|
روسيا والصين والهند نحو توازن قوى عالمي جديد
حميد حبيب المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 3830 - 2012 / 8 / 25 - 09:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتأثر العلاقات الدولية والوضع الدولي بأكمله بشكل القطبية السائدة في وقتها,وهي لا تخرج من واحد من ثلاثة انماط كما اتضح من تتبع التأريخ: 1:توازن القوى وهو النمط الأكثر ديمومة وامتدادا تأريخيا وأن كانت العصور التأريخية المبكرة الى حد التأريخ الوسيط من الصعب ان تدخل ضمن هذه التصنيفات لأن الدول فيها والى حد كبير كانت تؤثر بمحيطها فقط اي اننا لن نجافي الحقيقة كثيرا لو قلنا أن العلاقات الدولية حينها لم تكن دولية بما يحمله هذا المعنى,بل كانت علاقات أقليمية لكن بدأ شكل من العلاقات الدولية العالمية التأثير يتبلور عندما عظمت الدولة الاسلامية وتمددت وتوسعت على اكثر من محور فشرقا كانت أمام دول عريقة وكبيرة كالدولة الفارسية والدولة الهندية والدولة الصينية والتمدد الاسلامي باتجاهها كان يحرك الامور بأتجاه معين. وشرقا وشمالا كانت الدولة البيزنطية والامبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة ناهيك عن دول اصغر هنا وهناك,كل هذا ادى لتبلور شكل جديد وانماط جديدة في التفاعلات الدولية لتتضح بشكل نهائي لاحقا في اوروبا مطلع العصر الحديث. وكان توازن القوى انذاك بين الدولة العثمانية وبريطانيا وفرنسا واسبانيا وكان هذا النظام متحركا فنلحظ دخول لاعبين جدد وخروج اخرين كالنمسا وروسيا وهولندا وبروسيا وصولا الى مطلع القرن العشرين فكانت الاحجارعلى رقعة القوى العالمية حينها تتمثل ببريطانيا وفرنسا والمانيا واليابان والولايات المتحدة وتركيا الا انه وبعد حربين عالميتين طاحنتين تغير شكل القطبية العالمية الى ثنائية القطبية. 2:ثنائية القطبية,كان للحربين العالميتين الاثر الكبير في تدمير واخراج معظم القوى العالمية الاستعمارية التقليدية والتي بقيت لعدة قرون تعتلي عرش القوة العالمي. فخرجت بريطانيا العظمى وفرنسا وتركيا واليابان تحت وطأة الاثر المدمر للحروب من جهة اخرى اعلن تربع قوتين عالميتين جديدتين على ذلك العرش هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة,ودخل العالم مرحلة الحرب الباردة التي جعلت العالم مشحونا ومستقطبا اما شرقيا او غريبا ورغم وجود كتلة وسطية وهي عدم الانحياز التي كان الغرض منها النأي بدول هذه الكتلة عن الصراع وتخفيف وطأته مابين المعسكرين لكن عدم الانحياز لم تؤدي دورها وكان معظم دول هذا التكتل بحقيقة الامر منحازا. غير ان هذا النمط انهار بعد حوالي نصف قرن وذلك بأنهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارشو واستقطاب دول المنظومة الشرقية الاشتراكية الى المنظومة الرأسمالية الغربية وكان ذلك ايذانا بعصر جديد في العلاقات الدولية وهو عصر احادية القطبية. 