عبد الله بربزي
الحوار المتمدن-العدد: 3829 - 2012 / 8 / 24 - 23:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
آليات الخطاب السيوسيولوجي عند بورديو
بين التنظير والممارسة
يعتبر بيير بورديو واحد من أشد المتون إبداعا وخصوبة في النظرية والبحث المتعلقين بالسوسيولوجيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد استطاع بعلمه الواسع أن يتناول مجموعة من الميادين المعرفية كالانتروبولوجيا والسوسيولوجيا والاتنولوجيا والتربية والتاريخ واللسانيات والسياسة والاقتصاد والفن...وما يميز أعماله هو التنوع والأصالة والعمق واعتماد مجمل دراساته على التجربة والمعايشة أكثر من اعتماده على التأمل وغرف المكتب المكيفة، كما أتقن أكثر من غيره فن الكشف عن المنطق النوعي المتحكم في الممارسات الاجتماعية في جميع الحقول والآليات الضمنية المفسرة لنسق هذه الممارسات كالرغبة في التمايز والتنافس والصراع مع ما يرتبط بها من تحقيق بعض المكاسب واحتلال المواقع...(1).
يعتبر بوردي إن علم الاجتماع كما وصلنا هو حصيلة لثلاث مرجعيات أساسية مهمة ( دوركيم، وماركس وماكس قيبر) كما تأثر كانجليم وباشلار إذ اعتبرهما بمثابة "الأنبياء القدوة" وكان يعيب على فلاسفة جيله (التوسير، شاتليه دريدا...) أنهم ينظرون إلى الواقع من موقع عال يتعالى على المعيش اليومي، وهو بذلك يدعو الباحثين إلى الانخراط في القضايا الاجتماعية الواقعية والتحريات الميدانية ، ومهمة عالم اجتماع اليوم هي العمل على تجاوز عدد من المتناقضات المستدامة التي تميز علم الاجتماع من الداخل كالتضاد القائم بين الذاتي والموضوعاتي والفصل بين التحليل الرمزي والتحليل المادي تم الطلاق بين النظرية والبحث التجريبي ...ومرد هذا التخلص هو بناء مجموعة من المفاهيم والمقاربات المنهجية والعمل على إعادة توحيدها داخل نسق متكامل وشامل يجب العمل على توحيدها داخل نسق متكامل وشامل يجب إغنائه باستمرار على مستوى المفاهيم والمناهج والأطر المرجعية التفسيرية بالاستعانة في نفس الوقت بالتجارب المكتسبة والأبحاث الميدانية وبالتأمل النظري والهدف النهائي سيكون هو الوصول إلى نظرية عامة حول المجتمع تمكننا من فهم وتفسير الممارسات الاجتماعية في مقالنا لا ندعي الإحاطة والاستحضار لكل ما أنتجه بيير بورديو ولكن سنحاول الاقتراب من أهم المفاهيم التي شكلت نواة نظريته السوسيولوجية.
يحاول بوردو كسب مفاهيم علمية دقيقة وتوظيفها في الخطاب السوسيولوجي، وهو إذ يؤسس تعريفات دقيقة لا يريدها فقط تصورات وصفية ولكن أدوات للبناء تسمح بإنتاج أشياء لم تكن مرئية من قبل فهو يحذر من النزعة التي تقدس المفاهيم والتصورات ويدعو إلى الاهتمام بها ووضعها تحت الرقابة والنقد إن المفهوم الجيد يقوض الكثير من الإشكالات المزيفة ويثير إشكالات حقيقية.
و الحال أنه في غاية الصعوبة الإحاطة بكل المفاهيم التي أبدعها و تورط بها بورديو لأن لكل منها سياق تورطه و منطقه و رهاناته و سيرورة انبنائه.
وبالنظر إلى تعدد حقول اشتغال بورديو وتنوعها، فقد صاغ جهازا مفاهيميا لدراسة كل الظواهر والنتاجات الاجتماعية التي باستطاعته أن يحدد ويكشف قوانينها وميكانيزماتها الجوهرية، وتتسم هذه المفاهيم بكونها اخترقت قوتها الثقافات والتخصصات والحدود واللغات، ومن أبرز خصائص هذه المفاهيم في النسق النظري والتحليلي لبورديو كونها لا تشتغل بمعزل عن بعضها البعض، إذ إنها متداخلة ومتكاملة، وكل واحد منها يحيل على الآخر ويستدعيه. وتتحدد تلك المفاهيم في : الحقل. والسَّمْت(الهابيتوس) والسلطة الرمزية والرأسمال والعنف الرمزي والتمييز.... إذن ما الدلالات السيوسيولوجية للجهاز المفاهيمي البوردياوي ؟ و ما هي التقاطعات والتمفصلات القائمة بين هذه المفاهيم؟ وأين تتجلى وظائفها في المجالات التي اشتغل عليها بورديو؟
أولا- المفاهيم الأساسية في الخطاب السوسيولوجي البوردياوى
1- مفهوم الحقل le champ:
الحقل نسق بنائي من القوى الموضوعية، وهو « تشكل علائقي له جاذبيته الخاصة، وبإمكانه أن يفرضها على كل الموضوعات والفاعلين الذين يدخلونه" (2) ويتكون الحقل من مجموعة علاقات موضوعية وتاريخية بين أوضاع تقوم على بعض أشكال السلطة أو الرأسمال الرمزي، وهذا ما يجعله فضاءً للصراع والتدافع والهيمنة، إذ إن ما يصنع تاريخ الحقل هو الصراع بين المتحكمين (أوالمهيمنين) والطامعين، بين حملة المنصب أو اللقب (سياسيون واقتصاديون وفلاسفة ورياضيون...) ومبارزيهم، فتاريخه محكوم ومشروط بالنضال من أجل احتكار فرض مقولات الإدراك والتقييم الشرعية، فبالنضال يتشكل في الزمان، ذلك أن دخول الكتاب والمدارس والأعمال في مرحلة الشيخوخة هو نتاج صراع بين أولئك الذين مضى عليهم الزمن، والذين يكافحون في سبيل الاستمرار، والذين لا يستطيعون بدورهم أن يدخلوا دائرة الضوء دون أن يطردوا إلى الماضي كل أولئك الذين لهم مصلحة في تأبيد الحاضر ووقف عجلة التاريخ(3).
كما أن "الحقل هو بناء اعتباطي اصطناعي ، فضاء لعبة، انه مجال علاقات موضوعية بين أفراد أو مؤسسات في حالة تنافس من أجل مراهنة موحدة " وأضاف قائلا " ففي كل حقل يوجد صراع ويجب في كل مرة البحث عن أشكاله النوعية بين الوارد الجديد الذي يحاول اقتحام حواجز شروط الدخول وبين المسيطر الذي يحاول الدفاع عن احتكاراته والقضاء على المنافسة " (4)
إن بنية الحقل حالة من علاقة القوة بين الفاعلين أو المؤسسات المرهونة في الصراع فالذين يحتكرون في حالة محددة لعلاقة القوة الرأسمال الثقافي ينزعون نحو استراتيجيات المحافظة بينما الأقل امتيازا يميلون نحو استراتيجيات انقلابية وكل الإفراد المساهمون في حقل معين لهم عدد من المصالح الحيوية المشتركة.
هكذا يرى بورديو من خلال ما سبق أن فكرة الحقل تستدعي قلبا تاما للرؤية العادية للميدان الاجتماعي بحيث يفترض هذا المفهوم قطيعة مع التمثل الواقعي الذي يدعو إلى إرجاع تأثير فعل الوسط إلى تأثير العمل المباشر الذي يتم عن طريق تبادل الفعل" الرمز والسلطة.
إن الحقل كما يشير بورديو ليس مجرد تمثل ذاتي أو بناء نظري للعالم، بل له وجود موضوعي في الواقع، تعكسه حقيقة المؤسسات التي تعبر عنه، وكذلك الممارسات والمصالح المشتركة، ويتميز الحقل بالخصائص التالية:
- كل حقل في سيرورة تشكله التاريخي، يمر بمراحل طويلة وبطيئة، وصراعات متعددة تستهدف الحصول على الاستقلال الذاتي، إنه عالم صغير من العالم المجتمعي، يشتغل بطريقة مستقلة نسبيا، له قوانينه وقواعد لعبه الخاصة.
- يتميز الحقل بوجود نوعين من الصراع، الأول داخلي بين عملائه، في تنافسهم على الشرعية وعلى امتلاك الحق في تمثيل الحقل والتعبير عنه واحتكار المنافع التي يدرها، وأيضا التنافس بين قدماء الحقل (الآباء المؤسسون)، والوافدون الجدد (المحدثون)، والثاني هو صراع بين الحقل وباقي الحقول المنافسة داخل الفضاء الاجتماعي.
- الحقل إذن بنية لها تاريخ.
يقسم بورديو العالم الاجتماعي إلى مجموعة من الحقول المغلقة والمستقلة نسبيا لكي يفهم آلية كل حقل ووظائفه وطرق اشتغاله قبل أن يخاطر بإطلاق حكم ما على كل حقل(5).
ثانيا- نماذج من حقول البحث السوسيولوجي البوردياوي
ومن الحقول التي اشتغل عليها بورديو بالدراسة والبحث من اجل الكشف عن الميكانيزمات التي تحكم العلاقات بين الممارسات السائدة في كل مجال نذكر ما يلي:
أ-الحقل الفني: حظي النسق الفني بإضاءات هامة، عبرت عن المنظور السوسيولوجي للأعمال الفنية، ومن أهم ما تطالعنا به البيبليوغرافيا البورديوية ما يلي:
- فن متوسط- مقالة بصدد الاستعمالات المجتمعية للتصوير الشمسي(1965)
- حب الفن- المتاحف الفنية الأوربية وجمهورها (1966) (6)
- التميز- النقد المجتمعي للحكم (1979)(7)
- قواعد الفن- تكون الحقل الفني وبنيته (1992)(8)
يتوخى بورديو من خلال هذه الأعمال إبراز دور العوامل الاجتماعية والتاريخية، في الخلق الفني من جهة والتذوق الجمالي من جهة أخرى، فاستحضار هذه العوامل يكشف عن زيف مقولة العبقرية والموهبة الطبيعية، بصفتها وهما، إذ لا وجود لأفكار خالصة، ويبقى مصدر ذلك الوهم هو تجاهل السياق السوسيوتاريخي للحقل الفني، فعلى النقيض من كانط الذي جعل من الحكم على العمل الفني مسألة فردية، فإن بورديو يرى أنه نتاج تربية اجتماعية وثقافية، ومنه تغدو الإنتاجات الفنية وليدة البنى الاجتماعية لعصرها.
ب- الحقل اللغوي: أضاف بورديو للبحث السوسيو-لساني لبنة أخرى تطرق لها في الأعمال الآتية:
1- دلالة الكلام. اقتصاد المبادلات اللغوية (1982)
2- اللغة والسلطة الرمزية (2001): يحتوي الفضاء الاجتماعي سوقا لغوية متعددة، فهناك لغة القانون، الطب، المدرسة خاضعة لمعايير وقواعد محددة، وبالمقابل هناك لغة متحررة من هذه المعايير والقواعد مثل لغة السجون أو عصابات المهمشين، ومن ثم فاللغة مرتبطة بمحيطها الخارجي الذي يمدها بالفعالية والإجرائية. "إن أي أداء للكلام سيكون عرضة للفشل إذا لم يكن صادرا عن شخص يملك سلطة الكلام" . وضمن هذا السياق ففعالية اللغة تتطلب طقوسا لإنتاج خطاب معين، ومن أهمها:
- إقامة العلاقة بين الخطاب وصفات من يلقيه وسمات المؤسسة التي تسند إليه أمر الإلقاء.
- أن يصدر الخطاب عن الشخص الذي عرف واعترف له بكفاءة الإلقاء (الأستاذ الشاعر، القس..)
- إلقاء الخطاب في مقام المتلقي المشروع.
- أن يخضع الخطاب لقواعد النحو والصرف.
لا تأتي أهمية علم الاجتماع التربوي عند بيير بورديو وجان كلود باسرون من الوقوف على وظيفة المؤسسة التعليمية بصفتها آلية لإعادة الإنتاج الاجتماعي. وإنما في الكيفية التي حاولا من خلالها تحليل وتفسير ظاهرة اللامساواة أمام المدرسة من جهة، وفي التنبيه على دور العوامل السوسيوثقافية في المسار الدراسي للمتعلمين من جهة ثانية، وفي السجال العميق الذي خلفته بحوثهما داخل وخارج فرنسا من جهة أخرى.
2- الهابتوس Habitus:
هو "نسق من الاستعدادات الدائمة والقابلة للتحويل أو النقل، بنى مبنية مستعدة للاشتغال بصفتها بانية، أي كمبادئ مولدة ومنظمة لممارسات وتمثلات..." (9). وبصيغته العامة هو المجتمع وقد حل واستقر في الجسم عن طريق سيرورة التربية والتنشئة الاجتماعية والتعليم والترويض، المجتمع (هنا)، بكل قيمه وأخلاقياته، بكل محددات السلوك والتفكير والاختيار...إنه ذلك التاريخ الذي يسكن الأشخاص في صورة نظام قار للمؤهلات والمواقف"( 10) الأبتوس إذن نسق من استعدادات دائمة وقابلة للتناقل transposable، اكتسبت اجتماعيا وجدرت عميقا في الذات، تشمل على الأقل ثلاثة أبعاد أساسية: بعد نفسي وجداني (الاختيار، الميولات، الأذواق) بعد عقلي منطقي (الأفكار، مبادئ الفهم والتفسير...)، بعد أخلاقي عملي (الأفعال، المواقف، القيم...) (11) إنه مؤشر على الأصل أو الوسط الاجتماعي، يقول بورديو حول وظيفة هذا المفهوم "إن إحدى وظائف مفهوم الهابتوس الأساسية هي التخلص من منزلقين متكاملين complémentaires (...): النزعة الآلية mécanisme، والتي تعتبر أن الفعل action هو نتيجة آلية لإكراهات أسباب خارجية، ومن ناحية أخرى النزعة الغائية le finalisme، والتي تعتبر خصوصا مع نظرية الفعل العقلاني أن المفوض agent، يتصرف بشكل حر وواع" (12).
كما أكد بوردي أن هذا المفهوم يضمن الحضور الحيوي لتجارب الماضي المودعة في كل جسم عل شكل خطاطات إدراك وأفكار وأفعال (13).
إذا كان الهابيتوس كنظام خطاطات يولد استراتيجيات فذلك لأنه يرتبط بعلاقة نوعية مع الحقل " إن الهابيتوس لا يسمح بإنتاج كل الأفكار والادراكات والأفعال ولكنه يسمح فقط بإنتاج ما هو ملائم ومطابق للمنطق النوعي للحقل "(14)، إن العلاقة بين الهابيتوس والحقل هي علاقة تضافر وجودي
3 - الرأسمال le capital
تتنافس في الحقول الاجتماعية مجموعة من الرساميل، والكل يراهن على تحصيلها ومراكمتها قصد استثمارها، ليقع الاعتراف بها اجتماعيا حيث تصبح رأسمالا رمزيا، يخول لصاحبه موقعا معينا ضمن لعبة التمايز وأهم أنماط الرأسمال:
أ- الرأسمال الاجتماعي le capital sociale يمثل مجموع اللقاءات contacts، والعلاقات والمعارف، والصداقات (...) التي تمنح المفوض agent مقدرا معينا من المثانة épaisseur الاجتماعية، وسلطة الفعل ورد الفعل الملائم بفضل كم ونوعية هذه العلائق والروابط " الرأسمال الاجتماعي هو مجموع الموارد الفعلية actuelles أو الكامنة potentielles والتي ترتبط بحيازة شبكة دائمة durable من العلاقات شبه المؤسساتية institutionnalisés من التعارفات والاعترافات المتبادلة inter-reconnaissance، أو بعبارة أخرى، الانتماء إلى مجموعة معينة أو مجموعة مفوضين agents (...) يتوحدون بروابط دائمة ومنفعية utile"
ب- الرأسمال الثقافي le capital culturelle :
هو مجموعة المعارف والقدرات والمهارات النظرية والعملية في إطار ثقافة معينة ويتألف من الشواهد المدرسية والألقاب الثقافية والتي تخول لمالكها مراكز ووضعيات تتحدد بحجمها ونوعها.
ج- الرأسمال الرمزي le capital symbolique:
إن الإعجاب والدهشة والاعتبار والتقدير الذي يلازم بعض الاشخاص إما بسبب تمتعهم بالسمعة والجاه أو بالشهرة والموهبة أو لأي سبب آخر يسميه بورديو بالرأسمال الرمزي وهو لا يظهر ليمارس عنفه وسلطته على الآخرين إلا إذا توفرت لديه بعض الشروط أهمها:
- وجود ملكيات حقيقية وموضوعية يمكن رؤيتها ومشاهدتها تخول امتيازات لمن يمتلكها جزئيا أو كليا قد تتخذ شكل ثروات مادية كالملبس أو السكن والسيارة وقد تكون عبارة عن هبات ومواهب وملكات إما فطرية كالجسد والجمال بالنسبة لعارضات الأزياء مثلا أو مكتسبة كاللغة والثقافة والموقع السياسي والديني ...
- توفر الجماعات على رسوم إدراك وخطاطات تقدير تمكنها من التعرف على تلك الملكيات ومن الاعتراف بها باعتبارها مصدر جاذبية وتقدير(15)
إن الرأسمال الثقافي باعتباره رصيدا عاما من المؤهلات والقدرات والكفاءات العلمية، لا يصبح فعالا إلا إذا تم تأكيده وإقامة الدليل عليه، ولو مرة في الحياة وهذا التأكيد ضروري للاستثمار الطويل الذي قد يقوم به الفرد على مستوى الوقت المجهود والمال والقول السبق بمنطق وعنف الثقافة الدراسية إما حالات هذا الرأسمال فيميز فيها بورديو بين الخالة المتجسدة في الفرد ذاته على شكل مؤهلات واستعدادات دائمة( الهابتوس) والحالة الموضوعية وتتخذ شكل ممتلكات ثقافية توجد في محيط الفرد كالكتب والمراجع والموسوعات والمعاجم والأدوات والآلات ...والحالة الممأسسة وفيها يتحول الرأسمال الثقافي إلى عملة لها قيمة معينة يحددها ويضمنها القانون في نفس الوقت كالألقاب والشهادات الجامعية والامتيازات المرتبطة بها (16).
إن نصيب الفرد من الرأسمال الاجتماعي يتوقف بالدرجة الأولى على نصيبه من الرساميل الحرة الاقتصادية والثقافية والرمزية وعلى مقدار تحكمه وتوجيهه لها هو ببساطة الربح المحصل وليس بالضرورة أن يكون ماديا مثلا التقدير والاحترام والتبجيل والتشريف وسط الجماعة وهو يظهر بالخصوص حين يكون معترفا به في قدرة الفرد على تعبئة شبكات للدعم والمساندة في لحظات تاريخية معينة داخل محيط هذا الاعتراف أي داخل مجال العلاقات الاجتماعية للفرد (17).
إنه باختصار "ليس شيئا آخر سوى الرأسمال الاقتصادي أو الثقافي عندما يصبح ذائع الصيت، حسب أنواع التمييز التي تفرضه (18).
4- مفهوم السلطة الرمزية :
السلطة الرمزية هي « السلطة شبه السحرية التي تسمح بالحصول على ما يعادل ما تم الحصول عليه بالقوة(المادية أو الاقتصادية)، بفضل الأثر المتميز للتداول(19)، وتتبدى عبر مجموعة من القرائن الصغيرة والمستترة جدا، غير أنها كفيلة بإبراز الوضع السامي لشخص معين، ومن هذه القرائن مثلا : مكتب واسع وفسيح مؤثث بأجهزة هاتف متعددة، سيارة فخمة بسائق خاص، شهادة ممهورة فوق بطاقة زيارة، الأساليب المعهودة في المسلكيات البيروقراطية التي تجعل الضيوف ينتظرون طويلا، أساليب التعبير بكيفية سلطوية آمرة....
تعتبر هذه المفاهيم من أبرز الآليات التي توسل بها بورديو في دراسة مختلف الحقول الاجتماعية وتحليلها، لكونها تستطيع بفضل تماسكها المنهجي وعمقها النظري والتحليلي أن تبرز البنيات الخفية لكل الحقول، وتبين طرائق اشتغالها، وتحدد أنظمتها العلائقية الداخلية والخارجية التي تظهر بجلاء وجود تماثل بنيوي بين الإنتاج الثقافي والحقل المجتمعي الذي أنتج فيه.
وبغاية بيان كيفية اشتغال تلك المفاهيم في، انطلق بورديو من دحض الأطروحات السائدة، سواء تلك التي تزعم أن الإنتاجات الثقافية عامة والأعمال الفنية والأدبية خاصة تعبير عن نشاط إبداعي فريد للذات يتعالى على الوصف أو التفسير، والتي تلخصها نظرية الإلهام والإبداع التي طالما جلبت الغبن على الأدب، أم تلك التي تنظر إلى الأعمال الثقافية باعتبارها دلالات غير زمنية وصور خالصة، بلا فاعل لها وتستبعد الإحالة على أي مرجع أو شرط اقتصادي أو اجتماعي في قراءتها، أم تلك التي تنظر إلى العلاقة بين العالم الاجتماعي والأعمال الثقافية من زاوية علاقتها بالواقع المادي، وبطبيعة انعكاس الصراعات الطبقية في عوالمها.
ثالثا – الحقل التربوي مجال لإعادة الإنتاج الطبقي والرأسمال الثقافي
لا تأتي أهمية علم الاجتماع التربوي عند بيير بورديو وجان كلود باسرون من الوقوف على وظيفة المؤسسة التعليمية بصفتها آلية لإعادة الإنتاج الاجتماعي فقط. وإنما في الكيفية التي حاولا من خلالها تحليل وتفسير ظاهرة اللامساواة أمام المدرسة من جهة، وفي التنبيه على دور العوامل السوسيوثقافية في المسار الدراسي للمتعلمين من جهة ثانية، وفي السجال العميق الذي خلفته بحوثهما داخل وخارج فرنسا من جهة أخرى.
فحقل التربية باعتباره رهان لتضارب المصالح وتنازع السلط من أجل إعادة إنتاج المجتمع، فهو في حد ذاته يعيد إنتاج لا تكافؤ الفرص، فبيير بورديو لا يفصل إلا نسبيا بين الحقل المدرسي (التربوي) والحقل السياسي والحل الاجتماعي "يربط بيير بورديو المدرسة كمكان لإقرار التدابير السياسية لطبقة المهيمنة ،ذلك أن المدرسة تمثل أداة لإنتاج وإعادة إنتاج نفس التدابير الثقافية التي تحدد تصنيفيا بتراتبية العلاقات الاجتماعية فلا يمكن إذن أن نفترض الحياد المطلق لأنظمة التعليم إن الحديث عن العلاقة بين المدرسة والطبقات المهيمنة، يذهب بنا إلى ربط المدرسة بمصلحة تلك الطبقات في إعادة إنتاج بنية العلاقات داخل الطبقات، ودور السوسيولوجي في نضره هو التحليل بين الفاعلين داخل كل من الحقلين، المدرسي والسياسي، بمعنى: أن المدرسة أداة في يد الدولة والتي تخدم الأهداف الخفية والمصالح الطبقية "(20).
حين حاول بيير بورديو مع باسرون "فحص مسألة الطبقة الاجتماعية والانتقاء الاجتماعي وحاول دراسة العلاقة الدينامية بين العمل التربوي وتعريفه أي أن: التربية بالمعنى الأوسع الذي يشمل أكتر من عملية التربية النظامية في المدارس وبين معاودة إنتاج الجماعات التي تؤلف الطبقات الاجتماعية "
غير أن "مقاربة بيير بورديو للظاهرة التربوية تدخل في إطار السوسيولوجيا النقدية للتربية، هذا الإتجاه الذي تشكل مند الستينيات بسبب محاولات تفسير اللامساواة التربوية" فلمقاربة لا تكافؤ الفرص في الحقل التربوي وإعادة إنتاج نفس الحظوظ انطلق بورديو من مفهوم الرأسمال الثقافي حيت فرض هذا الأخير"نفسه بداية بأعمال بورديو كفرضية ضرورية للإلمام بانعدام المساواة المدرسية للأطفال القادمين من مختلف الطبقات الاجتماعية وذلك بربط النجاح المدرسي بالرأسمال الثقافي بين الطبقات والفئات الاجتماعية"(21).
وبالتالي فإن هذا الامتياز الثقافي، الذي ورثه هؤلاء في شكل إرث ثقافي héritage culturel، ينقل بطريقة خفية discret، غير مباشرة، وفي غياب أي مجهود منهجي، وكذلك كل فعل ظاهري، إنه تقريبا في الأوساط الأكثر تثقيفا plus cultivé، حيث تقل الحاجة للوعظ على التفاني الثقافي وتقديم المساعدة بعزم وتدريب على الممارسة الثقافية، في مقابل الوسط البورجوازي الصغير حيث لا ينقل الآباء لأبنائهم شيئا آخر سوى الإرادة الثقافية الخيرة la bonne volonté culturelle، فالطبقات المثقفة classe culturelle، تهيئ حوافز جد متعددة ومقنعة، وذلك بغية تفعيل الانخراط في الثقافة بواسطة نمط خفي من الإقناع ومنه فالمدرسة تبقى -"السبيل الأوحد والوحيد لولوج الثقافة (العالم الثقافي)، وهذا في كل المستويات الدراسية، وبالتالي فالمدرسة هي الطريق الملكي لدمقرطة الثقافة (...)، فالطلبة يختلفون بمجموع الاستعدادات والمعارف القبلية التي تعود إلى وسطهم الاجتماعي، فهم إذن ليسوا متساويين في اكتساب الثقافة العالمة إلا صوريا ، وللتدليل على ذلك يضيف بورديو أن "كل تعليم، ولاسيما تعليم الثقافة (حتى العلمية منها) تفترض مسبقا وضمنيا، شيئا من المعارف والمهارات ولاسيما آداب الكلام savoir dire والتي تكون تراث الطبقات المثقفة" (22).
وتأسيسا عليه، فإن سهولة استدخال الثقافة التي تنقلها المدرسة تزداد كلما ارتقينا في سلم الانتماء الاجتماعي، وهكذا فإن قاعدة النجاح المدرسي تتسع عند الطلبة المنحدرين من طبقات متوسطة وتزداد عند المنحدرين من طبقات مثقفة، ومنه فالأستاذ الذي يقوم بتقييم عمل التلميذ المتألق brillant، أو الموهوب doué، والتلميذ المجد sérieux، لا يحكم في الغالب سوى على علاقة بالثقافة، تتعهد كلا منهم منذ ولادته، "والحال أن ثقافة النخبة إذا كانت تقترب من ثقافة المدرسة فإن ابنا ينحدر من وسط بورجوازي صغير (فما أدراك بمن ينحدر من وسط عمالي أو فلاحي) لا يمكنه الاكتساب إلا بالكد ، ما يتلقاه ابن طبقة مثقفة، اللياقة، الذوق، الفكر، وباختصار فهذه المهارات وآداب السلوك savoir vivre، هي طبيعيا تنتمي إلى طبقة معينة لأنها ثقافة هذه الطبقة، فبالنسبة للبعض اكتساب ثقافة النخبة هو امتحان عسير، وبالنسبة للبعض الآخر إرث يضم السهولة والتساهل في الآن نفسه" (23).
هذا الرأسمال الثقافي الذي يؤدي تباين امتلاكه إلى لا تكافؤ الفرص في التعليم وإعادة الإنتاج
و وفق التحديد السابق لمفهوم الهابيتوس باعتباره منتج للممارسات, و أصل الإدراكات و عمليات التقويم و أصل القواعد المولدة للممارسات.
هدفت تحاليل الهابيتوس لدى “بورديو” إلى استخلاص كل النتائج من أفعال إعادة الإنتاج الثقافية, فيتوقف بشكل خاص عند وظائف النسق المدرسي لعمليات إعادة الإنتاج هذه و عند التمايز الثقافي فيقول في هذا الصدد : ” يخضع النظام التعليمي المؤسسي ( أو إحدى مرجعياته ) لسنة التنميط الروتيني, بقدر ما ينتظم نشاطه التربوي ليلبي وظيفة معاودة الإنتاج الثقافي …(24).
ما تتطلبه عادة الطبقات الحاكمة من النظام التعليمي يتمثل أساسا في معاودة إنتاج الثقافة الشرعية وإنتاج فاعلين قادرين على استخدامها شرعيا ( أي مدرسين, أساتذة, إداريين أو محامين أو أطباء أو أدباء إلى حد ما …), ومن جهة أخرى تخضع الممارسات التربوية وخاصة الثقافية منها التي تقوم بها فئة الفاعلين الخاضعين لسنة التنميط الروتيني…) .
ومسألة إعادة إنتاج الطبقات الاجتماعية , تتعلق بشكل خاص بإنتاج نسق علاقات الطبقات القائم .
و يعتبر “بورديو” أن للمدرسة وظيفة واحدة , هي تحديد النسق الثقافي وفرض شرعيات الطبقات المسيطرة “يصل موهوم (استقلالية النظام التعليمي المؤسسي ) المطلقة , إلى ذروته حين يتحول الجسم التعليمي بصورة كاملة إلى مجموعة من الموظفين , و ذلك لأن الأستاذ حين يتقاضى أجرا من الدولة أو من المؤسسة الجامعية , و ليس من الزبون مثل البائعين الآخرين للسلع الرمزية (المهن الحرة),
أو على الأقل مقابل الخدمات التي يقدمها لهذا الزبون , ليجد نفسه في ظل أفضل شروط التغافل عن حقيقة مهمته الموضوعية ” .
فالمدرسة تخفي الإيديولوجية التقليدية لتكافؤ الفرص التي تهدف إلى جعلنا نقبل أنها ( أي المدرسة ) تعمل على توفير المساواة في الحظوظ للطلاب و لا ينجح إلا من يستحق النجاح .
بمعنى أن النظام التعليمي يشرعن التعسف الثقافي للمسيطر “حيث أن النظام التعليمي المؤسسي يتضمن ميلا إلى معاودة إنتاج نفسه بصورة ذاتية , فإنه يميل إلى معاودة إنتاج التغيرات التي تطرأ على نموذج التعسف الثقافي الذي يتولى معاودة إنتاجه…” .
إن نسق التعليم حسب “بورديو” , مكان لإقرار وترسيخ الثقافة , أي مكان فرض التعسف الثقافي
و إنتاج التدابير الثقافية اللامتكافئة, و بالتالي تدابير إعادة إنتاج التنظيم الاجتماعي القائم . فكل عمل تربوي هو عنف رمزي , على اعتبار أنه فرض تعسفي لنمط ثقافي من قبل سلطة تعسفية . “يعود ما لأي نظام تعليمي مؤسسي من ميزات بنيوية ووظيفية مخصوصة , إلى كونه يقوم بإنتاج ومعاودة إنتاج , بما للمؤسسة من وسائل خاصة , اللوازم والشروط المؤسسية التي لا بد من وجـودها و استمرارها ( معاودة إنتاج المؤسسة لنفسها ) سواء لاضطلاعه بوظيفة الترسيخ الخاصة به أو بوظيفة معاودة إنتاج نموذج ثقافي لا يكون من إنتاجه ( معاودة إنتاج ثقافية ) و يسهم بمعاودة إنتاج العلاقات القائمة بين الجماعات أو الطبقات ( معاودة إنتاج اجتماعية )(25).
و ينقسم المجتمع لدى “بورديو” إلى فئات اجتماعية متباينة متصارعة , حيث هناك إيديولوجيا تساهم في إعادة إنتاج الطبقات و إعادة إنتاج الصراعات".
و تراتب الطبقات لدى” بورديو” لم يكن اقتصاديا بالأساس بل كان ثقافيا ذا بعدين :
1- الرأسمال المدرسي أو الثقافي .
2- الرأسمال الموروث المتناقل عبر الأسرة .
و هناك ثلاثة عوامل تتحكم في سلوك الفاعلين الاجتماعيين , أسماها “بورديو” بالرساميل وهي :
- الرأسمال الاجتماعي: وهو المحدد للعلاقات الاجتماعية
- الرأسمال الثقافي: أي الوسط الثقافي للإنسان.
- الرأسمال الرمزي: فلا يكون هناك عنف إلا إذا كان هناك تواطؤ بين الذي يمارس العنف والذي يمارس عليه . ولقد فصلنا القول في هذه المفاهيم أعلاه.
و بالتالي فإن “بورديو” يعتبر المدرسة مصدرا للسلطة الرمزية التي يخضع لها التلميذ أو الطالب .
إن المدرسة – في نظر”بورديو” – وسيلة أو أداة في يد الطبقات الحاكمة لإنتاج ولمعاودة إنتاج الثقافة السائدة , و كذا إعادة إنتاج نسق العلاقات الذي يخدم مصلحة الطبقة المهيمنة (السائدة), من خلا ل موظفين تغافلوا عن مهمتهم الموضوعية.
النظام التعليمي أداة لتكوين التعسف الثقافي في المجتمع و للحفاظ على استمرارية الأوضاع الثقافية والاجتماعية القائمة و بالتالي تكريس التبعية و كذا الدفاع عن استمرارية السوق الرمزية بما لها من فعالية للحفاظ على الوضع القائم، و هكذا نجد أنه من الممكن أن تأخذ التبعية شكلا مفارقا تماما, و ذلك عندما تتم من خلال نظام تعليمي مؤسسي معين فالتعسف الثقافي لنسق التعليم يفرض العنف الرمزي داخل المجتمع .
على سبيل الختم
لا يمكن اختزال آليات الخطاب السيوسيولوجي عند بيير بورديو في مقال أو كتاب لأن ذلك يعد تعسفا في حق مفكر قل نظيره في مجال السوسيولوجيا المعاصرة، إنه استثناء علمي لن يتكرر سواء على مستوى استعمال المفاهيم وتأصيلها والمقاربات المنهجية التي يتوسلها في دراسته للظواهر الاجتماعية، وكذلك آليات التحليل التي يوظفها في الكشف عن البنيات الخفية في الحقول التي اشتغل عليها. لهذا نطمح أن ينكب الباحثون في تناول المتن السوسيولوجي لهذا المفكر والعالم والناقد والمناضل...وذلك بالاستفادة من جهازه المفاهيمي ومقارباته المنهجية ومهاراته التحليلية في دراسة الظواهر الاجتماعية والثقافية في المجتمعات العربية.
الإحالات المرجعية والهوامش
1- عمر برنوصي: بيير بورديو والسوسيولوجيا، مسار عالم/ مجلة وجهة نظر، عدد مزذوج 19- 20، 2003 ص 53
2- بورديو وفاكونت، أسئلة علم الاجتماع فى علم الاجتماع الانعكاسى، ت: عبد الجليل الكور، ط1، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 1997. ص 19
3- عبد الجليل الأزدي: بورديو الفتى المتعدد والمضياف، المطبعة والوراقة الوطنية ، مراكش،ط1 2003.
4 - Pierre Bourdieu, Questions de sociologie, Paris, Les
Éditions de Minuit, coll. « Documents », 1980
5- هشام صالح، حوار مع بيير بورديو، مجلة الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي، العدد 37، كانون الأول ص 67 ، 185
6 - Pierre Bourdieu et Alain Dardel, L amour de l art : Les musées et leur public,
Paris, Les Éditions de Minuit, coll. « Le sens commun », 1966
7- Pierre BOURDIEU - La distinction, critique sociale du jugement. Paris, Les
Editions de Minuit, 1979,
8- Pierre BOURDIEU Les Règles de l art. Genèse et structure du champ littéraire.
Pierre Bourdieu, Seuil, 1992. Seuil,
9- Pierre BOURDIEU, Le sens pratique, Paris, Éditions de Minuit, 1980, p 113
- 10- بورديو، بيير، الرمز والسلطة، ت: عبد السلام بنعبد العالى، ط2، الدار البيضاء: دار توبقال، 1990. ص 23
11- Pierre Bourdieu, Questions de sociologie, ibid p 134
12- Pierre Bourdieu Méditations pascaliennes. Paris, Seuil, 1997
13- Pierre Bourdieu, Questions de sociologie, Ibid p 134
14- Pierre BOURDIEU, Le sens pratique, Ibid
-- بورديو، بيير، الرمز والسلطة، ت: عبد السلام بنعبد العالى ، المرجع السابق ص 7615-
16- عمر برنوصي، المرجع السابق ص 12
17- عمر برنوصي، المرجع السابق ص 13
18- Pierre Bourdieu, Choses dites, Paris, Les Éditions de Minuit, coll. « Le sens
commun », 1987 p 160
عبد الجليل الأزدي ، المرجع السابق، ص 52 19-
20- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, La reproduction : Éléments d’une théorie du système d’enseignement, Les Éditions de Minuit, coll. « Le sens commun », 1970,)
21- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers : les étudiants et la
culture, Paris, Les Éditions de de Minuit, coll. « Grands documents » (no 18), 1964,
22- - Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritier, Ibid
23- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritier, Ibid
24- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, La reproduction, Ibid
25- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, La reproduction, Ibid
#عبد_الله_بربزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