|
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية في فوضى الشرق الاوسط -2 الصراع والحرب والارهاب على كردستان -1
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1117 - 2005 / 2 / 22 - 10:23
المحور:
القضية الكردية
2 – الصراع والحرب والإرهاب على كردستان: أسفرت المكانة الجيوثقافية والاستراتيجية لكردستان عن تحولها إلى وطن، لربما مورست عليه أكثر وأشد أنواع الصراع والحرب والإرهاب (العنف الهادف إلى إدارة الناس بالترعيب والترهيب) في التاريخ. يسود الظن عموماً بأن منطقة كردستان الراهنة، هي نفسها المنطقة الأم التي شهدت العهد الميزوليتي المبتدئ قبل 20 ألف سنة على وجه التقريب (بعد العهد الجليدي الرابع)، ومن ثم الثقافة النيوليتية (الزراعة وتدجين الحيوانات) قبل 12 ألف عاماً تقريباً. وقد أوضحنا أسباب ذلك في العديد من المواضيع السابقة. وكونها المركز النواة الذي تطورت فيه الثقافة الميزوليتية والنيوليتية بالأرجح، فقد جلبت معها التدفقات المتتالية من جهات العالم الأربع للمجموعات التي لا تزال تحيا في العهود الثقافية البدائية (أناس العهد الباليوليتي). من المحتَمَل حصول تكاثف وتضخم سكاني آنذاك بسبب وفرة المحاصيل الناجمة عن الانتقال من جمع الثمار إلى زراعة الحقول والبساتين. حيث تُبيِّن البراهين التاريخية ذلك بكل وضوح. ومع تطور الحياة المستقرة وبناء القرى، تسارعت وتيرة تطور حراثة واستنبات الحقول والبساتين والحدائق. طبيعي أن تشكل هذه الوضعية عاملاً مؤثراً في نشوب الاشتباكات بين الفينة والأخرى، وحصول النزاعات على الأراضي الخصيبة والأماكن المعشبة والمساعدة لتربية الحيوانات. حيث يسود الاحتمال الأكبر بتطور مثل هذا النمط من الصراعات ذات المضمون الاجتماعي والأهداف الاقتصادية. مرة أخرى تشير الدلائل التي بحوزتنا إلى أنقاض بعض القرى المتبقية من تلك الحقبة. إن بروز وتنامي الصراع الاجتماعي والاقتصادي الأول والأشمل في التاريخ على أرض كردستان لأسباب يمكن إيضاحها؛ لهو أمر باعث على الإمعان في التفكير. وحسب ما يُفهَم من التحركات السكانية، نرى أن التكاثف السكاني يحصل بحدوث التدفقات الجماعية المختلفة القادمة من المناطق المسماة اليوم بالبلاد العربية وأفريقيا الشمالية جنوباً، ومن إيران وشرقيها شرقاً، ومن قفقاسيا شمالاً، ومن بلاد الأناضول غرباً. إذن، فقد حصلت أولى وأعظم التدفقات البشرية الجارفة في التاريخ بمضامين اجتماعية وأهداف اقتصادية، صوب كردستان اليوم، التي لعبت دور "وطن الشمس" من أجل البشرية، طيلة خمسة عشر ألف عاماً على وجه التقريب؛ تماماً مثلما هي التدفقات البشرية الراهنة صوب أوروبا وأمريكا الشمالية. بديهي جداً أنّ لعبها دور وطن الشمس كل هذه الحقبة الطويلة سيشكل الدافع لأن تكون الحلبة التي تدور عليها الصراعات والنزاعات والاحتدامات الكبرى. وبعد الهضم الكثيف للثقافة النيوليتية قرابة تسعة آلاف سنة قبل الآن، برزت التطورات المؤدية إلى تحركات سكانية، ولكن في الاتجاه المعاكس هذه المرة. تشير المعطيات التي بحوزتنا إلى انتشار الثقافة النيوليتية قبل الآن بقرابة سبعة آلاف عاماً، بشكل جسدي (مع أناسها) وثقافي (بتأثيراتها فقط) معاً، انطلاقاً من المحيط الأطلسي صوب أطراف الصين الباسيفيكية شرقاً، وسيبيريا شمالاً، وأفريقيا الشمالية جنوباً. هكذا تناقَصَ التكاثف السكاني من على نواة نشوء الثقافة النيوليتية. يُخمَّن باتضاح معلم تكوينة المجموعة اللغوية والثقافية الآرية فوق أراضي كردستان، قبل حوالي سبعة إلى خمسة آلاف عاماً (5000 – 3000ق.