3:احادية القطبية:أن التسارع شمل كل شيء ولم يقتصر على العلم والتكنلوجيا بل تعداها وشمل الجوانب الانسانية فالتغير الاجتماعي والاقتصادي والديني والثقافي والسياسي كلها تسارع تغيرها ايضا,فمثلا نمط توازن القوى في العلاقات الدولية استمر لعدة قرون من ثم تغير,وثنائية القطبية لنصف قرن تقريبا ثم تغيرت اما النمط الاخير احادي القطبية فأنه سائد منذ عشرون عاما ونعتقد بانه لن يستمر بسيادته لأكثر منها اخرى وان كانت الدلائل تشير لاقل بكثير لكن دعونا لا نذهب بعيدا. وفي ظل احادية القطبية كانت الولايات المتحدة هي المهيمن واللاعب الرئيسي على مجريات الامور وقبطان العلاقات الدولية والمجتمع الدولي وبرغم محاولة الولايات المتحدة الحفاظ على موقعها هذا الا أن الاخطاء واردة خصوصا مع وجود تعجرف بعقلية صانع القرار الامريكي لما وصلت اليه بلاده الامر الذي ادى بالاخير لاهتزاز موقعها هذا وتخبطها في عالم مضطرب يستحيل اساسا ان تتولى دولة واحدة ادارة شؤونه,وكان للهيمنة الامريكية على منظمة الامم المتحدة-تلك المنظمة التي كانت تبنى عليها الكثير من الامال بتحقيق نوع من العدل والسلم الدوليين-كان لها دورها بضرب سمعة هذه المنظمة واضعاف دورها حتى وكان اولى لو أن الولايات المتحدة لم تستخدمها كأداة لتحقيق ماربها ومصالحها العالمية وتركت هذه المنظمة تقوى وتتكامل لتؤدي بعضا من الامال التي تعقد عليها. أن ما يدفعنا للأعتقاد بأن العلاقات الدولية تتجه نحو توازن قوى من جديد هو التفاعلات التي ترتبط بالازمة السورية,فبرغم ان هذه الازمة ينظر لها البعض ببساطة بالغة على انها ثورة شعبية ضد حكم تسلطي,وينظر اليها البعض الاخر على انها ساحة تصفية حسابات اقليمية تتمثل بصفة رئيسية بأيران تدعم النظام الحاكم هناك والسعودية تدعم الثوار هناك,الا انه يتضح الى أن اللعبة اكبر من ذلك بكثير وانها نقطة الانطلاق للنمط التالي في العلاقات الدولية وهو توازن القوى من جديد,فنلاحظ ان روسيا التي نادرا ما تستخدم حق الفيتو استخدمته لاكثر من مرة بغضون عام واحد دعما للنظام السوري-حليف روسيا القديم في المنطقة-وهي تقف بقوة أمام التطلعات الامريكية بأسقاط النظام السوري الحاكم بوجود حلفاء امريكا في المنطقة والذين يبدون مندفعين جدا تجاه اسقاط هذا النظام خصوصا السعودية وقطر لكن حدة هذا الاندفاع اخف لدى الاطراف المساندة للنظام السوري كالصين وقد يكون السبب وراء ذلك هو حاجة الصين التنين الصناعي العالمي لهذه الدول كونها اسواق للسلع الصينية ومصدر النفط اللازم للصناعات الصينية أما روسيا فلديها اسواقها الخاصة بها وليست الدول الخليجية جزءا منها اذ ان الصادرات الصناعية الروسية ترتكز على الصناعات العسكرية ودول الخليج هي دول امريكية التسليح كما انها ليست بحاجة للنفط العربي فهي احد اكبر منتجي ومصدري النفط العالميين وهذا الامر وفر قوة وتحرر لصانع القرار الروسي دون ان يفوتنا ان سوريا تمثل اخر موطيء قدم لروسيا على البحر الابيض المتوسط. كما أن روسيا وحتى الصين تحسان انهما خدعتا بالحروب التي قادتها الولايات المتحدة للأطاحة بالنظام الحاكم في العراق وليبيا وأن هنالك طوقا امريكيا حول روسيا تعمل امريكا وبكل قوة ومثابرة على اتمامه وتحجيم وخنق روسيا وانه برغم انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وسير روسيا في ركب الدول الرأسمالية لكن امريكا تنظر بعين الريبة والتخوف منها وانها لا تزال ربما الخطر الاكبر عليها مع ان امريكا حاولت ان تجد تبريرات مختلفة للاعمال التي تقوم بها مثل نشر الدرع الصاروخية حول روسيا وضم دول الاتحاد السوفيتي السابق لحلف النيتو وغزو افغانستان بدعوى الجماعات الارهابية والعراق بدعوى اسلحة دمار شامل وهي تحاول ايجاد الذريعة