أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود سامي حسن - إِشكاليات بناء تيار إِسلامي ديمقراطي















المزيد.....


إِشكاليات بناء تيار إِسلامي ديمقراطي


محمود سامي حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1116 - 2005 / 2 / 21 - 10:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إِسلاميون و ديمقراطيون
إِشكاليات بناء تيار إِسلامي ديمقراطي


المحرر : د. عمرو الشوبكي
نبيل عبد الفتاح د. جان ماركو هشام جعفر
د. مصطفي اللّباد هبة رءوف عزت

مقـدمـة

مثلت ظاهرة الإِسلام السياسي مدخلاً خصباً لاستخدام العديد من المداخل المنهجية والمعرفية في محاولة ” لفك طلاسمها “ الفكرية والسياسية , فقد نظر إِليها إِما باعتبارها عالماً ثقافياً خاصاً ومغلقاً , أو باعتبارها خطراً ظلامياً هائلاً يستلزم المواجهة والاستئصال , وأخيراً أو نادراً من أجل فهمها كظاهرة سياسية - اجتماعية يمكن استيعابها ودمجها في قلب الحياة السياسية وفي داخل عملية التطور الديمقراطي التي تشهدها كثير من المجتمعات العربية والإِسلامية .

ومثلت مسألة ” دمج الإِسلاميين “ أحد أبرز محاور الجدل الفكري و السياسي على الساحة العربية منذ بداية الألفية الثالثة ، صحيح أن هذا الجدل طرح منذ بدايات العقد الماضي إِلا إِنه ظل غائباً عن النقاش العام في معظم الأقطار العربية ، حتى فرضته الأجندة العالمية لعالم ما بعد 11 سبتمبر .

ويظل من المهم قبل التطرق إِلى مناقشة الأبعاد المختلفة لمسألة ” دمج الإِسلاميين “

, الاقتراب من المداخل التي حاولت أن تقرأ الظاهرة الإِسلامية ، وأهمية العمل على تقديم قراءة جديدة تساهم في التعامل معها بصورة مختلفة عن تلك التي راجت في عقود القرن الماضي ، لتضع مسألة ” دمج “ الحركة الإِسلامية السلمية في عملية التطور الديمقراطي في إِطار فهم أوسع لطبيعة التحديات الثقافية والاجتماعية والسياسيةالمرتبطة بهذه

الحركة .

ويمكن بصورة عامة تقسيم القراءات التي اقتربت من الظاهرة الإِسلامية إِلى ثلاثة أشكال مختلفة : الأولى : جاء من خلفيات فكرية علمانية أخذت طابعاً يسارياً أو ليبرالياً ، والثانية : هي كتابات إِسلامية صبغت على الظاهرة صفات التفرد والاستثنائية والسكون ، واختلفت عن القراءات العلمانية في المضمون وليس المنهجية ، فالثانية نظرت للظاهرة الإِسلامية بصورة إِيجابية وملائكية ، والأولى اعتبرتها حالة شيطانية تستوجب الاستئصال ، أما القراءة الثالثة : فنظرت إِلى الظاهرة الإِسلامية باعتبارها بالأساس ظاهرة اجتماعية ، وتحاول أن تدمج بين الدلالات الثقافية التي تقف وراء وجود الظاهرة الإِسلامية وبين الدوافع والأسباب الاجتماعية والسياسية التي تقف وراء انتشارها - أو تراجعها - وتعمل على استخدام مداخل ثقافية اجتماعية تساعد على دمج الحركة الإِسلامية في العملية السياسية والديمقراطية .

1- القراءة ” العلمانية الأصولية “ :

اعتادت معظم الكتابات العلمانية في العالم العربي أن تقرأ مختلف الظواهر الاجتماعية بشكل متطور ومنفتح يحكمها مدخل إِنساني لا يعترف بالخصوصيات المغلقة ولا بالتاريخ النقي ، ومتأثر بعالمية القيم والظواهر الاجتماعية ، وعدم ثباتها على نمط أو شكل واحد سرمدي .

ويتضح التناقض الذي تعاني منه هذه الكتابات حين يتم الاقتراب من الظاهرة الإِسلامية ، فتنتقل من هذا الحيز الإِنساني إِلى حيز مغلق لا يرى في هذه الظاهرة إِلا تياراً ساكناً عابراً للزمن لا يتأثر بالسياق الاجتماعي والسياسي .