م)، لتنتقل من المجتمع الكلاني والقبَلي إلى المجتمع العشائري. يشمل المجتمع العشائري مجموعة أفراد أوسع نطاقاً، بحيث تربطهم أواصر تنظيمية وعملياتية أكثر صرامة وكثافة. فبينما يتراوح عدد أفراد المجتمعَين الكلاني والقبَلي بين 20 – 50 شخصاً، يقوم المجتمع العشائري بتنظيم المئات من الأشخاص. ولدى احتدام المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، تشير هذه الوضعية إلى إمكانية تعاظم الصراعات والنزاعات بين الجماعات العشائرية. تشير المعطيات الآركولوجية (الأثرية) المتبقية من هذه الحقبة (الدمار الكامل لبعض القرى) إلى مدى ضراوة الصراعات الاجتماعية، ولكن لأسباب داخلية بالأرجح. أما التضخم السكاني المتزايد في الأراضي الخصيبة وعلى أطراف المياه الجارية، وأطماع الجوار؛ فقد شكلت الأسباب الاقتصادية لتلك الصراعات، التي نستطيع التخمين بأنها أسفرت عن تحديد الحدود العائلية لمختلف العشائر. هكذا يكون من الوارد إرجاع أصول مناطق العشائر وجذورها إلى أعوام 4000ق.م، حيث فصلت العشائر أملاكها المشتركة من أراضٍ زراعية ونجود وهضاب. هذا بالإضافة إلى سيادة الاعتقاد بتطور التنوع الثقافي وتعدد المجموعات اللغوية واللهجات الخاصة بكل عشيرة منها، في تلك الأثناء. كذلك هي الحال بالنسبة لتَشَكُّل الأشكال والفكرات الأولى للموسيقا والرقص وقوة التعبد. في حين تعكس العديد من الهياكل النسائية المعثور عليها، مدى رجحان كفة ثقافة الأم الأهلية. بمقدورنا تعريف هذه المرحلة بأنها مرحلة صراعات ونزاعات ذات مضامين اجتماعية ومآرب اقتصادية. تفيد المرحلة الممتدة ما بين (3000 – 2330ق.م) بحقبة نشوء ونضوج الحضارة السومرية في ميزوبوتاميا السفلى. لقد بلغت الصراعات مستوى الحرب. ولأول مرة في تاريخ البشرية نشأت تقاليد الاستيلاء على القيم الاقتصادية ونهبها بالعنف، وبالقوة العسكرية المخططة والمُعَدَّة مسبقاً. إن قوة السلطة القتالية ليست في مضمونها سوى قوة نهب وسلب. أي أن الغصب والسلب والنهب مستتر وراء الصفات المتقمَّصة كغطاء شكلي، من قبيل الألوهية والقدسية والبطولة. وكردستان هي إحدى المصادر الأم لنشوء هذه الحضارة. وما ملحمة كلكامش – الملحمة الأولى المدوَّنة في تاريخ الحضارة السومرية وكافة البشرية – سوى تعبير قصصي عن أسفار النهب والسلب القائمة في أراضي كردستان. يتحدث لُبُّ الملحمة عن خروج كلكامش (أحد الملوك الأوائل الأشاوس في أوروك) مع نائبه البربري المسمى بـ"أنكيدو" (الرجل الذي سَلَبَت عقلَه امرأة عاهرة ترمز إلى الحضارة المدينية) في أسفاره صوب كردستان. في الحقيقة، عندما يهبط أنكيدو من الجبل إلى المدينة، يمثل بذلك المثال الأول للجبليين (الكورتيين) المتواطئين مع القوة الحاكمة. حيث يقوم بالريادة للحث على غزو بلاده، مقابل تآلفه وتأقلمه مع حياة مليئة بالنساء العاهرات والطعام الشهي على مائدة المَلك والدولة. ترجع المقولة الشعبية "ما الذي يعرفه الكردي من العيد؟ فهو يشرب اللبن الرائب ذليلاً خانعاً" في مصدرها إلى تلك المراحل. لربما كان كلكامش بذاته آتياً من الجبال العليا في جذوره. ذلك أن كلمة كلكامش تعني "الجاموس الضخم" والتي تفيد بـ"رجل كالثور". ليس مصادفة أبداً أن يكون تاريخ كردستان مليئاً بمثل أنواع الخيانة تلك. فالسومريون كانوا مرغمين على القيام بأسفارهم الحربية العسكرية المتعاقبة على التوالي، بسبب حاجتهم الماسة لأخشاب النجارة والحجارة المشذبة والمعادن. وما الحروب التي نشاهدها اليوم في أزمة العراق الأخيرة، سوى اختزالاً للتاريخ الماضي. تُشكِّل مشاركة القوى الحضارية لأول مرة في مرحلة الغزو والاحتلال والاستيلاء والنهب على كردستان، تطوراً نوعياً، حيث تتحقق أسفار وحروب النهب والاستعباد للقوى الدولتية على المجتمعات الإثنية كالعشائر والقبائل والكلانات. فبينما كانت الصراعات في المراحل السابقة تنشب بغرض الدفاع عن الذات أو الحظي بالمياه الجارية والتحكم بها، واكتساب الأراضي الخصيبة؛ غدت في المرحلة الحضارية تهدف إلى الاستعباد والنهب قبل كل شيء، بحيث يكون القتل المخطط والعمد للإنسان، أو أَسْره، البؤرة النواة فيها. ويغلب الظن باستمرار التدفقات المتبقية من المراحل السابقة من الجهات الأربعة إلى المنطقة، ونقل الثقافة السائدة في المنطقة إلى الخارج. تسلط اللقى الأثرية (الآركولوجية) المتبقية من الهوريين الضوء على حقيقة الصراعات والحروب المندلعة في تلك الحقبة. وما الأنظمة الدفاعية وقصص البطولات، سوى براهين على وجود تلك الصراعات والحروب وسيادتها. حيث تتدفق المجموعات الغازية والاستيلائية على الدوام في أعوام 2000ق.م، عن طريق إيران وقفقاسيا والأناضول والساحة العربية. أما أسوار المدن السومرية، والقلاع الهورية؛ فبُنِيَت بغرض الحماية منها. في حين كان اللجوء إلى الجبال منطلِقاً من ملاءمة تلك الجبال الطبيعية الشاهقة للحماية والإيواء. هذه هي بالذات حقيقة كون "الجبال = مأوى تمركز الكيانات الإثنية الكردية". لقد سعى جميع أسلاف الكرد – تقريباً – إلى حماية أنفسهم في ذرى جبال كردستان القلاعية المتسلسلة، ليكون ذلك مهنة لهم يمتهنونها لآلاف السنين، تجاه شرور قوى الاحتلال والاستيلاء والنهب المتدفقة كالسيل الجارف عليهم. وعدم تطويرهم الزائد للحضارات المدينية في المناطق السهلية، يَمُتُّ بِصِلة وثيقة بهذه الحقيقة التاريخية. نشاهد انضمام عناصر جديدة إلى أسفار الغزو والاستيلاء على كردستان في المرحلة ما بين (2000 – 1000ق.م). حيث تنضم الحضارة الحثية المؤسَّسة في بلاد الأناضول الوسطى، وكذلك الجماعات البربرية المسماة بالإسكيتيين من بلاد القفقاس؛ إلى مرحلة الاستيلاء على الحضارة الهورية الميدية من جهة، وعلى المدن البابلية والآشورية الأغنى في الجنوب من الجهة الثانية. مقابل ذلك، كانت مجموعات أسلاف الكرد هي المجموعات التي عانت الأمَرَّيْن مرة أخرى. حيث، وبينما كانت الدول السومرية والبابلية والآشورية فقط تهاجمها في الماضي من الجنوب، انضمت إليها الآن من الشمال الدولة الحثية والبرابرة الإسكيت المشهورون بضراوتهم في القتال. بل وانضمت في