|
هل الحب مجرد نتيجة لإفرازات كيميائية فقط
محمد حيدر قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3829 - 2012 / 8 / 24 - 10:54
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ألحب أسمى مفهوم وجده الله وهو أمتع وأرق المشاعر التي تمر بالإنسان ويعد من أكثر التجارب اللذي يترك أثره مدى الحياة وحتى وإن كان وراءه ذكريات مؤلمة. " الحب قد يبدأ بكلمة ولكن لا يموت أبدا بكلمة " " من يحب .. يحب للأبد " هكذا قال الفيلسوف السويسري المعروف جان جاك روسو والأديب المصري المعروف عباس محمود العقاد.يؤكد بعض الباحثين بأن الحب يبدأ عند الجنين وهو في رحم أمه لذا من الضروريات بعد الولادة وضع الطفل في حضن أمه لأن الإهمال العاطفي قد يؤدي الى حدوث تآكل شديد في الجزء المسئول عن عمر الخلايا في الحامض النووي "DNA" .يختلط أحيانا الحب بالغريزة فحب ألطفل لأمه يكون عادة بسبب الغريزة الفطرية للبقاء على الحياة والحصول على الغذاء والأمان، ولهذا يقوم جسمه بإفراز هورمونات وناقلات عصبية ضرورية عندما يلتقي الطفل بأمه . عجز العلماء ومنذ القدم وليومنا هذا من إيجاد معيار معين لقياس آلحب ولم يستطيع أي منهم من تحديد مراكز معينة كنقاط مسؤولة عن آلحب فمثلا بدراسة جسم الأنسان من النواحي التشريحية والوظيفية وبالاعتماد على أدق التقنيات المتوفرة لدينا، يمكننا وبصورة شبه دقيقة من تحديد مراكز لكل آلوظائف الحيويه ولكن من العسير جداً تحديد مركز معين وثابت تتحكم بالحب . هنالك مجموعة من الهورمونات يفرزها الجسم في حالة مرور الأنسان في لحظات سعيدة، من ضمنها لحظة الشعور بالحب ومن أهما الدوپامين ، السيروتونين، ألأدرينالين والنورأدرينالين، الأوكسيتوسين والفاسوبريسين . يعتقد بعض العلماء بأن الحب يحدث نتيجة لعمليات كيمياوية عند تعرض الحواس المختلفة لإستثارات عصبية، حينها يتم إفراز هورمونات مختلفة، فالجمال الظاهري وحدة لايكفي لإحداث جميع التفاعلات الحيوية اللازمة بل هنالك أمور أخرى مؤثرة كالسلوك والعقل والثقافةو غيرها. يختلف الإستثارات بإختلاف الجنس ، فهنالك أشياء يثير الرجل وقد تكونغير مؤثر للمرأه، فالبولونيون لهم مثل شائع " الحب يدخل الرجل عبر العينين ويدخل المرأة عبر الأذنين " . ينتج الدماغ كميات عالية من الدوپامين في حالة الوقوع في الحب وهذا الهورمون يقوم بتنشيط مستقبلات عصبية فيشعر الإنسان بنشاط وسعادة غامرة ، ولكن إفرازه بكميات فائضة قد يدفع إلى الإدمان، فالغدد التي تتنشط عند المدمنين على المخدرات هي الغدد نفسها التي تتنشط أثناء الوقوع في الحب ولهذا قد يصبح الحب إدمانا. تتحول العلاقة العاطفية عند معظم الأزواج اللذين بحبون بعضهم البعض وبعد مرور فترة معينةإلى مرحلة الأدمان فمن الصعوبة عليهم تحملهم لحالة الفراق، سواء بسبب الموت أو الطلاق، وهذا النوع الإدمان ضروري للحفاظ على إدامة الحياة الزوجية. هنالك وسيط كيميائي آخر يعتمد عليه الدماغ لتنظيم سلوك الإنسان وله دورا كبير في الشعور بالطمأنية النفسيه، أسمه السيروتونين وإذا اضطرب مقداره زيادة أو نقصا أثر ذلك في حياة الفرد وسلوكه الشخصي. بسبب إزياد إفراز هذا الهورمون، يشعر الإنسان بالإرتباك وعدم القدرة على التركيز وإبتهاج غير طبيعي وفقدان الشعور بالهدوء والطمأنينة وقد يصاب الإنسان بحالة أشبه بالحمى وإرتفاع نبضات القلب وضخط الدم والأرق، وتحدث عادة عندما يلتقي الحبيب بحبيبته. هناك هورمونان آخران لهم دور مهم عند الشعور بالحب هما الأدرينالين والنورأدرينالين وغالبا ما يصاحب إفرازهما إحمرارا في الوجه وتسارع ضربات القلب وتعرق الجسم . وأما الأوكسيتوسين ويطلق عليه بعض العلماء بهورمون الحب أو هرمون