وقد نظر مثقفوا هذا التيار إِلى مجتمعاتنا العربية باعتبارها جزءاً من منظومة التفاعل الحضاري والإِنساني مع العالم كله .

حتى ولو كانت في وضع اقتصادي أدنى من الغرب ، إِلا أنها في النهاية مجتمعات لا يرجع تخلفها الاقتصادي والسياسي إِلى عيب خلقي أو هيكلي في بنيتها الثقافية والحضارية ، إِنما بالأساس إِلى ظروفها السياسية والاجتماعية المحيطة بها .

وأكد مثقفوا التيار العلماني على أن ثقافة هذه الأمة لا تختلف من حيث فرص التطور الديمقراطي وبناء المؤسسات المدنية الحديثة عن أي ثقافة أخرى - وخاصة الغربية - تحترم قيم الديمقراطية وحقوق الإِنسان ، واضعين بذلك فصلاً من الثقافة العربية القابلة للتطور ، والظاهرة الإِسلامية - التي تمثل أحد تجلياتها - العاجزة عن التطور لأسباب هيكلية ترجع إِلى بنيتها العقائدية والسياسية .

وقد نظر جانب كبير من المثقفين العلمانيين في مصر والعالم العربي ، إِلى الحركة الإِسلامية باعتبارها حركة معادية بحكم الطبيعة والتكوين الداخلي للقيم الديمقراطية ، كما اعتبروها أيضاً - وهذا هو الأهم - حركة قيم قابلة للتطور والتفاعل الإِيجابي مع العملية الديمقراطية .

وقد ركز الجزء الأكبر من هؤلاء المثقفين على مجموعة من الأسباب البنائية Structural التي تقف حائلا في أي مكان وزمان أمام تطور التيار الإِسلامي وانفتاحه ديمقراطياً ، على اعتبار أنها حركة لا تاريخية ، تقرأ من خلال نصها المقدس والثابت أو من خلال خطابها الأيديولوجي ، باعتباره قدراً تاريخياَ خالداً لا يتأثر بالزمن ولا بالبيئة الاجتماعية المحيطة .

2- القراءات الإِسلامية الساكنة :

لم يدر كثير من ” الإِسلاميين “ حين بالغوا في الحديث عن خصوصيات الإِسلام والخطاب الإِسلامي ، وخصوصية المجتمعات الإِسلامية ، والنظام السياسي الإِسلامي ، وتفوق الشورى على النظام الديمقراطي ، أنهم وضعوا أنفسهم في مصاف التيار الاستثنائي ” الذي يضع نفسه خارج السياق الاجتماعي والسياسي للظواهر الاجتماعية ، وبالتالي يضع نفسه أحياناً خارج إِطار ” العلم “ وخارج الظواهر الإنسانية .

والحقيقة أن نظرة كثير من الإِسلاميين لواقعهم السياسي وميراث أمتهم الثقافي باعتباره واقعاً منفرداً عن السياق الإِنساني ، قد أضر بالحركة الإِسلامية وأضفى عليها واقعاً ساكناً باعتبارها حركات ملائكية لا تبدو أنها تخطأ ، وأن إِيمانها الديني يعطيها قدرات أكبر من باقي القوى الأخرى يجعلها تنظر لها في كثير من الأحيان نظرة استعلاء ، كما أنها كثيراً ما تتصور بشكل ضمني أو صريح أن من يختلف معها يختلف مع الإِسلام وليس مع مفهوم سياسي اعتبر من تبنوه أنه مستمد من الإِسلام .

والحديث عن تميز الإِسلاميين وسموهم وتفوقهم ، ظل حاضراً في كثير من الكتابات الإِسلامية خاصة ذات الصبغة الجهادية ، وإِذا كان هذا الفهم يبدو مقبولاً لدى جماعة دينية تتحرك في إِطار الدعوة إِلى مبادئ الدين الذي تؤمن به ، إِلا أن الأمر يجب أن يكون مختلفاً حين يتعلق الأمر بظاهرة سياسية تمارس العمل السياسي ، وتسعى إِلى الوصول السلمي للسلطة عبر آليات ديمقراطية ، ويصبح بالتالي أو بالنتيجة مسألة تحولاتها وعدم ثبات خطابها قضية مؤكدة على ضوء ظروف الواقع السياسي والاجتماعي المحيط بها ، ولا تحتاج إِلى إِضفاء القدسية على مقولاتها السياسية , بصورة تؤدي إِلى النظر إِليها بطريقة ساكنة لا تتغير بفعل الزمن و البيئة السياسية .

