نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
جرت انتخابات بلدية في دولة عربية فاعلة وكبيرة تمخضت عن اكتساح "الإسلاميين" لهذه الانتخابات, وتصدرهم مختلف القوائم الإنتخابية, مما استدعى "احتجاج و" زعل" البعض من هذه النتائج, ومشككا في العملية الديمقراطية برمتها. ومهما كان من أمر,والكلام عن التجربة وتقييمها ,وبعيدا عن تحليل المطبلين لها ,أو الناقمين عليها , فإن النتيجة كانت منطقية ولا يمكن أن تعطي أي نتيجة أخرى غير ذلك في ضوء المعطيات الموجودة على أرض الواقع.فلو فاز فيها ,ومثلا ,شيوعي ,أو قومي ,أو حتى إسلامي معتدل ,فستعتبر وبجزم مطلق مزورة, لأنه,وببساطة, لا وجود ولا اعتراف بأي واحد من هؤلاء على أرض الواقع. ولو نظرنا للموضوع بعين واقعية لتأكدنا بالفعل أن هذه الانتخابات كانت منطقية,وحقيقية وصادقة, في ضوء عدم وجود قوى سياسية أخرى على هذه الساحة أو غيرها ,وتم تغييبها فعلا, وعمدا,عبر سنوات طويلة من الإقصاء والتغييب والتهميش,وإظهار لتيار بعينه واحد ووحيد وأوحد على الحلبة . ولا بد في هذه الحالة من فوز القوة الوحيدة الموجودة على الساحة, والمسموح لها بالعمل ,والتي تسيطر فعليا على الأرض ,وتحتل المنابر ,والجوامع ,وتكتسح كل الوزارات,وتشمل سطوتها الفضائيات وأبواق الإعلام المختلفة,وتوجه المناهج, وتضع الخطط التربوية التي لا تسمح لمجرد نسائم التفكير من أن تهب, ولا حتى من أي فكرة عارضة, وشاردة ,وغير مقصودة مخبأة بين دفتي أي كتاب يلتهم عقول التلاميذ والأطفال بأفكار الظلام وحكايات الجن والعفاريت والثعبان ,وحتى لو كانت لعلاء الدين ,والبوكيمون وسندباد.ونتذكر جميعا الحملات المتتابعة التي كانت تستهدف بعض برامج الأطفال باعتبارها تحرفهم عن "الصراط المستقيم" . وعندما كانت تبدو على أي طالب أي مظهر من مظاهر النبوغ والتفوق ,كان يستلمه "الشباب" ليسوقوه إلى "حتفه الفكري" ,ويضعونه في أحد الكهوف والغيتوهات بحيث لا يصحو في أي من الألفيات القادمات,وعند ذلك فقط, يطمئن لهم الحال.
وهل توقع أحد من الفطاحل فوز حزب للخضر مثلا ,أو البيئة,أو للملكية الدستورية ,أو الإشتراكية ,أو أي حزب علماني أو ماركسي ,أو حتى قومي تعيس ومنكوب يردد الكليشيهات الأبديات ,أو حتى "حزب الله الغالبون",في ضوء تحريم وتجريم لكل الأحزاب والمنظمات والنوادي والجمعيات واعتبارها في حكم الردة والهرطقة, ولو ارتدت أطهر الأثواب ,وتبنت الشعارات اللاهوتية.فهل هناك وجود حتى لمجرد جمعية للحلاقين ,أو ناد للخياطين أوتجمع للباعة الجوالين في سوق الخضار؟ أو هل يسمح حتى بمجرد بـ"صبحية" للنسوان ,أو أي تجمع من أي نوع كان؟ في ظل قوانين الطوارئ المعلنة وغير المعلنة في أكثر من مكان.و"الصبحية" في الشام,لمن لايعرف هذا المصطلح ,هي قيام مجموعة من الجارات بالتجمع "صباحا", وبالتناوب , عند أحداهن لاحتساء القهوة التركية, وتجاذب أطراف الحديث, والثرثرة والقيل والقال ,واستعراض آخر تطورات الحي من زواج وطلاق ومناحرات ومافي السوق أيضا من أزياء و"كنادر" وموديلات.
فقد غابت كل مناحي الحياة السياسية, وأنشطتها,ومنعت كليا منظمات المجتمع المدني ,ولم يسمح بالعمل إلا لهذا التيار.فمن أين سنستورد لكم شعوبا ,وأحزابا ,ونقابات ,وجمعيات ,وتكتلات ,ومنتخبين ومقترعين ينتخبون ويتنافسون في صناديق الإقتراع؟ هل من السويد ,والنرويج ,ووفنلندا واليابان ؟ فالجود من الموجود ولا شك بأن كل إناء بما فيه سينضح , وهذا الغيث من ذاك المطر,وهذا الشبل من ذاك الأسد,وكل انتخابات,إذا صحت تسميتها ,ستعكس حتما ما هو موجود على الساحة. وإذا كنا سنعرف سلفا أسماء الفائزين والتوجهات ,فما هو الداعي أصلا لإجراء مثل تلك الإنتخابات؟ ولا ننسى أنه في نفس الفترة تقريبا كان يجري الإعداد لمحاكمة ثلاثة معتقلين من الإصلاحيين رغم الإعلان الرسمي عن وجود نيات للإصلاح والتغيير والتجديد في الحياة الساسية. وفي ظل بقاء هذه المجتمعات في ظل, وضمن نطاق مفهوم "الشورى", واعتبار الديمقراطية بدعة من بدع الغرب الكافر التي لا يجب أن يؤخذ بها.
