وهكذا أستطاع أعداء العرب وفق مخططهم المكشوف تحويل الأنظار في هذا الوقت من المحور الأساس ( محور الصراع العربي الإسرائيلي ) الى محور مصطنع ومرحلي ( الصراع العراقي الأمريكي ) وبذلك ثّبتوا هذا المرحلي وحضوا عليه ، بينما أغفلوا المحور الذي يعرقل إمتداد قاعدتهم السرطانية – إسرائيل – بعد ان ركنوه في دائرة التئييس والتعجيز بالنسبة للعرب .
العرب .. وعلى طريق إنحسار تأثيرهم على الأحداث وجدوا أنفسهم هذه المرة طرفا" في أحداث ليسوا مخولين في تعديل مساراتها والتأثير عليها ، وانما في أحسن الأحوال ان يركنوا الى السكوت أزاء الكلام الذي يتناولهم سلبا" ، وأزاء الفعل الذي يستلب حقوقهم – حقا" بعد حق - ، وهم بهذه الصورة يراد منهم ان يتحركوا ضمن اطارها ، وقد كان تحركهم أخيرا" مثلما يكشف خطابهم السياسي والدبلوماسي يدور في دائرة ( من العرب الى العرب ) بدلا" من إتجاهه الى آفاق المجتمع الدولي المؤثر .
يعتقد العديد من المحللين ان عملية تحويل الأنظار هذه ليست وليدة مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وانما هي عملية مرسومة الخطوط والإتجاهات في الأجندة الأمريكية من ذي قبل ، لكن قد تكون الأحداث المذكورة بلا شك قد عجلت في إستيقاظها وتحركها الذي تأججت أخباره إعلاميا" في الفترة الأخيرة وخصوصا" بعد الحملة الأمريكية على أفغانستان التي مازالت آثارها غير محسومة الى حد الآن .
العملية النائمة
_____________
كانت حرب الخليج الثانية فاتحة الوجود الأمريكي المباشر في المنطقة على اعتبار ان إسرائيل تمثل في الأساس وجودا" أمريكيا" غير مباشر ، وان كانت العملية المذكورة لها ملامح منذ حرب الخليج الأولى بعد ان اخذت ناقلات النفط في الخليج ترفع الأعلام الأمريكية تحاشيا" للقصف الإيراني ، ومنذ ذلك الحين بدأت خيوط العملية تكبرخاصة بعد ان تكشفت مديات التعاون أثناء حرب الخليج الأولى بين أمريكا ونظام صدام حسين ، خصوصا" وان الأولى قد إستحسنت قيام الأخير بشن تلك الحرب مثلما رأتها حربا" شنت بالنيابة عنها ، وهو رأي يؤيده الكثير من المحللين والمراقبين في ذلك الحين .
كانت عملية الإستحواذ على المنطقة من قبل أمريكا تمر بمراحل محسوبة القراءة وعلى صورة النوم تارة وتارة أخرى الإستيقاظ لبرهة وجيزة من أجل التمويه والمخادعة ، الى ان بدأت أخيرا" مرحلة الإستيقاظ الكامل والمتمثلة في تهديد العراق بضربة عسكرية بذريعة الإطاحة بنظامه الديكتاتوري وفق مقولة ( كلمة حق أريد بها باطل ) .
وأمام إستيقاظ ( العملية النائمة ) فإن العرب قد وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما أو أحلاهما مر مثلما يقول المثل الشائع هما ، دعم وتأييد واشنطن في سياستها التي تتجه بالضد من الحقوق والمصالح العربية الى حد الهيمنة والإستحواذ على مقدرات وتطلعات العرب أو الركون الى السكوت ، والخياران أشاعهما وزير خارجية قطر حمد بن جاسم آل ثاني حسب ما ذكره لشخصية كويتية إلتقته في قطر أخيرا" وحسب رواية الوزير القطري ، من انه قد أبلغ الرئيس العراقي صدام حسين خطورة ماوضعته أمريكا في قاعدة ( العديد ) القطرية وانه شاهد أسلحة لم يشاهدها من قبل ، وإذا بدأت الضربة العسكرية فإن دول المنطقة لا تستطيع ان تقف ضدها بل ستؤيدها ، وان الشريف فينا – والكلام للوزير القطري – سيسكت عن إعلان موقفه .
مأزق النظام العربي
________________
صحيح ان النظام السياسي العربي قد واجه العديد من المآزق وبدءا" من هزيمة حزيران عام 1967 وأستمر مسلسل المآزق هذا الى عام 0199. على أثر دخول القوات العراقية الى الكويت وما أعقب ذلك من إندلاع حرب الخليج الثانية ، الى ان جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر في العام الماضي لتضع العرب في مأزق المآزق إذا صحت التسمية بعد ان حولت واشنطن الأنظار عن قضاياهم وحقوقهم في نهج معروف التفاصيل الى حد لايقبل القسمة على أثنين ، وأخيرا" وليس آخرا" تصاعد المأزق الى ذروته بإعلان واشنطن عن عزمها مهاجمة العراق بغرض الإطاحة بنظامه القائم .
وعلى هذا الواقع الذي سيفرز واقعا" مستقبليا" فحواه ان السياسة الأمريكية التي تتماثل مع السياسة الإسرائيلية بالطبع سوف تأخذ مجراها وفق ما تقرر وتشتهي وتريد ، وان النظام العربي بصورته الحالية لن يكون قادرا" على التأثير في الأحداث المستقبلية إذا لم يتلاف أو يتجاوز نكوصه الحالي .
والسؤال الذي يطرح نفسه .. لماذا العرب أصبحوا على هذه الصورة ؟ والجواب يكمن في الخلل الواضح والطاغي علىإمدادات النظام العربي ، إذ ان مثل هذا الخلل تسبب في تحادر داخلي وهذا بدوره أدى الى تحادر خارجي ، والتحادر الأخير هو الصورة التي ظهر عليها العرب ما أدى الى إنحسار هامش تأثيرهم المحدود أصلا" وغدت الأحداث تلاحقهم وليسوا هم الذين يلاحقونها على الرغم من انهم ليس لهم ناقة او جمل فيها .
إذا" ماذا بوسع العرب ان يفعلوه حتى يستطيعوا وقف هذا التحادر في لجة التصعيد الإعلامي ؟ سؤال وجيه وجواب يتم تغييبه في سياق عجز النظام العربي عن الإضطلاع بمسؤولياته ، كما ان الصمت الذي يلف الشارع العربي هو نتاج يأس وإحباط من فاعلية النظام العربي الذي ليس لديه ما يفعله سوى إنتظار وصول ووقوع الخطب، مع العلم ان مثل هذا الخطب إذا ما وقع – لا سمح الله _ سوف يمتد ليشمل الجميع حتى لوكان هذا الشمول يأتي دورا" بعد دور .
ان من أولى مهمات النظام العربي في هذا الوقت إذا - سمح بذلك – هي ان يقوم بنبذ سياسة الوجهين المتبعة من قبل بعض السياسات العربية التي تقابل واشنطن بوجه تطبعه إبتسامة معهودة ، ووجه آخر عندما يجتمع مع الوجوه العربية تراه يكيل الشتائم واللعنات على واشنطن وسياستها المعادية للعرب والمنحازة لإسرائيل ، وان مثل هذا النبذ سوف يؤدي تلقائيا" الى عودة الروح للتضامن العربي على الرغم من كل المنغصات والجروح التي تسببت في إنفراط عقد هذا التضامن .
تفعيل هامش التأثير
_________________
من الإنصاف القول ان نظام الرئيس العراقي صدام حسين ليس هو النظام الوحيد الذي ساهم في تردي الحالة العربية بل ان هناك أكثر من نظام عربي ساهم في ذلك حتى غدت المنطقة العربية مخترقة من أعداء العرب ، وإذا كان نظام الرئيس العراقي صدام حسين مؤشرا" في هذا الخصوص فقد بات لزاما" على النظام العربي ان يعمل على تحديد وتأشير هذا الإختراق وبإسلوب لا يعرف المجاملة والتردد ، من خلال تغليب المصلحة القومية على كل إعتبار أو مصلحة ضيقة ، حتى يكون بمقدور النظام العربي ان يتخلص أو ان يغلق احدى جهات الخلل العربي والتي ساهمت بشكل مباشر في تردي حالة العرب في هذا الوقت .
وبإمكان النظام العربي كذلك ان يقوم في هذا الوقت العصيب بتفعيل هامش التأثير على الأحداث القائمة والمحتملة من خلال التوجه الى الأطراف الدولية المؤثرة في العالم بأساليب الحض والتشجيع والترغيب كي تقوم بتفعيل أدوارها على الصعد الدولية من أجل ان لا تظل هذه الصعد والمحافل عرضة للإنفراد والإحتكارالأمريكي الذي يعمل على توجيهها وفق مشيئته .
في المنحى المذكور لا بد من القول ان هناك اكثر من دولة عربية تمتلك وسائل الحض والتشجيع مثلما هي تستطيع خوض غمار ( لعبة ) المصالح المتبادلة بكل براعة وإتقان ، لكن هذا الأمر يتوقف على من يقوم بتبني هذا العمل على عاتقه ، وعلى من يقول رأيه حرا" وصريحا" من دون إكتراث بالموقف الأمريكي الذي راح أخيرا" لا يكترث بالأصدقاء أيضا" الذين ( يجلسون ) على طريقه ، بقدر ما هو مكترث بمصالحه ومصالح حليفته إسرائيل التي إستهترت بجرائمها المرتكبة بحق الفلسطينيين من دون إكتراث بأحد ، مبرهنة في الوقت ذاته على ان الدم العربي والفلسطيني ( رخيص ) بينما الدم الإسرائيلي غال ونفيس في عرف أمريكا ومن لف في فلكها .
وخلاصة القول ان السياسات العربية تستطيع الإشاحة بوجهها - ان أرادت – عن التطلع في وجه السياسة الأمريكية السافر ، والمكتنزبالود والدعم لعدوة العرب إسرائيل .