|
الحركة الصدرية ولغز المستقبل.. إشكالية اللاهوت الشيعي والناسوت العراقي
مازن لطيف علي
الحوار المتمدن-العدد: 3834 - 2012 / 8 / 29 - 11:25
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدر عن دار ميزوبوتاميا (بغداد 2012) كتاب جديد للبروفيسور العراقي ميثم الجنابي بعنوان(الحركة الصدرية ولغز المستقبل- إشكالية اللاهوت الشيعي والناسوت العراقي) الذي يهدف بحسب قول الجنابي ليس فقط إلى إضاءة مختلف الجوانب المحيرة في الحركة الصدرية، التي أثارت وما تزال تثير مختلف المواقف المتعارضة والمتناقضة، بل وإلى رسم معالم لغزها بمعايير المستقبل.
يحتوي الكتاب (96 صفحة من القطع المتوسط) على مقدمة ومفاصل سبع هي على التوالي:
مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا "الثورة" الصدرية،
غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي،
مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية،
الحركة الصدرية – تيار "الداخل" وصعود الباطن العراقي،
الحركة الصدرية - الأنا والتاريخ أو اليوطوبيا والمستقبل،
أيديولوجيا الحركة الصدرية – اللاهوت الشيعي والناسوت العراقي،
واخيرا الحركة الصدرية والمستقبل - من الطائفة إلى الأمة، ومن المدينة إلى الدولة!
يشير الجنابي في مقدمة كتابه إلى ان هذا الكتاب مر بمرحلة غربلة رافقت مسار "تيار الصدر" و"التيار الصدري" و"الحركة الصدرية".
ومع كل تطور وانعطاف، وتقدم وتراجع، وظهور وضمور، جرى تدقيق وتحقيق الفكرة والموقف مما في هذه الحركة من نيات وغايات وآمال وأعمال يصعب تحديدها أحيانا بمعايير المنطق. بحيث جعل ذلك منها لغزا! ولا غرابة في الأمر كما يقول الجنابي، وذلك لان المسار السياسي للحركات الناشئة تحت ثقل الركام الهائل للحطام التاريخي ومعاناة البشر الساعية للخروج من تحت أثقاله المرهقة، عادة ما يجعل من الصعب الحكم عليه بصورة جازمة. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار، بأن الشيء الأكثر جوهرية في الحركة الصدرية مازال يكمن في الكمون الغائر في أعمق أعماقها، من هنا اختيار الجنابي عبارة (الحركة الصدرية ولغز المستقبل) عنوانا للكتاب.
ينطلق الجنابي في تحليل مقدمات ومفارقات التيار الصدري بوصفه تيارا سعى ويسعى لتمثل تاريخ عريق من المواجهة والتحدي والثأر، مما جعل منه تيارا يحتوي بقدر واحد على معاناة العقل والوجدان، من هنا فاعلية التناقض الدفين فيه؛ وإذا كان بالإمكان النظر إلى هذا التناقض على انه قوة فعالة بالنسبة للحركة السياسية، فانه يتسم أيضا بقدر هائل من الخطورة في مراحل الانتقال العاصفة كالتي يمر بها العراق، كما يقول الجنابي، وذلك لان التناقض الضروري بين العقل والوجدان المميز للحركات المستقرة، كما يؤكد الجنابي، هو ليس نفسه بالنسبة للحركة التي لم ترتق بعد إلى مستوى الحزب السياسي الاجتماعي، من هنا اعتباره هذه المهمة، القضية الكبرى التي يقف أمامها التيار الصدري أو سيقف أمامها بالضرورة، وعلى كيفية حلها سوف يتوقف مساره اللاحق، وشأن كل تيار سياسي تتوقف إمكانية نموه أو ضموره على مدى استعداده لتمثل فكرة المستقبل بأبعادها الاجتماعية.
تناول الجنابي في كتابه شخصية مقتدى الصدر حيث ذكر انه ولد وترعرع في أوج السيطرة الدكتاتورية وانحلالها المعنوي (1973 - 1999)، أنها المرحلة الممتدة بين ولادته ومقتل أبيه. ذلك يعني انه ترعرع في أوج القوة المتنامية للدكتاتورية والعائلة الصدرية، واعتبر الجنابي مرجعية الصدر التكوينية (الباطنية) مرجعية شيعية عراقية عربية، أما حياته فقد كانت محكومة بقبضة الدكتاتورية ومراقبتها التامة بعد مقتل أبيه، ووجد الجنابي في هذين المسارين المتوازيين جزءا من حياة الأفراد ولعبة المصير!
ينطلق الجنابي في تقييمه للحركة الصدرية، باعتبارها حركة الأغلبية المهمشة، وقوى الداخل العراقي. وليس صدفة أن تبدو هذه الحالة غريبة ومفاجئة ومشوهة بالنسبة لأعين القوى السياسية التي تعودت على التعامل مع العراق وواقعه في "جلساتها" و"مؤتمراتها" في القصور والفنادق المدفوعة الأجر من جانب الدول الأجنبية وأجهزتها الأمنية واستخباراتها العسكرية، إذ لم يكن بإمكانها توقع "منافسة" اجتماعية سياسية، لأن السياسة بالنسبة لها هو تحزب لا علاقة له بالمجتمع. من هنا تحول شخصية الصدر والحركة الصدرية إلى ميدان كل التجارب الممكنة والمحتملة للصراع العقلاني واللاعقلاني. وتكمن أسباب هذه الظاهرة في كون الحركة الصدرية هي تيار الداخل، وتيار المواجهة للمحتل، وتيار التضحية الوجدانية والاجتماعية، وتيار الانتقام التاريخي. وفي الوقت نفسه تراكمت هذه المكونات ضمن سياق الصراع السياسي العنيف الذي ميز مرحلة سقوط الدكتاتورية وظهور مختلف الاحتمالات والإمكانيات القائمة في صلب الاحتراب العراقي الدفين.