وفي الواقع إن الدول ذات اللون الواحد, والصوت الواحد, والقائد الأوحد الواحد, المرصع بالنياشين والبزات الماريشالية وصفات الخوالد والأوابد, والورع والتقوى والطهر والإيمان, لا تحتاج لأي انتخابات ,لأن النتيجة ستكون معروفة ومحسومة سلفا. وهذا ينسحب على كل الشموليات ومهما اختلفت الألوان. وهنا وفي هذه الحالة,وهذه المجتمعات ,وإضافة لما هو موجود,هناك تغييب كلي للمرأة ,ومنعها من أي نشاط يذكر, والنظر إليها باعتبارها عورة, وناقصة الكمال في أكثر من جانب وعلى غير مجال. وإذا علمنا إن الديمقراطية ,ولكي تستكمل شروط وجودها ,لا بد من وجود تنوع وتنافس وثراء في الحيز الذي يتم تطبيقها فيه. وطالما أن معظم هذه الشموليات تحرم التعدد والتنوع والثراء واختلاف الآراء ,فلا حاجة أصلا لممارسة أي نوع من الديموقراطيات لأنها وببساطة ستكون منقوصة وشكلية ولا واقعية في مطلق الأحوال.فإذا كان المرشحون الموجودون كلهم اسلاميون ,أو قوميون,أو جلهم مراؤون وكاذبون , أو حتى ماركسيون – كما كان يحدث أيام الاتحاد السوفييتي الراحل- فعلام سيتنافس القوم؟ لا شك على التشدد والغلو والتطرف, وتكريس الفكر الأحادي الذي لن يقبل المشاركة والتداول بأي حال.إذن هل يمكن القول أن لا حاجة للمجتمعات الشمولية ,ولن ينجح ,بها أي نوع من ممارسة الديمقراطية؟ولطالما أن الهدف من العملية الديقراطية هي أن تعكس كل القوى الحية والفاعلة على الأرض ,وبغض النظر عن حجمها مهما كبر أو صغر ,فهناك من ينطق باسمها تحت قبة البرلمان.وهنا وفي هذه الحالات الماثلة أمامنا, لا يوجد أي قوى,وإن وجدت فبشكل كرتوني ,وكاريكاتوري,وكراكوزي ديكوراتي مضحك ومحزن بآن.
لقد كانت الديمقراطية تتويجا لنضال مرير ,وصراع فكري طويل عايشته المجتمعات التي تنعم بالديموقراطية ,وتعيش تحت ظلالها الوارفة, حتى وصلت لهذه المرحلة التي ,وبرغم ما وصلت إليه, مايزال البعض يفكر بتطويرها وإغنائها. ولقد وصلت إلى درجة من التمثيل والتسامح العرقي والحزبي والديني التي يمكن الجزم معه بأنها عادلة وشاملة إلى حد ما. فمثلا هناك ممثلون وأعضاء منتخبون لكافة الأعراق والأديان والإثنيات والتيارات والاتجاهات برغم أنهم مواطنون بالتجنس , ويصل صوتهم إلى أعلى دوائر القرار ,ناهيك عن الأحزاب المختلفة التي تعكس كل الأطياف كبيرها وصغيرها, ,فمثلا ترى في البرلمان البريطاني أعضاء مسلمين ومسيحيين,ولا دينيين جنبا إلى جنب .فهل يسمح أحد من العربان بانتخاب أي ممثل خارج دائرة العشيرة والقبيلة والفخذ والبطن والظهر ومطلق الموالاة؟ وهل يمكن لأحد أن يحصي عدد الفئات المهمشة,والمبعدة ,والمحرومة من ممارسة كافة حقوقها الإنسانية البسيطة,وبغض النظر عن تلك التي لم تحظ بمجرد الإعتراف بوجودها.
إن اللجوء إلى نفس أساليب التزييف ,والتزوير والضحك على ذقون وشوارب وشنبات العباد, لا يعني بحال من الأحوال, سوى تكريسا للتخلف والتشرذم والإنشطار وعودة مريعة ومشينة إلى أساليب الحكم البدائية ,وتأجيجا للصراعات, وإذكاء لنار الفرقة والغليان الكامنة تحت الرماد, والتي لن يستطع أحد التنبؤ بمداها وقوتها حين تصل لمرحلة الانفجار.وإلى أولئك الذين يعيبون على البعض مجيئهم فوق ظهور الدبابات الأمريكية,فعلى ظهور أية دبابات وانقلابات أتوا هم ؟وهل هناك فرق بين الدبابات الروسية والأمريكية والفرنسية؟أم حتى أولئك الذين أتوا على ظهور المارسيدسات والكاديلاكات؟ أو بقوة الدولار وكثرة المقاولات ؟أو هبطوا بمظلة ربانية مباركة من السماء؟المهم أن أحدا لم يأت على صهوة الديمقراطية ومن صناديق الاقتراعات.
خلاصة القول ,جاءت الديمقراطية لتعبر عن التنوع ,وتعكسه حياة برلمانية صحية تتنافس فيها الأحزاب ومختلف التيارات,ولتحقق تطلعات وأهداف مختلف أطياف المشهد السياسي,ولتجسد القوى الحية والفاعلة في المجتمعات,وتبني الأوطان.فإذا لم تتوفر هذه الأشياء فسموها ما شئتم من التسميات, لكن ,ورجاء, لا تلوثوا بقية الأسماء ,والتي كانت ثمرة من ثمرات نضال الإنسانية جمعاء في بؤر النور والضياء , وضد الظلام والتحجر والانغلاق.وبدون هذا التنوع والثراء, لا داعي لكل ذاك الهراء. ودمتم ديمقراطيين, وإلى الأبد, يا شباب.
وتعلموا ,وتنعموا بالديمقراطية....... في مرابع العربان.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