|
معركة الإعلام بين المعارضة والسلطة
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 3835 - 2012 / 8 / 30 - 12:34
المحور:
حقوق الانسان
" الصحافة الحرة هي أن تقول للحاكم ما يريده الشعب قبل أن تقول للشعب ما يريده الحاكم" (- مصطفى أمين-) تجري الأمور لدينا على أساس بروز صراع قوي وحاد بين الاعلام والسلطة على الصحافة والكلمة المكتوبة والمسموعة والصورة المرئية ويبرز الى عيان معارضة شديدة بينهما وتناقض حاد، وما يعكر الأجواء هو مساندة البعض من الفريق الأول بعض من اعلاميي النظام القديم ونية السلطة بعد اطلاقها حملة إكبس محاسبة رموز الفساد وخاصة رجال السياسة والمال والاعلام الذين انضموا الى خصومها السياسيين في نداء تونس وقادوا حملة شعواء في فضائياتهم من أجل انتزاع الهيبة وخلع الشرعية. المفارقة تطرح حينما يحاول الصحفيون أن يثبتوا استقلالهم المهني ونقل الخبر الصحيح والدفاع على مصداقية العمل الإعلامي وحرية الكلمة والطابع الرسالية للجريدة ووضع السلطة في موقف محرج بالكشف عن التجاوزات لمقتضيات العدالة الانتقالية والتأرجح الكاذب بين المحاسبة والمصالحة من جهة وفي المقابل تحاول السلطة على قدر الامكان تطويعهم وفرض سيطرتها على وسائل الاعلام واستقطاب العديد من الاعلاميين الى جانبها والتشكيك في الماضي النضالي للرافض منهم الدخول الى بيت الطاعة. السلطة تريد من جميع الاعلاميين الامتثال لنظام الأشياء والامثتال الى الأموامر الصادر عن الهياكل الإدارية المعينة للمؤسسات الحكومية والخاصة بينما الصحفيون يصرون على احترام حقوق التعبير وابداء الرأي ويطالبون بالمزيد من التشجيع في اطار الحريات والاستقلالية في عالم القيم والأفكار. ربما شهد قطاع الاعلام في تونس بعد ثورة 14 جانفي وصعود الترويكا الى الحكم عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011 للمجلس التأسيسي وقيادة حركة النهضة للبلاد في فترة انتقالية العديد من التجاذبات والتقلبات وقد بلغ أوجها في الاعتصام الذي وقع تنظيمه أمام مؤسسة التلفزة الوطنية والمطالبة بتطهيرها من بقايا النظام السابق واستفحل الأمر مع ما عرف بأزمة جريدة الصباح وتعيين مدرين جدد موالين للترويكا ومعارضة أبناء الدار هذا الفعل. كما أن شبح القائمة السوداء الذي يخيم على الأجواء والجهة التي يجوز لها من حيث الشرعية الثورية أن تضبطها والجهات التي ستستهدفها والمتراوحة بين مطبلي وملمعي صورة النظام السابق وموالي ومقاولي النظام الحالي. ربما تجاوز الاعلام التونسي المحظور في العديد من المرات بخصوص المقدسات الدينية والمشترك الوطني وأهداف ثورة الشباب من أجل الحرية والكرامة وربما أخطأت النقابة في مساندتها لبعض الفلول والفاسدين من الذين يبحثون عن أشكال لرتق بكارتهم الاعلامية والعودة الى الساحة في ثوب ثوري جديد أو معارض للترويكا ولكن النظام الحاكم في صورته المؤقتة والانتقالية يصر على الخطا حينما يستعين بخبرات أمنية وحزبية قديمة اشتغلت مع النظام البائد من أجل السيطرة على الاعلام وتدجين المشهد. من المفروض أن تترك الحكومة الى أصحاب الكلمة الحرة ادارة شؤون مهنتهم بأنفسهم دون وصاية مالية أو