والحقيقة أن هناك كثيراً من الكتابات التي قرأت الظاهرة الإِسلامية باعتبارها ظاهرة ثقافية لا علاقة لها بالواقع الاجتماعي ، وتمتلك فقط خطاباً كلياً لا يتأثر بالجزئيات والتفاصيل ، و ” هائماً “ على أجنحته الجهادية أو الدينية بصورة عابرة للزمن وللمجتمعات .

وقد أضفى الإِسلاميون والقريبون منهم على المجتمعات الإِسلامية نظرة ساكنة واستثنائية باعتبارها مجتمعات ” أفضل “ وأكثر نقاء من المجتمعات الغربية في حال تمسكها بتعاليم الإِسلام ، ووضعت خصوصية العالم الإِسلامي في صورة متفردة ومختلفة عن مسار الإِنسانية .

وقدمت كثير من الكتابات العربية الإِسلامية والعلمانية على السواء مادة خصبة من أجل تنميط المجتمعات العربية والظاهرة الإِسلامية تحت مسميات مختلفة كالخصوصية والتفرد بمعنى الاستثنائية عن مسار الإِنسانية كما ساهمت في صناعة ” منهجية السكون والتنميط “ التي راجت في الإِعلام الغربي بعد 11 سبتمبر .

3- نحو اقتراب ثقافي اجتماعي من الظاهرة الإِسلامية :

شملت كثير من القراءات الأحادية للظاهرة الإِسلامية رؤى إِسلامية وعلمانية على السواء بحيث وقع الإِثنان في معضلات منهجية وسياسية كثيراً ما ساهمت في غياب فهم علمي ومركب لطبيعة الظاهرة الإِسلامية ومستقبلها ، فقد ساهمت كثير من الكتابات الإِسلامية في وضع الحركة الإِسلامية في عالم خاص ومغلق ، وعزلته عن مسار التطور الإِنساني ، كما وقعت كثير من الكتابات العلمانية في تناقض واضح حين نظرت إِلى الحركة الإِسلامية باعتبارها حالة ثقافية معزولة عن السياق الاجتماعي والسياسي وغير قابلة للتأثر بها .

ولقد بات من الصعب فصل الموروث الثقافي ، عن البيئة الاجتماعية ، وبات من المنطقي الاجتهاد من أجل قراءة الظاهرة الإِسلامية في تعاملها مع الواقع الاجتماعي دون أن تترك لتغرد في المطلق بمعزل عن هذا الواقع وعن دوره وتأثيره ، فنحن أمام ظاهرة هي بكل معنى الكلمة ، أحد أبرز تجليات النص الإِسلامي والخبرة الحضارية الإِسلامية ، ولكنها في نفس الوقت تعيش في ظل واقع اجتماعي وسياسي متغير يعكس باليقين تأثيراته على خطابها السياسي وعلى تفسيرها لنصها الديني على السواء .

وهنا يصبح من الضروري صياغة تصور ثقافي - اجتماعي يتجاوز هذا المفهوم السكوني - الأنثربولوجي و الاستاتيكي - في قراءة تراث أمة من الأمم الذي لا يعتريه تغير الزمان والمكان وتطورات النظم والبيئات ... أي إِلى شيء سرمدي ولا نهائي ومن ثم لا تاريخي .

هذا التصور أو الاقتراب الثقافي - الاجتماعي من ظاهرة ما ، لا يعني عدم قدرة الثقافي على التأثير في الظاهرة محل البحث ، إِنما يعني وفي نفس الوقت قابليته للتأثر بالبيئة الاجتماعية والسياسية المحيطة به ، وبالتالي عدم قدرته على التأثير المستقل .

أو بمعنى آخر ، وكما عبر عالم السياسة الفرنسي Bertrand Badie ، إِنه لا يوجد تفسير ثقافي لحالة نقية إِنما لابد من الأخذ في الاعتبار الممارسة الاجتماعية .

