|
»ملاسنة« بين أصحاب المعالي
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاختلاف في وجهات النظر بين الوزراء.. ممكن ووارد ومقبول رغم وجودهم في الحكومة نفسها فالوزراء في نهاية المطاف بشر مثل ومثلك، ولا يمكن تصور وجود تطابق في الآراء حتي بين أفراد الأسرة الواحدة، ناهيك عن حكومة.. طويلة.. عريضة.. تضم الشامي والمغربي وأناسا من أعمار ومشارب ومدارس فكرية وسياسية مختلفة ومبدأ »التضامن الوزاري« أو المسئولية التضامنية لأفراد الحكومة لا يلغي الفروق الفردية بين الوزراء. وقد رأينا - مثلا - أن الإدارة الأمريكية خلال الفترة الرئاسية الأولي للرئيس جورج بوش الابن كانت تضم وزراء ينتمي بعضهم إلي ما يسمي بـ»الصقور« من أمثال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وينتمي بعضهم الآخر إلي ما يسمي بـ»الحمائم« من أمثال وزير الخارجية السابق كولن باول. لكن هذه التمايزات والتقسيمات بين صقور وحمائم لم تمنع من وجود حد أدني من الاتفاق علي استراتيجية محددة المعالم في السياسة الداخلية والسياسة الخارجية لا يملك أحد الخروج عليها تحت أي ظرف من الظروف. أما مناسبة هذه المقدمة الطويلة والمملة فهو ظهور اختلافات متكررة بين وزراء حكومة الدكتور أحمد نظيف ولو أن هذه الاختلافات كانت في حدود الهوامش المشار إليها آنفا لما استحقت الذكر لكن المشكلة أنها تتجاوز هذه الحدود الآمنة في بعض الأحيان، الأمر الذي يثير القلق ويبعث علي التساؤل. وأحدث الأمثلة علي ذلك ما أشرنا إليه أمس من تمايز بين موقف كل من وزير الصحة الدكتور محمد عوض تاج الدين ووزير الصناعة والتجارة الخارجية رشيد محمد رشيد. وكان مسرح هذا الاختلاف هو المؤتمر الذي عقده اتحاد الصناعات بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة عن صناعة الدواء يوم الثلاثاء الماضي. ففي هذا المؤتمر شن نقيب الصيادلة الدكتور زكريا جاد هجوما عنيفا ضد الشركات الأمريكية، واتهمها بأنها تمارس ضغوطا شديدة علي قطاع الدواء المصري لمنع إنتاج أصناف مصرية، حتي تظل الساحة خالية أمام منتجاتها دون منافس، بما يمكنها من فرض أسعار احتكارية مغالي فيها. وقال الدكتور زكريا جاد إن قيادات هذه الشركات الأمريكية دأبت في الفترة الأخيرة علي تشويه سمعة الدواء المصري، ومحاولة التشكيك في كفاءته، بل واختلال المادة الفعالة بالكثير من الأدوية المصرية. وأكد الرجل أنه سيتقدم بأوراق مهمة للنائب العام يكشف فيها عن جميع تفاصيل الحملات الأمريكية الرامية إلي تحجيم صناعة الدواء المصرية. وهذا كلام خطير بكل معني الكلمة يستحق الدراسة واتخاذ مواقف حاسمة إذا ما ثبت أنه كلام صحيح، خاصة وأنه يأتي علي لسان شخص بوزن وقيمة نقيب الصيادلة، فما بالك وأن الدكتور زكريا جاد بالذات من الشخصيات المشهود لها بالمسئولية والنزاهة! والأخطر.. أن الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة ساند اتهامات الدكتور زكريا جاد واعترف - حسب ما نسبته إليه جريدة الوفد في عددها الصادر أمس الأول السبت - بأن »هناك ضغوطا« من الشركات الأمريكية علي الدواء المصري بهدف اضعاف الصناعة المحلية«. وأدلي وزير الصحة ببيانات مفصلة عن حال صناعة الدواء المصرية منها أن مصر تنفق سنويا ما لا يقل عن 5.2 مليار دولار علي صناعة الدواء والرعاية الصحية، وأن حجم الدواء المستعمل في مصر ارتفع من 2.6 مليار عام 2003 إلي 1.7 مليار جنيه عام ،2004 وأن الانتاج زاد من 3.5 مليار جنيه إلي 4.6 مليار جنيه وقابل ذلك انخفاض في الدواء المستورد من 9.0 مليار إلي 7.0 مليار جنيه وقال الوزير إن جميع شركات الدواء في مصر حققت أرباحا طائلة بما فيها الشركات المحلية متعددة الجنسية. المفاجأة التي رصدها الزميل صلاح السعدني في جريدة الوفد هي أن وزير الصناعة والتجارة الخارجية رشيد محمد رشيد، الذي كان حاضرا المؤتمر ذاته فاجأ الحاضرين بقوله إن الارقام التي ذكرها وزير الصحة تختلف عن الأرقام التي لديه وأن صناعة الدواء المصرية تحتاج إلي استراتيجية جديدة. المفاجأة الأكبر أن وزير الصحة رد علي وزير الصناعة والتجارة قائلا »أنت متحيز وتساند الشركات متعددة الجنسيات بقوة«. ثم توجه إلي الدكتور محمد رشدي المدير العام لشركة فايزر الذي كان يجلس بالقرب منه علي منصة المؤتمر قائلا: لماذا تمارس كل هذه الضغوط علي؟!.. لماذا تشتكي في كل مكان رغم مساندتكم في كثير من المواقف؟! هذه الصورة الفريدة لتي نقلها