وبحسب قول الجنابي، إن الحركة الصدرية هي نموذج وميدان التجربة التاريخية التلقائية الجديدة للعراق في كيفية مواجهته لإشكالية الصعود الراديكالي. كما أنها الحركة الوحيدة الكبرى التي تمثلت بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية مقومات ومكونات وشروط وآفاق التيار الاجتماعي السياسي الراديكالي بعد انقطاع أربعة عقود من الزمن (1963-2003). وهنا يكمن سرّ لغزها الحالي والمستقبلي، بوصفها الخميرة التاريخية الكبرى المتراكمة في زمن التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية.
إن التيار الصدري بالنسبة للجنابي، يحتوي على احتمالات عديدة ومتنوعة ومتناقضة. ولكل منها مقدماته وأسبابه. بمعنى انه يحتوي بقدر واحد على إمكانية التطور والارتقاء والعقلنة والواقعية السياسية والتوجه الاجتماعي والوطني والقومي السليم، تماما بالقدر الذي يحتوي على ما يناقض ذلك على طوال الخط. وهي الجوانب التي حللها الجنابي في مختلف فوصل او مفاصل كتابه. ويعتقد الجنابي، بان الإمكانية الأولية مرتبطة بتحقيق جملة مهمات عملية كبرى مرتبطة بتطوير الأسس الأولية والشروط الذاتية للحركة الصدرية. بمعنى الانطلاق مما فيها ودفعه إلى الأمام بمعايير الوحدة المتلازمة لما يدعوه الجنابي بثالوث التشيع والعراقية والعربية، أي توليف فكرة التشيع العراقي العربي، بوصفه تشيعا للعراق العربي (بوصفه هوية ثقافية وليست دينية أو مذهبية أو عرقية أو جهوية). ويمكن بلوغ ذلك من خلال: توحيد الطائفة بلا طائفية، ودمجها بإشكاليات العراق العامة والعربية الثقافية. بمعنى التنبه الدائم لكي لا تسقط الحركة في أوحال المواجهات الطائفية ومشاريعها الجزئية والضيقة؛ وأولوية وجوهرية الصراع مع النفس، عبر صنع البديل الذاتي في الفكرة والممارسة والقيم والمبادئ والأهداف؛ فضلاً عن الارتقاء بالتيار إلى مصاف الحزب السياسي. مع ما يترتب عليه من إرساء أسس جديدة لبنيته الفكرية والأيديولوجية والتنظيمية وشعاره الأساس وبرامجه واسمه.
إن كتاب الجنابي (الحركة الصدرية ولغز المستقبل) يسعى لفك شفرة اللغز المحير في الحركة الصدرية، بوصفها تيارا عراقيا خالصا من جهة، وإشكالية أيضا بالنسبة لتحلي ماهية فكرة التيار والحزب والأيديولوجية والبدائل من جهة أخرى. وبالتالي يحتوي على منهجية فلسفية خاصة في تحليل ونقد الفكرة والممارسة السياسية في عراق ما بعد الدكتاتورية، أي في عراق الاحتمالات المستقبلية.
#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروائي إيلي عمير: بغداد مسقط راسي وتعشش في ذاكرتي وفي مخيلت
...
-
نعيم الشطري.. علم وراية في شارع المتنبي
-
يهود بغداد والصهيونية 1920-1948
-
مسألة العراق.. المصالحة بين الماضي والمستقبل
-
ستون عاما على رحيل جعفر حمندي
-
مجلة «الحاصد»:مدرسة أنور شاؤول الصحفية والأدبية
-
الشاعر جبار جمال الدين يؤرخ يهود العراق شعرياً
-
سامي ميخائيل : فكتوريا عادت لزيارة موطنها
-
قراءة جديدة لرجالات العهد الملكي في العراق
-
البروفيسور العراقي سامي موريه يصدر مذكراته بعنوان -بغداد حبي
...
-
عزرا حداد.. احد أهم اعيان ومثقفي الطائفة اليهودية في بغداد
-
يهود العراق في كتاب (بغداد كما عرفتها) للمميز
-
اليهود في الخليج العربي
-
موقف النخبة اليهودية في العراق من الهوية العراقية 1920-1952
-
الصحفي العراقي اليهودي الأخير يروي ذكرياته
-
نعيم طويق يوثق أعلام يهود العراق وذكرياتهم في كتاب جديد
-
عائلة خلاصجي... واحدة من أشهر العوائل العراقية اليهودية 1
-
من التاريخ المنسي.. مدرسة شماش العراقية
-
موجز تاريخ اليهود من السبي الى النزوح
-
باحث عراقي يتحرى آثار يهود الحلة وتأريخهم الاجتماعي والاقتصا
...
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|