وهنا يصبح التداخل بين الاجتماعي والثقافي أمراً لا مفر منه ويصبح للاقتراب الثقافي - الاجتماعي أهمية كبرى في تفسير كثير من الظواهر الاجتماعية ، وليعلن بالتالي عن ميلاد نوعية جديدة من التساؤلات العلمية تختلف إِلي حد كبير عن تلك التساؤلات الساذجة التي طرحتها معظم المدارس الاستشراقية ، وكثير من المدارس الثقافية الأمريكية منذ القرن الماضي ، وعمقتها كثير من الأسئلة التي طرحها كثيرون من أصدقاء الإِدارة الأمريكية الحالية للرئيس بوش الابن ومعها بعض حلفائها في إِيطاليا بيرلوسكوني ، والتي بدأت بالتساؤل حول ما إِذا كان المسلمون مثل كل البشر وتنطبق عليهم ” قوانين التطور الإِنساني “ التي شهدتها المجتمعات الإِنسانية ؟ ومرت بالحديث صراحة أو ضمناً حول كون الإِسلام معادياً بحكم طبيعته للقيم الحديثة والديمقراطية ؟ وانتهت إِلى اعتبار العنف ظاهرة لصيقة بالإِسلام وبالثقافة الإِسلامية ، أو بالحد الأدنى بالمجتمعات الإِسلامية ، ورفضت بشكل قاطع اعتبار أن العنف حتى ولو في صوره الإِرهابية هو بالأساس

” فعل اجتماعي “ وأن اعتداءات 11 سبتمبر ، وتصاعد العنف الجهادي في كثير من المجتمعات الإِسلامية لا يرجع إِلى كون الإِسلام ديناً يحرض في ذاته على العنف ، إِنما لكون هناك ظروف اجتماعية وسياسية ودولية دفعت ببعض المسلمين إِلى العودة أو الاحتماء ببعض التفسيرات الإِسلامية من أجل ممارسة العنف ، تماماً مثلما مارست كثير من التنظيمات السياسية في أوروبا عنفاً آخر مختلفاً في طبيعته عن ” العنف الإِسلامي “ ، وجاء نتيجة سياق سياسي وثقافي دفع بهؤلاء ” الثوار “ أو ” الإِرهابيين “ إِلى تبني نصوص أيديولوجية ” ثورية “ تبرر ممارستهم للعنف .

داخل هذا الإِطار سننظر إِذن إِلى وجود التيار الإِسلامي - المنطلق أساساً من النص والتاريخ الإِسلاميين - في صورة أقرب إِلى ” المادة الخام “ الأولية التي تعبر عن البعد الثقافي الذي يفسر أسباب وجود الحركة الإِسلامية ، أما المتغير الاجتماعي السياسي ، فهو يمثل مجمل ” المواد الأخرى “ الحديثة المتفاعلة مع ” المادة الخام“ التي تشكل مع هذا الأصل الثقافي تياراً قابلاً للتطور السياسي والديمقراطي ، أو الانتكاس عنها ، حسب درجة تطور الواقع الاجتماعي - السياسي المعاش ، ومدى ترسخ المؤسسات الديمقراطية في المجتمع .

وإِذا كانت مجمل دراسات هذا الكتاب قد اقتربت من الظاهرة الإِسلامية باعتبارها بالأساس ظاهرة اجتماعية ذات مرتكزات ثقافية ، لا تجعلها متفردة أو استثنائية خارج سياق الظواهر الاجتماعية و السياسية ، إِلا أنها لم نكتف بهذه القراءة ، إِنما امتدت

لبحث التحديات التي تقف أمام بناء تيار إِسلامي ديمقراطي في مصر والعالم العربي .

والحقيقة أن مناقشة هذه القضية ظلت لعقود طويلة داخل إِطار المبارزات الفكرية والأيديولوجية . وكانت التهم السابقة التجهيز تلقى بين فرقاء الساحة السياسية دون أي تريث ، وتم النظر إِلى التيار الإِسلامي في مجملة باعتباره تياراً رجعياً ظلامياً معادياً للديمقراطية .

وإِذا كانت مسألة الديمقراطية واحترام حقوق الإِنسان لم تكن دائماً على أجندة كثير من التيارات السياسية التي ناصبت الحركة الإِسلامية العداء ، وخاصة الماركسية منها حين كانت تجاربها في بلدان أوروبا الشرقية وغيرها من بلدان العالم ” نموذجاً “ في عدم احترام الحريات العامة وغياب الديمقراطية ، إِلا أن من المؤكد أن هناك تحولات جديدة شهدها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وعجز الأيديولوجيات الكلية عن تعبئة الجماهير وصناعة مجد الأمم ، وصار هناك دور أكبر ” للأيديولوجيات الصغرى “ التي لديها حساسية أو ميل نحو نسق أيديولوجي كبير ، ولكن معيار نجاحها يتمثل في قدرتها على إِدارة المجتمع وبناء تفاصيل يومه المعاشة بشكل محكم ، وليس الغوص في شعارات النص الكلي .

