أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - المسألة السورية والنظام الدولي















المزيد.....

المسألة السورية والنظام الدولي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3831 - 2012 / 8 / 26 - 15:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


انتظمت الاستقطابات الدولية حول الشأن السوري في صورة توازن قوى بين قوى ليست متعادلة الأوزان في الواقع. حلفاء النظام السوري، إيران وروسيا وحزب الله بخاصة، ليسوا بقوة ووزن "أصدقاء الشعب السوري" المفترضين، القوى الغربية وتركيا ودول الخليج العربية.
ولتوازن القوى مفعول سياسي دولي يماثل مفعول الحرب الباردة طوال نحو أربعين عاما بين أواخر أربعنيات القرن العشرين وأواخر ثمانيناته. كان السلاح المطلق، النووي، قد حال وقتها دون اندلاع نزاع مسلح بين القوى العظمى، فجعل الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وحلفيهما، متعادلان رغم أنه في كل ما هو نسبي، بما في ذلك السلاح التقليدي، كان معسكر الغرب متفوقا على نظيره الشرقي. عوّض المعسكران عن امتناع الحرب بينهما بتغذية حروب محلية هنا وهناك، كان بعضها جديرا بصفة حروب الوكالة، وجميعها يستطبن حالة الاستقطاب الدولي.
لكن حتى على مستوى هذه الجبهات الفرعية، تسبب التوازن على مستوى القمة الدولية في وضع خاص جدا. فقد بدا أن الدول الأقوى أقل قوة مما هي في الواقع، بينما القوى الدولية الأضعف أقوى مما هي فعلا. أميركا والاتحاد السوفييتي ضعيفان نسبيا فيما إسرائيل قوية جدا، ومثلها عربيا سورية الأسد وعراق صدام وليبيا القذافي التي توهم طاغيتها من القوة الذاتية حد أن وصف البلد الذي يحكمه بالعظمة، واخترع لها نظاما عالميا خاصا. ومعلوم أن من أول نتائج انتهاء الحرب الباردة أن سُحق العراق الذي لم يفهم طاغيته شيئا مما كان يجري فاحتل الكويت، وأن من أول ما فعله حافظ الأسد عند نهاية الحرب الباردة هو التكيف مع الأوضاع الجديدة، والمشاركة تحت إمرة الأميركيين في الحرب الدولية ضد العراق. أما إسرائيل فزادت قوة بعد انهيار نظام القطبين، لأنها مسنودة من القطب المنتصر، لكن كذلك لأنها اعتنت بتطوير قوة ذاتية في مجالات عسكرية وعلمية وتكنولوجية واقتصادية متعددة.
ما يشبه هذا المفعول النوعي للحرب الباردة محقق اليوم في سورية، لكن ليس بسبب تعادل في الأسلحة المطلقة، بل لأن حلفاء النظام يظهرون عزما قويا جدا في دعمه ويعتبرون معركته معركتهم فلا يبخلون عليه بشي، فيما "أصدقاء الشعب السوري" الأقوياء مزدوجو المشاعر، لا يحبون النظام السوري، لكنهم لا يحبون الشعب السوري أيضا، ويشغل أمن إسرائيل وقضية أسلحة الدمار الشامل و"الإرهاب الإسلامي" مواقع متقدمة في أجندات تفكيرهم، ولا تشغل حرية السوريين وحياتهم غير موقع ثانوي في حساباتهم. وهم لا ينفكون يبحثون عن، ويعثرون على ذرائع تسوغ لهم ترك المقتلة السورية تجري كما يشاء لها النظام. أما غير الأقوياء من "أصدقائنا" ففاقدون للإرادة المستقلة ولا يستطيعون التصرف دون إذن من الأقوياء.
وبينما يثابر الروس وإيران وحزب الله اللبناني على دعم النظام بالسلاح والتكنولوجيا والمال والرجال، تفقد المواقف المعلنة للقوى المناوئة للنظام، وهي تضم أقوياء العالم وأقوياء العرب والجوار، أية قيمة ردعية بتأثير تكرارها دون فعل. الردع يقتضي صدقية التحدذيرات، فإن خسرها مرة (وقد خسرها مرات)، خسرها كل مرة.