الراحة النفسية والبدنية والشعور بالدفأ والأمان فهو وراء الإحساس بالسعادة لدى المحبين، ويشكل مع الدوبامين ثنائي اللذة لدى الحبيبين. هناك إعتقاذ شائع عند الكثير من شعوب العالم ومنذ القدم ولحد عصرنا الحاضر بأن القلب هو مركز الحب وربما بسبب خفقان القلب عند شعور آلانسان بالحب، فالأغريقيون القدامى كانوا يضعون خاتم الزواج بإحدى أصابع اليد اليسرى إعتقادا منهم بإرتباطها بصورة مباشرة بالقلب وسيساعد ذلك على ديمومة الحب ولا تزال هذه العادة مستمرة عندنا وبالرغم من تجاهل معضمنا مصدرها. هناك سؤال يطرح نفسه لماذا نحب وهل الحب ليس سوى نتيجة لظاهرة فسلجية ( وظيفية ) تحدث نتيجة لإفراز كوكتيل من الهرمونات العصبية والتي تجعلنا نشعر بتلك الخفة والسعادة، أو إنعكاس غريزيي أو وربما محاولة غير إرادية لكسب ود الآخرين وتجنب مخاطرهم ؟ قد يكون الحب شي مبهم التفسير خلقه الله مع خلقه للإنسان ليسود العدالة في الأرض أو لأسباب قد لا يستطيع العقل البشري من إيجاد تفسير معين له. جميع آلأديان إساسها آلحب وجميع آلفلاسفه يسعون لخلق آلحب وقد يختلف أساليبهم وطريقة طرح أفكارهم .ألفيلسوف اليوناني إفلاطون واللذي عاش بين ٣٤٦-٤٢٨ ق.م ، ألف كتابا بعنوان "المدينة الفاضلة أو قد ترجمه بعضهم تحت عنوان جمهورية أفلاطون" واللذي كتبه على لسان إستاذه وناقش فيه كيفية بناء دولة العدالة ونشر الحب بين الجميع، كان يظن بأن الأنسان لا يميل بطبعه للعدالة وينبغي على الدولة أن تعلم أفراد الشعب حب العدالة وتنعكس ذلك بالإيجاب على حياة المواطنين وحبهم لبعضهم البعض، فحب إفلاطون لإستاذه سقراط واللذي أعدم ظلما كان السبب الاساسي وراء حلمه بتلك المدينة الفاضله والتي يكون أهلها متحابين ولا يوجد أي ضغائن بينهم ويعيشون كالنفس الواحده.هناك عشر وصايا لزردشت ومن ضمن تلك الوصايا إحترام الناس وعدم الاعتداء على الآخرين والرأفة بالضعيف، واحترام العلاقات بين القبائل والاقوام الجارة ، هذه الوصايا تعني في جوهرها الدعوة لحب الاخرين .لبوذا قول معروف ولاحاجة لتوضيحه " لاتتوقف آلكراهية بالكراهيه، ولكن يوقفها آلحب " ألديانات آلسماويه جميعها جاءت لتهذيب النفس البشرية ولكي يحب الأنسان أخيه الانسان ويحافظ على حبه لله، وعليه بيان هذا الحب بالعبادات بمختلف أنواعها بالاضافة لقبوله بكل ما انزله الله في كتبه. الله عزوجل خلقنا بأحسن صورة ممكنه وأنعم علينا بنعماته التي لا تحصى وسخر لنا كل شئ وذلك لحبه لنا وما طلب منا سوى أن نبادله أيضا حبنا له وذلك بإطاعته. ألكثيرون وعلى مدى العصور إتخذوا من هذه الكلمة وسيلة لشهرتهم ويتداول الناس قصصهم كقيس وليلى وعنتر وعبله، وروميو وجوليت وشيرين وفرهاد وغيرهم، ولانعرف بالضبط صحة تلك القصص، أحقا قصص حقيقيه أم مجرد ضرب من الخيال يتداولها الأجيال وكل جيل يضيف عليها بعض الشئ ليناسب زمانهم. تغنى الكثيرون من الشعراء والمطربين بالحب وكتب مشاهيرالأدباء قصص مثيرة عن الحب، ألكثيرون تأثروا بكلامهم، وربما اساء قسم منهم فهمهم وتسبب لهم مالا يحصى من آلمشاكل وقد ادى بحياة الكثيريين وخاصة الشباب منهم. هناك حب يبدأ صغيرا وينموا بمرور الزمن أو بالعكس ، وهناك من يريد أن يحب ولكنه يفتقد للوسيلة اللازمه لإظهاره فيعبر عنه بصورة قد ينزعج منها آلمقابل ويكون هذا الحب عامل هجر بدل عامل وفاق ، فمن الضرورة أن يعترف الإنسان بحبه بصورة صحيحة ولا معنى للحياة من غير الحب ولكن الحب بحاجة إلى مقومات خاصة لإدامته . هناك أناس يحبون بجنون، يعبرون عن حبهم بإساليب مزعجة كالغيرة والعتابات المتكرره وينتظرون من المقابل أن يبادلهم الحب وبنفس القوة وإلا قد ينالون منهم نكدا، فتتحول حياتهم المشتركة إلى سجن وجحيم قد لا تطاق تحملها.