نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1117 - 2005 / 2 / 22 - 10:18
المحور:
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
حاول الطغاة والشموليون الكبار وعبر تاريخ طويل من الممارسات إقصاء وتغييب وكتم أنفاس كل الأصوات التي لا يروق لهم سماعها,نتيجة النرجسية narcissism والمرض وحب التسلط وعشق الذات, وذلك إما عن طريق النفي أو السجن أو التهجير لكي يستتب لهم الحال ويروجوا للدجل والشعوذة والنفاق وعبادة الأصنام ,وانبرى جيش من المطبلين والمزمرين لهذه المهمة غير المقدسة, وتم من خلال ذلك ,وبشكل نسبي إلى حد ما, التعتيم الكامل على مختلف الجرائم والفجور والمجون والسلوك السياسي الشاذ الذي كان يمارسه أولئك بغطرسة وتيه وخيلاء ,لا بل كان يغلف بمسحة من الطهارة الوطنية والعفة السياسية والورع وإسباغ القداسة والجلال عليه في بعض الأحيان,حتى أصيبت هذه الشعوب بداء الكساح الحضاري المزمن, وتخلفت عن اللحاق بركب الأمم الأخرى التي تقطع الأشواط البعيدة في مختلف المضامير يوميا. وجعلت البلاد مستنقعات راكدة وآسنة وبلا حراك مليئة "بالطحالب والإشنيات".
ولكن,كما كان للسنونو موعد مع الربيع ,وللأرض مع حبات المطر,ولقلوب العذارى مع خفقات الحب الأولى, كان للجميع موعد مع الفجر والصبح الإليكتروني الوضّاء, الذي انبلج في غفلة من كل توقعات وتصورات أولئك القصّر والأغبياء الذين ظنوا أن للدهر, يوما, سكينة وأمان. فلقد بدأت تلوح في الأفق نذر حرب ضروس و طاحنة شعواء على هذه الصفحات العنكبوتية,لا بل لقد بدأت وتستعر وتضطرم الأوار, بين القوى السلطوية التقليدية التي مازالت في جحور وأوكار وكهوف التاريخ ,رافضة الخروج من معاقلها ,لأن ملاقاة الضوء تعني فناءها عن الوجود , تماما كما يحصل مع بعض "الحشرات" حين ترى نور الشمس لأول مرة ,بينما يقف العتاة الغلاظ يراقبون الموقف بعجز ,وحيرة وندم على ما فات,وبين كل تلك الأصوات المغيبة والمهمشة والتي ظلت لفترة طويلة مبعدة وعمدا عن كل الساحات. وعادت تلك القوى,بحمق وغباء, إلى نفس الأساليب القديمة في المنع والصد والمراقبة والقمع ,ولكن هيهات أن تفلح هيهات, بعد أن اجتاحها الطوفان والمد العولمي global tide , وفتحت الأجواء وسقطت الحصون والقلاع , وهاجت أمواج ثورة المعلومات العاتية والرسائل الإليكترونية التي تخترق أعتى وأقوى التحصينات ولا تعرف الحواجز و المصدات التي ابتدعها البدائيون المغفلون الصغار,وأصبحت تلك الممارسات بدون أي جدوى أو تأثير يذكر. وكلما حجبوا موقعا طلع لهم موقع جديد وأكثر من عنوان ,وكل يوم تُفرخ عشرات الصفحات الجديدة المتحررة من كل قيد وغُل وعنان.