في المحصلة شعر النظام السوري أنه يستطيع أن يفعل كل ما يستطيع، أي أنه قوي جدا، وما كان يتردد في فعله قبل حين، صار يقوم به اليوم علانية. يستخدم الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين، وبالكاد يواجه بتحفظات طقسية، ثم يستخدم الطائرات العمودية ضد محكوميه الثائرين دون أن ترتفع حتى نغمة الغمغمة الدولية، ثم يستخدم الطيران الحربي ضد المدن والبلدات وسط ما يبدو من حيرة دولية في سبل التعامل معه. ثم يجري تحذير النظام من استخدام الأسلحة الكيميائية ضد محكوميه الثائرين تحت طائلة احتمال التدخل العسكري (أوباما، 21/8)، الأمر الذي يشبه إجازة لاستخدام كل ما دونها. وفوق ذلك، ليس مؤكدا بحال أن صدقية هذا التحذير تفوق صدقية سابقيه.
خلال ذلك سقط نحو 22 ألف من الثائرين والمدنيين السوريين، وفق المعطيات الأكثر تحفظا وتدقيقا (غير معلوم عدد من سقطوا دفاعا عن النظام، لكنهم بالألوف)، وهُجِّر من ديارهم في الداخل والخارج ما قد يقارب 3 ملايين سوري (السويون 23 مليونا عام 2009)، وهناك ألوف المختفين وعشرات ألوف المعتقلين، ويسقط كل يوم ما معدله 150 من المدنيين والمقاومين، وتقع كل يوم تقريبا مجزرة، وتكتشف جثث ضحايا بالعشرات في عشرات المواقع في البلد، ذبحا أحيانا، وتقطيعا بالبلطات أحيانا، وبعد تعرضهم لتعذيب وحشي غالبا؛ وهذا فضلا عن تدمير اقتصادي وعمراني أكلافه بعشرات مليارات الدولارات حتما.
لكن ربما يتجاوز الأثر المتماثل للتوازنات الدولية حول الشأن السوري اليوم وتوازنات الحرب الباردة إضعاف الأقوى وتقوية الأضعف إلى تشكل توازن دولي جديد ونظام دولي جديد. ظروف هذا التشكل الجديد تتهيأ منذ بعض الوقت (إخفاق الاعتماد الأميركي على التفوق العسكري لفرض الأحادية القطبية، أزمات الاقتصاديات الغربية، صعود الصين...)، لكن الثورة السورية، وبالتناسب مع طول أمدها، ومع ما وسمها من تراجع دولي أمام حلفاء النظام بصورة تذكر بتراجع أوربا أمام هتلر قبيل الرب العالمية الثانية، قد تكون هي المناسبة التاريخية لتظهير نظام دولي مختلف، أقل تمركزا حول الغرب، والقطب الأشد صعودا فيه ليس روسيا، بل الصين، البلد الذي يحتجب وراء غيره، ويأخذ أوضاعا أقل تزعما على الساحة الدولية.
لكن ما السر في هذا التراجع الدولي ذاته؟ كيف يحصل أن يعجز أقوياء العالم عن تسهيل سقوط نظام يمقتونه ويثور ضده شعبه، وكان مرجحا أن تتضاعف عواقب سقوطه كلما طال أمد بقائه، ولا تقل؟ في الأمر عدة أشياء: الفشل البين لسياسة التدخلات في العشرية الأخيرة، طائفية الغرب وخشيته المريضة من الإسلاميين، الخشية من إطلاق موجة من التغيرات الكبيرة في الإقليم ككل، ومن أهمها في تقديرنا الموقع المتقدم لإسرائيل وأمنها في رسم سياسات الغرب وتفكيره.
لكن بينما قد تحل التضحية بالسوريين بعض هذه المشكلات على المدى القريب، فإن التراجع أمام الإجرام الفائق للنظام السوري وحلفائه سيحرض مشكلات إقليمية ودولية أكبر، وسيجعل العالم كله مكانا أكثر وحشية ورجعية ويأسا.
لا أصدقاء للشعب السوري.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام الإبادة: من الإبادة السياسية والأخلاقية إلى القتل الجما ...
- بخصوص الثورة السورية والأخلاق
- في الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية
- الدولة الظاهرة والدولة الباطنة في سورية
- حلب
- حوار حول مشكلة الطائفية وسياسة الأقليات
- مشاهد سورية الجديدة وملامحها
- تكوين الثورة وعمليات تشكل سورية الجديدة
- حقوق الأقليات أم جمهورية المواطنين؟
- فصل رابع من الصراع السوري
- على درب القيامة الكبرى في دمشق
- لماذا، وضد من يثور السوريون؟
- الثورة السورية وظاهرة -الانشقاق-... أية سياسة؟
- في عالم انفعالات الثورة السورية
- الثورات العربية وصعود الإسلاميين السياسي
- إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-
- في جذور الحرب وامتناع السياسة...
- صعود العدمية المقاتلة في سورية
- ثلاثي الحرب السورية... دولتان قوميتان وطغمة
- أجساد سورية العميقة وأرواح سورية الظاهرة


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - المسألة السورية والنظام الدولي