الزميل صلاح السعدني تبعث علي الذهول. فالواضح منها أن ضغوط الشركات الأمريكية تجاوزت الحدود حتي ان وزير الصحة طفح به الكيل ولم يجد مفرا من التنفيس عن غضبه بالشكوي العلنية من وطأة هذه الضغوط. والواضح منها أيضا أن هذه الشكوي تضم وزير الصحة ونقيب الصيادلة في وقت واحد. والواضح منها كذلك أن هناك انقساما داخل الحكومة ازاء هذه القضية، لدرجة أن النقاش بين الوزيرين »تاج الدين« و»رشيد« وصل إلي هذه »الملاسنة« الخشنة. وهي ملاسنة تنم عن أن هناك »استراتيجيتين« متناقضتين تتصارعان داخل حكومة الدكتور أحمد نظيف، إحداهما تحاول حماية صناعة الدواء المصرية، والثانية لا تري حلاً سوي فتح الأبواب أمام الشركات متعددة الجنسيات علي اتساع المصاريع. ولو أن هذا الخلاف كان حول مسألة أخري غير الدواء لهان الأمر، لكنه يصبح خطيراً جداً عندما يتعلق بالدواء، أي بصحة الشعب المصري، بكل ما يعنيه ذلك من اعتبارات انسانية واقتصادية واجتماعية.. بل وأمن قومي أيضاً. والأكثر إثارة للقلق هو أن يكون هذا الخلاف الذي تفجر علناً بين وزيرين في حكومة أحمد نظيف، ووصل إلي حد اتهام أحدهما للثاني بأنه »متحيز للشركات متعددة الجنسيات«، مجرد الجزء البارز من جبل الجليد. خاصة وأن خلافات أخري بين أصحاب المعالي الوزراء قد تسربت بعض أنبائها، منها علي سبيل المثال ــ لا الحصر ــ الخلاف بين عدد من الوزراء حول استيراد اللحوم السودانية، ثم اللحوم الأثيوبية، التي سمع عنها المواطنون ولم يروا بأعينهم سوي »عينات« تافهة منها لا تسمن ولا تغني من جوع. ومنها الخلافات التي مازالت محتدمة داخل مجلس وزراء أحمد نظيف حول المشروع المسمي بـ»تطوير كورنيش النيل«. ويبدو أن محاولة التهوين من شأن هذه الخلافات أصبحت عقيمة، خاصة بعد أن تصدي المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء لـ»شائعات« التبديل الوزاري الأخير ــ الذي تبادل بموجبه الدكتور ممدوح البلتاجي وأنس الفقي حقائبهما الوزارية ــ وأكد بكلمات قاطعة أن هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة. وقبل أن يتبدد صدي كلماته المدوية كان البلتاجي والفقي يحلفان اليمين الدستورية في القصر الجمهوري! صحيح أنه يقال ان »اختلافهم رحمة« لكن هذا ينطبق علي »الفقهاء«.. أما الوزراء فاختلافهم كارثة.. خاصة عندما يكون الاختلاف حول توجهات استراتيجية.. ولاسيما عندما يدفع المواطن البسيط ثمن تلك الخلافات بين أصحاب المعالي الذين لا يمثلون ائتلافاً حاكماً يضم فصائل مختلفة بل هم جميعاً أعضاء في الحزب الوطني الحاكم منذ سنوات تستعصي علي العد!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-يد- أبو الغيط.. و-جيب- السادات
-
! شعار البنوك المصرية : حسنة وأنا سيدك
-
لمن تدق الأجراس فى بلاد الرافدين؟
-
اغرب انتخابات فى التاريخ
-
!عـــدلى .. ولينين
-
برلمان العرب .. كوميديا سوداء
-
ديمقراطية .. خلف القضبان !
-
رجل الأعمال يحاور.. ورئيس التحرير يحمل مقص الرقيب
-
لا يموت الذئب .. ولا تفنى الغنم !
-
حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة
-
إعادة انتخاب بوش أخطر من انفلاق المحيط الهندى
-
!الأعمى الإنجليزى .. والمبصرون العرب
-
الإعلام.. قاطرة الاستثمار
-
! الحكم فى نزاع -جالاوى- و -ديلى تلجراف- .. يديننا
-
مفارقة -مادونا- الأمريكية .. و-وفاء- المصرية
-
بوش وشارون .. أسوا أعداء الاستثمار فى العالم العربى
-
!درس للعرب فى الديموقراطية .. باللغة الألمانية
-
! الاقتصاد غير السياسى
-
! لكن البعض لا يحبون شرم الشيخ..
-
بيان شرم الشيخ.. الآخر
المزيد.....
-
بعد سنوات من الانتظار: النمو السكاني يصل إلى 45.4 مليون نس
...
-
مؤتمر الريف في الجزائر يغضب المغاربة لاستضافته ناشطين يدعون
...
-
مقاطعة صحيفة هآرتس: صراع الإعلام المستقل مع الحكومة الإسرائي
...
-
تقارير: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بات وشيكا
-
ليبيا.. مجلس النواب يقر لرئيسه رسميا صفة القائد الأعلى للجيش
...
-
الولايات المتحدة في ورطة بعد -أوريشنيك-
-
القناة 14 الإسرائيلية حول اتفاق محتمل لوقف النار في لبنان: إ
...
-
-سكاي نيوز-: بريطانيا قلقة على مصير مرتزقها الذي تم القبض عل
...
-
أردوغان: الحلقة تضيق حول نتنياهو وعصابته
-
القائد العام للقوات الأوكرانية يبلغ عن الوضع الصعب لقواته في
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|