وهنا تأتي قيمة الديمقراطية باعتبار أنها تخلق التربة المناسبة لنجاح عملية البناء والنهضة ، وتفرض قواعد المحاسبة والشفافية والمنافسة بين مختلف أطياف النخبة السياسية .

وتظل مسألة إِيمان الإِسلاميين بالديمقراطية واردة ، لا تمنعها أسباب هيكلية أو

” جينية “ تعود إِلى جوهر الخطاب الإِسلامي ، ولكنها ستفرض عليهم تحديات من نوع جديد ، معظمها يتعلق بمدى جدية النظم العربية في إِطلاق مسيرة الإِصلاح السياسي والديمقراطي المعطلة ، والقادرة على فرض احترام قواعد الديمقراطية على مختلف فرقاء الساحة السياسية ، وبعضها يخص الخطاب الإِسلامي باعتباره خطاباً شاملاً وكلياً ، وبالتالي اعتمد لفترة كثيرة - كما هو حال كثير من الخطابات السياسية التي تنتمي إِلى نفس الطريقة - على سطوة وبريق النص ، فيكفي أن تكون إِسلامياً مؤمناً بعقيدتك الأيديولوجية والدينية لتقود الأمة وتصلحها ، دون الحاجة إِلى الاهتمام بالإِدارة وبالعلم وبفنون السياسة وبالديمقراطية والمنافسة والشفافية ، فقد بقيت هذه القيم لا يعارضها الإِسلاميون ، ولكنهم لم يعترفوا جميعاً بأن وجودها سيضع العالم العربي في مصاف الدول المتقدمة ، وغيابها سيكرس تخلفه وفقره واستبداد حكامه حتى لو طبق الإِسلاميون في السودان الشريعة الإِسلامية أو خاض ” جند لله “ في أفغانستان المعركة الغلط بتعبير الأستاذ فهمي هويدي .

وهنا يصبح الإِسلاميون أصحاب العقيدة الكلية والشاملة أمام تحدي بناء رؤى سياسية قادرة على التعامل مع القضايا الجزئية ولغة الأرقام ومهارة التفاعل النقدي مع العالم ، وهى كلها تنتمي إِلى عصر جديد لم تعتد كل القوى العقائدية الكبرى في العالم العربي التعامل معه - قوميين وإِسلاميين وماركسيين وحتى كثير من الليبراليين - .

وقد خاضت بعض فصائل التيار الإِسلامي بنجاح هذا التحدي ، كما قدمت التجربة التركية خاصة خبرة حزب العدالة والتنمية نموذجاً ناجحاً اقتصادياً وسياسياً

- على ضوء خصوصية التجربة التركية وبعدها الأوروبي - حققت فيه تركيا تقدماً ملحوظاً في عهد الحكومة الجديدة .

وبقيت تجارب التيارات الإِسلامية في العالم العربي خارج نطاق السلطة بل وخارج المعارضة الشرعية في معظم الأحوال ، وحقق بعضها تقدماً على صعيد الإِيمان بالديمقراطية وحقوق الإِنسان والأساليب السلمية في العمل السياسي ، ولكنها لم تتحول بشكل كامل إِلى تيارات ديمقراطية نتيجة أسباب كثيرة معظمها يرجع إِلى السياق السياسي الذي تعيش فيه ، وبعضها يرجع إِلى عدم قيامها بمراجعات مطلوبة في خطابها السياسي ، ولكنه في كلتا الحالتين لا يرجع إِلى أسباب هيكلية في بنية الخطاب

الإِسلامي .

وقد جاء هذا الكتاب ليناقش من أكثر من زاوية التحولات التي شهدها الخطاب

الإِسلامي ، والتحديات الكبيرة التي تقف أمام تحول هذا التيار إِلى تيار ديمقراطي يؤمن

باحترام الحريات العامة وحقوق الإِنسان ، ويمثل عنصر قوة في نهضة هذه الأمة .

وجاء القسم الأول ليعالج التحديات الفكرية والسياسية التي تقف أمام تطور التيار الإِسلامي والعوامل التي تكبح انطلاق ”خيال الإِسلاميين “ كما أشارت الباحثة هبة رءوف عزت في دراستها الجريئة ، أو تلك المتعلقة بالتحديات التي تقف أمام بناء مشروع إِسلامي ديمقراطي ، كما كتبثر بالبيئة الاجتماعية والسياسية المحيطة به ، وبالت

الأستاذ هشام جعفر في دراسته الرصينة والمهمة حول هذا الموضوع .