الملائمة للأنقضاض على ايران,غير أن المغزى من تلك الاعمال واضح وهو التخوف الكبير من روسيا وتطويقها. لكن وجود بوتين الدب القوي على سدة الحكم في روسيا وطول مدة حكمه اعطى روسيا دفعا كبيرا وسياسة قوية تجاه هكذا سلوكيات من قبل امريكا وهو ما يتجلى في الازمة السورية والاصرار الروسي على دعم النظام السوري وبقوة لا بل وبالتلويح بأشارات اخرى تعيد للأذهان بعضا من مظاهر الحرب الباردة مثل تحريك بوارج حربية روسية باتجاه ميناء طرطوس السوري لأنذار من تسول له نفسه التدخل في سوريا على غرار ما قام به النيتو من قبل في ليبيا. أما باقي اضلاع توازن القوى هذا فهو بالاضافة الى روسيا والولايات المتحدة فهي الصين والتي برغم سياساتها المتحفظة والاقل اندفاعا من روسيا غير انها تبقى في الخانة المضادة لامريكا ولن يدوم هذا التحفظ طويلا فالتنين الصيني قد بدأ بنفخ النار يشجعه بذلك الموقف الروسي القوي وحالة السأم من التعجرف الامريكي تجاه الاخرين والعداء الامريكي الواضح للصين وهنا تعود للذهن الازمة التي بدأت بقيام كوريا الشمالية بتجارب نووية اواخر التسعينيات ومطلع الالفية الثالثة وكيف اتحد الموقف الصيني والروسي فمنعوا اتخاذ تدابير تدميرية تجاه كوريا الشمالية كما كانت تريد الولايات المتحدة مع ان العقوبات كانت مؤثرة بشكل كبير على هذا البلد القليل الموارد الا ان الرئيس الراحل لكوريا الشمالية كيم جونج ايل تمكن من الاستمرار وابنه اون حاليا يكمل مسيرة والده دون ان تنهار الدولة او ان يطاح بنظامها. كما ونشهد لاعب قوي جدا ويصعد بسرعة ومرشح بقوة لان يكون احد الاطراف بتوازن القوى وهو الهند التي تحقق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي والعسكري وموقعها بوسط وجنوب اسيا وحالة الهدنة والابتعاد عن الصدام مع الصين او الباكستان سيسمحان لها بأن تكون الطرف الاقوى بجنوب اسيا و أن تكون ضاغطا على صنبور النفط العربي او ممرات النفط بين الشرق والغرب خصوصا لو تمكنت الهند من تجاوز بعض المشكلات الداخلية بسرعة. أما الاتحاد الاوروبي والذي قد تكون الولايات المتحدة ترغب به متماسكا وقويا في المرحلة القادمة كي يدعمها بمواجهة المتغيرات المرتقبة لكنه لن ينجو في ظل الازمات المتلاحقة والتي لو تفكك هذا الاتحاد فأن ضرره لن يتوقف بعد التفكك بل سيستمر بالتأثير على الدول الاوروبية بعدها وحتى لو استمر هذا الاتحاد فان استمراره سيكون شكليا وسيكون ضعيفا جدا واقل صلاحيات وسلطات مما هو عليه الان اي انه لن يتطور ليحل محل الدول الاوروبية كما كان يؤمل منه بل سيكون منظمة اقليمية شكلية وقد يشهد العالم بروز منظمات واحلاف دولية قوية كجزء من بناء توازن القوى من جديد فلا يخفى ان معظم المنظمات الدولية الحالية شكلية ضعيفة بدءا بمنظمة الامم المتحدة ولا تنتهي عند جامعة الدول العربية او عدم الانحياز او المؤتمر الاسلامي او الاتحاد الافريقي او الاسيان. اذن فالايام القادمة حبلى وسيستمر الصراع بسوريا وحول سوريا بكشف المزيد من الامور وخفايا العلاقات الدولية وستبقى النهايات ترتبط بالشكل الذي تنتهي عليه هذه الازمة والصراع الدائر هناك.
#حميد_حبيب_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل اصبحت مفاتيح اللعبة بيد تركيا
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|