|
ما كنت أحلم به (12)
خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 3836 - 2012 / 8 / 31 - 14:52
المحور:
سيرة ذاتية
(لو جمعت مكاسبك كلها في كومة واحدة وغامرت بها في جولة واحدة من لعبة رمي النقود وخسرتها جميعاً وعدت لتبدأ من جديد ولم تنبس بحرف عن خسارتك لو استطعت أن ترغم قلبك وأعصابك وأوتار جسدك كي يعنّكَ على البقاء رغم اندثارهن فتواصل المسير حين لا يبقى فيك شيء إلا الإرادة التي تقول لهن: واصلن!)*
ذكرتُ في بداية الحلقة السابقة بأنني أخصص هذه الحلقة للكتابة عن تقييمٍ سابقٍ لي لفكر مسعود البارزاني، يعود تأريخه إلى أواخر شهر أب عام 2000، وكان إستجابة لسؤال محدد لصديق زارني في ظرف معين. و ذكرت أيضاً: (ربما كان جوابي فيه كثير من الأنفعال والحدية، لاسباب تتطلعون على بعض منها في الحلقة القادمة من هذه السلسلة). كنت، وما زلت، أرى ضرورة قراءة أفكار و دراسة طريقة تفكير الأشخاص الذين لهم تأثيراً وإن كان محدوداً جداً على الأحداث الكبيرة، بسبب تعقيدات وتداخل المواضيع، وبعكسه لهم تأثير كبيرعلى حياة الناس العاديين وحقوقهم المدنية والقانونية ودفع أوعرقلة مسيرة التنوير التي يجب أن تسبق، وبالضرورة، التغييرات الجذرية في المجتمع، لإعطاءه دفعة إلى ألامام بدلا من التراجع إلى الوراء، بسبب ممارستهم لسلطات واسعة بعيدا عن أنظار (الناس)**ومسائلتهم، والتحكم بمعظم الأمور بواسطة تنظيمات سرية حتى داخل حركاتهم السياسية نفسها، وإنعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على سلوك وممارسات من يحيطون بهم أو يتبعونهم ويأتمرون بأمرهم أويقلدونهم ويستمدون منهم توجيهاتهم و بأسهم، وبالمقابل يُلونون لهم (للمسؤولين) العالم القريب - البعيد عنهم بلونين لا أكثر، بكلمة أخرى خصم أو موالي. وأن لا نتردد أو نخاف من إعلان ما نتوصل إليه من إستنتاجات بمنظور ثقافي واضح، وبفكر خالٍ من الديماغوجيا التى أضحت دستورعمل معظم السياسيين و إكسير ديمومتهم في التمسك برقاب الناس ومصائرهم، رغم كل إخفاقاتهم وهزائمهم. لولا المخزون النفطي والغاز والكبريت في العراق لكانت المجاعة سمة تُضاف إلى ما تتسم بها الحياة في بلد يخترقه نهرين عظيمين ويزحف التصحر إلى شواطئهما رويدا رويدا، وهو يرزح تحت هيمنة عقول تتراوح في مكانها إن لم تكن تتراجع إلى الخلف . غادرت العراق مع عائلتي أواخر صيف 1996 بعد أن أيقنت بأن البلد يتعرض إلى طوفان مستمر لا يستكين إلا بعد أن يجرف كل ما هو أصيل فيه، والقادمين معه( مع الطوفان) يلتهمون كل شئ مفيد و جميل وجذاب، كإلتهام أسراب الجراد الصحراوي لكل ما يصادفها أثناء هجرتها. وكانت وجهتنا كنداعن طريق تركيا ولكننا عدنا من ألمانيا عن طريق سوريا، أوائل شهر أب 2000، وكانت رحلة مليئة بالمعاني والكثير من إختبارات الإرادة وقدرة تحمل (الألام) وخوض المغامرات وقبول التحديات سيأتي دورها لسرد أجزاء منها. عندما عُدنا إلى أربيل، سكنا بإقتراح من زوجتي لائقة محمد قاسم في مسكن والدها الذي كان مؤثثا وفارغا، لكي نستفيد من مبلغ إيجار مسكني، الذي كان مؤجرا أثناء غيابنا، لكونه المورد الوحيد لتدبير أمورنا المعيشية، بعد أن فقدنا كل شئ من أثات البيت إلى الورشة الميكانيكية التي كانت في المنطقة الصناعية الجنوبية في أربيل، وإلى أن نبدأ من جديد ونقف على أرجلنا، ولم يكن ذلك مستحيلا، في تقديرنا، لأنها لم تكن التجربة الأولى. في ظل هذه الظروف زارني صديق يعمل ضمن الحلقات القريبة من قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني مصتصحباً معه بعض المؤن. مثل هذه الألتفاتة كانت طبيعية ومتأصلة في تراثنا الكوردي كتعبير عن التضامن أوالتعاطف في ظروف معينة، لربما في تراث معظم الشعوب التي مرت بمحن عصيبة وتحولات صعبة على طول تأريخها لدرجة أصبحت توفير الحاجات الأساسية، في بعض الظروف، صعبة المنال. من خلال الحديث سألني سؤالاً أدهشني كثيراً: ما رأيك ب(سه روك بارزاني) الرئيس بارزاني؟ لم تكن مثار دهشتي السؤال نفسه بل السائل ونواياه. تبادل الأفكار والأراء مع هذا الصديق "المثقف" لم يكن غريبا بيننا، وإنما كان شكي منصب في الواقع بإتجاه الدوافع التي دفعته أن يسألني هذه المرّة وفي هذه الظروف، وجدت نفسي أمام سؤال جوهري: هل هذا الرجل "المثقف" إستسلم كأخرين، وقبل أن يؤدي دور أداة لإصطيادي بإستغلال الظروف التي قد تكون بنظر الأخرين صعباً ومبرراً للإستسلام؟ لكي أحصل على جوابٍ لسؤالي سألته بدوري سؤالاً: هل تريد أن أردد ما ترددون أو أُعَبِر عن ما أنا مقتنع به بكل صراحة؟ أجاب: مثلما أنت مقتنع به طبعاً. وقلت: طريقة و ألية تفكير مسعود البارزاني مخابراتيه أكثر من كونها سياسية، سألني: ما الفرق بين الفكر المخابراتي والفكر السياسي في نظرك؟ الجواب: الفكر المخابراتي ينشغل بالماضي أما الفكر السياسي ينشغل بالمستقبل. صاحب الفكر المخابراتي غارق في قراءة تقارير عن كل ما حدث وما قيل فيما يخص الخصوم والمؤيدين على حد سواء، ولا يستثني أية وسيلة للحصول على المعلومة بدون الحساب لكل الإعتبارات، أما السياسي يهتم بما سيحدث وبإستقراء المستقبل وله منطقه وطريقة حساباته ليتحسس حركة وإتجاه المتغيرات على المدى القريب والبعيد ليٌكيف مساره وفق هذه المتغيرات قبل فوات الأوان وحصول المفاجأت. غادر الصديق وعاد بعد فترة لزيارتي وسألني: كيف تستطيع التمييز بين طريقتي التفكير اللتين أشرت إليها في المرّة السابقة. كان الجواب: من الطريقة التي يؤدون بها عملهم. صاحب الفكر المخابراتي يُفضل الأنعزال و يقبع في صومعته التى لا يصل إليها أحد من غير أعوانه أما صاحب الفكر السياسي تجده بين الناس بدون تمييز ويتحاور معهم بدون حواجز وتجده في مواقع الأحداث. صاحب الفكر المخابراتي يحاول أن يبتعد عن الناس لأنه لا يريد أن يُجيب على أسئلتهم أو تكهناتهم ويكشف أوراقه التي يحاول الإحتفاظ بها بسرية تامة، أما الأخر فهو يتواجد بين الناس ويبحث عن من يستطيع أن يجيب جواباً مقنعاً لأسئلة تشغل باله ولا يستطيع أن يجيب عليه. أحدهم يهرب من الأسئلة والأخر يبحث عن الأجوبة. بالتأكيد إن ماعبرت عنها، وقتئذ، كان فيها الكثير من الحدية وبعض التطرف وقد يعود السبب إلى أحداث تحولت إلى غصة في البلعوم كما يقولون. ففي العدد القادم سأمر على بعض الحالات التي فيها يمكن التمييز بوضوح بين طريقتى التفكير، وعن طريقة توديعنا أثناء المغادرة من إبراهيم الخليل وكيف إستقبلونا أثناء عودتنا بعد عبورنا نهر دجلة في فيش خابور( إذا كانت التسمية صحيحة). (يتبع) * مقطع من قصيدة (لو) للشاعر الإنكليزي روديارد كبلنغ، ترجمة ماجد الحيدر. يمكن الأطلاع على القصيدة كاملة على الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=321534 ** في تقديري لا وجود للرأي العام في المجتمعات التي لا تتوفر فيها الحريات التي يستطيع في ظلالها المثقفون الحقيقيون من أداء أدوارهم في تنوير عقول الناس وتبلور أرائهم بعيداعن تأثيرعادات وثقافات وقيم متخلفة، وتهديداتها، التي تخدم إستمرارية المستبدين والطغات في هيمنتهم على مصائر الشعوب والتلاعب بمقدراتهم
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعقيبا على مقال…بمنظور غير سياسي(8)
-
25// بين عامي 1984 و 1987
-
هي تسأل وهو يٌجيب
-
ما كنت أحلم به (11)
-
تعقيبا على مقال … بمنظور غيرسياسي (7)
-
من أوراق باحث عن اللجوء (3)
-
24// بين عامي 1984 و 1987
-
من أوراق باحث عن اللجوء (2)
-
ماكنت أحلم به…(10)
-
تعقيبا على مقال ... بمنظور غير سياسي (6)
-
من أوراق باحث عن اللجوء (1)
-
23// بين عامي 1984 و 1987
-
ما كنت أحلم به...(9)
-
تعقيبا على مقال...بمنظور غير سياسي (5)
-
22// بين عامي 1984 و1987
-
ما كنت أحلم به ...(8)
-
تعقيبا على مقال...بمنظور غير سياسى(4)
-
21// مابين عامي 1984 و1987
-
ما كنت أحلم به ...(7)
-
تعقيبا على مقال…بمنظور غير سياسي(3)
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|