تطويقها أيضاً القبائل البرسية من إيران، والمجموعات الإثنية اللوية من الغرب. شكَّل كون كردستان مساحة وافرة الغنى، وموقعها المتوسط في المنطقة الانتقالية بين الحضارات الجديدة المؤسَّسة؛ ثنائية جدلية بكل معنى الكلمة. حيث تطورت المقاومة من جهة، والتواطؤ من الجهة الأخرى، بغرض العيش وتأمين فرص الحياة. فبينما تلاعبت الشريحة العليا الهرمية من أجل التواطؤ، كان القطاع السفلي مرغماً على المقاومة دون توقف. وفي الوثائق المدوَّنة في أعوام 1600ق.م ينادي زعيمُ إحدى الإمارات الكردية (من المحتمل أن تكون أُسِّسَت في "ألبستان" اليوم) الأميرَ الحثي "أنيتا Anita" (أول مؤسِّس لدى الحثيين) قائلاً: "أيها السافل، لقد ربّيناك ورعرعناك، وجعلناك بيكاً (آغا) هناك، لا لكي تضايقنا دائماً بحروبك التي وصلَت تخومنا. فاعمل على أن تكون لائقاً بعهودك". تشير هذه الكتابات في الحقيقة إلى التعاظم التدريجي للحثيين المتأثرين بعمق من الهوريين، وشروعهم بتهديد العشائر الهورية والميتانية، التي طالما ترعرعوا في جوارها. وفي مكان آخر نجد المَلك الحثي الشهير "شوبيلوليوما Şupiluliumma" يقول للمَلك الميتاني "ماتي وازا Matiwaza" (حوالي أعوام 1300ق.م) ما يلي: "إنني أَهِبُك ابنتي، وأنت الآن بمثابة ابني. لا تتمرد مرة ثانية، ولا تخلق المضايقات لنا. اسعَ لأن تعيش مرتاحاً في وطنك الجميل. فأنا من ورائك". إذاً، نجد هنا كيف سَعَوا لخلق القرابة وترسيخ السلام عبر الزيجات السياسية، رغم الاشتباكات والنزاعات الدائرة بينهم. برزت الحاجة في هذه المرحلة لتكوين التحالف الحثي – الميتاني، لدى ظهور القوة الآشورية المروِّعة إلى الميدان. والأغرب في الأمر هو ذهاب المَلِكة المصرية الشهيرة "نفرتيتي" من عند الميتانيين. لقد شهدت فترة حوالي أعوام 1500ق.م المفعمة بالتحرك والنشاط في التاريخ؛ العديد من الاتفاقيات الديبلوماسية السياسية في هذا الاتجاه، بقدر تَعَرُّفِها على الحروب أيضاً. حيث استُولِي على بابل الشهيرة في عام 1596ق.م بشراكة الحثيين والهوريين. ويُعتَقَد بأن "حرب قادش" الشهيرة وسلامُها تحققا في أعوام 1280ق.م. هذا ويسود الاعتقاد بأن فرار سيدنا إبراهيم من نمرود أورفا حصل في أعوام 1650، كما حصل فرار موسى من فرعون مصر في بدايات أعوام 1300ق.م. في حين عاش حمورابي الشهير في أعوام 1750ق.م. لقد لعبت كردستان دور الساحة المركزية في هذه القرون المشحونة بالحروب والسلم؛ وكانت الوطن الذي لم تنطفئ جذوة الحرب فيه. وفي حوالي (1000 – 330ق.م) تشهد الحضارات ذات النواة الميزوبوتامية آخر أعظم مراحلها. حيث تواجدت الإمبراطورية الآشورية في الميدان كقوة بارزة ومحدِّدة في التاريخ. واستفردت نينوى بالريادة في مبارزتها مع مدينة بابل. هذا واشتهر الآشوريون بإذهالهم جيرانهم. فالخصائص الأخرى لألقاب الإمبراطورية الشهيرة تمثلت في عمل عجينة من جثث البشر، وبناء الجدران والقلاع بها. في حين كانت أفتك أسفارها الحربية موجَّهة صوب قلب كردستان، وصوب سوريا ومصر. واستطاعت نشر تأثيراتها حتى غربي الأناضول. هذا وتبَعثَر الحثيون في هذه المرحلة على يد الفريغيين ذوي الأصول المتأتية من "تراقيا Trakya" في أعوام 1200ق.