بينما تضمن القسم الثاني مجموعة من الدراسات حول مجموعة من التجارب والتحولات التي شهدتها الحركات الإِسلامية في مقاربة بين النماذج الثلاثة ” الكبار “ في الشرق الأوسط ، إِيران وتركيا ومصر ، فقدم كاتب هذه السطور دراسة مقارنة بين خبرة جماعة الإِخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والتنمية في تركيا ، كما قدم الدكتور جان ماركو ، أحد أبرز خبراء الشؤون التركية ، وأستاذ العلوم السياسية الفرنسي ، دراسة دقيقة عن ” الإِسلام السياسي وما بعد الإِسلام السياسي في تركيا “ وكتب الدكتور مصطفى اللباد دراسة أخرى هامة عن تحولات النموذج الإِيراني وتطور الخطاب الديني من الخميني إِلى خاتمي .

وأخيراً جاء القسم الثالث ليتضمن دراسة الزميل نبيل عبد الفتاح حول ” العولمة والديمقراطية والإِسلام السياسي“ لتلقي الضوء بصورة مفصلة ، على مستقبل التيارات الإِسلامية في ظل بيئة عالمية جديدة ” تعولمت“ فيها كثير من القيم ، التي ستؤثر - إِن لم يكن أثرت - على الخطاب الإِسلامي .

وفي النهاية لا يسعني إِلا أن أقدم الشكر إِلى كل من ساهم في نجاح هذا المشروع ، وأخص بالذكر الدكتور عبد المنعم سعيد مدير المركز ، كما أتوجه أيضاً بخالص الشكر إِلى مؤسسة فردريش ايبرت الألمانية متمثلة في مدير فرعها بالقاهرة السيد / فردريش كرامه على دعمها لهذا المشروع بحماس كبير ودون أدنى تدخل في مسار العملية البحثية ، التي احتفظت باستقلاليتها بصورة كاملة .

كما أتوجه بالشكر أيضاً إِلى مركز الدراسات الاجتماعية والقانونية CEDEJ بالقاهرة متمثلاً في الزميل الدكتور جان نويل فرييه على قيامه بترجمة البحث الفرنسي .

وأخيراً يتوجه المحرر بخالص الشكر إِلى السادة الذين ساهموا بالحوار والتعليق في ورشة العمل التي صاحبت هذا المشروع وأخص بالذكر الأستاذ فهمي هويدي والدكتور أحمد عبد الله والدكتور عصام العريان والأستاذ حسام تمام والأستاذة ياسمين ضيف الله واللذان قدما أيضاً مساهمات قيمة في إِعداد المادة العلمية لهذا البحث وباقي الزملاء من فريق البحث والباحثين المساعدين وهم الأساتذة هشام صادق ، جورج ثروت ، سامح لاشين ، يسري أحمد عزباوي ، والأستاذة شيماء حسبو .



د. عمرو الشوبكي



القاهرة : 23 / 11 / 2004

يمكنكم سحب الكتاب كاملا من الرابط التالي

http://www.hala.cc/tagdedy/islam.zip



#محمود_سامي_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يثرب الجديدة ،الحركات الإسلامية الراهنة - محمد جمال باروت
- ملف التيار التجديدي في الإخون المسلمين


المزيد.....




- رئيس وزراء الإحتلال الأسبق ايهود باراك: الإطاحة بوزير الحرب ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقع الراهب بقذائف المدفع ...
- لماذا يصوت مسلمو أميركا لمرشحة يهودية بدلا من ترامب وهاريس؟ ...
- غدا.. الأردن يستضيف اجتماعا للجنة الوزارية العربية الإسلامية ...
- بعد دعمها لفلسطين.. منظمة أوقفوا معاداة السامية تختار غريتا ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لجنود الاحتلال في ت ...
- الهيئة الإسلامية المسيحية تحذر من تصاعد إرهاب المستوطنين الم ...
- “شغلها 24 ساعة وابسط ولادك” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد لدى استقباله الفرق الإيرانية المش ...
- قائد الثورة الإسلامية: منعوا دولة من المشاركة في الألعاب الأ ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود سامي حسن - إِشكاليات بناء تيار إِسلامي ديمقراطي