تدخل رقابي وأن تكشف عن ملفات الفساد المالي في جميع المجالات وان تحرص على محاربة هذه الآفة والا تعيد نفس اخطاء النظام السابق في تدجين حرية الصحافة وضرب منظومة الاتصالات، لكن في المقابل ينبغي على الصحفيين أن يخوضوا معركتهم من أجل حرية التعبير بأنفسهم وأن يرتقوا بالخطاب الإعلامي وألا يتركوا المجال المفتوح لكل من هب ودب وأن يطهروا الفضاء التواصلي من الدخلاء والسماسرة والمتاجرين بآلام المضطهدين وقضايا الأمة وأن يلتزموا بآداب المهنة وأخلاق الصحافة وأن يميزوا بين النقد الموضوعي والمحاسبة الفعلية والضغط الايجابي وتثوير الإعلام وبين الشتم والسب ولغة المجاري والمس من الخصوصيات وانتهاك الأعراض والتدخل التخريبي الفوضوي في الشأن العام. علاوة على أن ضبط القائمة السوداء يجب أن يخضع لمستلزمات العدالة الانتقالية وأن يكون محل توافق وطني وأدلة دقيقة وقرائن موثقة ولا يمكن أن تنفرد بها جهة حزبية معينة أو مؤسسة نقابية لوحدها وذلك لتجنب تصفية الحسابات واستعمالها في معركة المواقع والمصالح التي تدور رحاها في تونس الثائرة. ان الصحافة الحقيقية ليست التي تقرب الى الشعب ما يريد أن يقوله الحكام ولا تنقل وجهة نظر السلطة الى الجماهير وانما هي التي تحمل الى المسؤولين مشاكل ومطالب الناس وتصنع رأيا عاما مضادا للدولة. لعل ما قاله الماهاتما غاندي عن الفجوة بين العلم والأخلاق وبين الرأي الحر والتطبيق الاجتماعي هو خير مثال على ذلك لأنه " توجد سبع مبادىء تدمر الانسان: السياسة بلا مبادىء والمتعة بلا ضمير والثروة بلا عمل والمعرفة بلا قيم والتجارة بلا أخلاق والعلم بلا انسانية والعبادة بلا تضحية" ويمكن أن نضيف اليها صحافة دون شرف ونقل المعلومة دون أمانة وتصوير الواقع والكلمة الحرة دون احترام كرامة الناس. كما يمكن العودة الى رأي مصطفى أمين الذي يدافع فيه على أخطر مهنة قائلا: " الصحافة الحرة أن يكون من حق كل مواطن أن يصدر صحيفة،حتى لو قرأها قارئ واحد..الصحافة الحرة أن الشعب لو أجمع على رأى واحد،وشذ مواطن واحد عن هذا الرأى،فمن حقه أن يقول رأيه ولو خالف رأى الملايين..الصحافة الحرة هى التى يختار الشعب رؤساء تحريرها..فإذا أقبل الشعب على كاتب يصبح رئيسا للتحرير،وحينما ينفر من جريدة فيجب إغلاقها.. الشعب..لا الحكومة...هذا ما ينبغى أن يكون". لقد كانت آيته في ذلك أن من اعتدى على صحافي واحد فكأنما اعتدى على كل الصحفيين وأهان جميع الناس. لعل الاستقلالية وحرية التعبير وحق ابداء الرأي في المنطق الأعوج هي الثمن الذي يدفعه الصحافي لكي يضمن وظيفة وينتمي الى مؤسسة اعلامية وتتركه السلطة بخير وربما الولاء للسلطة هو الوسيلة الوحيدة لضمان الرزق وليس الانتصار الى مبادىء المهنة ومستلزمات العمل الصحفي المحترف ولذلك لا ينبغي أن تتدخل السلطة في كل كبيرة وصغيرة في المؤسسات الاعلامية وتقوم بتعيين الرؤساء والمديرين بل يلزم أن تترك مسألة ادارة وتنظيم هذه المؤسسات الى أبناء القطاع يشرفون عليها في جو من الديمقراطية المباشرة والتسيير الذاتي والتشاور مع الهياكل النقابية. ذلك ما أشار اليه نزار قباني حينما أنشد ساخرا:" على الذي يريد أن يفوز في رئاسة التحرير..