا نتيجة للسياسة المخزنية المتبعة ضد امتدادات حركة التحرر الوطني بالمغرب ، هذه السياسة التي حولت المنطقة إلى بؤرة لترويج المخدرات و السلع المهربة من أوربا و تصدير اليد العاملة الرخيصة إلى دول أوربا الغربية ، و التي نشرت الفقر و الأمية في صفوف الريفيين الذين بدورهم يقاومون هذه السياسة بالصمود في وجهها بالتشبث بالخصوصيات الإثنو- ثقافية ، التي تعتبر الأمازيغية الركيزة الأساسية لها و التي تعطي لموقف المقاومة بعدا تاريخيا يتحدى هجوم النظام المخزني و تهميشه للمنطقة ، إن الصراع التاريخي بين الريف/ الحسيمة و النظام المخزني بالمغرب لا يمكن تحليله بمعزل عن الصراع التاريخي للريفيين ضد التدخل الأجنبي و من أجل التحرر و تقرير المصير ، و سيبقى صراعا مفتوحا ما دامت مظاهر التدخل الأجنبي قائمة و لن يهدأ إلا عند نفي هذه المظاهر التي أصبحت عائقا أمام استقرار الأوضاع بالمنطقة . إن الأوضاع المزرية التي تعيشها الريف / الحسيمة بعد كارثة الزلزال ما هي إلا وجه آخر من الأوجه المظلمة للنظام المخزني بالمغرب ، و الذي يعبر عن استمرار السياسات المتبعة اتجاه الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية للريفيين منذ أمد بعيد ، ففي الوقت الذي يحاول فيه النظام المخزني الظهور بمظهر المعني بالأوضاع الريفية يجد فيه نفسه بعيدا كل البعد عن هموم الريفيين و تطلعاتهم ، و وجد نفسه خجولا أمام مطالب السكان التي فاقت المنظور المخزني الضيق لكارثة الزلزال التي حاول استغلالها لفتح باب " التصالح " مع الآخر / النقيض التاريخي ، و كعادته حيث يحاول النظام المخزني استغلال جميع الأحداث في الأفراح و الأطراح لإبراز وجهه بحثا عن الشرعية التاريخية التي افتقدها في سنوات القمع الأسود ، حاول فاشلا استغلال مأساة " زلزل الحسيمة " للظهور بمظهر البريء متجاهلا بصمات الماضي الأليم التي مازالت موشومة في وجه الريف / الحسيمة معقل ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي . إن أرض الثورة لا يمكن أن تبقى عاقرا حيث الخصوبة لا تنقع خاصة في ظل التشبث التاريخي بالخصوصيات الإثنو ـ ثقافية في لبعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ذات الشرعية التاريخية ، و كانت الكارثة الأليمة لزلزال الحسيمة مناسبة لتعرية وجه النظام المخزني مرة أخرى حيث وجد أمامه حركة مجتمعية متقدمة تجاوزت أساليبه المعهودة ، فكانت حركة المجتمع المدني بالحسيمة أروع ما أنجبته الريف في الآلفية الثالثة و التي تعتبر الإستمرارية التاريخية للثورة الريفية ، لكن إرادة النظام المخزني في الهيمنة على الأوضاع بقوة السيادة المهيمنة وضعته في صراع مع القوى البشرية بالريف / الحسيمة التي لم يستطع احتواءها ، و التي لها المبادرة في الحركة و التدخل ليس فقط أثناء كارثة الزلزال بل في كل المناسبات التي يتم فيها تهديد كيان الريفيين ، و تراجع النظام المخزني أمام دينامية حركة المجتمع المدني بالريف / الحسيمة محاولا الحفاظ على ماء الوجه في نفس الوقت الذي يضرب فيه ألف حساب و حساب لمواجهة الموقف . و بقيت الأوضاع على ما هي عليه دون أن يصل النظام المخزني إلى هدفه في احتواء حركة المجتمع المدني التي فاقت تطلعاتها ما يطمح إليه من هيمنة ، فكان لابد من الاصطدام و كعادته تدخل بكل عنف أمام المطالب المشروعة لحركة مجتمعية حضارية أمام كارثتين الطبيعية و المخزنية ، و في ظل صمت ما يسمى بالمجتمع السياسي الذي لا يستطيع الخروج من دائرة الطاعة المخزنية في وقت يتم فيه محاولة تمرير قانونين خطيرين ، الأول قانون الأحزاب الذي يسعى إلى تحويل هذه الكائنات إلى منافسين حول التفوق في تنفيذ برامج النظام المخزني ، و الثاني قانون منع الإضراب الذي يكبل أيادي الطبقة العاملة و يصادر منها آلية من آليات الدفاع الذاتي المشروعة التي تم تحقيقها عبر نضالات تاريخية مريرة تم فيها إراقة دماء العاملات و العمال ، و كان لابد للنظام المخزني من التدخل بالقمع المعهود ضد حركة المجتمع المدني بالريف / الحسيمة و اعتقال المناضلين وإقامة محاكمات صورية لهم لتجسيد كيانه كنظام تناحري .
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعيقات الأساسية لنشر ثقافة حقوق الإنسان و دور المجتمع المد
...
-
اللجنة الوطنية لدعم عمال منجم إيميني
-
الحزب السياسي الثوري و تطور التكوينات الاجتماعية
-
الحركة السياسية و النقابية و تطور التكوينات الاجتماعية
-
عن اللجنة المحلية للعمل من أجل انقاد حياة المناضل النقابي و
...
-
نداء اللجنة المحلية للعمل على ا نقاد حياة المناضل الحقوقي و
...
-
إضراب لا محدود عن الطعام ابتداء من اليوم الاربعاء 29 دجنبر 2
...
-
وفاة مواطن بمخفر الشرطة بتارودانت بالمغرب في الذكرى 56 للإعل
...
-
وقفة احتجاجية أمام إدارة صوديا بأولاد تايمة بالمغرب ضد تصفية
...
-
ملف الانتهاكات الجسيمة بالريف/الحسيمة بالمغرب
-
نداء هيئات التنسيق بورزازات بالمغرب
-
دور البعد الهوياتي للأمازيغي في النضال الديمقراطي الجذري
-
من البعد القومي للقضية الفلسطينية إلى الإنتفاضة الشعبية
-
نداء عائلة المختطف عمر الوسولي من أجل الكشف عن مصير ابنها
-
حملة التضامن مع مناضلي حركة المجتمع المدني بالريف / الحسيمة
...
-
الحركة الإحتجاجية بالريف/الحسيمة بالمغرب بين الماضي و الحاضر
-
الإحتجاج ضد رفض اطلاق سراح المناضل الحقوقي والنقابي خويا محم
...
-
هجوم العولمة الليبرالية المتوحشة على ثروات الشعوب في ظل سياس
...
-
معاناة أسرة من الطبقات الشعبية نتيجة تظاهر التلاميذ ضد الحرب
...
-
الأسس الأيديولوجية و السياسية للسياسة التعليمية الطبقية بالم
...
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|