وهناك أناس آخرون يتلذذون بإقاع الأذى كتعبيرهم عن حبهم فبمجرد معرفتهم بحقيقة حب القابل لهم ، يبادرون بإيذائهم بشتى الطرق ومنها الجسدية " من حبك لاشاك " أي من حبك قد يؤذيك كتعبير عن الحب ، هؤلاء الناس بالطبع يعانون من مرض نفسي يسمى بالساديه وبحاجة لعلاج ولكن للأسف لا من أحد منهم يعترف بأنه مريض وغالبا ماتتستر شركاء حياتهم على أفعالهم العدوانية خشية منهم.وقد يكون لبعض الناس ظاهرة حب التملك فيتلذذون بتحويل حبيبهم إلى جزء من ممتلكاتهم ويوجد بين هذه المجموعة أناس أغنياء قد يعتبرون زوجاتهم كإكسسوار تكميلي لأثاث قصورهم الفخمه، ربما كان الملك البابلي واحد من هؤلاء المحبين واللذي جعل زوجته الجميلة حبيسة الجنائن المعلقة، فجميع المؤرخين وعبر التاريخ يفسرون هذا العمل كتعبير عن الحب ولكن بنتصور بعض الباحثين بأنها كانت مجرد كقفص ذهبي لعندليب محبوس.وهناك حب حلم به أفلاطون ويسمى بالحب الأفلاطوني وفي مفهومه المعاصر هو حالة عاطفة أو حب غير مرتبطة بشهوة أو ممارسة جنسية ومثال هذا الحب الصداقة القوية التي قد تقوم بين شخصين ولاتخضع لأي مفهوم جنسي بينهما.هناك الكثير من اللآباء قد يبالغون بحبهم لأولادهم ولا يحترمون خصوصياتهم ، وكم من حالات طلاق حدثت وتحدث يوميا وخاصة في الدول النامية بسبب هذا النوع من الحب .قد يوجد دوما أسبابا كامنه وراء جميع أنواع الحب بعضها من الممكن فهمها بصورة منطقية وبعضها الاخر مبهمة وغيرقابلة للتفسير، من أهمها غريزة الحفاظ على النسل والشهوة وحب الذات والتملك وبالاضافة إلى خشية الانسان من فقدان ماقد يؤثر على كيانه أو مستقبله أو آخرته، فالطفل الرضيع يحب أمه لانها الوسيلة الأساسية لبقائه على قيد الحياة ، وأما غريزة الحفاظ على النسل وأدامة الأجيال وراء حب الأم لطفله ، وربما لو سئلت جميعةالأمهات عن ذلك لا أحد فيهن يعرفن حقيقة ذلك فكل واحدة منهن لهن مئات الأسباب الظاهرية.الهورمونات الجنسية وراء الانجذاب للجنس الاخر وعلى اساسها تبنى الحب فلولاها لما انجذب أحد للجنس الاخر وما كان للبشر او الحيوانات اي حظ للاستمراريه بالبقاء . وأما حب الانسان لوطنه فهي ربما بسبب خشية الانسان من وفقدان الاستقرار وتعرضه للاستغلال من قبل الشعوب والدول الاخرى وقد يفقد الكثير مما يملكه إن تعرض وطنه للغزوا الخارجي. معظم اللذين يلتزمون بالقيم الدينيه وينفذون ماأمر الله به ويظهرون حبهم ماهو إلا بسبب خشيتهم من العقاب وطمعهم للحصول على النعيم في دار الاخرة وهناك استثناءات لكل شئ . نستنتج مما ذكرناها بأن الحب مصطلح سهل التلفظ ومعقد التفسير وله من الأسباب الكامنة الفكرية والكيماوية والغريزية قد لا نستطيع فهمه بصورة دقيقة ولكن هناك حقيقة ثابتة يجب معرفتها باننا الوحيدون القادرون بالتحكم بالحب وبمشاعرنا وليس لأحد القدرة على فرضه علينا، ومهما كان لهذا الانسان تأثير ،وحتى إن قبلنا بهن مكرهين فمن الصعب إيجاد الوسيلة الضرورية لديمومته.
ألدكتور محمد حيدر قاسم طبيب متخصص وإستشاري إستوكهولم / ألسويد
#محمد_حيدر_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية وتطبيقها في عراق اليوم
-
حديث من القلب لاخي وابن عمي الفنان حسين مايخان قاسم
-
آلمشاكل آلصحية عند آلمسنيين
-
إرقدي بسلام ياحبيبتي
-
حكايات من آلماضي آلقريب - خانقين وآلتهجير آلقسري
-
ماذا تعني آلسعادة لك
-
حكاية من آلماضي آلقريب -آلحكاية آلأولى
-
هل يستطيع آلإنسان من إطالة عمره
-
من يعطي للمهجرين حقوقهم في آلعراق آلحديث
-
شهادة الجنسيه والعراق الحديث
-
ألعنف وأسبابه في عراق أليوم
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|