م؛ لتتأسس في أماكنهم مَلَكيات المدن الصغيرة في جنوب سلسلة جبال طوروس. أما في كردستان، فتأسست الكونفيدرالية النائيرية (بمعنى النهرية) أولاً في الإقليم المسمى اليوم بمقاطعة بوطان، وذلك في أعوام (1200 – 900ق.م على وجه التخمين)؛ لتَعقبها بعد تبعثرها الدولةُ الآورارتية الشهيرة (875 – 606ق.م). شَنَّ الآشوريون أسفاراً حربية مجحفة على هذه الدول والإمارات المؤسَّسة بعد عهد الحثيين. هذا وثمة العديد من البقايا تُصوِّر حَلَبات المعارك الدائرة، وعلى رأسها النتوءات الصخرية النافرة. ويغدو حمل رؤوس البشر المقطوعة عادةً مألوفة في تلك الأزمان. مرة أخرى تكون أهم الأهداف لتلك الحروب هي الاستيلاء على أخشاب النجارة والمعادن والطرق التجارية. وقد فلح الأورارتيون في صد تلك الغزوات، مما يَفهَم المرء أنهم كانوا مشهورين في الأمور الدفاعية. أما الميديون الموجودون في الشرق، في الأراضي المسماة اليوم بكردستان إيران؛ فقد استفادوا من تجارب الأورارتيين في تلك الفترة في تعزيز وجودهم، وإدراك متطلبات كيانهم السياسي؛ وتحدَّوا الاعتداءات الآشورية القادمة من الشرق، مما زادوا من قوتهم تعزيزاً واتساعاً. وما الاستعدادات والمقاومات الشهيرة التي استمرت ثلاثة قرون بحالها في التاريخ، سوى تعبير عن عهد الأورارتيين وتعزز وجودهم. فالتغلب على الآشوريين آنذاك يشبه أن يتغلب عراق اليوم على أمريكا. بالتالي، فقد تطلَّب ذلك استعدادات قوية للغاية، وتحديثات تكتيكية بارزة. وأخيراً يفلح القائد العسكري الميدي الشهير "كي إخسار Keyaksar" وحليفه البابلي "نبوخذ نصر Nabukadnezar" في حرق نينوى وتدميرها ودكّ دعائمها. وفلح الميديون في 612ق.م في تأسيس كيان سياسي أقرب إلى الإمبراطورية (يُخمَّن أنه في أعوام 715 – 550ق.م)، وجعلوا من أقبطان (همذان اليوم) مركزاً لهم. إنه كيان تطغى عليه النوعية الكردية. إلا إن اعتداءات الإسكيتيين شمالاً، والقبائل البرسية ذات القرابة معهم شرقاً وجنوباً؛ تعيق من تعزيزهم وجودَهم. وأدت خيانة "هرباكوس Harpagos" وتواطؤ البرسيين، إلى استلام "كيروس Kiros"، ابن أخ المَلك الميدي، مقاليد الحُكم. وهذا ما معناه انتقال مقاليد الحكم إلى قبضة هرمية القبائل البرسية. الإمبراطورية البرسية امتداد للميديين. إنها ضرب من الدولة المشتركة بينهم. وحلبة الصراع مرة أخرى بالأغلب هي كردستان القابعة تحت نير الاستيلاء الإسكيتي. فحتى موت "كيروس" يكون في خضم الحرب الدائرة على هذه الأراضي مع الإسكيتيين. وهبوطها نحو جنوب شرقي ميديا، التي كانت مناطق أكثر أمناً واستقراراً في الإمبراطورية، كان بتأثير من التدفقات البربرية القادمة من الشمال. كانت الحرب الإسكيتية الكبرى التي شنها "داريوس Darius" (دارا الأكبر: 520 – 485ق.م) بغرض حل هذا البلاء واقتلاعه من جذوره. وتتشكل بلاد الأناضول من أقصاها إلى أقصاها على يد الإمبراطورية البرسية الميدية، مدة قرنين من الزمن (530 – 330ق.م). حيث يُقضى على كل من فريغيا، ليديا، وليكيا على التوالي، لتُدرَج جميع المدن المؤسَّسة على شواطئ بحر إيجة تحت المراقبة للتحكم بها. إنّ تَعَزُّز العائلة الأبوية، ومتانة البنية العشائرية الميدية، يجعل من الميديين يتمتعون بامتيازات خاصة داخل الجيش البرسي أيضاً. ومع فتح مصر (525ق.