تناقض العقل البشري في التأويل

سعد حمامه

الحوار المتمدن-العدد: 3831 - 2012 / 8 / 26 - 13:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

عندما يتناول الحديث استنباط أحكام الشريعة لإسلامية من مصادرها في القرآن و السنة و غيرها أجد المسلمين يميلون دائما إلى القراءة ـ بمعنى الاستنباط ـ الشائعة، المتشددة من حيث الحكم و البسيطة من حيث ميلها إلى التفسير الحرفي. فقطع يد السارق بترها، و حد الزاني المحصن (المتزوج) هو الرجم حتى الموت رغم عدم ورود آية الرجم في القرآن، نصوص كثيرة نأخذ فيها بفهم المفسرين الأوائل و لو بدا لنا اغتراب هذا الفهم!

و حين ننتقل إلى تناول الآيات العلمية في القرآن ـ إن صح التعبير ـ أي تلك التي تشير إلى علوم الفلك أو الجيولوجيا أو الأجنة و غيرها، تحدث المفأجاة آنذاك إذ يتحول ذلك العقل المتحفظ الذي يميل إلى التفسيرات الظاهرية إلى عقل منفتح لدرجة أنه يقبل تفسير هذه الآيات، و ربما الأحاديث أيضا، تفسيرا أقرب إلى الشطط منه إلى الاعتدال، و إلى العجائبية منه إلى العقلانية. هنا قد لا نكون بحاجة إلى ذكر الأمثلة، فقد تكاثرت الكتب و المقالات و البرامج التي تتناول الإعجاز العلمي في السنوات الأخيرة تكاثرا لم يعرف مثله. لعل كل ما يمكن قوله أو حتى تخيله قد قيل، و دونكم القول أن "الخنس" هي الثقوب السوداء، و "الطارق" هو النجم النيوتروني، و أن نظريات معقدة كالانفجار الكبير و النسبية توجد الإشارة إليها في بعض آيات القرآن. مع تحفظنا بالطبع على إفساد العقل العلمي للمسلمين نتيجة هذا القدر المذهل من المبالغة في التأويل "الإعجازي" واحترامنا بالمقابل لمن يعتقد أن إيمانه مرهون بهذا الإعجاز.

دعوني أقف محايدا لا أنحاز إلى رؤية في التفسير دون الأخرى، فرأيي على أية حال ليس مهما. ولكنني أبحث عن الحدود الفاصلة بين طرفي هذا التناقض في العقل البشري! لماذا نقبل التفسيرات الجريئة للنصوص التي تخبرنا عن الأجرام السماوية التي تبعد عنا مسافات هائلة أو تحدثنا عن مراحل خلقنا و تكويننا إذ كنا أجنه أو عن ظواهر طبيعية أخرى ؟ بينما في الاتجاه الآخر، توصد الأبواب دائما في وجه أي تفسير جرئ ـ و لو قليلا ـ للنصوص التي تمس حياتنا و سلوكنا اليومي و التي تغير بالتالي بنية مجتمعاتنا. خط أحمر في وجه أي فهم مختلف لنصوص الحدود و الأحكام و التشريع يقابله ضوء أخضر لأي فهم، مهما جنح، في تفسير نصوص الإعجاز العلمي!

أنا أعتقد أن مرد هذا التناقض إلى نقطة ضعف في العقل البشري الذي يبحث دائما عن الأفكار التي تدعم ما يؤمن به مسبقا، بينما يدفعه الخوف من المجهول إلى الخوف من التغيير و التشبث بكل ما اعتاد عليه. هناك ـ ربما ـ من يتاجر بنقطة ضعفنا هذه، إلا أن أدمغتنا تستطيع تجاوز كثير من نقاط ضعفها بأدواتها المعهودة: العلم و التفكير.

#سعد_حمامه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات