|
المواطنة من المنظور الأصولى الإسلامى
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3829 - 2012 / 8 / 24 - 12:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يُروّج الأصوليون لإتجاه يرى أنّ المصريين المسيحيين لايستحقون حق المواطنة إلاّ إذا اقترن هذا الحق بوصفهم (أهل ذمة) وحجتهم فى ذلك إنّ القول ((بأنهم مواطنون وليسوا أهل ذمة ينطوى على خصم من حق لهم وحق لنا نحن المسلمين. أما حقنا فيتمثل فى مطالبتهم بمعايشة قضايا الأمة الإسلامية والمشاركة فى الدفاع عنها)) (صحيفة القاهرة 20/1/2004نموذجًا) أما حقهم من وجهة نظركاتب المقال، فهوالدفاع عن حقوقهم المغصوبة التى هى ((الظلم الذى تتعرّض له الكنائس المسيحية الواقعة تحت هيمنة الإحتلال الصهيونى)) هذا التوجه الأصولى يسعى إلى تفتيت الركيزة الأساسية للوحدة الوطنية، وهى أننا مصريون قبل وبعد الأديان. وهذا التوجه يُشكل خطورة على مستقبل شعبنا فى ضوء التوضيح التالى : إنّ عدم الاعتراف بحق المواطنة إلاّ إذا التصقتْ به صبغة دينية (أهل ذمة) يعنى أنّ هذا التوجه الأصولى لايعترف بمواثيق حقوق الإنسان العالمية. وأنّ حق المواطنة كافٍ بذاته بغض النظرعن اللون أوالجنس أوالدين. إنّ الإصرارعلى إلصاق تعبير(أهل الذمة) على المصريين المسيحيين يعنى إستمرارالجدل الذى يُشعل نارالفتنة الدينية. فالأصوليون المسلمون يرون أنّ (أهل الذمة) مُشركون طالما ظلوا يعترفون بالتثليث ، لدرجة أنّ البابا شنودة تدخل لحسم هذا الموضوع فكتب إننا ((كمسيحيين نقول إننا نؤمن بإله واحد لاشريك له. ولانؤمن إطلاقـًا بثلاثة آلهة لاعلاقة لها بالمسيحية)) والبابا لم يكتف بالصيغ الإنشائية وإنما استشهد بالعديد من آيات القرآن، فردّ عليه أحد الشيوخ قائلا مادمتَ ((تستشهد بالقرآن على أنكم لستم مشركين ويتبين خطؤكم فى الاستشهاد بترككم بقية النسق القرآنى ، فماذا تقولون فى وصفكم بالشرك بالله فى سورة المائدة /17((لقد كفرالذين قالوا إنّ الله هوالمسيح ابن مريم)) (مجلة الأزهر- يناير85) ولم تكن مجلة الأزهرفريدة فى هذا التوجه ، بمراعاة وجود أكثرمن تيارإسلامى يرى نفس الرأى وهوما أقرّبه الشيخ الشعراوى فى مجلة آخرساعة (عدد 18/4/90) الإصرارعلى أنّ المصريين المسيحيين أهل ذمة تكريس للمرجعية الدينية بإعتبارهم (أهل الكتاب) وبالتالى تأييد التوجه الأصولى الذى يرى ضرورة تطبيق الآية رقم 29من سورة التوبة عليهم والتى تنص على ضرورة أداء الجزية (وهم صاغرون) وتطبيقـًا لهذا النص فإنّ الجماعة الإسلامية فى المنيا فرضتْ الجزية على المسيحيين كما تم إعدام 40(أربعين) مسيحيًا رفضوا دفع الجزية (مجلة روزاليوسف 24/2/97وصحيفة الأهالى 19/3/97) وأنّ أحد مرشدى الإخوان (أ. مصطفى مشهور) صرّح بوجوب فرض الجزية على المسيحيين فى الدولة الإسلامية وإعفائهم من الخدمة فى القوات المسلحة (أهرام ويكلى 3- 9 إبريل 97) يستخدم الأصوليون تعبير(نحن المسلمين) فى إشارة دالة على أنّ المسلمين شىء والمسيحيين شىء آخر. أى تكريس التوجه الذى بدأه جمال الدين الإيرانى الشهيربالأفغانى الذى روّج لعدم الاعتراف بالولاء الوطنى . وأنّ الرابطة الحقيقية التى كان يدعوإليها هى (الرابطة الدينية) التى كتب عنها كثيرًا فى مجلة العروة الوثقى (26/7، 14/8، 28/8/1884على سبيل المثال) أما مطالبة المصريين المسيحيين (بمعايشة قضايا الأمة الإسلامية والمشاركة فى الدفاع عنها) فالمعنى هوأنْ يذهب المصرى (المسيحى) إلى أى بلد خارج مصرليُدافع عن قضايا المسلمين ، رغم أنّ هذه القضايا ذريعة أمريكية. فإذا كان الأمركذلك فهل يجوزلأى أصولى مسيحى (وفقـًا لقاعدة القياس) أنْ يُطالب المصريين المسلمين بمعايشة قضايا الأمة المسيحية والمشاركة فى الدفاع عنها؟ هل كان من واجب المصريين المسلمين أنْ يذهبوا إلى أيرلندا لمساعدة الجيش الشعبى الأيرلندى ضد الحكومة البريطانية، أوأنْ يذهبوا إلى دولة الصرب للدفاع عن المسيحيين الذين قتلتهم جيوش أمريكا ودول الحلفاء المسيحية؟ وإذا كان المطلوب من المصرى المسيحى أنْ يُعايش قضايا الأمة الإسلامية فمن باب أولى أنْ يكون هذا المطلب موجهًا إلى المصرى (المسلم) وهوما حرص عليه كل الأصوليين الذين يعملون تحت الأرض وفوقها مثل نقابة الأطباء (المصرية) التى كانت تنشرالإعلانات مدفوعة الأجرفى الصحف تحت شعار(وابوسناه – أهرام 31/12/93نموجًا) وكانت النتيجة تخريج جيوش من الأصوليين المؤمنين بأنّ المسلم الأمريكانى أوالأفغانى أهم من المصرى المسيحى ، فتركوا الطب والهندسة، أى تركوا تخصصاتهم وذهبوا ليموتوا فى كهوف أفغانستان ، ومن عاد منهم إلى مصرفإنما ليقتلوا شعبنا (مسلمين مسيحيين) ويُخرّبوا المجتمع ويعتدوا على السياح ، وينشروا أفكارهم التكفيرية بسياط مقولة (جاهلية المجتمع العصرى) يُصرالأصوليون على موقفهم حتى بعد أنْ توفرتْ المعلومات التى أكدتْ أنّ أمريكا كانت وراء الأصوليين الإسلاميين فى أفغانستان وأمدّتهم بالمال والسلاح والتدريب. وبعد خروج الروس من أفغانستان فإنّ المخابرات الأمريكية هى التى وضعتْ طلبة الشريعة (طالبان) على كراسى الحكم. وبعد أنْ أذاعتْ الفضائيات ومواقع الانترنت الأفلام التى صوّرتْ جرائم الصرب ضد مسلمى البوسنة، وتبين أنّ هذه الأفلام مُفبركة ومصنوعة فى معامل المخابرات الأمريكية التى حوّلت البوسنة (المُتباكى عليها) إلى قاعدة أمريكية (أهرام 14/7/2004) وإذا كان سيناريوإلهاء شعبنا عن قضاياه الحقيقية انتقل من أفغانستان إلى البوسنة إلى الشيشان بحجة الدفاع عن المسلمين هناك، فإنّ د. سامى عمارة فى كتابه (بوتن من الشيشان إلى الكرملين) الصادرعن هيئة الكتاب عام 2003رصد فيه الكثيرمن المعلومات التى أغفلها عمدًا الإعلام المصرى والعربى ومنها أنّ الشيشان إقليم ضمن دولة روسيا الإتحادية. وأنّ الأصوليين الشيشان الذين يرفعون شعارتطبيق الشريعة الإسلامية إنما يتناحرون للوصول للسلطة وهوما أكده مفتى الشيشان السابق الحاج أحمد قادروف الذى قال (إنّ الأخطرفيما حدث يتمثل فى محاولات البعض التستروراء الإسلام ورفع شعارات دينية تُطالب بتطبيق الشريعة) وهوما أثارغضب(المجاهدين) فحاولوا إغتياله أكثرمن مرة (ص249) وأنّ (المجاهدين) الشيشان يقومون بعمليات إجرامية مثل إختطاف الرهائن والإفراج عنهم مقابل فدية مالية، والتخريب وقتل المدنيين الأبرياء (ص215، 249) وأنّ الشعب الشيشانى أسقط المرشحين للإنتخابات الذين رفعوا شعارات إسلامية، فحصل أحدهم على نسبة 8,5% من الأصوات وآخرحصل على 1,5% وثالث على نسبة أقل من 1% (ص237) وأنّ (المجاهدين) كانوا يُتاجرون فى البشر(ص251، 263) وأنّ اليهود يُموّلون (المجاهدين المسلمين) (ص243، 246) وعندما غزا (المجاهدون) الشيشان إقليم داغستان فإنّ غالبية السكان رفضوا توجهات ما يُسمى بحكومة داغستان الإسلامية ((مؤكدة إنحيازها لموقف مفتى الجمهورية المنتخب الحاج أحمد عبداللايف الذى رفض تسمية المقاتلين بالمجاهدين وقال إنهم لايُقاتلون فى سبيل الله بل يدعون إلى الغلو والتطرف ويستبيحون قتل المسلمين الأبرياء)) (ص259) بل إنّ (شامل بينو) أول وزيرخارجية للشيشان فى حكومة الجنرال (جوهردودايف) كان صريحًا ومباشرًا عندما قال للدكتورسامى عمارة ((إنّ الشيشان لن تـُعادى إسرائيل من أجل العرب)) وكان د. سامى عمارة مُحقـًا عندما كتب ((كان الإعلام العربى أبعد مايكون إقترابًا من الساحة وإنْ كان أكثرها ضجيجًا دون موضوعية. كان واضحًا أنّ هناك فى (العالم العربى) ولايزال من يعتبرالأزمة الشيشانية قضية دينية يحرص على تناولها والحكم عليها إستنادًا إلى معاييرالعاطفة، فى الوقت الذى كانت فيه ولاتزال قضية سياسية ينبغى تناولها من منظورأحكام المنطق والعقل)) (ص206) فهل بعد كل هذه الحقائق يُصرالأصوليون على الدفع بأولادنا فى أتون حروب لاشأن لمصر بها بحجة (معايشة قضايا الأمة الإسلامية) والكارثة أنه مطلوب من المسيحيين الدفاع عن قضايا (الأمة الإسلامية) المزعومة. أما مسألة الدفاع (عن الكنائس الواقعة تحت الإحتلال الصهيونى) فهل الدفاع عن الأماكن المقدسة يتطلب الانتقاص من حق المواطنة؟ وأنّ هذا الحق لايكتمل إلاّ إذا صُبغ بالصبغة الدينية (أهل ذمة)؟ وهل هذا الدفاع مُستباح لكل من يرغب؟ أم أنّ الأمريحكمه القانون الدولى ؟ وكيف للعقل الحرأنْ يقتنع بدعاواهم وهم يهدمون الكنائس المصرية؟ إنّ الإصرارعلى تعبير(أهل الذمة) يعنى تشويه حق المواطنة الذى يكتسبه الإنسان بالميلاد وعلى أرض وطن مُحدّد ورضع من ثقافة قومية واحدة. كما أنّ المجتمعات المُتحضرة هى التى تؤمن بأنّ حق المواطنة لايسبقه شىء ولاتلحقه أية شروط ، ولعلنا نترحم على العصرالذى وقف فيه فكرى أباظة فى برلمان الثلاثينيات وطالب بإلغاء خانة الديانة من جوازالسفروقال ((ألا تكفى مصريتنا كى تدل على هويتنا؟ فمصرقبل الأديان، فلماذا هذه التفرقة؟ وماضرورة هذا التمييز الدينى؟)) وهونفس ماطالب به المفكرمحمود عزمى وآخرون . إنّ الإيمان بمصرالحضارة والتعددية يعنى انّ مصرملكٌ للمصريين (مسلمين ومسيحيين) وأنّ معيارالمواطنة هوالانتماء الوطنى وليس الانتماء الدينى. وتحت سياط طغيان اللغة الدينية علينا أنْ نتأسى ونتذكرجدودنا ثوار19الذين أبدعوا شعارهم العبقرى (الدين لله والوطن لكل المصريين) وأنْ نـُردّد فى كل صباح وكل مساء نشيد خالد الذكرسيد درويش (اللى تجمعهم أوطانهم عمرالأديان ما تفرقهم)
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسلمة الدولة المصرية
-
التنوع الثقافى فى إطار الوطن الأم
-
الوجه الإنسانى - قصة قصيرة
-
عيون بلا ذاكرة - قصة قصيرة
-
أضلاع المثلث أربعة
-
فى البدء كانت العتمة - قصة قصيرة
-
الإبداع الشعبى والإبداع التشريعى
-
لماذا لا يتعظ الإسلاميون والعروبيون من الدرس ؟
-
العرب ظاهرة صوتية
-
الحضارة المصرية بين علم المصريات والأيديولوجيا
-
البحث عن خنوم : حدود العلاقة بين الإبداع والتراث
-
الاحتقان الدينى : الأسباب والحل
-
التعددية والأحادية فى رواية (حفل المئوية)
-
حماس والإخوان والحلم الإسرائيلى
-
الوجوه المُتعدّدة للشاعر حلمى سالم
-
الأصل مصرى والدماغ عبرى
-
العلمانية وغياب الحس القومى
-
حامد عويس : من طين الواقع إلى سماوات الفن
-
ختان البنات وغياب الوعى بعلم المصريات
-
أتكون الثورة نكبة على شعبنا ؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|