ولم يبق محظورات ومخبوءات وتابوات وممنوعات إلا ظهرت وبانت للعيان,وحيث كل شيء يمكن أن يكتب ويروى ويقال, وأضحت المعركة,وبعيدا عن تحليل الإستراتيجيين والمحللين "المتفذلكين" الخبراء ممن نراهم في قنوات الاستهبال, في حكم الانتهاء ,وما على تلك المومياءات إلا التسليم بالهزيمة وإلقاء السلاح والانسحاب,ورفع الرايات البيضاء ,أمام تقدم جحافل الصفحات. فما من حركة إلا وتسجل ,وما من فعل إلا ويرصد , وما من جريمة إلا وتفضح بعد ثوان, وما من معتقل ومنفي ومأسور إلا ويعرف في أي زنزانة وقبو ومكان . فيما هجر الجميع أبواقهم وصحفهم التي ما كانت تبث إلا الأراجيف والكذبات الكبار.ويشتد الطوق على عنق الديناصورات وغربان الظلام المتخلفة مبشرا بانقراضها مرة واحدة وإلى الأبد. وأصبحت موقعة الحرب هذه, وبصدق, آخر معارك أعداء الحقيقة وسدنة الطغاة,وصارت كابوسا يقض مضاجع العتاة الذين مارسوا كل فنون النصب والدجل والتعتيم black out والتزوير وغسيل الدماغ brain washing لقرون من الزمان. لقد جعل هذا الفضاء العولمي الجديد من كل كاتب ,أو مفكر ,أو عاشق للحقيقة دار نشر كبرى بدون موظفين ومكاتب أو أي رأسمال سوى ذهن متقد وهاج, وخيال يجوب الآفاق. وليس بحاجة أبدا لموافقات القراقوشيين الجهلاء, وسادية الرقباء البلهاء المحنطين القابعين في الدواوين العتيقة, وأقبية الأرشيف والغبار المظلمة من عشاق الظلام والتعتيم والإقفال,وأصبح بنفسه رئيس تحرير ينشر ما يحلو له وما يشاء, وألقى جانبا بكل الأوراق والكتب والأقلام واستعاض عنها بـ keyboard وشاشة تصله بالمجرات. وعبر نقرة صغيرة على "الماوس", تفتح له أعظم المكتبات ,وتوضع بين يديه كل الموسوعات, ويستمتع بأحلى القراءات.
لقد أصبح الانترنت سلاحا فعالا ومؤثرا ضد كل المؤسسات التقليدية المتخلفة التي أمعنت بسياسات التجهيل والإقصاء لتبقي على الوضع الراهن status quo الذي يخدم مصالحها ويؤمن بقاءها للأبد, وتعري بؤسهم وشقاءهم وموقعهم الفعلي في سلم البشرية والحضارات.ولابد من الاعتراف الآن,وبواقعية, بالمحدودية النسبية لانتشار الإنترنت لدى فئات أعرض من الناس لأسباب عدة أهمها نقص المعرفة والخبرة التقنية باستخدام الحاسب وتوفره بين الأيادي بشكل عام, والأمية السياسية التي كانت نتيجة لتلك الحقبة الطويلة من التعتيم والإقصاء التي مازلنا نعيش بعض تداعياتها إلى الآن, برغم هول التقدم في هذا المجال,إضافة إلى العامل الاقتصادي الذي تعاني منه مختلف الشرائح الاجتماعية وبقسوة في بعض الأحيان,وكل هذه الأسباب كانت ,وبأسف مر, من نتاج السياسة الجهنمية "للفطاحل والأذكياء". ولكن من يستطيع تصور الحال بعد عشر سنوات من الآن والقفزات العملاقة المتوقعة في كل المجالات ؟والتي ستجعل من كل ما نراه الآن,برغم روعته وعظمته, مجرد ذكرى طيبة في البال والوجدان.
كما نشبت معركة أخرى ,وعلى هامش المعركة الأولى, بين القوى العلمانية والتحررية والليبرالية المتنورة,وقوى الظلام والتخلف وفلول الموروثات الغيبة المتخشبة والحلفاء التقليديين للطغاة وسلطانهم على مر تاريخهم الأسود ,حيث وقفوا وبقوة بجانبهم ضد كل محاولات الانعتاق والتحرر والانطلاق والتحديث ,وكانوا عونا لهم في عمليات التنويم المغناطيسية وغسيل وتنظيف الدماغ الجماعي من فيروسات التفكير والضياء, وأضحت الشعوب المنكوبة بسبب ذلك في أسوأ حال ,وفي الدرك الأسفل بين بني البشر قاطبة.ويبدو أنهم بدأوا يفقدون الكثير من نقاط القوة والدعم التي كانت بحوزتهم ,بعد الصدامات المسلحة وفي أكثر من مكان مع عرابيهم وحماتهم السابقين ,وظهور بوادر لانفضاض الحلف المقدس والزواج الكاثوليكي بين الطرفين الذين أصبحا دفعة واحدة مجردين,وكل على حدة, من قوة دفع أساسية كانت بحوزته يوما ما.
إنها الحرب الإليكترونية بدون قذائف وصواريخ ولعلة الرصاص , إنها حرب مستعرة ومستمرة ومحسومة من الآن وكل ما عليكم فعله هو التصفيق للمنتصرين ومساعدة المهزومين المدحورين بالخروج من الميدان.
إنها الحروب الإليكترونية...............مقتل الطغاة.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