عليه أن يبوس في الصباح والمساء ركبة الأمير..عليه أن يمشي على أربعة كي يركب الأمير...لا يبحث الحاكم في بلادنا عن مبدع.. وانما يبحث عن أجير...". على هذا النحو المطلوب اليوم ثلاثة أشياء: - ارساء تقاليد اعلامية ديمقراطية وذلك باعتبار الاعلام سلطة رابعة تنتمي عضويا الى المجتمع المدني ويكون للحكومة وسائلها الاعلامية الخاصة تتنافس مع بقية المنابر والمؤسسات الحرة. - ترشيد الخطاب الاعلامي بالتقيد بآداب المهنة ومحاربة الفساد والمفسدين ومحاسبة المعتدين على ميثاق شرف المهنة والتصدي لكل أشكال التضييق والمحاصرة وتنقية الأجواء داخل المشهد الصحفي وتمتين العلاقات المهنية بين الفاعلين. - الارتقاء بآلية التكوين والتعليم في المجال الصحفي في الجامعة واعداد فئة مختلفة من الاعلامية قادرة على مواكبة التحولات وووفية لمبادىء الثورة واتاحة الفرصة لهذا الجيل الجديد من المتخرجين والتركيز على أخلاقيات المهنة والجانب الرسالي للمهمة النبيلة التي يناضل من أجلها ملائكة الكلمة والصورة والخبر. غير أن الصراع بين السلطة والمعارضة يتموضع على الأرضية الاعلامية وسيبقى كذلك طالما أن نقابة الصحفيين يملي عليها الواجب المهني الدفاع عن الحريات وسلامة الصحفيين المعارضين للدولة وطالما أن السلطة ستسعى بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية وضع حد للشغب الاعلامي وتركيز هيئة رقابة تنهي الانفلات وتضع معايير مهنية تنظم العمل الصحفي بما يخدم مصالحها ويرتقي بالمادة الاعلامية. لكن كيف لا تثير هذه الصراعات الدامية التي تؤدي الى تدني للمستوى الاعلامي والدخول في تفاهات الى نقمة الشارع وامتعاض الشعب قد يسهل استغلالها من قبل بعض قوى الردة قصد الالتفاف على الثورة؟ وأليست الصحافة دون آداب والحرية دون مسؤولية والكتابة دون رسالة هي مجرد مهن دون شرف؟ وألا تحتاج تونس الى النقلة النوعية من حكم شمولي الى حكم ديمقراطي والى قطيعة مع ممارسات التضيق والمصادرة وتأسيس تقاليد صحفية جديدة ترسخ المصداقية والشفافية والموضوعية والولاء للوطن؟ كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما معنى أن يكون المرء على اليسار حسب جيل دولوز؟
-
ورقة فلسفية عن الثورة العربية
-
ثلاثة نماذج معيارية للديمقراطية عند هابرماس
-
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد في مرآة التراث والذات والآخ
...
-
من التنمية الاقتصادية الى الترقي الاجتماعي
-
وداعا أنور عبد الملك فارس الثقافة الوطنية
-
التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي
-
الدين دعامة رئيسية للثورة
-
في الفرق بين التمرد والثورة
-
جداريات الثورة والكتابة البركانية
-
الرأي المشترك والتفكير المنطقي
-
فلسفة الصورة بين المنع والإباحة
-
الفلسفة الشعبية والجهل المقدس
-
الأسرة والمجتمع والدولة
-
إرادة الحياة والفرح المؤجل
-
عام ثوري يمضي ومستقبل واعد يُطل!
-
الديمقراطية الاندماجية ورهانات الثورة
-
مصير الثورة العربية بعد عام من تفجرها
-
الاسلام الشعبي في مواجهة الامبريالية
-
المثقف التونسي والسياسة
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|