م)، ينتقل المركز الأس للحضارة إلى المناطق الميدية والبرسية. في حين كانت بابل لا تزال العاصمة الثقافية للحضارة، بمكانتها شبه التابعة. يُدَوِّن التاريخ أن فتح أراضي الأناضول برمتها، وبالتالي القضاء على الخطر الميدي البرسي الأعظم من جهة، والاستيلاء على الزخم الغني الذي لا نظير له من جهة أخرى؛ كان هَوَساً يقضُّ مضاجع الأرستقراطيين الهيلينيين والمكدونيين. حيث يصوِّرون هذا الخيال في أذهانهم ليل نهار، ويتجادلون سياسياً بشأنه، ويُجمِعون على العقيدة القائلة بأن الفلاح في ذلك هو أعظم عمل مقدس. يقوم المفكر العظيم أرسطو (385 – 320ق.م) بتلقيح الإسكندر الكبير، ابن المَلك المكدوني فيليب تلميذ أرسطو، بهذه العقيدة والوعي على الدوام. ثمة احتمال سائد بأن فكرة رؤية الأناس الشرقيين كالحيوانات، ووجوب سحقهم كالنمل؛ قد لقَّحها أرسطو للإسكندر. وبعد ترعرع الإسكندر ضمن هذه الأجواء وفي ظل التعليم المكثف لمعلمه، يقوم –بعد أن قُتِل أبوه وهو لا يزال في سن مبكرة – بشق طريقه في حروبه الشرقية المغيِّرة لمسار التاريخ؛ وذلك بعد أن قام بتوحيد الهيلينيين، ومن ثم العشائر المتواجدة في أطراف مكدونيا. وكأنه بذلك يرد الجواب على داريوس الأكبر بكونه الإسكندر الأكبر. من المعلوم أنه سحق الناس كالنمل تحت قدميه في حروبه – التي يمكننا نعتها بحروب الصاعقة – ليبلغ تخوم نهر الغانج الهندي. هكذا لا يترك بقعة إلا ويتحكم بها. أشهر حروبه هي معركة "غافغامالا Gavgemala" (331ق.م)، التي دارت رحاها في مدينة "آربلا Arbela" في جوار مدينة أربيل اليوم. ويُوقِع الإمبراطورية البرسية في خضم حرب ضروس. ولدى عودته مجدداً إلى بابل، العاصمة الثقافية في تلك الأثناء، يستمر في الانهماك بأعمال تليق بلقبه وشهرته. حيث يقوم بتزويج عشرة آلاف شاباً محارباً من بلاد البلقان من عشر آلاف فتاة من نبيلات الميديين والبرسيين، دفعة واحدة؛ ليكون ذلك رمزاً للتركيبة الشرقية – الغربية الجديدة. في حين يتزوج هو بنفسه من ابنة المَلك داريوس الثالث، الذي كان آخر مَلك يتغلب عليه. ولدى قيامه بالإعداد للسير على جمهورية روما الحديثة العهد، وافته المنية وهو لا يزال يافعاً في السن، بإصابته بجرثوم من البعوض العائم في المستنقع.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية الكردية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط ، وا
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني 3- العودة الى الأيكولوجيا الاجتما
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني -2 تحرير الجنسوية الاجتماعية
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع) بصدد ال
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع )بصدد
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع) بصدد ال
...
المزيد.....
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
-
شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
-
أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت.. تباين غربي وترحيب عربي
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|